أندريا دي تشونه Andrea di Cione ولدفي فلورنسا، وحمل لقب معلّمه الصائغ جوليانو فيروكيو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أندريا دي تشونه Andrea di Cione ولدفي فلورنسا، وحمل لقب معلّمه الصائغ جوليانو فيروكيو

    فيروكيو (أندريا دي تشونه المعروف بـ -)
    (1435-1488)

    ولد أندريا دي تشونه Andrea di Cione في فلورنسا، وحمل لقب معلّمه الصائغ جوليانو فيروكيو Giuliano Verrocchio، ويعدّ واحداً من ألمع المبدعين الإيطاليين في النصف الثاني من القرن الخامس عشر. عمل في حياته صائغاً ونحاتاً ومصوراً ورساماً للمناظر وموسيقياً. تتلمذ على يد النحات دوناتلّو Donatello، وفي التصوير على يد أليسّو بالدوفينيتي Alesso Baldovinetti، وكان أسلوبه الفني فجّاً وقاسياً كما كان يميل إلى الدقة في محاكاة الواقع.
    اهتمّ في صغره بالعلوم كثيراً ولاسيّما الهندسة. وفي الفترة التي تكوّنت فيها شخصيته في مشغل صياغة الذهب نفّذ تكوينات زخرفية للكاتدرائية في فلورنسا. ومن أهم أعمال هذه المرحلة أيضاً قصعة كبيرة نفّذ على سطحها الخارجي عناصر زخرفية كثيفة ومتنوعة (نباتيةً، وحيوانيةً، وأشكالاً غير مألوفة) وكانت بديعة الصنع والمنظر، وحازت شهرة واسعة حتى إن جميع العاملين في مجال الصياغة كانوا يعرفونها. كما نفذ مزهرية عالج سطحها الخارجي بتكوين بارز يمثل أطفالاً يرقصون بحماسة ظاهرة.
    تأثّر فيروكيو بتقاليد المدرسة الفلورنسية التي تعد من أقدم مدارس عصر النهضة إذ تعود بداياتها إلى العصر القوطي منذ عهد جوتو Giotto. وقد اهتمت هذه المدرسة بالموضوعات الدينية على الرغم من الرغبة الدفينة لدى الفنانين في تنفيذ موضوعات مستمدة من الأساطير، والتغني بجمال الطبيعة، وتمجيد الحياة الدنيوية الرغيدة.
    «دافيد» من البرونز (1476)
    (متحف بارجيلّو، فلورنسا)
    سافر فيروكيو إلى روما، ولحظ الاهتمام الكبير بالأعمال النحتية المتوزعة في ميادينها وساحاتها، فانشدّ إليها، وعزم على التخلّي عن مهنة الصياغة والانصراف إلى دراسة النحت. في البداية ركّز اهتماماته على صب الأعمال النحتية الصغيرة بمادة البرونز. كما نفذ أعمالاً نحتية بالرخام تمثل أضرحة ووجوه شخصيات معروفة، واكتسب إبان إقامته هناك شهرة كبيرة وجمع كثيراً من الأموال.
    عاد فيروكيو إلى فلورنسا مزوداً بتجربة غنية، وفي عام 1476 كُلف تنفيذ تمثال داود David بارتفاع ذراعين ونصف الذراع، فأنجزه على هيئة محارب يافع توارت حداثته خلف وقفته القتالية، يمتشق سيفاً؛ وعلى الأرض بين قدميه رأس جوليات Goliath (جالوت) المقطوع. لقد بدا داود بملامح أرستقراطية يرتدي زيّ الصالونات المزركش، وترتسم على محياه الحيرة وعلى شفتيه ابتسامة ساحرة شبيهة بابتسامة الموناليزا Mona Liza (في لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة). نفذ فيروكيو هذا العمل بمادة البرونز وبتقانة رفيعة المستوى. وكان فيروكيو شغوفاً بهذه المادة، ونتيجة لنجاحاته لُقِّب بـ«المعلم المتألق». لم يتطرق فيروكيو لموضوع داود؛ لينافس النحات دوناتلّو، وإنما قدمه تعبيراً عن ثقافة العصر، وانعكاساً للمرحلة التي يمثلها الحاكم لورنزو دي ميديتشي Lorenzo de Medici الذي كلفه تنفيذ هذا العمل، فجاء رمزاً للنضال ولشرعية السلطة في هذه المرحلة.
    من أبرز الأعمال النحتية التي نفذها فيروكو أيضاً النصب التذكاري لقائد الجيش المظفر بارتولوميو كوليوني Bartolomeo Colleoni.
