تاريخ التتار الأول (27) إمبراطورية جنكيز خان.شجرة الدر“ تحترق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تاريخ التتار الأول (27) إمبراطورية جنكيز خان.شجرة الدر“ تحترق


    التاريخ

    ‏٢٤ مارس‏، الساعة ‏٦:٥٨ م‏ ·
    تاريخ التتار الأول (27)
    إمبراطورية جنكيز خان
    --------------------------------------------------------------------
    ”شجرة الدر“ تحترق مقتل السلطان أيبك !!
    سلطنة على ابن عز الدين أيبك
    تولي سيف الدين قطز . ** فقرة مميزة.
    --------------------------------------------------------------------
    بعد مقتل فارس الدين أقطاي قائد المماليك البحرية هرب معظمهم إلى الشام خشية أن ينالهم ما نال قائدهم من عز الدين أيبك ؛ و قد خلا الجو لأيبك و مماليكه المعزية و صارت شجرة الدر بدون سند بعد رحيل هؤلاء المماليك البحرية الذين كانت تتقوى بهم .
    مرت السنوات، والملك عز الدين أيبك مستقر في عرشه، وقد أصبح قائده سيف الدين قطز قائدابارزا معروفا عند الخاصة والعامة،
    واختفي تقريباً دور الزوجة الملكة القديمة شجرة الدر، وهذا كله جعل الحقدّ والشك يغلي في قلب شجرة الدر، ولا شك أن عز الدين أيبك كان يبادلها الشعور بالكراهية، فهو يعلم أنها ما تزوجته إلا لتحكم مصر من خلاله .
    و يبدو أن أيبك أخذ يشعر بما بين زوجته شجرة الدر والمماليك البحرية بالكرك من مراسلات واتفاقات، فعزم على الزواج من غيرها وأرسل سنة 1256م ميلادية إلى بدر الدين لؤلؤ الاتابكي صاحب الموصل يطلب إليه حلفا زواجيا لم يعلم عنه إلا ما تداولته المراجع من خطبته أيبك لابنة بدر الدين ؛
    وليس من المعقول أن تكون الخطبة قاصرة على مجرد الرغبة في الزواج إذ ربما أراد من وراء ذلك الحلف معرفة تحركات المغول عن طريق صاحب الموصل،
    وكيفما كان الأمر فقد كانت هذه المسألة بداية الخاتمة لعهد أيبك، وذلك ﻷن شجرة الدر لما علمت ما يبيت لها أخذت هي تتزعم حركة المعارضة الداخلية والخارجية لسلطنة أيبك، فقام بعض من بقي في مصر من البحرية بمعارضة مشروع الزواج،
    فقبض أيبك على عدد كبير من المعارضين ، منهم أيدكين الصالحي، وسيرهم لقلعة الجبل لسجنهم في الجب، فلما وصلوا إلى قرب نافذه القصر السلطاني حيث سكنت شجرة الدر، احنى الأمير أيدكين رأسه احتراماً وقال بالتركية:
    (والله يا خوند ما عملنا ذنبا أوجب حبسنا ولكنه لما سير يخطب بنت صاحب الموصل، ما هان علينا ذلك لأجلك، فإنا تربية نعمتك ونعمة المرحوم"الصالح أيوب"،...
    فلما عاتبناه تغير علينا وفعل بنا ما ترين، فأومأت إليه شجرة الدر بمنديلها بما معناه"قد سمعت كلامك" ...
    وعندما نزلوا بهم إلى الجب قال أيدكين؛ إن كان قد حبسنا فقد قتلناه
    ومعنى هذا أن شجرة الدر كانت قد بيتت هي الأخرى لايبك جزاء وفاقاً، وأن قبضه على أولئك لم يكن مجرد معارضتهم في الزواج، بل لأنه علم بمؤامرتهم، فأراد أن يقضي على الحركة كلها بالفصل بين أمراء المماليك وزعيمتهم .
