السلوقيون
(312ـ64ق.م)
السلوقيون Seleucids مجموعة ملوك منحدرون من سلالة سلوقس الأول (أحد قادة الاسكندر الكبير)، وهو الذي آل إليه حكم منطقة آسيا الغربية بعد وفاة الاسكندر، الذي نجح في إقامة امبراطورية مقدونية على أنقاض الامبراطورية الفارسية. وكانت وفاة الاسكندر غير المتوقعة، عام 323ق.م، قد فتحت الآمال أمام عدد من قادته لإنشاء ممالك خاصة بهم، على الرغم من تشبث بعضهم بفكرة وحدة هذه الامبراطورية المقدونية الوليدة مدة من الزمن. وأسفرت النزاعات والتحالفات بين عدد من صغار القادة العسكريين والسياسيين وكبارهم عن سلسلة من الصدامات والحروب التي أدت في النهاية إلى تأسيس ثلاث ممالك هي: المملكة البطلمية في مصر وليبيا وعدد من جزر البحر الإيجي بزعامة بطلميوس بن لاغوس، وعاصمتها الاسكندرية، والمملكة الأنتيغونية، في مقدونيا وبلاد اليونان بزعامة دمتريوس بن أنتيغونوس، عاصمتها بللا Pella، والمملكة السلوقية، في آسيا الغربية (سورية الطبيعية وآسيا الصغرى وبلاد الرافدين والهضبة الإيرانية وأقسام من شمالي الهند وشبه جزيرة العرب)، بزعامة سلوقس بن أنطيوخوس، عاصمتها سلوقية بيريه ثم أنطاكية شمالي غربي سورية الطبيعية.
كان سلوقس[ر] بلا شك من أعظم قادة الاسكندر وأكثرهم حنكة وطموحاً، فقد تمكن بعد انتصاره في معركة أبسوس Ipsos عام 301ق.م، من إقامة أكبر مملكة هلنستية في عصره، امتدت من البحر المتوسط غرباً حتى الهند شرقاً، وكاد يحقق في آخر أيامه حلمه بالسيطرة على مقدونية وبلاد اليونان، ولكنه سقط صريعاً عام 281ق.م، وهو في طريقه إليها، وكادت دولته تتفكك وتنهار لولا حزم ابنه أنطيوخوس[ر] واستبساله في الدفاع عن إرث أبيه حتى استتبت له الأمور وصان وحدة المملكة وورّثها لابنه، ومن ثم لأحفاده السلوقيين، الذين تناوبوا على حكمها حتى سقوطها. وقد ناف عددهم على 25ملكاً، حمل ستة منهم اسم مؤسس السلالة وثلاثة عشر ملكاً اسم أنطيوخوس وتسمى بعضهم الآخر بأسماء مقدونية مثل دمتريوس أو اسكندر أو فيليب. وقد حمل أولئك الملوك ألقاباً مختلفة بعضها إلهي (مثل ثيوس وديونيسيوس) أو مستوحى من صفات إلهية (مثل نيكاتور أي المنتصر، وسوتير: المنقذ، وأبيفانيس: المتجلي) أو للتعظيم (مثل الكبير) أو ألقاباً أسرية (مثل فيلوباتور: المحب لأبيه).
