مسيرة التشكيلي السوري :محمود شيخاني.من صناع فن التشكيل بحمص..علاء الدين عبد المولى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسيرة التشكيلي السوري :محمود شيخاني.من صناع فن التشكيل بحمص..علاء الدين عبد المولى

    أحرقوا لوحاته في حمص واحتضنته برلين.. الفنان التشكيلي السوري محمود شيخاني


    محمد علاء الدين عبد المولى
    2022.05.06 - دمشق


    يأتي اسم الفنان التشكيلي السوري محمود شيخاني في قائمة طويلة تضم أسماء عشرات الفنانين صنعوا تاريخ الحركة التشكيلية في مدينة حمص، منذ جيل الآباء المؤسسين (صبحي شعيب وأحمد دراق السباعي ومصطفى بستنجي) حتى آخر العنقود الفني. إن حضور الإبداع التشكيلي في حمص خلق خطا موازيا لحضور الإبداع الشعري المشهور في المدينة، فحمص كما نقول دائما هي أيضا مدينة الفن التشكيلي وليست فقط مدينة الشعراء.

    حمص المدينة المعروفة بأنها كانت عاصمة النكتة السورية، صارت عاصمة (النكبة) والحزن. وقد نال الفنان محمود شيخاني كغيره نصيبه من هذه النكبة والخراب الشامل، فقد تمّ إحراق مرسمه وبعض أعماله بعد نهبه وسرقة لوحاته المهمة التي لم يعد يملك الآن منها سوى صور رقمية يستعيدها بين حين وآخر ليعيد الشغل في بعضها ويجدد بعضها الآخر كليا حتى لتبدو لوحات جديدة متوائمة مع وضعه الجديد.

    ربما لم يرسم محمود أماكن المدينة كثيرا كما قد فعل زملاؤه، وذلك أمر طبيعي عائد لاختلاف زاوية النظر فنيا، لكنه كان ابنا لباحث حمصي هو الراحل فيصل شيخاني الذي ترك عددا من الكتب معظمها يدور حول تاريخ وأعلام المدينة. ليكمل محمود رحلة العطاء على صعيد مختلف هو التشكيل.

    مرت أعماله الفنية بعدة أنماط وأساليب تشكيلية، مما يعكس نزوعا مشروعا ومندفعا لديه نحو تجريب أكثر من تقنية فنية حسب ما تمليه مراحل التطور والنضوج واختلاف المكان والثقافة، بما في ذلك ظروف حياته التي استقرت به أخيرا ليجد نفسه في وسط العاصمة برلين.

    يحمل محمود في ذاكرته درسا تلقّاه –هو ومجموعة من زملاء المرحلة والدراسة– من الفنان الرائد أحمد دراق السباعي المعروف بأنه كان مبدعا (على الفطرة) كما نقول عادةً. وفطريته وجّهته إلى التركيز في شغله على طرائق تفكير الأطفال وكيفية تعبيرهم البدائية العفوية المتحررة من القواعد، فدراق السباعي وظّف في رسمه خطوط وتشكيلات الأطفال ونقل عنهم حسّهم الغريزيّ باللون والجمال من غير مدارس ولا نظريات نقدية. ذلك الدرس ملخّصه في أن أحمد دراق السباعي كان يقول للفنانين في أثناء حواره وملاحظاته معهم: "ارسموا ومزقوا. لا تخافوا من جعلكة الورقة ورميها. مزقوها فسوف ترسمون أفضل منها". وهذا الدرس يشبه تماما عملية تمزيق القصائد للبدء من جديد، والغاية من ذلك بطبيعة الحال هو التجريب والمحاولة والاجتهاد الدؤوب بلا كلل حتى الوصول إلى مرحلة النضج والإتقان.

    على أن عفوية الأطفال وبراءتهم لا تعني عدم وعي المسألة الفنية ومقاصدها عند الفنان، فالأمر لا يعني تقليدا لخط ولون الطفل بقدر ما تعني استخلاص الدرس الرئيسي من رؤية الطفولة للون والرسم. لهذا فإن عفوية محمود وغيره لا تفضي إلى عشوائية في العمل بل هي قائمة على لحظة إدراكٍ ومعرفةٍ.

    من هنا نرى أن تجربة محمود التشكيلية مرت بمراحل متعددة، من الواقعية والطبيعة الصامتة وصولا إلى تجريب التعبيرية والتجريد في ألمانيا مرورا بتقنية الديجتال –التي استعادها فيما بعد أيضاً– والاستناد إلى موديل واقعيّ في الرسم على عادة أهل الفنّ التشكيلي رسما ونحتا. وفي جميع تلك المراحل لم يكن يرسم إلا مندفعا بشغفٍ جامح للرسم. ربما كما يندفع الطفل في تشكيل وتغيير ألوانه ومستمعا بذلك بالدرجة الأولى.

    كانت الطبيعة الصامتة تشكل عنده نقطة جذب كمعظم من مارس هذا الشكل من التشكيل، وهو يريد أن يقدم حتى الطبيعة الصامتة بصورة مختلفة نوعا ما، فكان يزيحُ الطبيعة الصامتة عن واقعيتها الحرفية ليغير في عناصرها الواقعية، فيعطي مثلا حجما أكبر فنيا للعنصر الواقعيّ معتمدا على إحساسه الخاص بالشكل واللون بحيث يتحرك وفق رغبته في تعديل الواقع ليلائم انفعاله ومهارته الفنية الذاتية.

    ولأن الواقعية في التشكيل لا تتطلب إعمال الخيال كثيرا، فسوف لن تعتمد هذه الأسلوبية على اللاشعور، أي ليس هناك طبيعة صامتة تحمل دافعا لاشعوريا أو لاواعيا، فاللاشعور مرتبط هو الآخر كثيرا بنشاط الخيال، وذلك على عكس ما آلت إليه تجربته الآن في مرحلة تجريب التعبيرية حيث تتيح هذه الأخيرة للاشعور أن يتدخل في عمل الفنان وقد ينبثق العمل كله من منطقة اللاشعور باستعانة كبيرة وأساسية من المخيلة والخيال.

    وبحسب شيخاني فإنه "من غير قصد أتركُ اللاشعور يتدخل في تشكيل اللوحة، وطبعا اللاشعور له إرادةٌ، ولا أدري متى يتجلى ويحضر، إنه مثل الوحي بالنسبة للشعر".

    ولكن معنى (الوحي) تطور لدى الفنان والشاعر في العصر الحديث، فلم يعد مفيدا أن نفهم منه هبوط الإلهام على فنان كسولٍ متقاعسٍ غير ذي خبرة وثقافة ورؤية، لذا فإن لوحات شيخاني ليست إلا نتاج شخصية تتعب في كيفية التعامل مع الوحي وتدير العلاقة مع الإلهام بأسلوبٍ يبرز فيه الوعي والقصد والثقافة إلى جانب ما يتمتع به الفنان بصورة عامة من حساسية خاصة وفهمٍ وجدانيّ لأشياء وأفكار وخطوط عمله التشكيلي.


يعمل...
X