محمد سامي: الرسم كتمثيل استعاري لصورة الصراع في العراق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد سامي: الرسم كتمثيل استعاري لصورة الصراع في العراق

    محمد سامي: الرسم كتمثيل استعاري لصورة الصراع في العراق
    سارة عابدين
    تشكيل
    محمد سامي وأحد أعماله
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    لكل فنان تشكيلي فلسفة خاصة به وفكرة يتعامل مع الرسم من خلالها، وعندما ننظر إلى لوحات الفنان العراقي الشاب محمد سامي نجده يتعامل مع الرسم باعتباره تمثيلًا استعاريًا لصورة الصراع والعنف، حيث تستكشف لوحاته الذكريات المتأخرة التي أثارتها الحياة اليومية له كلاجئ عراقي انتقل إلى السويد. بدلًا من استخدام الصور النمطية التي توثق الصراع العراقي والتي عاشها سامي بنفسه، اختار التعبير عن الحرب والفقدان والذاكرة بصورة غير مباشرة. تخلق اللوحات التجريدية وطبقات الألوان المتعددة علاقة بين الحدث الأصلي وطريقة تذكره في أعمال سامي الفنية، وتعمل المساحات الفارغة في اللوحات مع الدلالات اللغوية العربية على خلق ما يشبه وهم الصراع الذي يدور داخله كفنان. في أحيان كثيرة لا يمكن وضع لوحاته تحت تصنيف معين ما يتيح للمشاهد سياقات وتأويلات متعددة وتجنبه الشكل التعليمي أو التوثيقي للعمل الفني لأنه اختار دفع المشاهدين إلى التفكير النقدي بدلا من تصوير حقيقة واحدة.


    لوحة "مشاكل عائلية"

    ولد الفنان محمد سامي في العراق عام 1984 ونشأ هناك وعاش الصراع العراقي الإيراني وحربي الخليج والغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق والعنف الطائفي، عاش في منزل صغير مع أشقائه ويمكن أن نجد تفاصيل المنازل موجودة في أغلب لوحاته، مثل ستائر شفافة أو جزء من سجادة يكسر حدة الكآبة التي تسيطر على اللوحات المجردة، ويظهر ذلك بوضوح في لوحته "مشاكل عائلية" (226سم - 244 سم) التي بيعت في مزاد سوثبي في 2 مارس/ آذار الماضي بمبلغ 355 ألف جنيه استرليني.

    هاجر سامي إلى السويد عام 2007 كلاجئ وعرض لوحاته في أبرز قاعات العرض في السويد ثم انتقل للإقامة بلندن ودرس بها الماجستير وكثف نشاطه الفني هناك وأقام العديد من المعارض الفردية كما شارك في بينالي تاونر إيستبورن عام 2020. تعتمد لوحات سامي على ذكريات الفوضى التي عصفت بالعراق عقب الغزو الأميركي عام 2003، وتعتبر لوحته "مشاكل عائلية" تمثيلا لمشروعه الذي يعتمد على الذاكرة وما تبقى فيها من ذكريات الاضطرابات الموجودة في العقل الباطن للفنان.

    تبدو اللوحة كأنها ردهة منزل تعمها الفوضى، في الجانب الأيسر منها يبدو الجدار كأنه تعرض للقصف ويظهر التناقض واضحا بين السجادة التي يغلب عليها اللون الأحمر بدفء وحميمية المنزل والجدران الرمادية المتهدمة بالإضافة إلى التفاصيل الصغيرة المتناثرة في اللوحة مثل الفنجان المكسور وإناء الزرع الملقى على الأرض واللوحات المائلة على الجدران التي تظهر شعور عدم الاستقرار والقلق الذي خيم على المنزل.
    من أعمال الفنان
    من العراق إلى السويد

    كانت والدة محمد سامي تهوى الفن وهي الوحيدة من أفراد أسرته التي شجعت موهبته، وبسبب أنه كان يعاني من عسر القراءة كان يرسم لوحات ضخمة في المدرسة بدلًا من متابعة دروسه في الرياضيات واللغات، كما درس رسم المنمنمات في المنزل ما ساعده على رسم التراكيب المنظورية في لوحاته التي نرى فيها الأبواب تنفتح إلى الخارج أو الداخل كما نرى الأرضيات ترتفع في الأفق تبعًا لرؤيته الفنية وفكرته البصرية التي يرغب في تقديمها.

