القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي Al-Qadi al-Fadel وزير وأديب صاحب ديوان الإنشاء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي Al-Qadi al-Fadel وزير وأديب صاحب ديوان الإنشاء

    القاضي الفاضل (عبد الرحيم بن علي)
    (529 ـ 596 هـ/1135 ـ 1200م)

    محيي الدين أبوعلي عبد الرحيم ابن علي بن الحسن بن الحسن بن أحمد بن المفرج بن أحمد اللخمي العسقلاني البيساني، الوزير الأديب صاحب ديوان الإنشاء وشيخ البلاغة وإمام المترسلين في عصره. ولد في مدينة عسقلان، وانتقل إلى بيسان من أعمال فلسطين مع والده الذي تولى قضاءها للفاطميين، فاعتنى بتربيته وأرسله إلى الكتاب ليتلقى مبادئ العلوم، فحفظ القرآن الكريم وأظهر ميلاً إلى الأدب، فأرسله والده إلى ديوان الإنشاء في القاهرة وهو في الخامسة عشرة ليتدرب على فنون الكتابة، واهتم به رؤساء ديوان الإنشاء، ولازم الموفق ابن الخلال، وأخذ عنه صنعة الكتابة وعندما آنس في نفسه القدرة على الكتابة سافر إلى الإسكندرية وكتب لقاضيها ومتولِّي أمرها ابن حديد مدة ثماني سنوات، وأعجب أهل الدولة بكتابته، فاستقدمه الوزير العادل ابن رُزِّيك إلى القاهرة وجعله رئيس ديوان الجيش ثم انتقل إلى ديوان الخلافة الفاطمية وسرعان ما صار المتصرف في المكاتبات باسم الخليفة الفاطمي. وحينما تولى أسد الدين شيركوه الوزارة في مصر توثقت الصلة بين القاضي الفاضل وأسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين، وأنس به صلاح الدين وقربه منه، فلم يكتف له برئاسة ديوان الإنشاء بل اتخذه وزيراً ومشيراً يصطحبه معه في مواقعه المهمة أو يستخلفه على مصر، فكان القاضي الفاضل لسان صلاح الدين مدة حكمه يكتب عنه إلى الخلفاء والملوك والقادة والولاة. وبلغ تقدير صلاح الدين له أن قال لأصحابه: «لا تظنوا أني ملكت البلاد بسيوفكم إنما ملكتها بقلم القاضي الفاضل». وبعد وفاة صلاح الدين ظل القاضي الفاضل عند ابنه العزيز في مكانته نفسها من الرفعة ونفاذ الأمر وكذلك عند ابن العزيز الملك المنصور حتى قدم الملك العادل أخو صلاح الدين إلى مصر لأخذها من الملك المنصور سنة ست وتسعين وخمس مئة وكانت بين القاضي الفاضل والملك العادل ووزيره ابن شكر وحشة فلزم بيته.
    وعلى الرغم من أن القاضي الفاضل كان ضعيف البنية له حدبة في ظهره يخفيها بالطيلسان كان عالي الهمة كثير الاشتغال وافر العقل مع الرياسة التامة والإغضاء والصفح والحلم والستر، ومع كثرة أمواله كان مقتصداً في ملبسه وطعامه وكان متقشفاً ورعاً كثير العبادة يواسي الناس ويخفف عنهم ويقضي حوائجهم، فلم يبق في مدة حياته عملاً صالحاً إلا قدمه، فصنائعه كثيرة وأوقافه على طريق الخيرات لا يحوطها حصر ولا يضبطها حساب ولاسيما أوقافه لفكاك أسرى المسلمين، وقد بنى مدرسة للفقه وكُتَّاباً للأيتام، وغير ذلك كثير.
    كان القاضي الفاضل شاعراً ناثراً مكثراً ترك ديواناً شعرياً ضخماً ورسائل كثيرة جمع بعضها، وبعضها الآخر ما زال منثوراً في كتب التاريخ والأدب، فشعره فصيح الألفاظ متين التراكيب واضح المعاني مع شيء من الصنعة البديعية يحتوي على مدائح جيدة وفخر وغزل وإخوانيات وشيء من الحكمة والوصف.
    أما نثره فقد بلغ فيه غاية الأناقة والإبداع وصار صاحب مدرسة في الإنشاء تبعه فيها كثير من أعلام الكتابة في مصر وبلاد الشام، فنسخ أساليب القدماء وأغرب في الابتكار؛ لا يكرر معنى ولا يعيد عبارة.
    تميز أسلوبه في النثر بالمثاقفة واستخدام المكونات التراثية في بناء معانيه وتدبيج عباراته، لذلك يتطلب إدراك مراميه وتذوق نكاته البلاغية ثقافة تراثية كبيرة، فضلاً عن إكثاره من التقطيع والموازنة والجناس والسجع، واعتماده على التورية والطباق ومراعاة النظير، وغير ذلك من فنون الصنعة البديعية وكان يحرص على إيراد الشعر في رسائله الديوانية والإخوانية من نظمه ونظم غيره ويميل إلى الوصف والتصوير وتجسيد المعقولات وإضفاء الصفات البشرية عليها، ويكثر من الاستعارة والتشبيه، فهو يصدر في إنشائه عن التفكير الفعلي المنظم، لذلك يدخل نثره شيء من التصنع والتكلف اللذين أعجبا أهل عصره وفتنا أهل العصور اللاحقة. ومع ذلك كان يتدفق في صنعته فلا يتوقف، ويسترسل في كتبه ويطيل، ويراعي مقتضى الحال عند المخاطب، فقد صرف اهتمامه إلى تحسين الأسلوب وتنميقه والتلاعب بالمعاني والألفاظ والاستطراد من معنى إلى آخر من طريق التعبير البلاغي، ومع شدة تطلبه لأوجه البلاغة جميعها استطاع أن يعبر عن مقاصده ومراميه.
    من شعره قوله يتشوق إلى نهر النيل عند وصوله إلى نهر الفرات:
    بالله قل للنيل عني إننـي
    لم أشف من ماء الفرات غلـيـلا
    وسل الفواد فإنه لي شاهد
    إن كان جفـني بالدمـوع بخيلا
    يا قلب كم خلفت ثَمَّ بثينـة
    وأعيذ صبـرك أن يكون جميلا
    ومن نثره قوله في رسالة كتبها لصلاح الدين يتشفع لخطيب عيذاب في تولي خطابة الكرك:
    «أدام الله السلطان الملك الناصر وثَبَّتَه، وتقبل عمله بقبول صالح وأَنْبَتَه وأخذ عدوه قائلاً أوبيَّتَه وأرغم أنفه بسيفه وكبته. خدمة الملوك هذه واردة على يد خطيب عيذاب، ولما نبا به المنزل عنها وقل عليه المرفق فيها وسمع بهذه الفتوحات التي طبق الأرض ذكرها ووجب على أهلها شكرها هاجر من هجير عيذاب وملحها سارياً في ليلة أمل كأنها نهار فلا تسأل عن صبحها وقد رغب في خطابة الكرك وهو خطيب وتوسل للملوك في هذا الملتمس وهو قريب ونزع من مصر إلى الشام ومن عيذاب إلى الكرك وهذا عجيب والفقر سائق عنيف والمذكور عائل ضعيف ولطف الله بالخلق بوجود مولانا لطيف، والسلام».
    محمود سالم محمد
يعمل...
X