    غير أن شجرة الدر كانت قد دبرت ما لم يكن في الحسبان إذ أرسلت سراً أحد المماليك العزيزية إلى الملك الناصر يوسف الأيوبي في دمشق بهدية ورسالة تخبره فيها أنها عزمت على قتل أيبك والتزوج منه وتمليكه عرش مصر
    ولكن الناصر يوسف أعرض عنها خوفاً أن يكون في الأمر خدعة، ولم يجبها بشيء وعلم بدر الدين لؤلؤ بأخبار هذه المفاوضات السرية فبعث بها إلى أيبك ينصحه أن يأخذ حذره،
    -----------------------
    و يذكر د. راغب السرجانى في هذا الموضع :
    وعلمت شجرة الدر بهذا الأمر فاشتعلت الغيرة في قلبها.. وركبها الهم والغم، وعلمت أنه لو تم هذا الزواج الجديد فستطوى من التاريخ، صفحتها تماماً ْ وأعَمتها الكراهية عن حسن تقدير الأمور، وهي التيّ اشتهرت بالحكمة، فلم تقدر أن زعماء المماليك البحرية قد اختفوا حيث ارتحلوا وتفرقو في الشام كما سبق أن بينا ؛
    و لم تدرك أن القوة الحقيقية اﻵن في أيدي المماليك ّ المعزية الذين يدينون بالولاء والطاعة للملك عز الدين أيبك.. لم تقدر كل ذلك، وقررت بعاطفة المرأة أن تقدم على خطوة غير مدروسة، ولكنها مألوفة لديها، فقد فعلتها قبل ذلك مع توران شاه ابن زوجها السابق،ّ وهي ستفعلها الآن مع زوجها الحالي..
    وهذه الخطوة هي: قتل زوجها الملك عز الدين أيبك.. فليُقتل وليكن ما يكون !.. هكذا فكرت شجرة الدر !!..
    --------------------------
    وخاف أيبك على حياته فترك القلعة وأقام بمناظر اللوتي وصمم على قتل زوجته قبل أن تقضي عليه
    وأخذ الزوجان يتسابقان في نسج المؤامرات بعد القبض على المماليك البحرية في القاهرة، وانتهى السباق بانتصار المرأة في ميدانها ( مكر الأنثى) !
    إذ أرسلت شجرة الدر إلى أيبك رسالة رقيقة تتلطف به وتدعوه بالحضور إليها بالقلعة، فاستجاب لدعوتها وصعد إلى القصر السلطاني بالقلعة حيث اعدت له شجرة الدر خمسة من الغلمان الأشداء لاغتياله، منهم محسن الجوجرى ونصر العزيزي، وسنجر وكان آخرهم من مماليك أقطاي ،
    وقد قام هؤلاء الغلمان بما أمروا به وقتلوه في الحمام في أبريل سنة 1257م،655هـ ،
    حاولت شجرة الدر إخفاء واقعة القتل، وأمرت بتجهيز جثمان عز الدين أيبك بملابس لائقة ووضعه على فراشه، والإدعاء بأنه سقط من فوق جواده أثناء عدوه، وتسبب ذلك في إصابات أنهت حياته،
    وسرعان ما أنتشر نبأ وفاة السلطان وبدأ أمراء المماليك يتوافدون على القصر، وكانت شجرة الدر ما تفتأ تروي واقعة سقوطه من على ظهر جواده ، لكنهم استمعوا إليها في ريبة، فقد شهد أيبك معارك كثيرة خاضها وهو يحارب من على ظهر جواده لكنها في كل مرة كانت تصر وتؤكد الواقعة ،
    وأحيط بشجرة الدر، وواجها أمراء المماليك فلم يكن أمامها إلا أن تعترف بأنها أرادت الإنتقام ، لكن لم يخطر ببالها أبداً أن ذلك سيؤدي إلى وفاته وتشاور أمراء المماليك فيما يصنعون !
