رياضيات (تطور) Mathematics developments - Développement de

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رياضيات (تطور) Mathematics developments - Développement de

    رياضيات (تطور)

    Mathematics developments - Développement de mathématiques

    الرياضيات (تطور ـ)

    الرياضيات هي العلم الذي يدرس العلاقات بين بعض الأشياء المجردة ضمن شرط وحيد، وهو ألاّ يؤدي تعريف هذه الأشياء إلى تناقضات.
    وقد عُرّفَتِ الرياضيات مدة طويلة بأنها علم الكميات، التي تقسمها الرياضيات إلى عدة فروع تبعاً لطبيعة هذه الكميات. ويُمَيَّزُ من هذه الفروع، في المقام الأول، الحساب، والهندسة، والميكانيك، والرياضيات الفيزيائية، وحساب الاحتمالات. ويوجد بين هذه الفروع المختلفة رابطة مشتركة، هي الجبر.
    لا بد من الإقرار بأن المصطلحات المستعملة في الرياضيات لم تكن دقيقة دوماً، ثم إنها عرضة للتغيرات مع الزمن. فالتعريف التقليدي، الذي قدمه للرياضيات عام 1691 الرياضي الفرنسي ج. أوزانام (1640ـ1718) J.Ozanam ، الذي ينص على أن «الرياضيات هي العلم الذي يدرس كل ما يمكن قياسه أو حسابه»، يعد ضمناً أن النواة المركزية للعلوم الرياضية هي الهندسة والجبر. وكأن هذا التعريف يشير إلى أن جذور الرياضيات موجودة في كتاب «الأصول» Elements الذي كتبه إقليدس (330 ـ 270 ق.م.)، والذي يعالج بالضبط هذين الموضوعين الأساسيين.
    بحلول القرن الثامن عشر، قُسّمت الرياضيات إلى رياضياتٍ بحتةٍ pure mathematics، لا تتطلب سوى التفكير والمحاكمة، ورياضياتٍ مختلطة mixed mathematics، يصفها أوزانام بأنها «تلك الرياضيات التي تدرس خواص الكميات المرتبطة بموضوعات حساسة، والتي لا تستغني عن التجربة». وهذه الرياضيات المختلطة مرتبطة، في معظمها، بالعلوم الرياضية ـ الفيزيائية. وقد قسم بعض الرياضيين في ذلك الوقت الرياضيات إلى نظرية theoretical، وعملية practical، وَوُصفَتِ الأخيرةُ بأنها فنّ إجراء الحسابات، أو فنّ قياس المساحات.
    بحلول عام 1800 تقريباً، صار الرياضيون يفضّلون استعمال مصطلح الرياضيات التطبيقية applied mathematics على مصطلح الرياضيات المختلطة. ومع ذلك، ظل التمييز بين الرياضيات البحتة والتطبيقية يفتقر إلى الدقة. فالهندسة، التي طالما اعتُبرت علماً للفضاء الفيزيائي، والتي كانت في البداية أساساً للرياضيات البحتة، صارت فيما بعد تطبيقاً لها. وبالعكس، فحساب الاحتمالات، الذي صُنِّف في الماضي ضمن الرياضيات التطبيقية، أصبح اليوم منتسباً إلى الرياضيات البحتة، بفضل وضع مسلَّمات axioms له من قبل الرياضي الروسي أ. كولموغوروف A.Kolmogorov عام 1933. أما علم الإحصاء، فبقي في المجال التطبيقي.
    وبحلول القرن التاسع عشر، تعرض التعريف التقليدي للرياضيات لهزة عنيفة قبل أن يختفي تماماً. ففي عام 1854، صرّح الرياضي والمنطقي الإنكليزي ج. بول (1815ـ1864) G.Boole بأن الأفكار المتعلقة بالعدد والكميات لا تستغرق علم الرياضيات كله، إذ يجب إدخال المنطق logic ضمن هذا العلم، وهذه فكرة قبلها الرياضيون حتى أيامنا هذه.
