بدأ الركود الكبير قبل عام 2008 بعدة سنوات، إذ ظهرت أولى مؤشراته عام 2006، عندما بدأت أسعار العقارات بالانخفاض، واستجاب بنك الاحتياطي الفيدرالي في أغسطس 2007 لأزمة الرهن العقاري بضخ 24 مليار دولار من السيولة المالية في النظام البنكي. بحلول أكتوبر 2008 وافق الكونغرس الأمريكي على خطة إنقاذ مصرفية بقيمة 700 مليار دولار، المعروفة حاليًا باسم برنامج إغاثة الأصول المتعثرة.
بحلول فبراير 2009 اقترح الرئيس أوباما حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 787 مليار دولار، ما جنّب العالم حدوث كساد عالمي. سنعرض في هذا المقال نظرة شاملة للأحداث المفصلية في ركود عام 2008.
كيف تسببت أزمة الرهن العقاري في الركود؟
حذرت وزارة الإسكان الأمريكية في نوفمبر 2006 من أن عدد التصاريح الجديدة لبناء المنازل كان أقل بنسبة 26% من العام السابق. كان من الممكن في هذه المرحلة تجاوز أزمة الرهن العقاري، لكن لم تدرك إدارة الرئيس جورج بوش والاحتياطي الفيدرالي مدى خطورة المؤشرات. وتجاهلوا انقلاب منحنى عائد السندات. إذ اعتقدوا أن المعروض النقدي القوي، ونسب الفائدة المنخفضة ستساعد على تجنّب العقبات التي قد تواجه قطاع العقارات. لم يدركوا كيف أصبحت البنوك معتمدة أساسًا على المشتقات، أي العقود التي تستمد قيمتها من أصل آخر. باعت البنوك وصناديق التحوط لبعضها أصولًا على شكل مشتقات، أوراقًا مالية بضمان الرهن العقاري، كانت فعليًا مضمونة بقروض عقارية عالية المخاطر.
قُدمت هذه القروض عالية المخاطر للمقترضين الذين سيتخلفون على الأرجح عن سداد القرض. وعرضت البنوك عليهم هذه القروض بنسب فائدة منخفضة. لاحقًا رُفع معدل الفائدة لهذه القروض التي كانت توصف بأنها جيدة بشكل لا يُصدق. انخفضت أسعار المنازل بعد رفع سعر الفائدة على القروض. وسبّب التخلف عن سداد هذه القروض أزمة الرهن العقاري. مثّل انخفاض أسعار المنازل عام 2007 مؤشرًا فعليًا إلى أن أزمة الرهن العقاري قد بدأت بالفعل.
باعت البنوك عددًا من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري أكثر من العدد الذي يمكن دعمه بالقروض العقارية الآمنة. لكنهم شعروا بالأمان إذ اشتروا مقايضات التخلف عن السداد لهذه القروض. [مقايضة التخلف عن السداد (CDS) هي مشتق حيث يدفع البائع تأمينًا للمشتري حال تخلف المقترض عن سداد القرض].
لكن عندما انهار سوق الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، لم يكن لدى شركات التأمين رأس المال الكافي لتغطية حاملي مقايضات التخلف عن السداد. نتيجةً لذلك كادت شركة التأمين العملاقة «المجموعة الأمريكية الدولية» أن تفلس قبل تدخل الحكومة الفيدرالية لإنقاذها.
انتشرت هذه الكارثة المالية سريعًا خارج سوق العقارات وانتقلت لتضرب القطاع المصرفي، ما أدى إلى انهيار بعض عمالقة القطاع المصرفي والبنوك التي كانت تُعد «عصية على الفشل»، ومنها بنك ليمان براذرز، وبنك ميريل لينك. ما أدى في النهاية إلى انتشار الأزمة على نطاق عالمي.
عام 2007: لم يقم الاحتياطي الفيدرالي بما يجب لمنع الركود:
في أبريل 2007 أعلن الاحتياطي الفيدرالي أن الوكالات الفيدرالية للتنظيم المالي ستشجع المقرضين على الوصول إلى اتفاق حول إعادة هيكلة القروض.
تضمنت البدائل تحويل القرض إلى قرض عقاري بنسبة ثابتة مع تقديم مشورات ائتمانية للمقترضين. ويمكن البنوك التي عملت مع المقترضين في المناطق منخفضة الدخل أن تحصل على مزايا قانون إعادة الاستثمار المجتمعي.