    لقد وقفوا مع شجرة الدر بادئ الأمر، وصنعوا منها ملكة وسلطانة، وأحاطوها برعايتهم وحمايتهم، حتى في أصعب الأوقات، وباركوا زواجها من عز الدين أيبك، وساعدوها على أن تصبح زوجة السلطان، فكيف ترتكب هذه الفعلة النكراء؟
    وكيف تتنكر على هذا النحو البغيض
    على أنهم انقسموا على امرهم، وانحاز بعض الأمراء إلى جانبها وأرجعوا السبب إلى ما كان لأيبك من قسوة وغلظة وجبروت، فضلاً عن أن وجود شجرة الدر يعتبر ضرورياً كرمز للشرعية، فهي أرملة نجم الدين أيوب وأم أبنه خليل، ولها من الأيادي على مصر وعلى المماليك انفسهم الشيء الكثير البادي للعيان ..
    ورأى البعض الآخر أنها قد ارتكبت جريمة مرعبة، وكاد الأمر أن يتطور إلى حرب بين الفريقين، ...
    وأخيراً انتصر أعداؤها وحُبست في أحد أبراج القلعة، ونودي بعلي، بن عز الدين أيبك السلطان الراحل، سلطاناً جديداً ليخلف والده الراحل .
    ويحدثنا أحد المؤرخين أن شجرة الدر كانت قوية في مواجهة الموت كما كانت قوية في مواجهة المدلهمات، فلمّا ايقنت من نهايتها أسرعت إلى خزانتها واستخرجت حليها ومجوهراتها جميعاً، وسحقتها سحقاً حتى لا تتزين بها غريمتها أم على زوجة السلطان الأولى
    وفي هذه الرواية شك كبير كذلك؛ فكيف لشجرة الدر، وهي سجينة في برج بالقلعة أن تسرع إلى خزنتها وتستخرج حليها، ثم تسحقها جميعاً حتى لا تتزين بها غريمتها أم على كما يقول المؤرخ ؟
    وفي خارج القصر هدأت الجموع التي أثارها انتشار النبأ ورضي الجيش بالسلطان الجديد بعد أن كان قد انقسم على نفسه بين مؤيد لشجرة الدر ومنكر لها، وتوقفت أعمال الشغب التي كانت قد انتشرت في القاهرة، وتجنّب أمراء المماليك شبح الفتنة التي كانت، تتهددهم،
    واقتيدت شجرة الدر إلى بلاط السلطان الجديد حيث كانت غريمتها أم على، زوجة أيبك الأولى قد أصبحت أم السلطان الجديد، وتمايلت أم علي فرحاً فقد كانت تنتظر فرصة كهذه منذ سبع سنوات، منذ أن هجرها زوجها أيبك وهجر معهما أبنهما علي.
    إن ساعة الإنتقام قد أزفت، وأمرت خادمات القصر بالدخول على شجرة الدر وضربها بالقباقيب حتى تفارق الحياة ،
    يقول المقريزي :
    " فضربها الجواري بالقباقيب إلى أن ماتت، وألقوها من سور القلعة إلى الخندق، وليس عليها، سوى سروال وقميص، فبقيت في الخندق أياماً وأخذ بعض أراذل العامة تكة سراويلها ثم دفنت بعد أيام ـ وقد نتنت ـ وحملت في قفة، بتربتها "
    قال عنها الذهبي :
    " ودفنت بتربتها بقرب قبر السيدة نفيسة، وقيل: إنها أودعت أمولاً كثيرة فذهبت، وكانت حسنة السيرة، هناك لكن هلكت بالغيرة ، وقال ابن العماد فيها : كانت بارعة الحسن، ذات ذكاء وعقل ودهاء…
    نالت من السعادة أعلى المراتب، بحيث أنها خُطِبَ لها على المنابر، وملَّكوها عليهم أياماً، فلم يتم ذلك، وتملك المعز آيبك فتزوج بها وكانت ربما تحكم عليه، ...
    وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة وآل أمرها إلى أن قتلت "
    وأما غريمتها أم السلطان الجديد، أم علي، فكانت قد نذرت أن تدعو كل سكان القاهرة، إلى وجبة من الحلوى في نفس اليوم الذي تتخلص فيه من غريمتها، وعندما ماتت شجرة الدر، أمرت طهاة القصر بإعداد تلك الوجبة....
    لكن الوقت لا يسمح بالإنتهاء في نفس اليوم، فجاءتهم بوصفة طهي بسيطة للغاية، كما كميات ضخمة من الخبز، يجري تسخينها إلى درجة الإحمرار وتغمر في اللبن والعسل، ثم تغطى بطبقة سمكية من اللوز والزبيب والصنوبر، وإلي وجبة الحلوى اللذيذة التي تقدم في المطاعم في أيامنا هذه، وقد سميت بإسم أول من صنعتها ، أم علي .
    --------------------'
    و يقول د. راغب السرجاني تعليقا على مقتل شجرة الدر :
    ولعل هذا هو حادث القتل الوحيد في القصة الذي له خلفية شرعية مقبولة، فقد قتلت شجرة الدر ّ عزالدين أيبك دون مبرر معقول.. فليس الزواج من امرأة أخرى جريمة، وليس الإنفراد بالحكم دون الانصياع لحكم الزوجة جريمة، ولذلك فليس لديها مسوغ شرعي للقتل فكان لابد أن تُقتل..
    ولكن المؤكد أن الطريقة التي قتلت بها لم تكن طريقة شرعية.. بل كانت طريقة نسائية بحتة.. لم يقصد منها القتل فقط، بل قصد منها الإهانة والتحقير والذل، على نحو ما فعل بالخليفة المستعصم من هولاكو في بغداد عندما أمر بقتله رفسا الأقدام .
    -------------------------------------------------------------------
    سلطنة على ابن المعز ثم تولي سيف الدين قطز
    صمم المماليك المعزية، وعلى رأسهم سيف الدين قطز، على أن يقيموا على العرش الذي بات شاغراً بمصرع آيبك صبياً في الخامسة عشر من عمره هو (نور الدين علي) ابن سيدهم المعز أيبك، وتم ذلك في ربيع الأول سنة 655هـ/1257م ولقبوه الملك المنصور علي،
    وقد رفض المماليك الاعتراف بالسلطان الصبي، وتجسد رفضهم في عدة إضطرابات عاصفة،
    واستنجدت بعض الفئات المتنازعة بملوك بني أيوب في بلاد الشام، وحاول المغيث عمر صاحب إمارة الكرك ـ في الأردن حالياً ـ غزو مصر مرتين، لكن الفشل كان من نصيبه ،..
    بيد أن هذه الاضطرابات كانت فرصة جديدة لظهور نجم الأمير سيف الدين قطز،
    فقد قام قطز بالقبض على الآتابك سنجر الحلبي وحبسه في الجب بقلعة الجبل، لأنه كان يطمع في السلطنة بعد مقتل المعز آيبك، ولأنه كان يتحين الفرصة للوثوب على العرش،
    وأدى ذلك إلى مزيد من الاضطرابات والفوضى، فقد هرب عدد من المماليك البحرية إلى جهة الشام، وطاردهم المماليك المعزية وقبضوا على عدد منهم وأودعوهم سجون القلعة، وخلا الجو لسيف الدين قطز فصار نائب السلطان.. وصار مدبر دولة الملك المنصور علي .
    وكان جلوس السلطان الصبي على العرش مسألة قصد بها كسب الوقت حتى يمكن لواحد من كبار المماليك الطامعين في عرش السلطنة أن يحسم الصراع لصالحه،
    وكان هذا مشهداً تكرر كثيراً طوال عصر سلاطين المماليك، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن هذه كانت ممارسة سياسية حظيت بإعتراف الجميع طوال ذلك العصر ..!
