الغ بك Ulugh Beg -عالم بالرياضيات والفلك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الغ بك Ulugh Beg -عالم بالرياضيات والفلك



    الغ بك

    Ulugh Beg - Ulugh Beg

    ألُغ بك
    )796 ـ 853هـ/1393 ـ 1449م(

    ألغ بك Ulugh beg محمد طرغاي بن شاه رُخ بن تيمورلنك، رابع حكام الأسرة التيمورية في هراة، كان عالماً بالرياضيات والفلك، وكان والده شاه رُخ يحكم بلاداً واسعة عاصمتها مدينة هراة. وقد تميز ألغ بك منذ صغره بالذكاء وحب المعرفة، فجعله والده في عام 811هـ/1408م أميراً على تركستان، ثم على بلاد ما وراء النهر، فاتخذ مدينة سمرقند حاضرة لإمارته، واستقر فيها حاكماً تسعاً وثلاثين سنة، انصرف في أثنائها إلى خدمة العلوم، والفنون والآداب عامة، حتى غدت سمرقند في عهده مركز إشعاع للعلوم الإسلامية. وبعد وفاة والده في عام 850هـ/1446م ارتقى ألغ بك عرش التيموريين في هراة، فكان في السياسة والحرب أقل حظاً منه في العلوم والآداب، إذ بدأت الفتن في الدولة مع بداية حكمه، واستقل الولاة بالمقاطعات التي كانوا يحكمونها، وثار عليه ابنه عبد اللطيف، وانتهت الحرب بينهما بهزيمة ألغ بك على يد ابنه، الذي سلّمه إلى عبد فارسي من عبيده يدعى عباساً فحاكمه محاكمة صورية وقتله. وكانت مدة حكم ألغ بك للدولة بكاملها عامين وثمانية أشهر.
    كان ألغ بك عالماً رياضياً وفلكياً وأديباً ومشاركاً في الفنون والعمارة، وكان إلى جانب ذلك حافظاً فقيهاً أكب على دراسة القرآن، فحفظه وجوّده بالقراءات السبع. وشغف بالشعر، فاتخذ لنفسه شاعراً خاصاً هو خواجة عصمت البخاري، وقرّب غيره من الشعراء والكتّاب، كما اهتم بالتاريخ، وكان هو نفسه مؤرخاً، فصنّف في تاريخ أبناء جنكيزخان الأربعة كتاباً عنوانه «أوغلوسي أربع جنكزي»، والكتاب مفقود لم يعثر له على أثر. وجمع في بلاطه العلماء من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموال، وأجزل لهم الرواتب، كما استدعى من سمع بفضله منهم وضمه إلى حاشيته، أمثال صلاح الدين موسى، المعروف بقاضي زادة الرومي (ت نحو 835هـ/1431م)، وغياث الدين جمشيد الكاشي (ت832هـ/1428م)، وملا علاء الدين القوشجي (ت879هـ/1474م)، والشاعر عصمت البخاري وغيرهم.
    وكانت التركية هي اللغة الأصلية لألغ بك، وقد تقدمت كثيراً في عصره، ونبغ فيها شعراء كبار، منهم الشاعر السكاكي (وهو غير يوسف السكاكي عالم اللغة العربية) الذي قال في شعره عن ألغ بك «سيدور الفلك مرات عدة قبل أن ينجب شاعراً تركياً مثلي، وملكاً عالماً مثلك».
    أنشأ ألغ بك مرصده المشهور في مدينة سمرقند سنة 823هـ/1420م وكان يقع شمالي المدينة مباشرة منحرفاً نحو الشرق، واختار مكانه المناسب فلكيون مشهورون. وتوخى ألغ بك أن يكون المرصد شاهداً على عظمة الدولة وقوتها فجعل أسسه في الصخر ونقاط ارتكازه تشبه أسس الجبل، وحصنه وأقام منشآت من الحجر القاسي وكساها بالرخام والمرمر، وكان المرصد يضم نماذج عشرة كواكب، وتمثيلاً لسبع دوائر سماوية مع دوائر لسبعة كواكب ثابتة عليها، وتمثيلاً لبعض الكواكب السيارة والمناخات والجبال والبحار والصحارى. وكل ذلك ممثل في رسوم مدهشة، وعلى مخططات لا شبيه لها داخل حجرات بناء مرتفع مشيد على مكان عال.
    وتعد المزولة (الدائرة العمودية) أساساً للمرصد، وكانت في الأصل تتألف من قوسين متوازيين من الحجر المكسو بالمرمر داخل مبنى دائري، وبلغ نصف قطر المزولة 40.214 متراً، وطول قوسها 63 متراً ولم يبق منها سوى القوس السفلية وطولها 32ْ مقسمة إلى درجات وموجودة ضمن خندق محفور في الصخر بعرض مترين وعمق أحد عشر متراً، ويبرز جزء منها فوق الأرض. كما بنى ألغ بك في مرصده ربع الدائرة التي استعملها لتعيين ارتفاع قطب النقطة التي بني فيها المرصد. وذكر أن ارتفاعها كان يضاهي ارتفاع قباب جامع آياصوفيا في القسطنطينية. كما زود المرصد بجميع آلات الرصد المعروفة في زمانه وامتازت بحجمها الكبير ودقتها الفائقة، وأضاف إليه آلات مبتكرة جديدة حتى عُد المرصد في ذلك الوقت إحدى عجائب الدنيا.
