بعد نحو ثلاثة عقود من التضخم المحدود نسبيًا، عادت الأسعار إلى الارتفاع بحدة من جديد.
مثلًا، ارتفع سعر الوقود بنسبة 40% في يناير 2022 مقارنةً بالعام السابق، وقفزت أسعار السيارات والشاحنات المستعملة بنسبة 41%، وفقًا للبيانات الصادرة في 10 فبراير 2022. من المجالات الأخرى التي تعاني ارتفاع معدلات التضخم: الفنادق، بزيادة قدرها 24% والبيض بزيادة 13% والسمن والزيوت بزيادة 11%. ارتفعت الأسعار وسطيًا نحو 7.5%، وهي أسرع وتيرة للتضخم منذ عام 1982.
يُعد كبح التضخم في الولايات المتحدة، وخفضه إلى الوتيرة المعتادة -نحو 2%- من مهام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
لتحقيق هذه الغاية، أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى اعتزامه رفع أسعار الفائدة عدة مرات هذا العام، ربما خمس مرات بدايةً من مارس. تشير أرقام التضخم الأسرع من المتوقع منذ يناير إلى أنه قد يتعين تسريع الجدول الزمني العام.
فهل ينجح ذلك؟ وإن صح ذلك، فلماذا؟
يرى الاقتصاديون أن الإجابة عن السؤال الأول هي غالبًا نعم، لكن ذلك ليس دون ثمن، وسنشرح لماذا.
رفع معدلات الفائدة يخفض الطلب
يتحكم البنك الفيدرالي في سعر الفائدة الفيدرالي، الذي يُسمى أحيانًا المعدل المستهدف.
هذا هو سعر الفائدة الذي تستخدمه البنوك لمنح القروض، إذ تقترض البنوك المال من بعضها أحيانًا لمنح القروض للمستهلكين والشركات، لذا فعندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة المستهدف، فإنه يرفع تكاليف الاقتراض بالنسبة إلى البنوك التي تحتاج إلى أموال للإقراض، أو تلبية متطلباتها التنظيمية.
من الطبيعي أن تفرض البنوك هذه التكاليف على المستهلكين والشركات، ما يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي عندما يرفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمعدل 25 نقطة، سيضطر المستهلكون والشركات إلى دفع المزيد لاقتراض المال، وتعتمد الزيادة على عدة عوامل، منها استحقاق القرض ومقدار الربح المراد تحقيقه.
الارتفاع في تكاليف الاقتراض يخفض الطلب والنشاط الاقتصادي. مثلًا، إذا زادت تكلفة قرض السيارة، فإنك قد تقرر الآن أنه ليس الوقت الملائم لشراء سيارة جديدة، وقد تصبح المؤسسات التجارية أقل ميلًا إلى الاستثمار في مصنع جديد أو توظيف عمال إضافيين، إذ ارتفعت فوائد القرض المطلوب لتمويل ذلك المصنع.
تلك هي التكاليف التي سيتكبدها الاقتصاد عندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة.
انخفاض الطلب يخفض التضخم
من ناحية أخرى، فإن هذا تحديدًا يعمل على إبطاء وتيرة التضخم. لأن أسعار السلع والخدمات ترتفع عادةً بزيادة الطلب عليها. عندما يصبح الاقتراض أكثر تكلفة، يقل الطلب على السلع والخدمات. قد لا تنخفض الأسعار بالضرورة، لكن معدل التضخم ينخفض عادةً.
من الأمثلة التي تبين ذلك سوق السيارات المستعملة، إذ كانت وتيرة التضخم مرتفعة ارتفاعًا استثنائيًّا قترة الجائحة. لنفترض حاليًا أن التاجر لديه مخزون من 100 سيارة. إذا ارتفعت التكلفة الإجمالية لشراء السيارة، نتيجة زيادة سعر الفائدة على القرض اللازم لتمويل السيارة، سينخفض الطلب مع ظهور عدد أقل من المستهلكين. لبيع المزيد من السيارات، قد يضطر التاجر إلى خفض الأسعار لإغراء المشترين.
أيضًا يواجه التاجر تكاليف اقتراض أعلى، ناهيك بانخفاض هوامش الربح نتيجة خفض الأسعار، ما يعني أنه ربما لا يستطيع تحمل تكاليف توظيف جميع العمال الذين خطط لتوظيفهم، أو حتى قد يضطر لتسريح بعض الموظفين الحاليين، لهذا فإن عددًا أقل من الناس قد يكون قادرًا على تحمل الدفعة الأولى لشراء السيارة، ما يفاقم انخفاض الطلب على السيارات.
الآن تخيل أننا لا نتحدث عن تاجر سيارات واحد يتعرض لانخفاض الطلب، بل اقتصاد كامل بقيمة 24 تريليون دولار. حتى الزيادات الصغيرة في أسعار الفائدة تخلف تأثيرات متتالية تُبطئ النشاط الاقتصادي، وتحد من قدرة الشركات على رفع الأسعار.
مخاطر رفع الأسعار بسرعة
يفترض المثال السابق ثبات مصدر التوريد، لكن الاقتصاد العالمي يتعامل مع اضطرابات هائلة في سلسلة التوريد، إذ تدفع هذه المصاعب تكاليف الإنتاج إلى الارتفاع في أنحاء العالم.
إذا كان ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة نابعًا أساسًا من ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض المخزون، قد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بمعدل كبير لاحتواء التضخم. وكلما اضطر الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، ازداد تضرر الاقتصاد.
على غرار مثال السيارات، إذا كان سعر رقائق الكمبيوتر –أحد المدخلات المهمة المستخدمة في صناعة السيارات- يتزايد بحدة بسبب الإغلاق المرتبط بالجائحة في آسيا، سيتعين على صانعي السيارات تحميل هذه التكلفة للمستهلكين، في صورة زيادة أسعار السيارات، بصرف النظر عن أسعار الفائدة.
هنا سيضطر الاحتياطي الفيدرالي لرفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة من أجل كبح التضخم، ما سيخفض الطلب. في هذه الحالة يصعب توقع الزيادة المطلوبة في أسعار الفائدة –المرتفعة أساسًا- للحفاظ على التضخم عند مستوى 2%.