    كان هذا القائد قد خصص في وصيته مبلغاً من المال من أجل تشييد عمل نصبي له. وفي عام 1479 أعلنت الهيئة العليا لمدينة البندقية عن مسابقة، وبناءً على شهرة فيروكيو واسعة الانتشار تم تكليفه تنفيذ هذا العمل بصورة فارس على صهوة جواد. شرع فيروكيو بتنفيذ الحصان في فلورنسا، وبعد إنجاز النموذج بدأ بصناعة القالب من أجل عملية الصب بمادة البرونز. في هذه الأثناء ارتفعت بعض الأصوات داعية إلى تكليف النحات فيلانو Vellano تنفيذ هيئة الفارس كوليوني، واقتصار مهمّة فيروكيو على تنفيذ الحصان فقط. وعندما وصلت الأنباء إليه ثارت ثائرته، فحطم رأس الحصان وقوائمه وعاد أدراجه إلى فلورنسا دون أن ينبس بكلمة. هددته الهيئة العليا في البندقية بالموت إذا عاد إليها، لكنها سحبت تهديدها لاحقاً بعد اعتذاره، وتم تكليفه مجدداً بتنفيذ العمل كاملاً.
    «تعميد السيد المسيح»
    (متحف الأوفيس، فلورنسا، نحو 1470-1475)
    بدأ فيروكيو ببناء النموذج وتحويله إلى مادة البرونز. لكن المنيّة وافته وهو يضع اللمسات الأخيرة على العمل نتيجة البرد القارس في أثناء عملية الصب. يقوم هذا العمل حالياً على قاعدة مرتفعة في ساحة سانتي جوفاني باولو في البندقية Santi Giovanni e Paolo، ومن الجدير بالذكر أن ثمة نسخة ثانية لهذا العمل البديع موجودة حالياً في الساحة الداخلية لأكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة البولونية وارسو.
    استخدم فيروكيو، إضافة إلى البرونز، خامات مختلفة في تنفيذ أعماله النحتية، وكان شغوفاً باستخدام مادة الجص؛ هذه المادة التي كان يصنعها بنفسه من الصخور الطرية التي كان يحصل عليها من ضواحي سيينا وفولتيرا بعد تعريضها إلى حرارة كافية وطحنها. ومن الملاحظ استخدامه لمادة الجص في الصب المباشر للأعضاء الإنسانية الحية كاليدين والساقين والقدمين، والجذوع، إضافة إلى وجوه الموتى. لذلك يُشاهد في فلورنسا حالياً كثير من هذه العناصر في التزيينات الداخلية فوق الأبواب والنوافذ التي تبدو كأنها حية. قدم فيروكيو، علاوة على ذلك، تجربة ناجحة باستخدام الشمع في بناء أعماله النحتية. وكانت تبدو بعد تلوينها وكأنها شخوص حية، كما قدم كثيراً من الأعمال المنفذة بمادة الخشب ومادة الطين المشوي terracotta.
    لم يهمل فيروكيو التصوير حتى مع انشغاله بتنفيذ الأعمال النحتية، وكان قد أعدّ كثيراً من الدراسات الأولية لموضوعات تاريخية وأسطورية؛ إلا أنه لم يتمكّن من تنفيذها لانشغاله بتنفيذ لوحات أخرى، ومن أهم أعماله في مجال التصوير لوحة تمثل تعميد السيد المسيح. وقد ساعده على تنفيذها ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci عندما كان تلميذاً يافعاً في مرسمه. وكان ليوناردو قد نفذ فيها هيئة الملَك، وبدا واضحاً تفوقه على معلمه موازنة مع الشخصيات الأخرى التي نفذها فيروكيو الذي انصرف عن الرسم نهائياً بعد أن رأى تفوق تلميذه عليه كما يقول فازاري Vasari، ولكن الحقيقة هي أن فعاليّة فيروكيو واهتمامه الرئيسين قد انصبا على النحت دون غيره، وأن الأعمال الكبيرة التي كُلِّفها في هذا الميدان (النحت) لم تترك له إلا القليل من الوقت للعمل في التصوير، وهذا ما كان يضطره في أغلب الأحيان إلى أن يعهد بأعمال التصوير إلى تلامذته ومساعديه. وعند رحيله إلى البندقية حيث دُعي لتشييد نصب بارتولوميو كوليوني، سلّم فيروكيو إدارة مشغله إلى تلميذه الأثير لورنزو دي كريدي Lorenzo di Credi الذي أعاد جثمان معلّمه فيروكيو إلى بلده بعد وفاته.
    أحمد الأحمد
يعمل...
X