في سبتمبر 2007 بدأ الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة. وبحلول نهاية العام وصل سعر الفائدة إلى 4.25%. لكن لم يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بالنسبة والسرعة الكافيتين لتهدئة السوق.
أحداث الركود:
يوليو 2007: بداية الركود
وصلت أزمة الرهن العقاري إلى الاقتصاد الأمريكي بأكمله بحلول الربع الثالث عام 2007 بعدما انخفض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 2.1%.
لكن بالنسبة إلى المراقبين الأوائل كان المؤشر الأول في أكتوبر 2006، عندما كان الطلب على السلع المعمرة أقل مما كان عليه عام 2005، ما ينذر بتباطؤ سوق العقارات. تُعد تلك الطلبات مؤشرًا على اتجاه الناتج الإجمالي المحلي.
أغسطس 2008: انخفاض فاني وفريدي الحاد:
تأثر عملاقا شركات القرض العقاري فاني ماي وفريدي ماك بأزمة الرهن العقاري صيف 2008. شكّل فشل شركات التأمين على القروض العقارية المدعومة من الحكومة مؤشرًا على مزيد من الانهيار. أعلنت إدارة بوش أن الدولة ستتحكم في الشركتين بالكامل، لتجنب الانهيار.
سبتمبر 2008: انهيار سوق الأسهم
في 29 سبتمبر 2008 انهار سوق الأسهم، وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي 777.68 نقطة في التعاملات اليومية. كان ذلك أكبر انهيار في سوق الأسهم حتى 2018. كان السبب الرئيسي لهذا الانهيار رفض الكونغرس مشروع قانون إنقاذ البنوك.
مع أن انهيار سوق الأسهم قد يؤدي إلى ركود، فإن في تلك الحالة كان الركود قد بدأ بالفعل، وجعل انهيار سوق الأسهم الوضع أسوأ بكثير.
جهود التعافي:
أكتوبر 2008:
في 3 أكتوبر عام 2008 وُضعت خطة الإنقاذ المصرفية بقيمة 700 مليار دولار. وأنشأ الكونغرس برنامج إغاثة الأصول المتعثرة، الذي سمح لوزارة الخزانة الأمريكية بإنقاذ البنوك المتعثرة. أقرض وزير الخزانة 115 مليار دولار للبنوك المتعثرة بواسطة شراء الأسهم.
زادت مؤسسة التأمين على الودائع المصرفية حدّ التأمين إلى 250 ألف دولار للحساب الواحد. وسمحت الحكومة الفيدرالية لمؤسسة التأمين على الودائع المصرفية، بالاستفادة من الأموال الفيدرالية حسب الحاجة خلال عام 2009، ما أدى إلى تهدئة المخاوف من إفلاس المؤسسة.
فبراير 2009: حزمة التحفيز بقيمة 787 مليار دولار
في 17 فبراير عام 2008 أقرّ الكونغرس الأمريكي خطة التعافي وإعادة الاستثمار. أنهت هذه الخطة، التي بلغت قيمتها 787 مليار دولار، حالة الركود. شملت الخطة 212 مليار دولار من التخفيضات الضريبية، و575 مليار دولار من النفقات، التي تضمنت 311 مليار دولار لمشاريع جديدة، مثل التعليم والرعاية الصحية وتطوير البنى التحتية.
أعلن أوباما في 18 فبراير عام 2009 عن خطة بقيمة 78 مليار دولار للمساعدة في إنهاء الحجز العقاري لأصحاب القروض المتعثرة. صممت هذه الخطة لمساعدة 7 – 9 ملايين من أصحاب المنازل، لكي لا يتأخروا عن سداد مدفوعاتهم. [لا تسمح معظم البنوك بتعديل القرض حتى يُفوّت المقترض ثلاثة دفعات]. ودعمت الخطة البنوك التي أعادت هيكلة قروضها. مع ذلك لم تُفلح الخطة بإقناع البنوك بتغيير سياساتها.
مارس 2009: إطلاق خطة تأمين المساكن
خطة تأمين المساكن مبادرة أطلقتها إدارة أوباما لمساعدة أصحاب المساكن على تجنب الحجز العقاري. كان برنامج إعادة التمويل الميسور لأصحاب المنازل، أحد برامج هذه الخطة. وقد صُمم لتحفيز سوق الإسكان، بالسماح لما يصل إلى مليونين من مالكي المنازل الجديرين بالائتمان، بإعادة التمويل والاستفادة من معدلات فائدة منخفضة على الرهن العقاري. لكن البنوك اختارت فقط أفضل المتقدمين الجديرين بالثقة.
