الفصل الثاني
الفنون المعمارية والزخرفية في العهد الأموي
١ - الدولة الأموية والبيئة التي ولد فيها الفن الاموي
ولد الفن العربي الاسلامي كما ذكرنا ، في ظل الدولة الأموية وفي بلاد الشام التي غدت وقتئذ المركز الأول بين مراكز الحضارة العربية الاسلامية . حدث ذلك في مرحلة تلت مرحلة نشر الاسلام وتوطيد الدولة العربية الاسلامية . لابد لفهم مقومات الفن الأموي وخصائصه من معرفة البيئة التي ولد فيها والظروف التي أحاطت بنشأته .
الأمويون أسرة عربية عريقة كانت تسكن مكة قبل الاسلام ، وأسهم أفرادها في فتح دمشق ونخص منهم يزيداً وأخاه معاوية ولدي أبي سفيان .
وحكم معاوية بلاد الشام بعد سنوات قليلة من الفتح والياً قرابة عشرين عاماً ، ثم إنتقلت إليه الخلافة فحكم الدولة الاسلامية كلها من مقر ولايته في دمشق عشرين عاماً أخرى ( بدءاً من عام ٤١ / ٦٦١ ) ، فكان أول خليفة يحكم في دمشق والمؤسس لسلالة الخلفاء الأمويين .
وانتقلت العاصمة . توليه الخلافة من ( المدينة » إلى دمشق . وكان لذلك الانتقال أثره الكبير على الدولة الاسلامية والحضارة العربية .
لقد تغيرت سياسة الدولة وأسلوب الحكم في عهد الأمويين وانتقلت الخلافة من نظام يسوده الديموقراطية العفوية والبعد عن البذخ والترف ، إلى نظام ملكي وراثي في الحكم يميل إلى الارستقراطية مع شيء من العصبية للاسرة والقوم . فكانت الفترة التي حكمها الأمويون مرحلة جديدة من مراحل تطور الدولة الاسلامية تركت أثرها على الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية ، ورسمت خلالها الخطوط الكبرى لمسيرة الأمة العربية وانطلاقها في طريق الحضارة وأخذها بأسباب العمران .
دام حكم الأمويين قرابة قرن حيث انتهى بثورة عارمة قام بها العباسيون سنة ۱٣٢ / ۷۵۰ ، قضت على الأمويين وعلى ما أقاموه من مجد ونهج ، للشام خاصة وللدولة العربية الاسلامية عامة .
ولقد حكم من أسرة بني أمية خلال هذا القرن أربعة عشر خليفة ، بينهم عدد من الشخصيات العظيمة أمثال معاوية ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وأولاده الوليد وسليمان وهشام ، وأخيراً عمر بن عبد العزيز .
أما البيئة التي نشأ فيها الفن الأموي ، فهي بلاد الشام ، حيث العاصمة دمشق . وهي بيئة عريقة في حضارتها . عرفت كما رأينا فنوناً مزدهرة خلال قرون عديدة، كان آخر هذه الفنون ظهوراً على أرضها الفن السوري المسيحي في عهد الدولة البيزنطية . فهي إذن أرض صالحة لازدهار الفنون . لاسيما حين يتوفر لها الاستقرار السياسي ، والنظم القويمة والنمو الاقتصادي وإرادة من الحكام للاعمار والبناء، واستعداد لتذوق الفن والجمال. وهذا ما حدث في عهد بني أمية .
لقد تحقق في هذه الفترة من تاريخ بلاد الشام ، التمازج والتعايش بين القادمين الجدد من العرب الحاملين عقيدة الاسلام ، وما فيها من بذور صالحة لاحداث الثورة الثقافية والحضارية وما نشأ عليه هؤلاء القادمون من حب للمثل العليا في الخير والحق والجمال والعدالة ، وبين سكان الشام من العرب القدماء الذين صقلتهم المدنيات والثقافات الشرقية والهلنستية ، وهذبتهم التعاليم السماوية ، ممن دخل في الأسلام أو بقي على ديانته القديمة .
لقد ساعدت تعاليم الاسلام وسياسة الحكام الأول على اقامة مجتمع من هؤلاء وأولئك يسوده التسامح ، والتعاون ، وحرية العبادة ، وسيادة القانون والعدل . ثم جاءت سياسة معاوية الرضية وخلفائه من بعده لتفيد من هذا المجتمع المتماسك ومن التراث الحضاري والفني المتراكم على أرض الشام ، والذي تكون من التقاء حضارات الشرق بالغرب ، الحضارات ( السامية ) الرافدية وحضارات البحر المتوسط الكلاسيكية .
يضاف إلى هذه الظروف كلها المجد السياسي والتوسع وامتداد نفوذ الأمويين حتى الصين شرقاً ، وجنوبي فرنسا غرباً ، وما تبع ذلك من از دهار اقتصادي وغنى مادي وثقافي .
في مثل هذا الجو السياسي والظروف الاجتماعية والحضارية ولد الفن الاموي ، حجر الاساس في الفنون العربية والاسلامية .
