الواقع في رؤيا رضا فرحان نموذجا مؤيد البصام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الواقع في رؤيا رضا فرحان نموذجا مؤيد البصام

    الواقع في رؤيا رضا فرحان نموذجا
    مؤيد البصام
    اذا اخذنا بالتقسيمات الزمنية فان الفنان رضا فرحان يمثل الجيل الثالث من النحاتين في حركة التشكيل الفني العراقي، فهو قريب من الرواد الأوائل في احتكاكه بروافدهم وافكارهم وممارساتهم العملية، وأن الجيل الثاني والأول الذي اختلطت تأثيرات بعضهم البعض ورؤاهم الفنية في البحث والتنقيب، وأن كان التمرد الأسلوبي لم يأخذ ابعاده العملية لا نتاج الفنان الأنقلابي، الذي تكتسب اعماله تحليلا للواقع الاجتماعي وبناء نموذجا جديدا، وليس حسب وعيه الانتقادي لتغيير الواقع. بالمعنى الثوري. فاغلب فنانينا ثوريين بالمعنى العام ولكنهم لم يغيروا الواقع.
    فنري اعمال جواد سليم وخالد الرحال وعبد الرحيم الوكيل ومرتضي حداد واسماعيل فتاح الترك وميران السعدي وعبد الجبار البناء ومحمد الحسني وآخرون تبقي ضمن حدود مراعاة جمهرة المتلقين ،الذين كان وعيهم بتطورات الفن الحديث العالمي قاصرة عن اللحاق بالمفاهيم الحداثوية التي حدثت من بداية القرن العشرين، أذا استثنينا الفنان صالح القره غولي ، بحكم الواقع الاجتماعي والفكري السائد ، الاَّ ان اعمال الجيل الثالث ، اخذت اتجاها اكثر جرأة وأبعد مدى في ملاحقتها لتطورات الفن الحديث ، لكن هذا لا يمنع من القول أن اعمال اسماعيل الترك ومرتضي حداد تركت أثرها في اعمال النحات رضا فرحان وكما ظهرت تأثيرات الفنان جايكومتي في اعمال الجيل الثاني فأنها كانت اكثر وضوحاً في اعمال الجيل الثالث من فناني النحت العراقي ومنهم الفنان رضا فرحان.
    ولعل طروحات جايكومتي في رؤياه لواقع الانسان هي احدي المظاهر الاساسية في تأثيرها على الفنان رضا فرحان، فبماذا توحي اعماله بمجمل انطباعها؟ المظهر الرئيسي هو الهم الانساني وما يحيط به من ظلم واضطهاد على يد اخيه الانسان، وعالم الرأسمالية الذي سحق انسانية الانسان ، تمثل اهم الركائز في تصورات الفنان رضا ، وما يحمله هذا الهم من قساوة على حياة الفرد ، وتتشعب هذه الرؤية لتشمل الانسان اينما أنوجد وأحاق به الظلم او وقع تحت استغلال القوي التي لا تريد شيئاً للآخرين الا لنفسها، ولهذا فهو يؤكد في مجمل اعماله النحتية على محنة الانسان وتداعيات هذه المحنة على حياته، ولا يستطيع أزاها من عمل شيء يرفع عنه هذا الضيم ، ويظهر التشخيص بإبراز الدوافع النفسية الكامنة في داخل الانسان، محاولاً اظهار طيبته وبساطته واستسلامه للقدر ، ونجد هذه القسوة مرسومة بأشكال تعبيرية في الاقدام المسطحة او في انحناءة الرأس، واستطالة الشكل الانساني، فأغلب الاعمال تحمل الهم والحزن وما يتحمله الفرد من ضغوط قاسية، لا تمنحه العيش بحياة حقيقية ، وتكبح جماح حريته وتطلعه لغد أفضل.