    عهد ألغ بك في إنشاء المرصد إلى غياث الدين جمشيد الكاشي سنة 823هـ/1420م فتوفي قبل إنجازه، وتولاه قاضي زادة الرومي (ت نحو 840هـ)، الذي توفي أيضاً قبل إتمامه. فتولاه وأكمله علي القوشجي (ت 879هـ)، وقام بإدارته حتى مقتل ألغ بك، فترك العمل وهرب إلى أذربيجان، ومنها أُرسل سفيراً إلى القسطنطينية في عهد السلطان العثماني محمد الثاني، الذي عرف فضله وعينه أستاذاً لعلوم الفلك والرياضيات في مدرسته في آيا صوفيا وتوفي فيها.
    بدأ الرصد في مرصد ألغ بك عام 827هـ/1423م، وفي عام 839هـ/1435م صدر «الزيج السلطاني الجديد» أو «زيج كركاني» منسوباً إلى ألغ بك، وهو يحتوي أربع مقالات: شملت المقالة الأولى حساب التوقعات وحساب التواريخ الزمنية، وهذه المقالة تتألف من مقدمة وخمسة أبواب. وقد أوضح ألغ بك في المقدمة الباعث على وضع الزيج، وهو إصلاح الكثير من الأخطاء التي وردت في الجداول الفلكية التي وضعها علماء سابقون، ولاسيما اليونانيون منهم. كما أشاد بفضل الذين عاونوه. أما المقالة الثانية فكانت في معرفة الأوقات والمطالع في كل وقت وتقع في اثنتين وعشرين باباً. أما المقالة الثالثة فكانت في معرفة سير الكواكب ومواضعها، وفيها ثلاثة عشر باباً. وأما الرابعة فكانت في معرفة مواقع النجوم الثابتة.
    وقد حسبت في الزيج مواقع 1018 نجماً، بالدرجات وبالدقائق فقط، من دون الثواني، وأضاف المؤلف إليها طرائق جديدة لحساب الخسوف والكسوف، وجداول للنجوم ولحركات الشمس والقمر، ولخطوط الطول والعرض للمدن المشهورة في العالم آنذاك.
    إن الدقة التي توصل إليها ألغ بك في تفسير التقويم الذي قام به عمر الخيام (ت515هـ/1121م) وإصلاحه، هي أقرب التفسيرات للحقيقة التاريخية، كما يقول المؤرخ جورج سارتون (1884 ـ 1956).
    ويعد العمل الذي أُنجز في مرصد ألغ بك إسهاماً بارزاً في تراث علم الفلك العالمي، يمثل منتهى ما وصل إليه علم الفلك في العصور الوسطى قبل اختراع التلسكوب.
    قام عدد من العلماء بشرح «الزيج» مثل ميرم جلبي الفلكي، وعلي القوشجي. واختصره محمد بن أبي الفتح الصوفي المصري. وطبع أول مرة في لندن سنة 1650م، ونقل إلى اللغات الأوربية، ونشر «سيديو» مقدمات في أكسفورد سنة 1665م ونشر بطبعة مقابلة على المقاييس الحديثة في واشنطن سنة 1917م.
    اندثر مرصد ألغ بك مع الزمن، وبقي أحجية للمؤرخين حتى عام 1908م، حين تمكن عالم الآثار الروسي السمرقندي (ف.ل فياتكين)، بعد دراسات دقيقة وجهود تنقيبية مضنية استمرت سنوات كثيرة، من كشف آثار المرصد تحت رسوبيات كثبانية رملية. وفي منطقة المرصد دفن عالم الآثار هذا بناء على وصيته وبنت الحكومة ضريحاً تذكارياً رمزياً لألغ بك.
    كذلك أنشأ ألغ بك في سمرقند سنة 825هـ/1421م مدرسة عليا تشبه الجامعات التقنية في هذا العصر، نقش على أبوابها «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، وعين قاضي زادة الرومي مديراً لها. وقد بنيت على هيئة مربع، في كل ضلع من أضلاعه قاعة للمحاضرات، عهد بها إلى مدرس خاص. وكان قاضي زادة يحاضر في الرياضيات والفلك، وكان ألغ بك يحضر الكثير من محاضراته. أثرت إنجازات مدرسة ألغ بك تأثيراً كبيراً في تطوير العلم شرقاً وغرباً، وخاصة في الهند والصين.
    واشتغل ألغ بك بعلم المثلثات، ووضع جداول دقيقة بالجيوب والظلال ساعدت على تقدم علم الفلك وتطوره. كما اشتغل بفروع الرياضيات الأخرى ولاسيما الهندسية. واهتم بالعمارة والفنون، وتشهد الأبنية التي شيدها على ذوق فني متميز وأهمها، إضافة إلى المرصد والمدرسة العليا، مسجد ألغ بك، وقد سمي بالمسجد المقطّع، لزخرفته من الداخل بالخشب المقطع على النمط الصيني، وقاعة العرش المسماة (الكرمشخانة)، والقصر ذو العمد المعقودة بأبراج أربعة شاهقة، والمزيّن بأربعين عموداً من المرمر، وقصر جيني خانة الذي نقشت جدرانه بالصور على الطراز الصيني.
    زهير الكتبي

يعمل...
X