۲ - مقومات الفن الاموي وخصائصه
ضمن اطار الخصائص العامة للفن العربي الاسلامي التي سبق أن شرحناها ، فانا نجد لهذا الفن في العهد الأموي خاصة طبعت نتاجه بطابعها وميزته عن غيره. فاذا ما وقفنا أمام عدد من العمائر الأموية كجامع دمشق وقبة الصخرة وقصر الحير ، وتأملنا بدقة مظهرها العام ، وهندستها وعناصرها المعمارية والزخرفية فانا لابد سنجد أنفسنا أمام فن خاص له أسلوب جديد يتمثل في التخطيط والنسب وطريقة النحت والتعبير عن المواضيع . ولابد بالتالي أن نتلمس لهذا الفن شخصية واضحة (١) .
سنحاول فيما يلي تحديد المقومات التي أسهمت في تكوين هذه الشخصية وأعطت للفن الأموي خصائصه المميزة . لقد تبدى لنا من تحليل هذه المقومات أنها تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية تضافرت معاً لخلق هذا الفن الجديد ، وهي : العامل الروحي والعامل العملي وعامل الحاجة إلى الخلق والإبداع .
أولا : العامل الروحي : ويتجلى فيما أدخله الاسلام من عقائد وأفكار وثقافة وما أحدثه من تهذيب للروح العربية . ويتجلى كذلك بالذوق العام الناتج عن الحياة الجديدة أي روح العصر ، وهو عصر جديد في طريقة الحياة التي رسم خطوطها التفاعل بين الثقافات المتعددة المصادر التي تفاعلت على أرض الشام ، وعاشها الحاكم والمهندس والفنان والصانع ، اولئك الذين يقفون وراء كل نتاج وعمل فني .
ثانياً : العنصر العملي : ويتجلى في مواد البناء المألوف استعمالها على الأرض التي شيدت عليها العمائر الأموية ، ومن هذه المواد الحجر الذي كان المادة الشائعة الاستعمال في بلاد الشام والآجر أو اللبن في بعض المناطق كالبادية والجزيرة ، اضافة إلى مادة الخشب . وجلبت مواد أخرى من خارج المنطقة كالرخام مثلا ولربما الفسيفساء ايضاً . ويتجلى العنصر العملي أيضاً في التراث المعماري القائم أمام أعين العاملين في اقامة المشاريع الجديدة ، والذي لابد أن يكون مصدراً للاقتباس ، ومادة صالحة للتطوير والتحوير .
و بظهر العنصر العملي أيضاً في اليد العاملة المنفذة ومالها من خبرة
الفنون المعمارية والزخرفية في العهد الأموي
١ - الدولة الأموية والبيئة التي ولد فيها الفن الاموي
ولد الفن العربي الاسلامي كما ذكرنا ، في ظل الدولة الأموية وفي بلاد الشام التي غدت وقتئذ المركز الأول بين مراكز الحضارة العربية الاسلامية . حدث ذلك في مرحلة تلت مرحلة نشر الاسلام وتوطيد الدولة العربية الاسلامية . لابد لفهم مقومات الفن الأموي وخصائصه من معرفة البيئة التي ولد فيها والظروف التي أحاطت بنشأته .
الأمويون أسرة عربية عريقة كانت تسكن مكة قبل الاسلام ، وأسهم أفرادها في فتح دمشق ونخص منهم يزيداً وأخاه معاوية ولدي أبي سفيان .
وحكم معاوية بلاد الشام بعد سنوات قليلة من الفتح والياً قرابة عشرين عاماً ، ثم إنتقلت إليه الخلافة فحكم الدولة الاسلامية كلها من مقر ولايته في دمشق عشرين عاماً أخرى ( بدءاً من عام ٤١ / ٦٦١ ) ، فكان أول خليفة يحكم في دمشق والمؤسس لسلالة الخلفاء الأمويين .
وانتقلت العاصمة . توليه الخلافة من ( المدينة » إلى دمشق . وكان لذلك الانتقال أثره الكبير على الدولة الاسلامية والحضارة العربية .
لقد تغيرت سياسة الدولة وأسلوب الحكم في عهد الأمويين وانتقلت الخلافة من نظام يسوده الديموقراطية العفوية والبعد عن البذخ والترف ، إلى نظام ملكي وراثي في الحكم يميل إلى الارستقراطية مع شيء من العصبية للاسرة والقوم . فكانت الفترة التي حكمها الأمويون مرحلة جديدة من مراحل تطور الدولة الاسلامية تركت أثرها على الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية ، ورسمت خلالها الخطوط الكبرى لمسيرة الأمة العربية وانطلاقها في طريق الحضارة وأخذها بأسباب العمران .
دام حكم الأمويين قرابة قرن حيث انتهى بثورة عارمة قام بها العباسيون سنة ۱٣٢ / ۷۵۰ ، قضت على الأمويين وعلى ما أقاموه من مجد ونهج ، للشام خاصة وللدولة العربية الاسلامية عامة .