خاض السلوقيون سلسلة من الحروب ضد البطالمة عرفت باسم الحروب السورية، بلغ عددها سبعة، امتدت أكثر من قرن من الزمن، وذلك من أجل السيطرة على جنوبي سورية وموانئها الشهيرة، إلى أن تمكن أنطيوخوس الثالث من انتزاعها أخيراً من أيدي البطالمة عام 200ق.م، ولكن صدامه مع الرومان وهزيمته أمامهم عام 190ق.م، أفقده ممتلكاته في آسيا الصغرى وبحر إيجة، وجعله تحت مشيئة الرومان الذين بدؤوا يتدخلون في أمور المملكة ويعملون على إضعافها وتفتيتها. بدأ السلوقيون يفقدون السيطرة على مناطقهم الشرقية بصورة تدريجية مع قيام المملكة الباكترية في أفغانستان ثم المملكة الفرثية في شرقي إيران، التي بدأت تزحف غرباً وتتوسع حتى تمكنت عام 129 ق.م من انتزاع بابل وبلاد الرافدين والوصول حتى الفرات. وهكذا كان على السلوقيين مواجهة الخطر الروماني في الغرب والتهديد الفرثي في الشرق، إضافة إلى الصراع على العرش الذي استشرى في القرن الأخير من عمر الأسرة السلوقية. كما نشطت الثورات والحركات الانفصالية في المملكة منذ موت أنطيوخوس الرابع، ومن أهمها الثورة المكابية في فلسطين التي تصدت لسياسة الهلينة، وفرض مظاهر الحياة الإغريقية على اليهود من قبل أنطيوخوس الرابع، وتمكنت من استغلال حالة الضعف والانقسام في الأسرة المالكة وانتزاع كثير من الامتيازات، ثم تأسيس الأسرة الحشمونية الحاكمة في فلسطين بمساعدة الرومان والبطالمة. وهكذا انكمش سلطان السلوقيين في أواخر عهدهم ليقتصر على معظم مناطق سورية وكيليكية، التي استولى عليها ملك أرمينية تيغرانيس [ر] (83-69ق.م)، وأخيراً جاء الرومان بقيادة بومبيوس، فأقصى آخر الملوك السلوقيين ووضع نهاية لحكم هذه الأسرة الذي دام نحو قرنين ونصف.
كان السلوقيون يعدّون أنفسهم أصحاب البلاد التي استولوا عليها بحد السيف، وسادة رعاياهم، وكانت تتركز في يد الملك السلوقي جميع السلطات، أي إنه كان يحكم مملكته حكماً استبدادياً مطلقاً، وفق المبدأ السائد في ذلك الزمن: «رغبة الملك فوق القانون».
وقد ساروا على نهج الاسكندر في تقسيم امبراطوريتهم الشاسعة إلى عدد من الوحدات الإدارية المتنوعة والمتباينة في أشكالها وتنظيماتها، وهي الولايات (أو السترابيات) والمدن الإغريقية والمستعمرات العسكرية والإمارات والممالك المحلية والوحدات الكهنوتية.
اهتم السلوقيون اهتماماً كبيراً بالتجارة والطرق التجارية فأقاموا كثيراً من مدنهم الجديدة على طرق التجارة الرئيسة، وحرصوا على إقامة علاقات جيدة مع ملوك الهند، كما عقدوا الاتفاقات مع الأمراء والحكام المحليين وأرسلوا البعثات التبشيرية لاستكشاف المناطق المجهولة. وسادت العملة السلوقية التي حملت صورهم وألقابهم في شتى أنحاء الإمبراطورية، وكانت اللغة الإغريقية لغة البلاط والإدارة السلوقية والثقافة والعلوم، وكلها عوامل أدت إلى ازدهار التجارة والاقتصاد في شتى المجالات، وخاصة في عصر القوة الذي اتسم به النصف الأول من العهد السلوقي.
يعد السلوقيون أبرز ملوك العصر الهلنستي تأثيراً حضارياً في مملكتهم ،وخاصة في مجال نقل المؤثرات الإغريقية إلى الشرق، سواء عن طريق إقامة المراكز الإغريقية من مدن ومستعمرات عسكرية، أو عن طريق تحديث بعض المدن الشرقية. وهدفوا من ذلك إلى الحفاظ على مقومات عناصرهم الإغريقية المقدونية من الذوبان في المجتمعات الشرقية الأقوى تأثيراً بحكم الجغرافية، وينسب لهم تأسيس أكثر من عشرين مدينة جديدة أشهرها أنطاكية ولاوداكية وأبامية وسلوقية بيريه، كما ينسب إليهم تحديث عدد كبير من المدن الشرقية القديمة وإعطاؤها أسماءً جديدة منها دمشق وحلب وحماه.