    وفي عام 1874 شدد غ. داربو (1842ـ1917) G.Darboux على إحدى الضرورات التي يجب أن يحققها النظام الرياضي بقوله: «يجب التقيد بقانون مضاعف، وهو التعريف الدقيق للفرضيات التي يُبنَى عليها النظام، وعدم تقديم ما هو غير ضروري منها، وذلك لبلوغ الدّقة النظرية التي يراد التوصل إليها.» وقد كتب صديقه ج. هويل (1823ـ1886) J.Hoüel عام 1878، في مقدمة كتابه الذي يبحث في حساب اللامتناهيات في الصغر، ما يأتي: «لا بد للعلم المجرد أولاً أن تكون الفرضيات الأولية الموضوعة له منسجمة (متّسقة) (compatible) consistent، وأن تكون غير قابلة للاختزال إلى قسم أصغر منها. كل علم مؤسس على فرضيات تفي بهذين الشرطين، هو علم سليم تماماً من وجهتي النظر العقلية والتجريدية».
    مراحل تطور الرياضيات
    تطلبت المراحل الأولى من التطور الثقافي الإنساني نشوء حساب الأعداد الطبيعية، الذي توصل، في مرحلة ما، إلى تطبيق العمليات الحسابية الأربع على الأعداد الطبيعية. وقد أدت متطلبات القياس (لكميات الحبوب، وأطوال الطرق) إلى ظهور تسميات وترميزات لأبسط الأعداد الكسرية، وإلى ابتكار طرائق لإجراء العمليات الحسابية على الكسور. وهكذا نشأ أقدم علوم الرياضيات، وهو علم الحساب arithmetic، ثم إن قياسات المساحات والحجوم، ومتطلبات علم الفلك في وقت لاحق، قادت إلى نشوء علم الهندسة geometry. وقد تطور هذان العلمان عند كثير من الشعوب بسرعة، كل منها باستقلال عن الآخر. وقد كان لتجمع المعلومات الحسابية والهندسية، لدى المصريين والبابليين، أهمية بالغة في تطور العلوم فيما بعد. وتجدر الإشارة إلى أنه في سياق تطوير التقنيات الحسابية من قبل البابليين، توصلوا، أثناء محاولاتهم معالجة بعض المسائل الفلكية، إلى بعض الأفكار الجبرية والمثلثاتية.
    الرياضيات الابتدائية: بعد تجميع قدر كبير من المعارف والتقنيات الرياضية، وخاصة ما يتعلق منها بأساليب إجراء الحسابات، وبطرق تعيين المساحات والحجوم، غدت الرياضيات علماً قائماً بذاته، وبرزت حاجة ملحة إلى تطوير مفاهيمه الأساسية تطويراً منهجياً، وإعطائه صيغة عامة قدر الإمكان. وفيما يتعلق بالحساب والجبر، فقد ظهر الاهتمام بهما بوضوح في بابل. لكن اليونان القديمة كانت أوضح في بناء علم الرياضيات على أسس منهجية تعتمد على المنطق. هذا وإن إنشاء قدماء اليونان للنظام، الذي بنوا عليه الهندسة الابتدائية، غدا القاعدة التي استند إليها النظام الاستنتاجي، الذي كان النهجَ الأساسيَّ للعلوم الرياضية أكثر من ألفي سنة. أما علم الحساب، فتطور تدريجياً إلى نظرية الأعداد number theory. وقد تبين أن مفهوم العدد الحقيقي (الذي برز في سياق عملية قياس المقادير) يتطلب إجراءات طويلة ومعقدة. وفي الحقيقة، فإن مفهومي العدد الأصم irrational number، والعدد السالب ينتسبان إلى تجريدات رياضية أعقد، لأنه لا يوجد نموذج واضح لهما في عالمنا الفيزيائي، خلافاً لمفاهيم العدد الطبيعي، والعدد الكسري، والشكل الهندسي. أما علم الجبر، الذي يستعمل الحروف في الحسابات، فقد غدا علماً قائماً بذاته في أواخر القرن السابع عشر، وهو التاريخ الذي شهد نهاية عصر الرياضيات الابتدائية، وانتقال مركز ثقل اهتمام الرياضيات إلى موضوع القيم المتغيرة.
