لم يبق أي أثر من آثار العمائر الهلنستية في سورية . الا أن آثار العمارة الرومانية التي تعتبر تطويراً للعمارة اليونانية كثيرة ، نشاهدها مكان من الأراضي السورية .
لقد ورث الرومان في مجال الفنون المعمارية فنون الاتروسكيين واليونان وأدخلوا تطويرا كبيرا على هذه الفنون لا سيما في مجال التقنية واستخدام العناصر والمواد. وهذا أمر طبيعي اذا ما عرفنا الرقي الحضاري والازدهار الاقتصادي والسياسي الذي بلغته الدولة الرومانية لا سيما في عهدها الامبراطوي وما نتج عنه من انصراف لاقامة منشآت معمارية عديدة كالمعابد والمسارح والقصور والمنازل والحمامات والاقنية والجسور وأقواس النصر والمدافن والاسوار والحصون والشوارع وغيرها ( انظر الصورتين ٦ و ٧) .
وقد تأثر الفن المعماري الروماني بالتقاليد السائدة في الشرق عن طريقين : الأول ماورثه عن الاتروسكيين الذين قدموا إلى ايطاليا في بداية الألف الأول قبل الميلاد قادمين من آسيا الصغرى ، وجلبوا معهم استخدام القباب والعقود والسقوف الجملونية ، وزخرفة الجدران بالرسوم الملونة (الفريسك) . والثاني ما أخذوه بعد احتلال الرومان لسورية من تقاليد العمارة الشرقية . ونلاحظ بأن المباني المشيدة وفق فن العمارة الروماني في سورية كانت لها خصائص فنية تميزها عن العمائر المشيدة في في اوربا الرومانية وفي ايطاليا نفسها . اننا نلمح في العمائر السورية شخصية محلية تنبع من تقاليدها العريقة في الفن والعمارة . وتتجلى هذه الخصائص في النواحي التالية :
۱) عناية في نحت الحجر واستخدامه والاعتماد عليه في أكثر أقسام البناء، وحتى في السقو لمستوية (الربد) وفي القباب. ونجد النوع الأول في مباني سورية الجنوبية ، فيما نجد النوع الثاني في شمالي سورية . لم يستخدم الآجر إلا نادراً ، عكس ما كان شائعاً في روما والولايات الأوربية التابعة لها .
٣ ) التوفيق بين التقاليد الشرقية والكلاسيكية في بناء المعابد ، فهي بشكل عام ذات مخطط شرقي وعناصر معمارية كلاسيكية ، وتتصف بالصفات التالية : باحة سماوية واسعة ضمن سور يحيط به من الداخل رواق ، وفي وسط الباحة معبد صغير أو هيكل ، وهذه المعابد كمعبد جوبيتر في دمشق ومعبد بل في تدمر ومعبد حصن سليمان قرب در یکیش ذات مساحة كبيرة لا يضاهيها أي معبد في اوربا الرومانية .
وفي المرحلة الأخيرة من مراحل تطور الفن الكلاسيكي ظهر فن دعي بالفن البيزنطي. ويرتبط هذا الفن بظهور الديانة المسيحية، مع أن العمائر المسيحية أو البيزنطية لم تظهر إلا بعد قرابة أربعة قرون من ظهور الديانة المسيحية، حينما غدت دين الدولة الرسمي في عهد الامبراطور تيودوسيوس سنة ٣٩٥ م )
يمكننا أن نعرف الفن البيزنطي بأنه الفن الروماني الممتزج بالروح المسيحية والتقاليد الشرقية ، السورية والساسانية . نشأ الفن البيزنطي في آسيا الصغرى ، وكانت سورية من أهم مراكزه وأرقاها ، وترجع أ أكثر العمائر البيزنطية إلى القرنين الخامس والسادس ، ويتجسد الفن البيرنطي بشكل خاص في البازيليكات أو الكنائس الكبيرة وفي الإديرة ، وأضرحة القديسين . المخطط العام للبناء يقوم على أساس الأروقة ذات الاعمدة . القناطر يتخللها أحياناً قباب عالية ، وكانت القناطر أو الأقواس نصف دائرية . وقد أصبحت الأقواس شائعة في الفن البيزنطي لأنها تساعد على زيادة ارتفاع البناء دونما حاجة لاستخدام أعمدة بالغة الارتفاع وحلت هذه الطريقة محل السواكف الحجرية التي كانت تصل بين الأعمدة في الفن الروماني ، ويلاحظ بأن تهيئة حجارة للقناطر أسهل من تأمين سواكف من : قطعة واحدة ، فضلاً. أن هذه تكون قابلة للتكسر أكثر الأحيان . وهناك الناحية الجمالية ، فمنظور الاقواس أجمل من منظور الخطوط المستقيمة في نضد المباني الرومانية ( الصرة رقم ٨) .