    بعد الإطاحة بصدام حسين قضى سامي فترة مشحونة بالعمل في وزارة الثقافة العراقية للمساعدة في استعادة الأعمال الفنية المنهوبة من المتحف العراقي، حيث أنشأ موقعًا إلكترونيًا يقوم من خلاله بفهرسة الأعمال الفنية التي سرقت وأرسلت للخارج. كان جزء من وظيفته تتبع هذه اللوحات والأعمال الفنية ومطاردة أصحابها ليؤكد أن هذه الأعمال الفنية تخص العراق... أرسلت الأعمال إلى خارج العراق عبر الأردن وعمان واستقبلها فنانون يعرفون قيمتها جيدًا، وعندما وصل سامي إلى الأعمال وطلب من هؤلاء الفنانين إعادتها، زعموا أنهم أنقذوها من التلف وسيعيدونها عندما يكون المتحف جاهزًا لاستقبالها، وعندما أعلن متحف بغداد للفن الحديث عام 2005 استعداده لاستلام الأعمال الفنية وحمايتها لم يرسل أحد أي شيء. انتقل سامي بعد ذلك إلى السويد كلاجئ ورسم العديد من اللوحات التي تحمل عنوان "مخيم اللاجئين" ومنها لوحة تصور منزلًا يقع في أعماق الغابة المحاطة بالسياج، ورغم أن اللوحة قد تعطي انطباعًا سيئًا للجمهور عن حياة اللاجئين إلا أن سامي يصف إقامته هناك بأنها أجمل أيام حياته، حيث أمكنه أن يختار شخصيته وهويته بحرية دون ضغوط اجتماعية. يقول سامي: "لقد كان الأمر أشبه بصدمة، بعد أن كنت أعيش في التراب والصحاري مع صوت الرصاص وفجأة أفتح عيني على حدائق تشبه الجنة".
    بعد الإطاحة بصدام حسين قضى سامي فترة مشحونة بالعمل في وزارة الثقافة العراقية للمساعدة في استعادة الأعمال الفنية المنهوبة من المتحف العراقي، حيث أنشأ موقعًا إلكترونيًا يقوم من خلاله بفهرسة الأعمال الفنية التي سرقت وأرسلت للخارج
    أسلوبه الفني

    لا يلتقط سامي صورًا ولا يرسم اسكتشات ولكنه يعمل على عدة لوحات في وقت واحد، وتتكرر نفس الزخارف في أعماله الفنية، ما يعطي انطباعًا بأن لوحاته سلسلة لا تنتهي. يمكن أن يستغرق الأمر شهورًا حتى يجد سامي محفزات تدفعه للعمل وتساعده القراءة على إبقاء ذهنه يقظًا وأحيانًا أخرى تتساقط عليه الذكريات والأفكار لدرجة أنه يعمل في الاستوديو لمدة 17 ساعة متواصلة.

    يمكن للمتفرج أن يجد في لوحات سامي دلائل على الاضطراب مهما بدت اللوحات هادئة، لكنها مليئة بالشكوك والغموض ولا يمكننا دائمًا التأكد مما ننظر إليه وغالبًا ما تتناقض اللوحات مع عناوينها. كان من المقرر أن يعمل سامي كفنان متخصص لجداريات صدام حسين ليتم تعليقها في المكاتب والمباني العامة والمنازل ولكن عندما نرى النسخ الأخيرة من هذه اللوحات وهي في مرسم سامي، لا نرى وجه صدام واضحًا. نجد الزي العسكري الرسمي والقميص المنتفخ والحزام العسكري والأسلحة الجانبية والميداليات، لكن من أي زاوية ننظر يبقى الوجه غير واضح، مجرد نقطة سوداء لامعة تنحسر في الظلام.

    كان الرسام الشاب أكثر عرضة للخطر من غيره لأنه كان يحمل تصريحًا بالعمل لصالح الحكومة في وزارة الثقافة العراقية، ما جعله عدوًا للمتمردين وأعضاء نظام البعث السابق. يتذكر سامي ليلة إعدام صدام حسين في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006 حين بقى الجميع مستيقظين وبعدها تسرب مقطع إعدامه على موقع يوتيوب ولم نصدق أن المشهد حقيقي، لأننا نشأنا محاطين بصور صدام حسين وكنا نتعامل معه كما لو كان "خالدا"!

    بعد أن بدأ سامي دراسة الفن في المملكة المتحدة كان حرًا في رسم ما يريد وشجعته أجواء الحرية على رسم الفوضى والمذابح التي عاصرها في العراق ولكن ليس بصورة مباشرة فهو لم يعتبر نفسه مراسلًا حربيًا أو صحافيًا يقدم صور منقولة من الواقع لكنه ركز بدلًا من ذلك على التفاصيل الصغيرة التي تعبر عن القلق مثل ظل نبات ذابل في وعاء، شعاع ضوء يمر من أسفل الباب، كابلات وأسلاك تتدلى من ثقب في السقف، كومة من المراتب المنقوشة متراصة فوق بعضها البعض. كل هذه اللقطات التي اختار سامي التعبير عنها تلخص نهجه وأسلوبه في الرسم وهو "رسم صوت الرصاصة وليس الرصاصة نفسها".



    مراجع مختارة:

    https://www.theguardian.com/artandde...saddam-hussein
    https://www.mohammedsami.com/
    https://www.telegraph.co.uk/art/arti...ne-gun-beside/
    https://www.sothebys.com/en/buy/auct...amily-issues-i
يعمل...
X