كتاب:إرث سيدة الغناء فيروز.أكبرمنعطف للموسيقى العربية الحديثة.الباحث:عبد الإله بلقزيز

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب:إرث سيدة الغناء فيروز.أكبرمنعطف للموسيقى العربية الحديثة.الباحث:عبد الإله بلقزيز



    صورة: أ.ف.بهسبريس - وائل بورشاشنالخميس 27 يوليوز 2023م
    مؤلف يحتفي بإرث "سيدة الغناء" فيروز.. أكبر منعطف للموسيقى العربية الحديثة

    السيدة فيروز هي “المرأة / الأُمة”، و”سيدة الغناء” بالنسبة للمفكر المغربي عبد الإله بلقزيز، الذي رأى فيها، والأخوَين الرحباني، وبعدهما ابنها زياد الرحباني، ظاهرة “مثلت المنعطف الأضخم في تاريخ الموسيقى والغناء العربيين الحديثين”.

    جاء هذا في عمل جماعي، ضمّ كتّابا وباحثين من مختلف أنحاء العالم العربي حول عنوان “وطن اسمه فيروز”، من بينها مساهمة الأكاديمي بلقزيز المتخصص في الفلسفة والفكر العربي والفكر السياسي، المعنونة بـ”فيروز التي في الوجدان… فيروز التي في المكان والزمان”.

    هذا العمل، الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، “تكريم للسيدة فيروز في عيد ميلادها الثامن والثمانين، احتفاء بصوتها الآسر وأدائها المتميز، وعربون شكر على ما انفكت أغانيها تغمر الآلاف منا بفيض خلاب ومفجر لعمق المشاعر والذكريات والأحلام”، وتحية تقدير على من اكتشف موهبتها وصقلها ووفر دواعي تألقها؛ “وفي طليعتهم ثلاثي الرحابنة الفذ: منصور وعاصي وزياد”. وعلى الرغم من كثرة الكتب التي تناولت الظاهرة الفيروزية، فإن هذا الإصدار، ممكن الاطلاع عليه رقميا، يتميز، وفق تقديمه، “بأنه لا يُنسب إلى مؤلف واحد، ولا ينحصر في بلد عربي بعينه، ولا يقتصر على نوع كتابي معين”.

    وكتب عبد الإله بلقزيز أن ظاهره الرحابِنَة والسيدة فيروز “ظاهرة خرجت عن المألوف والدارج والشائع في الموسيقى والغناء والتعبير الشعري، ومثلت المنعطف الأضخم في تاريخ الموسيقى والغناء العربيين الحديثين”؛ بل هي “- من غير مبالغة أو تزيد – تنزلت من ذلك التاريخ منزلة اللحظة الأعلى والأغنى فيه: اللحظة التي زود فيها الإنتاج الرحباني – الفيروزي الثقافة العربية بواحد من أخصب موارد الحداثة فيها، وقدم للذائقة الجمالية العربية من المادة الإبداعية ما به ترتقي وتنصقل وتسمُق قدرتها إلى حيث تَقوى على أن تألف لغة موسيقية جديدة وطرائق في الأداء جديدة”.

    ومع العمل الرحباني الفيروزي “طرق الغناء العربي أبواب العالمية”، بالنسبة للكاتب، بل و”اقتحم آفاقها، محتلا مكانة بوصفه عملا يجمع بين أصالة التعبير عن غنى موسيقاه الشرقية وفولكلورِه الشعبي المحلي، ومقاماته العريقة، و(بين) لغة موسيقية أوركسترالية حديثة ذات نفَس كوني عابرةٍ للتراثات، ومتفاعلة مع معطياتها أشد التفاعل، ومحمولةٍ – في الوقت عينه – على صوت فيروزي ساحر ندر أن وُجد له في العالم نظائر”.

    هذا المزيج تشكل منه “ذلك المركب المذهل، والعصي على المضارعة والمضاهاة في السياق الفني العربي، منذ خمسينيات القرن الماضي”، فشهد “النتاج الموسيقي – الغنائي اللبناني والعربي انعطافته التاريخية الثانية بعد انعطافته الأولى، في مطلع القرن العشرين، مع سيد درويش”، دون إمكان جحود “إسهامات الشيخ زكريا أحمد، ومحمد القصبجي، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، ورياض السنباطي، وأصوات رفيعة مثل صوت أم كلثوم وأسمهان”.

    لكن تبقى “للحظة الرحبانية – الفيروزية فرادتها التي لا تشبهها فيها إلا اللحظة الدرويشية؛ وهي فرادة ترد، في المقام الأول، إلى منجزها الذي صنعها وميزها ومايزها عن غيرها: فعل التأسيس بما هو فعل ابتكار وخلق؛ فعل الخروج من بنية في التعبير إلى بنية جديدة أخرى”.