دور البنوك في التعافي البطيء:
أغسطس 2009: طلب تعديل القروض
استمرت البنوك حتى أغسطس 2009 بعملية الحجز العقاري على عقارات أصحاب القروض المتعثرة، ما قلل من آمال حدوث انتعاش اقتصادي. كان من الممكن تجنب الحجز العقاري بإعادة هيكلة القروض، لكن البنوك رفضت هذه الخطوة التي من شأنها الإضرار بالربح النهائي للبنوك. عدد حالات الحجز العقاري القياسية -360 ألف حالة في يوليو- جعلت الأمور أسوأ للبنوك وللعائلات الأمريكية. كان معدل الحجز العقاري في يوليو هو الأعلى منذ بدأت شركة المعلومات العقارية ريالتي تراك بتسجيل البيانات، إذ كان أعلى بنسبة 32% مقارنةً بعام 2008.
استمرت معدلات الحجز العقاري بالارتفاع وكانت أكثر من نصف الحالات في 4 ولايات: كاليفورنيا وأريزونا وفلوريدا وإلينوي. عززت مصارف كاليفورنيا إدارات الحجز العقاري التي تملكها، متوقعة خسارة المزيد من المنازل. لذلك طلبت إدارة أوباما من البنوك مضاعفة معدل إعادة هيكلة القروض بحلول نوفمبر 2009.
أكتوبر 2009: لم تعد البنوك تقرض الأموال
بلغت البطالة ذروتها عند 10% في أكتوبر 2009 وهو أسوأ مستوى منذ ركود عام 1982. إذ فُقد نحو 6 ملايين وظيفة خلال عام. كان أصحاب العمل يعينون عمالًا مؤقتين فقط بسبب قلقهم من الوضع الاقتصادي. لكن قطاعي الصحة والتعليم استمرا في التوسع.
من أسباب تباطؤ الانتعاش أن البنوك لم تكن تقرض المال، إذ انخفض الإقراض بنسبة 15% في أكبر 4 بنوك في أمريكا: بانك أوف أميريكا، وجي بي مورجان تشيس، وسيتيجروب، وويلز فارجو. خفضت البنوك الأربعة الإقراض التجاري والصناعي بقيمة 100 مليار دولار بين أبريل وأكتوبر 2009، وخفضت القروض الممنوحة للشركات الصغيرة، وفقًا لتحليل هافينجتون بوست لبيانات الحكومة الفيدرالية.
انخفضت نسبة الإقراض بنسبة 9% مقارنةً بأكتوبر 2008 في جميع البنوك التي شملها الاستطلاع. لكن الرصيد القائم لجميع القروض ارتفع بنسبة 5%، ما يعني أن البنوك أصبحت تقدم قروضًا أكبر لعدد أقل. إذ صرحت البنوك أن عدد المقترضين المؤهلين قد انخفض بسبب الركود. فيما ترى الشركات أن البنوك شددت معايير الإقراض. إذا نظرنا من كثب إلى عدد عمليات الحجز العقاري المُحتملة خلال 18 شهرًا، سنجد أن البنوك كانت تخزن السيولة استعدادًا لأي عمليات إلغاء قد تحدث في المستقبل. بمعنى آخر كانت البنوك تحتفظ بـ 1.1 تريليون دولار من المعونات الحكومية.
تعهد بانك أوف أميريكا للرئيس أوباما في ديسمبر 2009 بأنه سيزيد الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة بمقدار 5 مليارات دولار عام 2010. لكن لم يحدث ذلك إلا بعد خفض الإقراض بشدة عام 2009.
لماذا لا ندع البنوك تفلس؟
لا يزال الكثير من الناس غاضبين من استخدام 350 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لإنقاذ البنوك. يرى العديد منهم أنه لم يوجد أي إشراف على كيفية استخدام الأموال، وأن البنوك لم تكن بحاجة إلى هذه الأموال، وأنها صرفتها مكافآت للمديرين التنفيذيين. يرى آخرون أنه لا ينبغي إنقاذ البنوك لاتخاذها قرارات سيئة وجشعة، وأنه إذا تركنا البنوك تفلس فستشطب جميع الأصول التي لا قيمة لها. إذ ستأتي شركات أخرى وتشتري الأصول الجيدة، وسيكون الاقتصاد أقوى، بعبارة أخرى دع الرأسمالية تقوم بعملها.