    ومن المهم أن نشير إلى أن المماليك لم يؤمنوا بنظام وراثة العرش، إذ طبيعتهم العسكرية من ناحية، وشعورهم بأنهم جميعاً سواء من ناحية أخرى، جعل كبار أمرائهم يعتقدون أنهم جميعاً يستحقون العرش والذي سيفوز به لاشك هو اقواهم، واقدرهم على الإيقاع بالآخرين
    وذلك تحقيقاً لمبدأ (الحكم لمن غلب)
    وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن ظل عرش السلطنة على الدوام محل التنافس والمنازعات بين كبار الأمراء، لا سيما عندما يخلو العرش بسبب موت السلطان، وكان هذا هو الحال عندما مات عز الدين آيبك ...
    فلم يشأ (سيف الدين قطز) أن يتعجل الأمور ويواجه المنافسين، وأمسك بيده زمام السلطة الفعلية تاركاً للسلطان الصبي شعار السلطنة ولقبها.. ولا شيء أكثر من ذلك .
    وبات قطز من عرش مصر قاب قوسين أو أدنى .
    ثم جاءت الفرصة تسعى إلى قطز، وكان سيف الدين قطز مشغولاً بترتيب الأوضاع السياسية الداخلية لصالحه ، على حين كانت الإشاعات تملأ سماء القاهرة بأن السلطان الصبي يريد خلع قطز مملوك أبيه وصاحب اليد البيضاء في توليه عرش البلاد
    وإجتمع الأمراء في بيت أحد كبارهم، وتكلموا إلى أن نجحوا في إصلاح الأمور بين الملك المنصور علي وبين مملوك أبيه الأمير قطز،..
    فخلع المنصور على قطز الخلع وطيب قلبه وهكذا توطدت مكانة سيف الدين قطز في الدولة .
    وفي الوقت نفسه كانت الأحوال متردية تماماً بسبب الفتن التي أثارتها طوائف المماليك في القاهرة، كما كان خطر محاولات الغزو الفاشلة التي قام بها المغيث عمر في ذي القعدة 655هـ/1257م وفي ربيع الأول سنة 656هـ/1258م يقلق بال قطز ،
    فخرج بنفسه في المرتين للقاء المماليك البحرية وحليفهم الأيوبي وبفضل شجاعة (سيف قطز) تم القضاء عل هذا الخطر الأيوبي ..
    بيد أنه كان على قطز أن يواصل ترتيب أمور المملكة في الداخل وبعد أن واجه الخطر الخارجي، فقد قبض على جماعة من الأمراء لميلهم إلى (لملك المغيث عمر) في هذا الشهر نفسه، وهم:
    الأمير (عز الدين آيبك الرومي الصالحي)،
    والأمير (سيف بلبان الكافوري الصالحي الأشرفي)، والأمير (بدر الدين بكتوت الأشرفي)،
    والأمير (بدر الدين بلغان الأشرفي) وغيرهم،
    وضرب أعناقهم في السادس والعشرين من ربيع الأول واستولى على أموالهم كلها ، وبذلك إزدادت القامة السياسية لسيف الدين قظز طولاً..
    ولكن الدولة التي يحكمها سلطان في سن الصبى بدت واهنة ضعيفة وغير قادرة على تحمل مؤامرات الصغار ولعبهم بأقدار البلاد والعباد ..
    ثم بدا صدى طبول الحرب التترية يتردد على حدود السلطنة الوليدة بمصر ، ولم يكن بوسع السلطان الصبي (نور الدين علي) أن يفعل شيئاً إزاء هذا الخطر الداهم، فقد كان يقضي وقته في ركوب الحمير والتنزه في القلعة.. ويلعب بالحمام مع الخدم ..
