الفصل الأول
أصول الفن العربي الإسلامي ونشأته .
تطور الفنون المعمارية في سورية قبل الاسلام
١ - نشوء فن العمارة :
فن البناء والتعمير قديم قدم الانسان ، وهو في أصله تلبية لحاجة أساسية من حاجاته لكنه في الوقت ذاته نتاج في ، ككل ما يصنعه الانسان وينتجه . ذلك أن الانسان يعبر في كل ما يصنعه عن ذوقه وفكره وروحه .
و كما خضع الانسان لسنة النشوء والارتقاء في أفكاره ومفاهيمه وأذواقه ، متأثرا بالبيئة الطبيعية المحيطة به ، وبالشعور الديني والتقاليد والوسط الاجتماعي ، فكذلك تطور نتاجه الفني ، واختلفت مظاهر هذا النتاج وخصائصه ، باختلاف الزمان والمكان .
ولكن بالرغم من هذا الاختلاف ، فان أوجه الشبه تظل كبيرة بين فن وآخر، في عصر من العصور . ذلك لان المبتكرات الفنية تتسرب بسهولة ويسر عبر الحدود الفاصلة بين البلدان والشعوب ، بسبب تنقل الافراد ، أو بسبب الفتوحات ، أو نتيجة للاحتكاك الدائم ، وتبادل المعرفة والخبرات .
ولقد خضعت الحضارات الكبرى لظاهرتي التقليد والاقتباس ، دون أن تنمحي شخصيتها ، وتفقد مقومات أصالتها .
وكانت ظواهر التقليد والاقتباس ونماذج الثقافات تشتد وتقوي ، بسبب زيادة الصلات بين الامم وانكماش القائمة فيما بينها . حتى أوشك أن تقوم وحدة فنية ، أو فن عالمي يطبع نتاج الامم بطابعه العام . ونلمس ذلك بشكل خاص في الفنون المعمارية ومنذ أن ظهر الانسان على الارض ، وبدأ يتفاعل معها من أجل تأمين بقائه ، كان المأوى والمسكن من القضايا الاساسية التي شغلت تفكيره ، وأخذت الكثير من وقته وجهده .
و كان من الطبيعي في البدء ، أن ينصرف اهتمام الانسان الى استخدام الكهوف التي أوجدتها الطبيعة ، ثم يعمد الى ادخال تحسينات عليها أو ينحتها بنفسه ، ويزين جدرانها بما أوحت اليه البيئة التي من حوله من مشاهد وصور . وبدأ بذلك أول تعبير فني في إنتاج الانسان المعماري .
ثم تطور الانسان القديم قليلا ، فأقام الاكواخ ، مستخدما في بنائها مواد سهلة كأغصان الشجر والطين والقش . ومرت آلاف السنين على الانسان البدائي وهو لا يتجاوز هذه الوسائل ، ويتقدم الزمن فترتقي أعمال البناء ويستخدم الانسان الغضار لبنات مجففة بأشعة الشمس ، والحجر الغشيم. في اقامة المباني ، ويفيد من جذوع الشجر لتجهيز السقوف أو حملها .
و تجمعت لدى انسان الشرق القديم في سورية وبلاد الرافدين منذ فجر التاريخ، خبرات فنية ومبادىء معمارية مهدت لنشوء المدن وظهور الحضارات الكبرى .
وغدا الانشاء والتعمير لدى الامم من أهم مظاهر الحيوية والرقي ، والطابع المميز الحضاراتها، تتفاوت منشآت الامم وأعمالها العمرانية بحسب ما حصلت عليه من مبتكرات وتقنية ، ومالها من ذوق وثقافة. وكذلك تسهم مواد البناء المتوفرة لدى كل منها في اعطاء الشخصية المميزة لعمائر الامم .
فبعض البلدان يعتمد في البناء على اللبن أو الآجر ، وبعضها يعتمد على الحجر المنحوت ، ومنها من يفتقد الخشب فيلجأ الى استعمال الحجر حتى في تسقيف المباني ، ومنها من يتوفر لديه الخشب بكثرة فيعتمد عليه حتى في اقامة الجدران والسقوف . ويسهم الاقليم كذلك في تكوين المظهر العام والسمات التفصيلية للعمائر وأساليب البناء . ومن الطبيعي أن تكون المباني المشيدة بالحجر أكثر بقاء على مر العصور ، وأكثر مقاومة من مباني الخشب واللبن .
٢ - الفنون الشرقية القديمة :
لقد كشفت أعمال التنقيب الاثرية التي تمت في القرنين الاخيرين في الشام وبلاد الرافدين عن آثار معمارية هامة تنتسب الحضارات الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد أنشأها أقوام اعتاد العلماء أن يطلقوا عليهم اسم الساميين ، من أكاديين وبابليين وآشوريين وآموريين و آراميين . لكنا نفضل أن نسميهم بالعرب القدماء ، أو العرب البائدة ، كما سماهم الاقدمون من المؤرخين العرب .