    رياضيات القيم المتغيرة:
    في القرن السابع عشر، بدأ عصر جديد للرياضيات، فالعلاقات الكمية والنماذج الفضائية، التي كانت الموضوع الرئيسي للرياضيات، لم تُدْرس بالاستعانة بالأعداد، أو بالأشكال الهندسية. وقد سيطر على الفكر الرياضي آنذاك مفهوما الحركة والتغير، وتضمّن علم الجبر أفكاراً، ولو أنها مستترة، عن تبعية بعض المقادير لأخرى متغيرة (كتبعية مجموع عدة حدودٍ لقيم هذه الحدود، وغير ذلك). وبمرور الوقت، كان لا بد من تقديم مفهوم الدالة (التابع) function، الذي أدى فيما بعد، نفس الدور الأساسي الذي قام به فيما سبق مفهوم المقدار أو العدد. وقد قادت دراسة المقادير المتغيرة، والعلاقات الدالية فيما بعد، إلى ظهور مفاهيم أساسية في التحليل الرياضي، أدت بدورها إلى بروز فكرة اللانهاية infinity، وإلى بروز مفاهيم النهاية limit، والمشتق differential، وحساب التكامل integral calculus. وغدت القوانين الأساسية في الميكانيك والفيزياء تصاغ باستعمال معادلات تفاضلية. وتمثل مكاملة هذه المعادلات واحداً من أهم المواضيع التي تتناولها الرياضيات.
    وفي نهاية القرن السابع عشر، برز فرع مهم للعلوم الرياضية أطلق عليه اسم «حسبان التغيرات» calculus of variations. أسس هذا الفرع الرياضيان السويسريان جاك برنولي Jacques Bernoulli، وجان برنولي Jean Bernoulli، والعالم الشهير إ. نيوتن I.Newton، والرياضي الألماني ل. أولر L.Euler، والرياضي الشهير ج. لاغرانج J.Lagrange. كان أول موضوع تناوله «حسبان التغيرات» هو إيجاد القيم العظمى أو الصغرى للتكاملات المحددة. وكمثال على ذلك، إيجاد المنحني الذي يقع في مستو شاقولي، والذي يصل بين نقطتين غير واقعتين على مستقيم رأسي واحد، بحيث تكون المدة، التي يستغرقها الجسم للوصول من النقطة العليا إلى الدنيا، أقصر ما يمكن. (وكان الحل هو منحنيا سيكلوئيديا cycloide).
    إن الموضوعات التي يتناولها علم الهندسة أخذ في التوسع أيضاً، بعد ما أُدخلت فيها أفكار تتعلق بحركة الأشكال وتحويلاتها transformations. ففي الهندسة الإسقاطية projective geometry، مثلاً، تكوّن حركة التحويلات الإسقاطية للمستوي والفضاء موضوعاً هاماً لعلم الهندسة. وتجدر الإشارة إلى أن التطور الواعي لمثل هذه الأفكار، لم يحدث إلا بحلول نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. وفي وقت أبكر، رافق تأسيس الهندسة التحليلية geometry analytic، في القرن السابع عشر، تغير جذري في العلاقة بين الهندسة وباقي الفروع الرياضية: فقد وجد أسلوب شامل لترجمة المسائل الهندسية إلى لغة الجبر والتحليل، ومن ثم حلها باستعمال طرق جبرية وتحليلية. ومن جهة أخرى، توافرت إمكانات فعالة لتمثيل الحقائق الجبرية والتحليلية هندسياً، كالتمثيل البياني للتبعيات الدالية [ر. الرياضيات المعاصرة].
    النظام المسلّماتي الذي تبنى عليه الرياضيات قديمها وحديثها
    الطريقة المسلّماتية axiomatic method: يتكوّن النظام المسلّماتي axiomatic system، الذي تبنى عليه النظريات theories العلمية، وخاصة الرياضية، من العناصر الآتية:
    1ـ المفاهيم concepts،
    2ـ التعاريف definitions،
    3ـ المسلّمات axioms (أو البديهيات postulates).
    4ـ الدعاوى propositions (أو المبرهنات theorems، أو القضايا statements).
    5ـ البراهين proofs على صحة الدعاوى.
    وأما المفاهيم، فهي أشياء رياضية لا يمكن تقديم تعريف لها، مثل: النقطة، والمستقيم، والمجموعة، وغيرها.
    أما التعاريف، فمهمتها إيضاح المقصود من بعض المصطلحات المستعملة، مثل القطعة المستقيمة والدائرة، والدالة (التابع)، والزمرة، وغيرها.
    وأما المسلّمات، فهي قضايا تقبل دون برهان، مثل مسلّمات إقليدس (الواردة في بند لاحق). لا يوجد ضرورة للتثبت من صحة المسلّمات، حتى إثارة السؤال عن صحتها، أمر لا فائدة منه، بل ولا معنى له، ذلك أنه ليس لها أي وجود، عموماً، في عالم الواقع.
    الدعوى (المبرهنة) قضية رياضية مثبتة، وسيتم التطرق إليها وإلى البرهان بشيء من التفصيل في سياق البنود اللاحقة.