    ومع كل خبر جديد عن وحشية التتار كانت الأحوال تزداد إضطراباً والقلق يفترس نفوس الناس .
    وتعين على الأمير سيف الدين قطز نائب السلطنة أن يخطو الخطوة الأخيرة نحو العرش من ناحية وتدعيم نفوذه السياسي الداخلي من ناحية أخرى والاستعداد لمواجهة التتار، من ناحية ثالثة .
    ومع اقتراب جحافل التتار من الشام أرسل الملك الناصر يوسف من دمشق الى مصر المؤرخ والفقيه المعروف كمال بن العديم يستنجد بعساكرها...
    وهكذا بدأت الحرب تطل بوجها المرعب، على الساحة السياسية في مصر، وكان النجم الساطع في تلك الساحة هو الأمير (سيف الدين قطز) .
    ولما قدم ابن العديم إلى القاهرة، عقد مجلس بالقلعة حضره السلطان الصبي الملك المنصور نور الدين علي، وحضره كبار أهل الرأي من الفقهاء والقضاة، مثل:
    ☆ قاضي القضاة بدر الدين حسن السنجاري،
    ☆والشيخ عز الدين بن عبد السلام،
    ☆ وكان سيف الدين قطز بين الحاضرين،
    وسألهم الحاضرون عن أخذ الأموال من الناس لإنفاقها على الجنود فأفتى الشيخ عز الدين بفتواه المشهورة التي يأتي تفصيلها عند الحديث عن عين جالوت بإذن الله تعالى ..
    وكان هذا الاجتماع من الأدوات السياسية التي أحسن سيف الدين قطز استغلالها للوصول إلى هدفه النهائي، عرش مصر وقتال التتار،
    وكان ذلك الاجتماع الذي عقد بحضور السلطان الصبي آخر خطوات قطز صوب عرش مصر وقتال التتار .
    --------------------------
    وبينما كان هولاكو يجتاح أقاليم العالم الإسلامي الشرقية كان نجم سيف الدين قطز يزداد سطوعاً وتزداد قامته السياسية طولاً، وكأنه على موعد مع التاريخ لكي ينجز مهمته الكبرى في هزيمة الجحافل التترية الظالمة
    لقد استغل قطز إجتماع القلعة لخلع السلطان الصبي، وأخذ يتحدث عن مساوئ المنصور علي، وقال: لا بد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو، والملك الصبي صغير لا يعرف تدبير الملك
    وساعده على الوصول لهدفه أن مفاسد الملك المنصور علي كانت قد زادت حتى انفض الجميع من حوله واستهتر في اللعب وتحكمت أمه فاضطربت الأمور ...
    وجاءت الفرصة تسعى إلى سيف الدين قطز عندما خرج أمرا ء المماليك المعزية والبحرية إلى الصيد في منطقة العباسية بالشرقية وفي غزة، وعلى رأسهم سيف الدين بهادر والأمير علم الدين سنجر الغتمي، في يوم السبت 24 ذو القعدة سنة 657هـ/1259م ...
    وقبض قطز على الملك المنصور وعلى أخيه قاقان وأمهما وإعتقلهم في أحد أبراج القلعة، فكانت مدة حكم المنصور سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام .
    وهكذا اكتملت رحلة المملوك قطز صوب العرش، وصار سلطاناً على الديار المصرية، وجلس على سرير الملك بقلعة الجبل في نفس اليوم، واتفق الحاضرون على توليته، لأنه كبير البيت ونائب الملك وزعيم الجيش، وهو معروف بالشجاعة والفروسية، ورضى به الأمراء الكبار والخوشداشية وأجلسوه على سرير الملك ولقبوه بالملك المظفر .
    ---------------------------------------------------------------------
    ترتيب سيف الدين قطز للأمور الداخلية
    لم يكن جلوس قطز على عرش السلطنة نهاية لرحلة المملوك إلى عرش السلطان، إذ كان على السلطان المظفر سيف الدين قطز أن يوطد دعائم حكمه في الداخل قبل أن يتوجه للقاء عدوه في الخارج، ...