في الحقيقة هذا ما حاول فعله وزير الخزانة السابق هانك بولسن مع بنك ليمان برذرز في سبتمبر. وكانت النتيجة حدوث هلع في السوق، وتدافع نحو الموارد الآمنة. ما هدّد بوقف التدفق المالي نحو الشركات الكبيرة ومتوسطة الدخل. لم يكن بالاستطاعة حل المشكلة من دون مساعدة الحكومة.
استُخدمت معظم موارد الحكومة لإنشاء الأصول اللازمة التي مكنت البنوك من شطب تريليون دولار من الخسائر. المشكلة أن البنوك الأخرى لا تمتلك الموارد الكافية لشراء هذه البنوك. حتى إن بنك سيتيجروب، أحد البنوك التي كانت تعوّل عليها الحكومة في إنقاذ بنوك أخرى، تطلّب خطة إنقاذ للاستمرار.
إن ترك البنوك الكبرى تفلس من شأنه أن يترك الاقتصاد الأمريكي بلا نظام مالي، ما قد يؤدي إلى حدوث كساد عظيم.
لماذا لم يقم أوباما بالمزيد لإنهاء الركود؟
لم يكن الرئيس أوباما يتعامل فقط مع الركود قبل الانتخابات النصفية. فقد أطلق برنامج العناية الصحية أوباما كير، الذي تعرض لانتقادات شديدة. وأيّد قانون دود فرانك لإصلاح وول ستريت، مع إصدار قوانين جديدة للاحتياطي الفيدرالي لمنع حدوث انهيار مصرفي آخر، وجعل النظام المصرفي أكثر تحفظًا. نتيجةً لذلك لم تعد البنوك تقرض كما كانت سابقًا لأنها كانت تحافظ على الأموال، لتتوافق مع اللوائح من أجل شطب ديونها. كان الإقراض المصرفي للشركات الصغيرة ضروريًا لخلق فرص عمل جديدة.
مخاطر المشتقات:
يُعد إلغاء القوانين المنظمة للمشتقات من الأسباب الرئيسية لحدوث الانهيار. فالمشتقات معقدة لدرجة أن الذين أنشؤوها لم يفهموها بالكامل. كانت البنوك تعيد بيع الرهون العقارية في السوق على شكل مشتقات بسرعة كبيرة لدرجة أنها شعرت بأنها محصنة ضد أي مخاطر، ما دفعها نحو أخذ قروض أخطر في كل مرة.
دفعت المحاولات المتطرفة من البنوك لبيع المزيد من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، سوق العقارات نحو تشكيل فقاعة. إذ صممت هذه المشتقات لزيادة السيولة في الاقتصاد، لكنها دفعت أسعار البيوت والديون نحو أرقام لا يمكن السيطرة عليها.
كيف أثّرت خطة الإنقاذ علينا؟
أوقف قانون دود فرانك الذعر الائتماني المصرفي، وسمح لأسعار الفائدة بالعودة لمستواها الطبيعي، وجعل من الممكن الحصول على قروض. فلو لم يعد سوق الائتمان للعمل لما استطاعت الشركات الحصول على رأس المال اللازم لإدارة أعمالها اليومية.
من دون هذا القانون كان من المستحيل على الناس الحصول على الموافقات اللازمة لأخذ قرض عقاري، أو حتى قروض للسيارات. حتى البنوك التي أعادت ضبط معدلات الرهن العقاري الخاصة بها، شهدت قفزة في الأرباح أكبر مما كانت ستحصل عليه حال استمرت بسياسة الحجز العقاري، وكان الركود الكبير سيصبح كسادًا.
في النهاية منحنا هذا المزيد من الأمل، لأننا تعلمنا الكثير عن كيفية عمل الاقتصاد، وأصبحنا أكثر ذكاءً في إدارته.
كم استمر الركود الكبير؟
استمر الركود الكبير 18 شهرًا. وذلك أطول ركود اقتصادي منذ عام 1960. فقبل الركود الكبير كان الركود يستمر وسطيًا نحو 11 شهرًا.