ومن أبرز إنجازاتهم وأبقاها التقويم السلوقي بدءاً من عام 312-311ق.م (عام تأسيس المملكة في بابل) وهو أول تقويم عام شمل جميع أنحاء المملكة، ودام، مئات السنين بعد سقوطها، وقد عرف في المصادر العربية، خطأ، باسم تقويم الاسكندر.
محمد الزين، مفيد العابد
(312ـ64ق.م)
السلوقيون Seleucids مجموعة ملوك منحدرون من سلالة سلوقس الأول (أحد قادة الاسكندر الكبير)، وهو الذي آل إليه حكم منطقة آسيا الغربية بعد وفاة الاسكندر، الذي نجح في إقامة امبراطورية مقدونية على أنقاض الامبراطورية الفارسية. وكانت وفاة الاسكندر غير المتوقعة، عام 323ق.م، قد فتحت الآمال أمام عدد من قادته لإنشاء ممالك خاصة بهم، على الرغم من تشبث بعضهم بفكرة وحدة هذه الامبراطورية المقدونية الوليدة مدة من الزمن. وأسفرت النزاعات والتحالفات بين عدد من صغار القادة العسكريين والسياسيين وكبارهم عن سلسلة من الصدامات والحروب التي أدت في النهاية إلى تأسيس ثلاث ممالك هي: المملكة البطلمية في مصر وليبيا وعدد من جزر البحر الإيجي بزعامة بطلميوس بن لاغوس، وعاصمتها الاسكندرية، والمملكة الأنتيغونية، في مقدونيا وبلاد اليونان بزعامة دمتريوس بن أنتيغونوس، عاصمتها بللا Pella، والمملكة السلوقية، في آسيا الغربية (سورية الطبيعية وآسيا الصغرى وبلاد الرافدين والهضبة الإيرانية وأقسام من شمالي الهند وشبه جزيرة العرب)، بزعامة سلوقس بن أنطيوخوس، عاصمتها سلوقية بيريه ثم أنطاكية شمالي غربي سورية الطبيعية.
كان سلوقس[ر] بلا شك من أعظم قادة الاسكندر وأكثرهم حنكة وطموحاً، فقد تمكن بعد انتصاره في معركة أبسوس Ipsos عام 301ق.م، من إقامة أكبر مملكة هلنستية في عصره، امتدت من البحر المتوسط غرباً حتى الهند شرقاً، وكاد يحقق في آخر أيامه حلمه بالسيطرة على مقدونية وبلاد اليونان، ولكنه سقط صريعاً عام 281ق.م، وهو في طريقه إليها، وكادت دولته تتفكك وتنهار لولا حزم ابنه أنطيوخوس[ر] واستبساله في الدفاع عن إرث أبيه حتى استتبت له الأمور وصان وحدة المملكة وورّثها لابنه، ومن ثم لأحفاده السلوقيين، الذين تناوبوا على حكمها حتى سقوطها. وقد ناف عددهم على 25ملكاً، حمل ستة منهم اسم مؤسس السلالة وثلاثة عشر ملكاً اسم أنطيوخوس وتسمى بعضهم الآخر بأسماء مقدونية مثل دمتريوس أو اسكندر أو فيليب. وقد حمل أولئك الملوك ألقاباً مختلفة بعضها إلهي (مثل ثيوس وديونيسيوس) أو مستوحى من صفات إلهية (مثل نيكاتور أي المنتصر، وسوتير: المنقذ، وأبيفانيس: المتجلي) أو للتعظيم (مثل الكبير) أو ألقاباً أسرية (مثل فيلوباتور: المحب لأبيه).