    ولإيجاد الصلة بين الرؤيا وبين الواقع ، استخدم للتعبير عن هذه الافكار ، فجعل اشرطة من البرونز كرابط لتقسيمات الجسم ومكون اساسي للشخوص ، ولإعطاء الجسد مكونه الواقعي في الرؤية البصرية أبرز نتوءات تشريحية وأدائية وخفف من سمك القطعة ، ووضع قواعد أيهاميه لتوضيح الحركة من سكونتيها ، بحركات أدائية واقفة او جالسة او متكأه مع انحناءة في الرأس إلى الجانب او الامام ، كمنحي لتوضيح حالة البؤس والعدمية ، امام حالة الامتلاء الواقعية ، وأدخل لمنحوتاته التشخيصية اشكالاً هندسية ، بإدخالات تركيبية بين وجود الانسان واستخداماته اليومية ، من أدوات وأثاث يحتاجها لقوام حياته ، للربط بين ما هو كائن وما يجب ان يكون ، فوازن بين الاجسام المطروقة والمصفحة وبين تعليقه على جوانب التشخيص الحلقات والقطع المربعة ، مستثمراً بذلك ما موجود ومتوفر من أدوات وعدد يدوية ، كلاليب، مجارف، آلات صيد السمك ، محاولاً ألغاء سلطة الاحمال بإيجاد البديل في تفعيل الحراك لمواجهة الظلم الواقع عليه ، ألا ان ادخالاته ظلت حبيسة الاستسلام الذي أخضع له بنائية شخوصه، ولم تقدم فعلاً للخلاص.
    الرؤياوالواقع.
    أن التشكيل النحتي لا عمال الفنان رضا توحي بالسكون والصمت ، لكنه يخترق فضاءه بحركة بسيطة لجر الرؤية عند المتلقي لخلق حالة تأمل واستفسار ، فقطع البرونز التي يستخدمها وكأنها أزاحه للشخوص او الاشكال المتدلية التي تخلق مفارقة تغيير الواقع وايجاد واقعاً يتحد مع الموجودات لخلق بناء جديد ، يختلط فيه الواقع بالحلم ، تعطي لمنحوتاته مساحات واسعة من الدلالات والترميز وتفسيرات متعددة على حالة اللاوعي ، فاستثماره للقطع والاشكال المتدلية والموضوعة علي جسد المنحوت وفر له ما يحدث التغيير والتحول ، وجعله يتجه نحو التعبيرية التجريدية ، متخذاً من الكتلة الجامدة الصامتة ممراً للتأثير على المتلقي واستفزازه، وحرر شخوصه من واقعيتها بتجريد الوجه وتقريبه من التشويه ، ليعطي للتعبير حيزاً كبيراً في عمله ، وهو ما جعله يسعي الي تكييف بنائية اعماله على اساس عبثية الحياة ، بإلصاق اجزاء خارجية ، صفائح ، خناجر ، دوائر حديدية ، أدوات تجميع للبرهنة على رؤياه للواقع ، فهو يري ان الحياة اجزاء تلتحم مع بعضها ، لتنتج الكتلة التي نراها في الواقع ، وهي محاولة لبعث الدهشة والتأمل في رؤية المتلقي ومحاولة اسفزازه للتساؤل، وجعله يطيل التأمل والاستفسار كعنصر مهم في العلاقة بين المتلقي والعمل الفني ، مركزاً على الجانب المأساوي في حياة الانسان.
    واستمرار لكشفه المعاناة الداخلية قام بتفريغ الكتلة من خلال تسطيحها وجعل النتوءات تعويض للإيحاء بامتلائها كما سبق القول في بداية المقال. الركيزة الاساسية التي قدمها الفنان هي في ايجاد زاوية تختلف في تقنيتها ونصوصها عن الكثير من الاعمال النحتية لحركة النحت العراقية وايجاد تعبيرية عالية في اعماله المتأخرة، والعمل على ادخال نصوص فرعية موازية للبناء العام ، خصوصا اشتغاله في الآونة الاخيرة على موضوعة الراس، فقد تكررت موضوعة الراس في اعماله بمختلف صور التهكم والسخرية، فهو يلوم الراس الذي لا حامل له لفراغه، ولكنه يمتلك تاجا، هذه المفارقة التعبيرية وضعت نصوصه المتأخرة في موقع الدهشة والتعبير عن الثيمة التي اشتغل عليها في اعماله السابقة بوضع الفكرة ومعناها الانتقادي في موضع حاد وقاطع خصوصا وهو يستخدم ادواته الثانوية للإشارة الى الرمز بمواد مختلفة وبعضها خردة .فالراس لديه في مهمات متعددة، وفي رؤى متعددة، والراس هنا جزء غير منقطع عن الجسد، هو يفصل لجر المدركات نحو فهم اعمق لماساة الانسان وبالذات انسان الشرق ووطنه، ولعل عمله الاخير الذي جعل آمال وافكار الآخر بيد من سيترك لديهم ما ورثه، لكنهم لعدم التحضر والجهل باعوا كل شيء في اسواق الخردة، أن لم يكونوا قد رموها في سلة الازبال.
يعمل...
X