كيف تغير حجم احتياطيات البنوك عقب الركود الكبير؟
احتياطيات البنوك هي كمية السيولة النقدية التي تحتفظ بها البنوك في متناول اليد. زاد الاحتياطي الفيدرالي من المتطلبات الخاصة باحتياطيات البنوك، خصوصًا البنوك ذات التأثير الكبير في النظام المصرفي، إذ طالب البنوك بالاحتفاظ بالمزيد من رأس المال، ما يؤدي إلى تحسين استقرار النظام المصرفي.
بحلول فبراير 2009 اقترح الرئيس أوباما حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 787 مليار دولار، ما جنّب العالم حدوث كساد عالمي. سنعرض في هذا المقال نظرة شاملة للأحداث المفصلية في ركود عام 2008.
كيف تسببت أزمة الرهن العقاري في الركود؟
حذرت وزارة الإسكان الأمريكية في نوفمبر 2006 من أن عدد التصاريح الجديدة لبناء المنازل كان أقل بنسبة 26% من العام السابق. كان من الممكن في هذه المرحلة تجاوز أزمة الرهن العقاري، لكن لم تدرك إدارة الرئيس جورج بوش والاحتياطي الفيدرالي مدى خطورة المؤشرات. وتجاهلوا انقلاب منحنى عائد السندات. إذ اعتقدوا أن المعروض النقدي القوي، ونسب الفائدة المنخفضة ستساعد على تجنّب العقبات التي قد تواجه قطاع العقارات. لم يدركوا كيف أصبحت البنوك معتمدة أساسًا على المشتقات، أي العقود التي تستمد قيمتها من أصل آخر. باعت البنوك وصناديق التحوط لبعضها أصولًا على شكل مشتقات، أوراقًا مالية بضمان الرهن العقاري، كانت فعليًا مضمونة بقروض عقارية عالية المخاطر.
قُدمت هذه القروض عالية المخاطر للمقترضين الذين سيتخلفون على الأرجح عن سداد القرض. وعرضت البنوك عليهم هذه القروض بنسب فائدة منخفضة. لاحقًا رُفع معدل الفائدة لهذه القروض التي كانت توصف بأنها جيدة بشكل لا يُصدق. انخفضت أسعار المنازل بعد رفع سعر الفائدة على القروض. وسبّب التخلف عن سداد هذه القروض أزمة الرهن العقاري. مثّل انخفاض أسعار المنازل عام 2007 مؤشرًا فعليًا إلى أن أزمة الرهن العقاري قد بدأت بالفعل.
باعت البنوك عددًا من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري أكثر من العدد الذي يمكن دعمه بالقروض العقارية الآمنة. لكنهم شعروا بالأمان إذ اشتروا مقايضات التخلف عن السداد لهذه القروض. [مقايضة التخلف عن السداد (CDS) هي مشتق حيث يدفع البائع تأمينًا للمشتري حال تخلف المقترض عن سداد القرض].
لكن عندما انهار سوق الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، لم يكن لدى شركات التأمين رأس المال الكافي لتغطية حاملي مقايضات التخلف عن السداد. نتيجةً لذلك كادت شركة التأمين العملاقة «المجموعة الأمريكية الدولية» أن تفلس قبل تدخل الحكومة الفيدرالية لإنقاذها.
انتشرت هذه الكارثة المالية سريعًا خارج سوق العقارات وانتقلت لتضرب القطاع المصرفي، ما أدى إلى انهيار بعض عمالقة القطاع المصرفي والبنوك التي كانت تُعد «عصية على الفشل»، ومنها بنك ليمان براذرز، وبنك ميريل لينك. ما أدى في النهاية إلى انتشار الأزمة على نطاق عالمي.
عام 2007: لم يقم الاحتياطي الفيدرالي بما يجب لمنع الركود:
في أبريل 2007 أعلن الاحتياطي الفيدرالي أن الوكالات الفيدرالية للتنظيم المالي ستشجع المقرضين على الوصول إلى اتفاق حول إعادة هيكلة القروض.
تضمنت البدائل تحويل القرض إلى قرض عقاري بنسبة ثابتة مع تقديم مشورات ائتمانية للمقترضين. ويمكن البنوك التي عملت مع المقترضين في المناطق منخفضة الدخل أن تحصل على مزايا قانون إعادة الاستثمار المجتمعي.
في سبتمبر 2007 بدأ الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة. وبحلول نهاية العام وصل سعر الفائدة إلى 4.25%. لكن لم يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بالنسبة والسرعة الكافيتين لتهدئة السوق.