ق.م | ق.م | ||
سلوقس الأول نيكاتور | 312-281 | الكسندر الثاني زابيناس | 128-123 |
أنطيوخوس الأول سوتير | 281-261 | سلوقس الخامس | 125 |
أنطيوخوس الثاني ثيوس | 261-246 | انطيوخوس الثامن غريبوس | 125-96 |
سلوقس الثاني كالينكوس | 246-226 | أنطيوخوس التاسع كوزيكوس | 114-95 |
سلوقس الثالث | 226-223 | سلوقس السادس ابيفانيس | 96-95 |
أنطيوخوس الثالث الكبير | 223-187 | دمتريوس الثالث فيلوباتور | 96-88 |
سلوقس الرابع فيلوباتور | 187-175 | أنطيوخوس العاشر أوسبيوس | 95-92 |
أنطوخوس الرابع ابيفانيس | 175-164 | أنطيوخوي الحادي عشر فيلادلفوس | 93 |
انطيوخوس الخامس ايوباتور | 164-162 | فيليبوس الأول فيلادلفوس | 93-84 |
دمتريوس الأول سوتير | 162-150 | انطيوخوس الثاني عشر ديونيسوس | 87-84 |
الكسندر الأول بالاس | 150-145 | فيليبوس الثاني | 67-66 |
دمتريوس الثاني نيكاتور | 145-140129-125 | انطيوخوس الثالث عشر اسيايتكوس | 69-64 |
أنطيوخوس السادس ديونيسوس | 145-139 | انطيوخوس السابع سديتس | 139-120 |
قائمة بأسماء الملوك السلوقيين | |||
ملاحظة:- الملوك المتأخرون تتداخل سنوات حكمهم. - تولى دمتريوس الثاني الحكم مرتين تفصل بينهما مدة أسره في بابل |
كان السلوقيون يعدّون أنفسهم أصحاب البلاد التي استولوا عليها بحد السيف، وسادة رعاياهم، وكانت تتركز في يد الملك السلوقي جميع السلطات، أي إنه كان يحكم مملكته حكماً استبدادياً مطلقاً، وفق المبدأ السائد في ذلك الزمن: «رغبة الملك فوق القانون».
وقد ساروا على نهج الاسكندر في تقسيم امبراطوريتهم الشاسعة إلى عدد من الوحدات الإدارية المتنوعة والمتباينة في أشكالها وتنظيماتها، وهي الولايات (أو السترابيات) والمدن الإغريقية والمستعمرات العسكرية والإمارات والممالك المحلية والوحدات الكهنوتية.
اهتم السلوقيون اهتماماً كبيراً بالتجارة والطرق التجارية فأقاموا كثيراً من مدنهم الجديدة على طرق التجارة الرئيسة، وحرصوا على إقامة علاقات جيدة مع ملوك الهند، كما عقدوا الاتفاقات مع الأمراء والحكام المحليين وأرسلوا البعثات التبشيرية لاستكشاف المناطق المجهولة. وسادت العملة السلوقية التي حملت صورهم وألقابهم في شتى أنحاء الإمبراطورية، وكانت اللغة الإغريقية لغة البلاط والإدارة السلوقية والثقافة والعلوم، وكلها عوامل أدت إلى ازدهار التجارة والاقتصاد في شتى المجالات، وخاصة في عصر القوة الذي اتسم به النصف الأول من العهد السلوقي.
يعد السلوقيون أبرز ملوك العصر الهلنستي تأثيراً حضارياً في مملكتهم ،وخاصة في مجال نقل المؤثرات الإغريقية إلى الشرق، سواء عن طريق إقامة المراكز الإغريقية من مدن ومستعمرات عسكرية، أو عن طريق تحديث بعض المدن الشرقية. وهدفوا من ذلك إلى الحفاظ على مقومات عناصرهم الإغريقية المقدونية من الذوبان في المجتمعات الشرقية الأقوى تأثيراً بحكم الجغرافية، وينسب لهم تأسيس أكثر من عشرين مدينة جديدة أشهرها أنطاكية ولاوداكية وأبامية وسلوقية بيريه، كما ينسب إليهم تحديث عدد كبير من المدن الشرقية القديمة وإعطاؤها أسماءً جديدة منها دمشق وحلب وحماه.
ومن أبرز إنجازاتهم وأبقاها التقويم السلوقي بدءاً من عام 312-311ق.م (عام تأسيس المملكة في بابل) وهو أول تقويم عام شمل جميع أنحاء المملكة، ودام، مئات السنين بعد سقوطها، وقد عرف في المصادر العربية، خطأ، باسم تقويم الاسكندر.
محمد الزين، مفيد العابد