    وفسر بلقزيز إتقان فيروز أداءَ قوالبَ موسيقية غنائية متعددة ومتباينة، رومانسية، ملحمية، أوبرالية، كلاسيكية، ابتهالية، إنشادية، حوارية، فولكلورية، توشيحية، موالية، وغيرها بـ”جملة من العوامل متضافرةٍ اجتمعت في السيدة الكبيرة: من استعدادات صوتية، ودربة، ومِران، وخبرة متراكمة، وذكاء، واحترام دقيق للعمل، وثقافة موسيقية رفيعة… وليس إلى عامل وحيد من هذه العوامل”.

    وتحدث أستاذ الفلسفة عن فيروز ما بعد “الأخوين الرحباني”، قائلا: إن “رحيل عاصي الرحباني، في منتصف الثمانينيات، وانفراط عقد الثنائي الرحباني بذلك الرحيل الفاجع، وبانصراف منصور إلى العمل مستقلا”، لم يكن ليُنهي “الظاهرة الكاريزمية الفيروزية، التي بدأت صعودها معهما في مطالع الخمسينيات، بل سرعان ما تأقلمت مع هذا التغير المفاجئ واستأنفت نفسَها وسلطانها الفني في صورة جديدة”، فمع “الثنائي فيروز – زياد ستشهد الرحبانية على مرحلتها الثانية، ومعها سيدخل الصوت الفيروزي طورا من التكيفِ جديدا، من غير أن يَفتاقَ إلى أي من موارد الطاقة والقوة والجمال فيه؛ تلك التي صنعت لصوت فيروز سلطانه الساحر في النفوس لردحٍ من الزمنِ طويل”.

    لكن لم يفت بلقزيز التسطير على أن “رحيل عاصي الرحباني ليس تفصيلا عاديا في تاريخ الموسيقى وفي تاريخ الثقافة العربية؛ لأنه رحيل أعظم عقل موسيقي عربي في القرن العشرين”.

    واسترسل بلقزيز كاتبا، بعد ذلك عن السيدة: “يحار المرء في أمر صوت السيدة فيروز؛ من أي مَحْتدٍ هو من المحاتِد: أمن الأرض هو أم من السماء؟ أهو من نسغ بشري أم من روح عليائي؟ ما أخطأ من لقبه، يوما، بالصوت الملائكي؛ لأنه يخاطب في دواخلنا ما يعلو، كثيرا، على بشريتنا المادية ونوازعها الطبيعية؛ ما يجعل الإنساني فينا اسما آخر لما فوق – البشري فينا. صوتُها وحده يعثر على ذلك العميق في كل واحد منا، فيفتكه افتكاكا من إسار البشري الغرائزي الذي يكبحه بما يلقيه عليه من قيد. كأن صوتها يحرر الروح من قيد البدن؛ يجرد الحِسي ويبدد حسيته؛ يرفع النفس عن معدلها الأرضي، ويسافر بها في المعارج”.

    وليست فيروز مجرد صوت ملائكي، بل هي “الوطن الرمزي للبنانيين بعدما عز الوطن المادي وامتنع؛ وطنٌ مثالي اعتيض به اعتياضا عن وطن أصيب بالجنون، وعُلقت قيامته على خشبة؛ فحين أتى على اللبنانيين حين من الدهر أقاموا فيه كرنفال الدم والإفناء المتبادل، تمزقت الروابط والجوامع بينهم، وانهدت أركان الدولة فلم يبق منها ما يُستمسك به: لا دولة، ولا جيش، ولا عملة، ولا سيادة، ولا توافق… ولا يحزنون؛ الجميع حربٌ على الجميع، والجميع عدو للجميع، وحياةُ قسم من الناس وقفٌ على إفناء حياة قسم ثان”، وفي هذه “الكربلاء الجماعية المعممة، لم يكن قد بقي من جامع واحد بين اللبنانيين يعتصمون بحبله ويستمسكون سوى السيدة فيروز، ومن خلفها التراث الرحباني الثر؛ الذي بنى لهم وطنا بديلا إليه يلجؤون عند المُلمات والمدلهمات”.

    ثم علق بلقزيز على هذا الجرح القريبِ، وبلسمه: “أنت منتمٍ إلى فيروزَ الوطن، إذن: أنت لبناني يجمعك بغيرك رابطٌ هو صوتُها”.

    لكن ما كان هذا حال اللبنانيين وحدهم، بل أكد الأكاديمي عبد الإله بلقزيز أن السيدة فيروز هكذا “عند العرب جميعا: من الماء إلى الماء، الذين انتقشت في وعيهم ولا شعورهم الجمعي المماهاة بينها ووطنِها: فيروز لبنان ولبنان فيروز”، قبل أن يستدرك كاتبا: “مهلا: وهل تكون العروبة، وفلسطينُ، والقدس، والحرية، والكرامة، والتحرر، والحب، والجمال، والقيم الرفيعة… شيئا من غير صوت فيروز؟”.

يعمل...
X