    تكمن قوة الطريقة المسلّماتية في أنها تسمح ببناء نظرية ضخمة، انطلاقاً من عدد قليل من الافتراضات، التي لا بد أن تتحقق كل النتائج المترتبة عليها.
    إن الفكرة التي مؤداها أن النظام المسلّماتي منفصل عن العالم الواقعي، تكوّنت منذ مدة ليست ببعيدة. ومع أن اليونان القدماء، الذين أبدعوا مسلّمات علم الهندسة، كانوا يظنون أنهم يعبّرون عن حقائق فيزيائية أصيلة، فإن بعضها كان له طبيعة مثالية غير واقعية، وبالطبع، كانت تعد المسلّمة حقيقة واضحة، لا تتطلب إثباتاً. وجدير بالذكر أن المعجمات الحالية تعرّفها بهذه الطريقة. لكن هذه الكلمة أخذت في الرياضيات معنى مختلفاً تماماً، وكل من درس نظرية الزمر، مثلاً، يلاحظ أن المسلّمات التي بنيت عليها هذه النظرية ليست واضحة مطلقاً.
    مسلّمات إقليدس: كان إقليدس هو الذي وضع مسلّمات الهندسة، التي تسمى باسمه. أهم هذه المسلّمات هي:
    1ـ يمكن رسم مستقيم يمر بأي نقطتين،
    2ـ لكل مستقيمين نقطة مشتركة واحدة على الأكثر،
    3ـ يمكن تمديد كل قطعة مستقيمة محدودة بلا قيود،
    4ـ حول أي نقطة، يمكن رسم دائرة طول نصف قطرها اختياري،
    5ـ كل الزوايا القائمة متساوية،
    6ـ لكل مستقيم، ولكل نقطة غير واقعة عليه، يوجد مستقيم يوازي المستقيم الأول ويمر بالنقطة المعطاة، وهذا المستقيم وحيد.
    (هذه الصيغ ليست متطابقة تماماً مع تلك التي نص عليها إقليدس!)
    وفي أثناء مدة طويلة، كان يُظَنُّ أن المسلّمة (6) ليست مسلّمة بحق، ذلك أنها غير واضحة إطلاقاً، في الوقت الذي كان يعتقد فيه أن معيار قبول المسلّمة هو وضوحها. وقد أُجريَ عدد كبير من المحاولات لإثبات صحتها استناداً إلى المسلّمات الأخرى، لكن كل هذه المحاولات منيت بالإخفاق.
    وقد تبين في وقت لاحق أن إثبات المسلّمة (6) أمر مستحيل. لكن إليكم السؤال المهم الآتي: «هل هذه المسلّمة حقيقية في العالم الواقعي؟» هذا السؤال يخرج عن إطار الرياضيات. فلكي يُجاب عنه، لا بد من القيام بتجربة، لنتصور، مع ذلك، أن هذه التجربة نفذها اليونان القدماء، فقاموا برسم مستقيمين «متوازيين»، وليكونا، مثلاً، خطي طول، أحدهما يمر بروما والآخر بأثينا. عندئذٍ سيستنتجون أن هذين الخطين يتلاقيان في القطب الشمالي، ومن ثم كان بإمكانهم الحكم على مسلّمة التوازي بأنها غير صحيحة. لكن الحقيقة هي أن في الأمر خدعة، ذلك أننا نعرف أن الكرة الأرضية كروية، وهندسة إقليدس تصح في المستوي وليس على الكرة.
    كان من الممكن إجراء تجربة أدق باستعمال أشعة الليزر، أو أي وسيلة ملائمة أخرى. فبتوجيه أشعة ليزرية إلى الفضاء بين النجميّ، وجعْلها متوازية قدر المستطاع، يمكن معرفة ما إذا كانت هذه الأشعة تتقاطع. لكن مثل هذه التجربة لا يمكن تنفيذها بإمكاناتنا الحالية.
    الانسجام (الاتساق)(compatibility) consistency:
    جاء في البند الأول أن عالم الرياضيات ج. هويل ذكر ضرورة اتسام الفرضيات التي يُبنى عليها أي نظام رياضي بالانسجام (الاتّساق). وفي هذا البند، سنورد شرحاً أكثر تحديداً ودقة لما يعنيه هذا المصطلح.