أحداث الركود:
يوليو 2007: بداية الركود
وصلت أزمة الرهن العقاري إلى الاقتصاد الأمريكي بأكمله بحلول الربع الثالث عام 2007 بعدما انخفض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 2.1%.
لكن بالنسبة إلى المراقبين الأوائل كان المؤشر الأول في أكتوبر 2006، عندما كان الطلب على السلع المعمرة أقل مما كان عليه عام 2005، ما ينذر بتباطؤ سوق العقارات. تُعد تلك الطلبات مؤشرًا على اتجاه الناتج الإجمالي المحلي.
أغسطس 2008: انخفاض فاني وفريدي الحاد:
تأثر عملاقا شركات القرض العقاري فاني ماي وفريدي ماك بأزمة الرهن العقاري صيف 2008. شكّل فشل شركات التأمين على القروض العقارية المدعومة من الحكومة مؤشرًا على مزيد من الانهيار. أعلنت إدارة بوش أن الدولة ستتحكم في الشركتين بالكامل، لتجنب الانهيار.
سبتمبر 2008: انهيار سوق الأسهم
في 29 سبتمبر 2008 انهار سوق الأسهم، وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي 777.68 نقطة في التعاملات اليومية. كان ذلك أكبر انهيار في سوق الأسهم حتى 2018. كان السبب الرئيسي لهذا الانهيار رفض الكونغرس مشروع قانون إنقاذ البنوك.
مع أن انهيار سوق الأسهم قد يؤدي إلى ركود، فإن في تلك الحالة كان الركود قد بدأ بالفعل، وجعل انهيار سوق الأسهم الوضع أسوأ بكثير.
جهود التعافي:
أكتوبر 2008:
في 3 أكتوبر عام 2008 وُضعت خطة الإنقاذ المصرفية بقيمة 700 مليار دولار. وأنشأ الكونغرس برنامج إغاثة الأصول المتعثرة، الذي سمح لوزارة الخزانة الأمريكية بإنقاذ البنوك المتعثرة. أقرض وزير الخزانة 115 مليار دولار للبنوك المتعثرة بواسطة شراء الأسهم.
زادت مؤسسة التأمين على الودائع المصرفية حدّ التأمين إلى 250 ألف دولار للحساب الواحد. وسمحت الحكومة الفيدرالية لمؤسسة التأمين على الودائع المصرفية، بالاستفادة من الأموال الفيدرالية حسب الحاجة خلال عام 2009، ما أدى إلى تهدئة المخاوف من إفلاس المؤسسة.
فبراير 2009: حزمة التحفيز بقيمة 787 مليار دولار
في 17 فبراير عام 2008 أقرّ الكونغرس الأمريكي خطة التعافي وإعادة الاستثمار. أنهت هذه الخطة، التي بلغت قيمتها 787 مليار دولار، حالة الركود. شملت الخطة 212 مليار دولار من التخفيضات الضريبية، و575 مليار دولار من النفقات، التي تضمنت 311 مليار دولار لمشاريع جديدة، مثل التعليم والرعاية الصحية وتطوير البنى التحتية.
أعلن أوباما في 18 فبراير عام 2009 عن خطة بقيمة 78 مليار دولار للمساعدة في إنهاء الحجز العقاري لأصحاب القروض المتعثرة. صممت هذه الخطة لمساعدة 7 – 9 ملايين من أصحاب المنازل، لكي لا يتأخروا عن سداد مدفوعاتهم. [لا تسمح معظم البنوك بتعديل القرض حتى يُفوّت المقترض ثلاثة دفعات]. ودعمت الخطة البنوك التي أعادت هيكلة قروضها. مع ذلك لم تُفلح الخطة بإقناع البنوك بتغيير سياساتها.
مارس 2009: إطلاق خطة تأمين المساكن
خطة تأمين المساكن مبادرة أطلقتها إدارة أوباما لمساعدة أصحاب المساكن على تجنب الحجز العقاري. كان برنامج إعادة التمويل الميسور لأصحاب المنازل، أحد برامج هذه الخطة. وقد صُمم لتحفيز سوق الإسكان، بالسماح لما يصل إلى مليونين من مالكي المنازل الجديرين بالائتمان، بإعادة التمويل والاستفادة من معدلات فائدة منخفضة على الرهن العقاري. لكن البنوك اختارت فقط أفضل المتقدمين الجديرين بالثقة.