وذلك بسبب الموطن الذي صدروا عنه وهو جزيرة العرب ، وبسبب القرابة الكبيرة بينهم وبين عرب الجزيرة من حيث اللغة والديانة والتقاليد .
كان لنتاج هؤلاء ومبتكراتهم في الفنون المعمارية والزخرفية أثر كبير في الفنون السابقة للاسلام .
اقتبس عنهم اليونان والاتروسكيون والرومان والبيزنطيون رواد الحضارة الغربية . واقتبس عنهم كذلك في الشرق القديم البارثيون والساسانيون . وكان هؤلاء وأولئك وسطاء بين العرب القدماء وبين العرب المحدثين بناة الحضارة العربية الاسلامية . فلقد ساعدوا على نقل الكثير من العناصر المعمارية والزخرفية اليهم متطورة قليلا أو كثيراً عبر العصور .
ولا بد هنا من القاء نظرة سريعة على أهم هذه العناصر ليسهل علينا تتبع آثارها في الفن العربي الاسلامي . الفنون الساسانية والكلاسيكية. لقد كشف المنقبون عن قهور ومعابد عديدة في العديد من مواقع المدن السورية القديمة أمثال ماري وأوغاريت وتل حلف وإبلة ، ومدن العراق مثل أوروك وبابل ، تجلت فيها قوة التخطيط وفخامة البناء : وظهر فيها تطور ملحوظ في استخدام كثير من العناص المعمارية والزخرفية .
فمن العناصر البارزة في مباني بلاد الرافدين المشيدة باللبن والاجر نجد الباحة السماوية المحاطة بأجنحة مسقوفة . والغرف فيها قليلة العمق لكي يسهل تسقيفها. ونجد الرواق المحمول على صف من في الألف الثالث ( ماري وإبلة ) . والزيكورات التي تؤلف أبراجا متدرجة يطوف بها من الخارج سلالم أو منحدرات مائلة للصعود الى أعلاها : هذا من حيث التخطيط ، أما من حيث العناصر المعمارية ، فقد وجدت الابواب ذوات القنطرة النصف دائرية أو ذوات القناطر
أصول الفن العربي الإسلامي ونشأته .
تطور الفنون المعمارية في سورية قبل الاسلام
١ - نشوء فن العمارة :
فن البناء والتعمير قديم قدم الانسان ، وهو في أصله تلبية لحاجة أساسية من حاجاته لكنه في الوقت ذاته نتاج في ، ككل ما يصنعه الانسان وينتجه . ذلك أن الانسان يعبر في كل ما يصنعه عن ذوقه وفكره وروحه .
و كما خضع الانسان لسنة النشوء والارتقاء في أفكاره ومفاهيمه وأذواقه ، متأثرا بالبيئة الطبيعية المحيطة به ، وبالشعور الديني والتقاليد والوسط الاجتماعي ، فكذلك تطور نتاجه الفني ، واختلفت مظاهر هذا النتاج وخصائصه ، باختلاف الزمان والمكان .
ولكن بالرغم من هذا الاختلاف ، فان أوجه الشبه تظل كبيرة بين فن وآخر، في عصر من العصور . ذلك لان المبتكرات الفنية تتسرب بسهولة ويسر عبر الحدود الفاصلة بين البلدان والشعوب ، بسبب تنقل الافراد ، أو بسبب الفتوحات ، أو نتيجة للاحتكاك الدائم ، وتبادل المعرفة والخبرات .
ولقد خضعت الحضارات الكبرى لظاهرتي التقليد والاقتباس ، دون أن تنمحي شخصيتها ، وتفقد مقومات أصالتها .
وكانت ظواهر التقليد والاقتباس ونماذج الثقافات تشتد وتقوي ، بسبب زيادة الصلات بين الامم وانكماش القائمة فيما بينها . حتى أوشك أن تقوم وحدة فنية ، أو فن عالمي يطبع نتاج الامم بطابعه العام . ونلمس ذلك بشكل خاص في الفنون المعمارية ومنذ أن ظهر الانسان على الارض ، وبدأ يتفاعل معها من أجل تأمين بقائه ، كان المأوى والمسكن من القضايا الاساسية التي شغلت تفكيره ، وأخذت الكثير من وقته وجهده .
و كان من الطبيعي في البدء ، أن ينصرف اهتمام الانسان الى استخدام الكهوف التي أوجدتها الطبيعة ، ثم يعمد الى ادخال تحسينات عليها أو ينحتها بنفسه ، ويزين جدرانها بما أوحت اليه البيئة التي من حوله من مشاهد وصور . وبدأ بذلك أول تعبير فني في إنتاج الانسان المعماري .
