تويت
شاءت المصادفة أن يرحل الإعلامي والفنان التشكيلي القدير مروان شاهين في هذه الأيام من شهر تشرين الأول التي شهدت قبل خمسين سنة اعترافاً استثنائيا بكفاءته الإعلامية والإدارية والشخصية الاستثنائية. ففي ذلك الوقت كان الأستاذ مروان بعيداً عن أي عمل إعلامي يمضي وقته بصحبة الأصدقاء في إحدى مقاهي دمشق، حين حضر إلى المقهى مندوب مسؤول كبير ناقلاً له دعوة رئيسه للقائه. في اللقاء أخبره المسؤول عن رغبةٍ بأن يتولى إدارة التلفزيون. وبصراحته المعهودة المهذبة حدث مضيفه عن غياب الانسجام بينه وبين المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون، فأجابه أنه سيكون وحده صاحب القرار، وقد أفهم المدير العام بذلك. أدرك الأستاذ مروان أن شيئاً كبيراً يتم التحضير له، وأنه قد استدعي لأجله. وهذا ما حصل فعلاً، فما هو إلا وقت قصير حتى اندلعت العمليات الحربية في السادس من تشرين، لتقدم إدارته للعمل التلفزيوني خلالها دليلاً أخر على خبرته ومقدرته وشجاعته. فقد أرخت شخصيته، الهادئة والأنيقة والواثقة، روحها على الإرسال التلفزيوني في تلك الأيام المفعمة بالأمل والفخر والترقب، فجاء العرض التلفزيوني هادئاً إلا حين يتطلب الحدث الآني الحماسة، ومطمئناً، وجاذباً. رغم كل الظروف الصعبة، وفي مقدمتها تعرض المبنى لغارة إسرائيلية، والانتقال الى الاستديو الاحتياطي المعد مسبقاً في مسرح القباني.
كانت تلك محطة واحدة من رحلة إعلامية ثرية، يمكن أن يقال الكثير عنها، كما عن صاحبها المثقف الأنيق المبدع المنصف، وعن تجربته التشكيلية الهامة ودوره الريادي في تعريف جمهور التلفزيون بالفن التشكيلي العالمي من خلال فواصل أنيقة ورشيقة. وبالفن التشكيلي السوري حيث كانت برامجه الحوارية الفرصة الأولى لفنانين تشكيليين سوريين للتعريف بتجاربهم، كما هو حال فاتح المدرس ولؤي كيالي وسواهم..
غير أن أكثر ما يستحضر المرء من صورة الأستاذ مروان هو صورته ذاتها، بأناقته التقليدية، وحضوره الراقي، وصوته الودود، وشبابه الدائم الذي لم يعترف بعدد سنوات العمر، فكان حتى آخر حياته الضيف المحاط بالتقدير في المعارض والأنشطة الثقافية.
أكرم الله مقامه، وأدام ذكراه الجميلة، وأحر وأصدق العزاء إلى عائلته وأصدقائه ومحبيه الكثر.
* الصورة في منزل الراحل أثناء تسجيل برنامج (ملونون) مطلع عام 2017م.