    عند الشروع في صوغ نظرية مسلّماتية، فلا يوجد تحت تصرفك سوى مسلّمات. عندئذٍ تستند إلى هذه المسلّمات لإثبات مبرهنة ما، ثم تطبق هذه المبرهنات لإثبات مبرهنة أخرى. وهكذا تغدو المسلّمات مصدراً لعدد كبير من المبرهنات، كل منها يبنى في نهاية الأمر على تلك المسلّمات.
    كل شيء يسير حتى الآن سيراً حسناً، ما لم تجد في طريقك مبرهنتين تناقض إحداهما الأخرى. أما إذا أمكن في نظرية إثبات وجود تناقض بين مبرهنتين، فإن النظرية كلها تكون غير سليمة، وعندئذٍ يمكن أن تثبت فيها أي شيء.
    وعندما قام ذات يوم الرياضي المشهور ج. هاردي G.Hardy بتقديم هذه الملاحظة عند تناوله طعام الغداء مع بعض زملائه، أصرّ أحد الحاضرين على هاردي إثبات أنه «إذا كان 2+2= 5، فإن أحد الحاضرين، واسمه ماك ـ تاكرت، هو البابا». عندئذٍ فكر هاردي قليلاً وأجاب السائل بالعبارات الآتية: «نحن نعلم أن 2+2=4، إذن 5=4. وبطرح 3 من طرفي هذه المساواة نجد 2=1. ماك ـ تاكرت والبابا رجلان، إذن ماك تاكرت والبابا رجل واحد».
    إن نظام المسلّمات، الذي لا يمكن أن يُستنتجَ منه دعاوى متناقضة، يسمى نظاماً منسجماً (أو متسقاً). والانسجام هو أهم خاصة من خواص أي نظام مسلّماتي. وقد كان أول من لفت الانتباه إلى أهميته الرياضي الألماني الشهير د. هلبرت D.Hilbert، مؤسس المسلّماتية الشكلية formal axiomatics الحديثة. وقد وجد هلبرت أن إجراء تغييرات طفيفة جداً في نظام منسجم قد تحوله إلى نظام غير منسجم، وأن عدم الانسجام في النظام الجديد لا يمكن كشفه إذا لم يُعرف سلفاً أين يجب أن يبرز عدم الانسجام.
    التمام والاستقلالcompleteness and independence: صاغ هلبرت أيضاً خاصتين أُخْرَيَيْن هامتين للنظم المسلّماتية وهما: التمام والاستقلال. وقد جرى التطرق في البند الأول إلى خاصة التمام التي تحدث عنها، دون أن يذكرها صراحة، الرياضيان داربو وهويل. أما في هذا البند، فستُعرض هذه الفكرة بصيغة أكثر تحديداً ودقة. وبغية إيضاح ما يعنيه التمام، لا بد من إيراد معنى البرهان proof في النظام المسلّماتي. فإذا كانت (و) دعوى معينة في هذا النظام، فإن برهانها هو سلسلة منتهية finitie من الدعاوى، كل منها هو مسلّمة أو نتيجة منطقية لبعض الدعاوى السابقة في هذه السلسلة، بحيث تكون (و) آخر دعوى في هذه السلسلة. ويكون النظام تاماً إذا وجد لكل دعوى (و) إما برهان عليها، وإما برهان على نفيها(~ و). وبعبارة أخرى، يجب أن يوجد في جعبتنا عدد من المسلّمات يكفي للبرهان على صحة أو خطأ أي دعوى ممكنة في ذلك النظام.
    وفي نظام تام لا يمكن بأي حال من الأحوال إضافة مسلّمة أخرى، فأي مسلّمة أخرى، إما أن تكون نتيجة للمسلّمات الموجودة (أي زائدة وغير ضرورية)، وإما أن تؤدي إضافتها إلى النظام جعلَه متناقضاً (أي أنه يصبح بلا معنى).
    تسمى مجموعةٌ من المسلّمات مستقلة، إذا لم يكن بالإمكان استنتاج أي منها من المسلّمات الأخرى.
    إن إثبات تمام نظام (إذا كان تاماً فعلاً) ليس بالأمر السهل غالباً. بيد أن ثمة طرائق بسيطة تسمح بإثبات استقلال نظام (في ظروف ملائمة)، بل وإثبات انسجامه أحياناً. وهذه الطرائق تتعلق بمفهوم ما يسمى بنموذج model النظام المسلّماتي، لكننا لن نتوقف عند هذا الموضوع.
    خضر الأحمد
يعمل...
X