دور البنوك في التعافي البطيء:
أغسطس 2009: طلب تعديل القروض
استمرت البنوك حتى أغسطس 2009 بعملية الحجز العقاري على عقارات أصحاب القروض المتعثرة، ما قلل من آمال حدوث انتعاش اقتصادي. كان من الممكن تجنب الحجز العقاري بإعادة هيكلة القروض، لكن البنوك رفضت هذه الخطوة التي من شأنها الإضرار بالربح النهائي للبنوك. عدد حالات الحجز العقاري القياسية -360 ألف حالة في يوليو- جعلت الأمور أسوأ للبنوك وللعائلات الأمريكية. كان معدل الحجز العقاري في يوليو هو الأعلى منذ بدأت شركة المعلومات العقارية ريالتي تراك بتسجيل البيانات، إذ كان أعلى بنسبة 32% مقارنةً بعام 2008.
استمرت معدلات الحجز العقاري بالارتفاع وكانت أكثر من نصف الحالات في 4 ولايات: كاليفورنيا وأريزونا وفلوريدا وإلينوي. عززت مصارف كاليفورنيا إدارات الحجز العقاري التي تملكها، متوقعة خسارة المزيد من المنازل. لذلك طلبت إدارة أوباما من البنوك مضاعفة معدل إعادة هيكلة القروض بحلول نوفمبر 2009.
أكتوبر 2009: لم تعد البنوك تقرض الأموال
بلغت البطالة ذروتها عند 10% في أكتوبر 2009 وهو أسوأ مستوى منذ ركود عام 1982. إذ فُقد نحو 6 ملايين وظيفة خلال عام. كان أصحاب العمل يعينون عمالًا مؤقتين فقط بسبب قلقهم من الوضع الاقتصادي. لكن قطاعي الصحة والتعليم استمرا في التوسع.
من أسباب تباطؤ الانتعاش أن البنوك لم تكن تقرض المال، إذ انخفض الإقراض بنسبة 15% في أكبر 4 بنوك في أمريكا: بانك أوف أميريكا، وجي بي مورجان تشيس، وسيتيجروب، وويلز فارجو. خفضت البنوك الأربعة الإقراض التجاري والصناعي بقيمة 100 مليار دولار بين أبريل وأكتوبر 2009، وخفضت القروض الممنوحة للشركات الصغيرة، وفقًا لتحليل هافينجتون بوست لبيانات الحكومة الفيدرالية.
انخفضت نسبة الإقراض بنسبة 9% مقارنةً بأكتوبر 2008 في جميع البنوك التي شملها الاستطلاع. لكن الرصيد القائم لجميع القروض ارتفع بنسبة 5%، ما يعني أن البنوك أصبحت تقدم قروضًا أكبر لعدد أقل. إذ صرحت البنوك أن عدد المقترضين المؤهلين قد انخفض بسبب الركود. فيما ترى الشركات أن البنوك شددت معايير الإقراض. إذا نظرنا من كثب إلى عدد عمليات الحجز العقاري المُحتملة خلال 18 شهرًا، سنجد أن البنوك كانت تخزن السيولة استعدادًا لأي عمليات إلغاء قد تحدث في المستقبل. بمعنى آخر كانت البنوك تحتفظ بـ 1.1 تريليون دولار من المعونات الحكومية.
تعهد بانك أوف أميريكا للرئيس أوباما في ديسمبر 2009 بأنه سيزيد الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة بمقدار 5 مليارات دولار عام 2010. لكن لم يحدث ذلك إلا بعد خفض الإقراض بشدة عام 2009.
لماذا لا ندع البنوك تفلس؟
لا يزال الكثير من الناس غاضبين من استخدام 350 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لإنقاذ البنوك. يرى العديد منهم أنه لم يوجد أي إشراف على كيفية استخدام الأموال، وأن البنوك لم تكن بحاجة إلى هذه الأموال، وأنها صرفتها مكافآت للمديرين التنفيذيين. يرى آخرون أنه لا ينبغي إنقاذ البنوك لاتخاذها قرارات سيئة وجشعة، وأنه إذا تركنا البنوك تفلس فستشطب جميع الأصول التي لا قيمة لها. إذ ستأتي شركات أخرى وتشتري الأصول الجيدة، وسيكون الاقتصاد أقوى، بعبارة أخرى دع الرأسمالية تقوم بعملها.