    فبدأ بتغيير الوزير ابن بنت الأعز، وولى بدلاً منه زين الدين يعقوب عبد الرفيع بن يزيد بن الزبير، ...
    ثم كان عليه أن يواجه معارضة كبار الأمراء الذين قدموا إلى قلعة الجبل، وأنكروا ما كان من قبض قطز على الملك المنصور، ووثوبه على الملك، فخافهم واعتذر إليهم بحركة التتار إلى جهة مصر والشام، وقال سيف الدين قطز في سياق تبريره لما حدث :
    " وإني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطنة من شئتم "
    وأخذ يرضي أمراء المماليك حتى تمكن على حد تعبير المقريزي
    وما أن شعر أن سلطته قد رسخت حتى أخذ يتخلص من كل من يشكل تهديداً على عرشه،...
    فأرسل المنصور علي وأخاه وأمه إلى دمياط، واعتقلهم في برج بناه هناك وأطلق عليه أسم برج السلسلة، ثم نفاهم جميعاً إلى القسطنطنية،
    بعد ذلك قبض السلطان سيف الدين قطز على :
    الأمير علم الدين سنجر الغتمي،
    والأمير عز الدين أيدمر النجيبـي الصغير،
    والأمير شرف الدين قيران المعزي،
    والأمير سيف الدين بهادر،
    والأمير شمس الدين قراسنقر،
    والأمير عز الدين أيبك النجمي الصغير،
    والأمير سيف الدين الدود خال الملك المنصور علي
    والطواشي شبل الدولة كافور لالة
    والطواشي حسام الدين بلال المغيثي الجمدار،
    واعتقلهم، وهكذا تمكن من التخلص من رؤوس المعارضة،
    ومن ناحية أخرى، بدأ السلطان المظفر سيف الدين قطز يختار أركان دولته ويوطد دعائم حكمه، فحلف الأمراء والعسكر لنفسه، ..
    واستوزر الصاحب زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع، وأقر الأمير فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي المعروف بالمستغرب أتابكاً وفوض إليه وإلى الصاحب زين الدين تدبير العساكر واستخدام الأجناد، وسائر أمور الجهاد والاستعداد للحرب ضد التتار،
    لقد ضمن سيف الدين قطز هدوء الأحوال داخل دولته، بيد أنه كان ما يزال متوجساً من ملوك الأيوبيين في بلاد الشام، خاصة الناصر يوسف الأيوبي صاحب دمشق وحلب،
    وعندما علم بخبر قدوم نجدة من عند هولاكو إلى الملك الناصر بدمشق، خاف من عاقبة ذلك وكتب إليه خطاباً رقيقاً يحاول فيه تجنب المواجهة وأقسم قطز بالإيمان أنه لا ينازع الملك الناصر في الملك ولا يقاومه،
    وأكد له أنه نائب عنه بديار مصر، ومتى حل بها أقعده على الكرسي وقال قطز أيضا ً: …
    " وإن أخترتني خدمتك، وإن إخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك، فإن كنت لا تأمن حضوري سيرت لك العساكر صحبة من تختاره "
    وهكذا ظهرت من قطز معاني من التضحية والتواضع والحرص على وحدة الصف ساعدته للتصدي للمشروع المغولي وكسره في عين جالوت يأتي الحديث عنه مفصلاً بإذن الله في الفقرات القادمة.
    --------------------------------------------------------------------
    * السلطان سيف الدين قطز - الصلابي ص54-49
    * التتار من البداية إلى عين جالوت - السرجانى ص134 وما بعدها #تاريخ_التتار_جواهر (27)
    --------------------------------------------------------------------
    إنكسار المغول .. مقدمات معركة عين جالوت وسير أحداثها.
    تابعوا
يعمل...
X