ولقد حكم من أسرة بني أمية خلال هذا القرن أربعة عشر خليفة ، بينهم عدد من الشخصيات العظيمة أمثال معاوية ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وأولاده الوليد وسليمان وهشام ، وأخيراً عمر بن عبد العزيز .
أما البيئة التي نشأ فيها الفن الأموي ، فهي بلاد الشام ، حيث العاصمة دمشق . وهي بيئة عريقة في حضارتها . عرفت كما رأينا فنوناً مزدهرة خلال قرون عديدة، كان آخر هذه الفنون ظهوراً على أرضها الفن السوري المسيحي في عهد الدولة البيزنطية . فهي إذن أرض صالحة لازدهار الفنون . لاسيما حين يتوفر لها الاستقرار السياسي ، والنظم القويمة والنمو الاقتصادي وإرادة من الحكام للاعمار والبناء، واستعداد لتذوق الفن والجمال. وهذا ما حدث في عهد بني أمية .
لقد تحقق في هذه الفترة من تاريخ بلاد الشام ، التمازج والتعايش بين القادمين الجدد من العرب الحاملين عقيدة الاسلام ، وما فيها من بذور صالحة لاحداث الثورة الثقافية والحضارية وما نشأ عليه هؤلاء القادمون من حب للمثل العليا في الخير والحق والجمال والعدالة ، وبين سكان الشام من العرب القدماء الذين صقلتهم المدنيات والثقافات الشرقية والهلنستية ، وهذبتهم التعاليم السماوية ، ممن دخل في الأسلام أو بقي على ديانته القديمة .
لقد ساعدت تعاليم الاسلام وسياسة الحكام الأول على اقامة مجتمع من هؤلاء وأولئك يسوده التسامح ، والتعاون ، وحرية العبادة ، وسيادة القانون والعدل . ثم جاءت سياسة معاوية الرضية وخلفائه من بعده لتفيد من هذا المجتمع المتماسك ومن التراث الحضاري والفني المتراكم على أرض الشام ، والذي تكون من التقاء حضارات الشرق بالغرب ، الحضارات ( السامية ) الرافدية وحضارات البحر المتوسط الكلاسيكية .
يضاف إلى هذه الظروف كلها المجد السياسي والتوسع وامتداد نفوذ الأمويين حتى الصين شرقاً ، وجنوبي فرنسا غرباً ، وما تبع ذلك من از دهار اقتصادي وغنى مادي وثقافي .
في مثل هذا الجو السياسي والظروف الاجتماعية والحضارية ولد الفن الاموي ، حجر الاساس في الفنون العربية والاسلامية .
۲ - مقومات الفن الاموي وخصائصه
ضمن اطار الخصائص العامة للفن العربي الاسلامي التي سبق أن شرحناها ، فانا نجد لهذا الفن في العهد الأموي خاصة طبعت نتاجه بطابعها وميزته عن غيره. فاذا ما وقفنا أمام عدد من العمائر الأموية كجامع دمشق وقبة الصخرة وقصر الحير ، وتأملنا بدقة مظهرها العام ، وهندستها وعناصرها المعمارية والزخرفية فانا لابد سنجد أنفسنا أمام فن خاص له أسلوب جديد يتمثل في التخطيط والنسب وطريقة النحت والتعبير عن المواضيع . ولابد بالتالي أن نتلمس لهذا الفن شخصية واضحة (١) .
سنحاول فيما يلي تحديد المقومات التي أسهمت في تكوين هذه الشخصية وأعطت للفن الأموي خصائصه المميزة . لقد تبدى لنا من تحليل هذه المقومات أنها تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية تضافرت معاً لخلق هذا الفن الجديد ، وهي : العامل الروحي والعامل العملي وعامل الحاجة إلى الخلق والإبداع .
أولا : العامل الروحي : ويتجلى فيما أدخله الاسلام من عقائد وأفكار وثقافة وما أحدثه من تهذيب للروح العربية . ويتجلى كذلك بالذوق العام الناتج عن الحياة الجديدة أي روح العصر ، وهو عصر جديد في طريقة الحياة التي رسم خطوطها التفاعل بين الثقافات المتعددة المصادر التي تفاعلت على أرض الشام ، وعاشها الحاكم والمهندس والفنان والصانع ، اولئك الذين يقفون وراء كل نتاج وعمل فني .
ثانياً : العنصر العملي : ويتجلى في مواد البناء المألوف استعمالها على الأرض التي شيدت عليها العمائر الأموية ، ومن هذه المواد الحجر الذي كان المادة الشائعة الاستعمال في بلاد الشام والآجر أو اللبن في بعض المناطق كالبادية والجزيرة ، اضافة إلى مادة الخشب . وجلبت مواد أخرى من خارج المنطقة كالرخام مثلا ولربما الفسيفساء ايضاً . ويتجلى العنصر العملي أيضاً في التراث المعماري القائم أمام أعين العاملين في اقامة المشاريع الجديدة ، والذي لابد أن يكون مصدراً للاقتباس ، ومادة صالحة للتطوير والتحوير .
و بظهر العنصر العملي أيضاً في اليد العاملة المنفذة ومالها من خبرة
تعليق