واستمر الاعتماد على الفريسك والفسيفساء في تزيين المباني وكسوة الجدران ، ولكن دخل تطور ملحوظ على الزخارف المنقوشة على الحجر ، فأصبحت أكثر نعومة ومنها المفرغة التي تشبه ( الدانتيل ) وتشاهد في التيجان والأقواس والأطاريف .
وآثار الفن البيزنطي كثيرة في سورية ، ماتزال تؤلف قرى بكاملها، لكنها مهجورة ، في الرصافة وقلعة سمعان ، والبارة وفي كثير من قرى منطقتي المعرة وعفرين ، وفي قرى حوران وجبل العرب نجد فيها الأسوار والبوابات والكنائس والأديرة والفنادق والمنازل والمدافن مع اختلاف في التقنية وأسلوب البناء بين العمائر المشيدة في الشمال من سورية والعمائر المشيدة في الجنوب ، ففي المنطقة الأولى نجد السقوف على شكل جملونات من الخشب والقرميد ، والعمد الحجرية البيضاء المقطوعة من الصخر الكلسي ، بينما نجد المباني في الجنوب تسقف بواسطة الجسور الحجرية ( الربد ) محمولة على عقود ترتكز على عضائد مربعة غالباً وحجر البناء فيها هو الحجر البركاني ( البازلت ) .
وتعتبر المدرسة السورية في فن العمارة البيزنطي من أرقى المدارس المعمارية ، امتد تأثيرها إلى أنحاء من الامبراطورية وإلى ايطاليا ( رافينا ) وأكثر بلدان حوض البحر المتوسط . واستمر إلى القرن العاشر ، وتأثر بها فن الرومانيسيك الأوربي .
٤ - فن العمارة الساساني :
الأراضي السورية خالية من آثار العمارة الفارسية ، ولكن كانت هناك تأثيرات متبادلة بين فنون العمارة السورية وفنون العمارة الفارسية خلال قرون طويلة .
لقد غدت سورية فترة من الزمن ولاية تابعة للفرس ، وذلك من عام ٥٣٨ وحتى عام ۳۳۳ قبل الميلاد، التاريخ الذي حدثت فيه فتوحات الاسكندر . واستمرت بعد هذا التاريخ الصلات التجارية والحروب طيلة قرون بين الفرس من جهة والرومان والبيزنطيين من جهة أخرى . كما تمكن الفرس الساسانيون من احتلال أجزاء من سورية أيام كسرى أنوشروان في عام ٥٤٠ للميلاد . وتجددت غارات الفرس على سورية في أوائل القرن السابع وقبيل الفتح الاسلامي .
لقد كان الفن الساساني آخر مراحل تطور الفنون الفارسية ( الاخمينية والبارثية ) وارثة الحضارات الرافدية. وقد بلغ الفن الساساني أوجه في القرن الرابع للميلاد . ويعتبر ايوان كسرى الأول في المدائن ( كتيزيفون ) اره . والقصر مشيد باللبن ويمتاز بقنطرة ايوانه البالغة الارتفاع ، وواجهته ذات الزخارف المعمارية المؤلفة من محاريب يفصل بينها دعامات جدارية على شكل نصف عمود . وسقوف القاعات قبوات على شكل المهد المقلوب ، مدببة الرأس بينما تؤلف النقوش الجصية العنصر الرئيسي في
تعليق