ثم تطور الانسان القديم قليلا ، فأقام الاكواخ ، مستخدما في بنائها مواد سهلة كأغصان الشجر والطين والقش . ومرت آلاف السنين على الانسان البدائي وهو لا يتجاوز هذه الوسائل ، ويتقدم الزمن فترتقي أعمال البناء ويستخدم الانسان الغضار لبنات مجففة بأشعة الشمس ، والحجر الغشيم. في اقامة المباني ، ويفيد من جذوع الشجر لتجهيز السقوف أو حملها .
و تجمعت لدى انسان الشرق القديم في سورية وبلاد الرافدين منذ فجر التاريخ، خبرات فنية ومبادىء معمارية مهدت لنشوء المدن وظهور الحضارات الكبرى .
وغدا الانشاء والتعمير لدى الامم من أهم مظاهر الحيوية والرقي ، والطابع المميز الحضاراتها، تتفاوت منشآت الامم وأعمالها العمرانية بحسب ما حصلت عليه من مبتكرات وتقنية ، ومالها من ذوق وثقافة. وكذلك تسهم مواد البناء المتوفرة لدى كل منها في اعطاء الشخصية المميزة لعمائر الامم .
فبعض البلدان يعتمد في البناء على اللبن أو الآجر ، وبعضها يعتمد على الحجر المنحوت ، ومنها من يفتقد الخشب فيلجأ الى استعمال الحجر حتى في تسقيف المباني ، ومنها من يتوفر لديه الخشب بكثرة فيعتمد عليه حتى في اقامة الجدران والسقوف . ويسهم الاقليم كذلك في تكوين المظهر العام والسمات التفصيلية للعمائر وأساليب البناء . ومن الطبيعي أن تكون المباني المشيدة بالحجر أكثر بقاء على مر العصور ، وأكثر مقاومة من مباني الخشب واللبن .
٢ - الفنون الشرقية القديمة :
لقد كشفت أعمال التنقيب الاثرية التي تمت في القرنين الاخيرين في الشام وبلاد الرافدين عن آثار معمارية هامة تنتسب الحضارات الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد أنشأها أقوام اعتاد العلماء أن يطلقوا عليهم اسم الساميين ، من أكاديين وبابليين وآشوريين وآموريين و آراميين . لكنا نفضل أن نسميهم بالعرب القدماء ، أو العرب البائدة ، كما سماهم الاقدمون من المؤرخين العرب .
وذلك بسبب الموطن الذي صدروا عنه وهو جزيرة العرب ، وبسبب القرابة الكبيرة بينهم وبين عرب الجزيرة من حيث اللغة والديانة والتقاليد .
كان لنتاج هؤلاء ومبتكراتهم في الفنون المعمارية والزخرفية أثر كبير في الفنون السابقة للاسلام .
اقتبس عنهم اليونان والاتروسكيون والرومان والبيزنطيون رواد الحضارة الغربية . واقتبس عنهم كذلك في الشرق القديم البارثيون والساسانيون . وكان هؤلاء وأولئك وسطاء بين العرب القدماء وبين العرب المحدثين بناة الحضارة العربية الاسلامية . فلقد ساعدوا على نقل الكثير من العناصر المعمارية والزخرفية اليهم متطورة قليلا أو كثيراً عبر العصور .
ولا بد هنا من القاء نظرة سريعة على أهم هذه العناصر ليسهل علينا تتبع آثارها في الفن العربي الاسلامي . الفنون الساسانية والكلاسيكية. لقد كشف المنقبون عن قهور ومعابد عديدة في العديد من مواقع المدن السورية القديمة أمثال ماري وأوغاريت وتل حلف وإبلة ، ومدن العراق مثل أوروك وبابل ، تجلت فيها قوة التخطيط وفخامة البناء : وظهر فيها تطور ملحوظ في استخدام كثير من العناص المعمارية والزخرفية .
فمن العناصر البارزة في مباني بلاد الرافدين المشيدة باللبن والاجر نجد الباحة السماوية المحاطة بأجنحة مسقوفة . والغرف فيها قليلة العمق لكي يسهل تسقيفها. ونجد الرواق المحمول على صف من في الألف الثالث ( ماري وإبلة ) . والزيكورات التي تؤلف أبراجا متدرجة يطوف بها من الخارج سلالم أو منحدرات مائلة للصعود الى أعلاها : هذا من حيث التخطيط ، أما من حيث العناصر المعمارية ، فقد وجدت الابواب ذوات القنطرة النصف دائرية أو ذوات القناطر
تعليق