في الحقيقة هذا ما حاول فعله وزير الخزانة السابق هانك بولسن مع بنك ليمان برذرز في سبتمبر. وكانت النتيجة حدوث هلع في السوق، وتدافع نحو الموارد الآمنة. ما هدّد بوقف التدفق المالي نحو الشركات الكبيرة ومتوسطة الدخل. لم يكن بالاستطاعة حل المشكلة من دون مساعدة الحكومة.
استُخدمت معظم موارد الحكومة لإنشاء الأصول اللازمة التي مكنت البنوك من شطب تريليون دولار من الخسائر. المشكلة أن البنوك الأخرى لا تمتلك الموارد الكافية لشراء هذه البنوك. حتى إن بنك سيتيجروب، أحد البنوك التي كانت تعوّل عليها الحكومة في إنقاذ بنوك أخرى، تطلّب خطة إنقاذ للاستمرار.
إن ترك البنوك الكبرى تفلس من شأنه أن يترك الاقتصاد الأمريكي بلا نظام مالي، ما قد يؤدي إلى حدوث كساد عظيم.
لماذا لم يقم أوباما بالمزيد لإنهاء الركود؟
لم يكن الرئيس أوباما يتعامل فقط مع الركود قبل الانتخابات النصفية. فقد أطلق برنامج العناية الصحية أوباما كير، الذي تعرض لانتقادات شديدة. وأيّد قانون دود فرانك لإصلاح وول ستريت، مع إصدار قوانين جديدة للاحتياطي الفيدرالي لمنع حدوث انهيار مصرفي آخر، وجعل النظام المصرفي أكثر تحفظًا. نتيجةً لذلك لم تعد البنوك تقرض كما كانت سابقًا لأنها كانت تحافظ على الأموال، لتتوافق مع اللوائح من أجل شطب ديونها. كان الإقراض المصرفي للشركات الصغيرة ضروريًا لخلق فرص عمل جديدة.
مخاطر المشتقات:
يُعد إلغاء القوانين المنظمة للمشتقات من الأسباب الرئيسية لحدوث الانهيار. فالمشتقات معقدة لدرجة أن الذين أنشؤوها لم يفهموها بالكامل. كانت البنوك تعيد بيع الرهون العقارية في السوق على شكل مشتقات بسرعة كبيرة لدرجة أنها شعرت بأنها محصنة ضد أي مخاطر، ما دفعها نحو أخذ قروض أخطر في كل مرة.
دفعت المحاولات المتطرفة من البنوك لبيع المزيد من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، سوق العقارات نحو تشكيل فقاعة. إذ صممت هذه المشتقات لزيادة السيولة في الاقتصاد، لكنها دفعت أسعار البيوت والديون نحو أرقام لا يمكن السيطرة عليها.
كيف أثّرت خطة الإنقاذ علينا؟
أوقف قانون دود فرانك الذعر الائتماني المصرفي، وسمح لأسعار الفائدة بالعودة لمستواها الطبيعي، وجعل من الممكن الحصول على قروض. فلو لم يعد سوق الائتمان للعمل لما استطاعت الشركات الحصول على رأس المال اللازم لإدارة أعمالها اليومية.
من دون هذا القانون كان من المستحيل على الناس الحصول على الموافقات اللازمة لأخذ قرض عقاري، أو حتى قروض للسيارات. حتى البنوك التي أعادت ضبط معدلات الرهن العقاري الخاصة بها، شهدت قفزة في الأرباح أكبر مما كانت ستحصل عليه حال استمرت بسياسة الحجز العقاري، وكان الركود الكبير سيصبح كسادًا.
في النهاية منحنا هذا المزيد من الأمل، لأننا تعلمنا الكثير عن كيفية عمل الاقتصاد، وأصبحنا أكثر ذكاءً في إدارته.
كم استمر الركود الكبير؟
استمر الركود الكبير 18 شهرًا. وذلك أطول ركود اقتصادي منذ عام 1960. فقبل الركود الكبير كان الركود يستمر وسطيًا نحو 11 شهرًا.
كيف تغير حجم احتياطيات البنوك عقب الركود الكبير؟
احتياطيات البنوك هي كمية السيولة النقدية التي تحتفظ بها البنوك في متناول اليد. زاد الاحتياطي الفيدرالي من المتطلبات الخاصة باحتياطيات البنوك، خصوصًا البنوك ذات التأثير الكبير في النظام المصرفي، إذ طالب البنوك بالاحتفاظ بالمزيد من رأس المال، ما يؤدي إلى تحسين استقرار النظام المصرفي.