غري (خوان)
Gris (Juan-) - Gris (Juan-)
غري (خوان ـ)
(1887ـ 1927)
خوان غري Juan Gris مصور ورسام وحفار إسباني من مدرسة باريس وواحدٌ من كبار معلمي المدرسة التكعيبية، مثل بيكاسو Picasso وبراك Braque، ولد في مدريد وتوفي في باريس. تلقى دراسته الأولى في مدريد، وانصرف عن دراسة الهندسة ليلتحق بمرسم الفنان خوسيه ماريا كربونيرو Carbonero، ثم بدأ تدريس الرسم باعتماد مبادئ الفن الجديد art nouveau، ولكنه ما لبث أن غادر مدريد واتجه نحو باريس منجذباً بمجد ابن بلده الصاعد بابلو بيكاسو، وحركتها الثقافية المتمثلة بالشعراء والفنانين: غيوم أبولينير G.Apollinaire وماكس جاكوب M.Jacob وبيير ريفري وغيرهم. وقد أسهم إسهاماًً مهماً في تهيئة مرحلة التصوير التكعيبي الثانية المرسومة بـ «التكعيبية التحليلية» cubisme analytique وتطويرها، وتجلى ذلك في السطوح المستوية ودوامها، وتركيب العناصر المتينة، وفي اتحاد الفراغ مع عناصر التكوين، وبهذا يكون غري قد أحدث ثورة تشكيلية في بداية القرن العشرين. كان غري في مرحلة فنية متقدمة عندما أرسى قواعد التصوير الجاد، تلك القواعد التي تتطلب من مرسيها مستوى رفيعاً من العلم والمعرفة وإمكانات فكرية خاصة، فكان بذلك أول من بيَّن الجوانب النظرية والجمالية في العمل الفني باستخدام التلصيق collage، والأوراق المصمغة التي استعملها عقب استعمال بيكاسو إياها عام 1912، ثم تطور تصوير غري بالإنسلاخ شيئاً فشيئاً عن أقرانه مؤكداً اليُسْر والسهولة في مزجه الألوان باعتماد النهج الاتباعي classique في تشكيل البنية المعمارية للأشكال التي منحها حياة مهيبة شبه دينية.
في نهاية عام 1910 خصص غري وقته للتصوير الجاد، وفي معرض المستقلين عام 1912 فاجأت لوحاته الأولى المشاهدين بما تضمنته من مفردات تشكيلية جديدة وحلول أصيلة وتحليل بارع، واضح للشكل، وكان في تصويره الطبيعة الصامتة أو الصور الشخصية يستعمل في أغلب الأحيان لوناً واحداً؛ وتقوم العناصر والشخوص في هذه اللوحات بنوع من الانغلاق حول المحور، فتتجاور أجزاؤها قسرياً كأنها كسر مشتتة في مرآة، مع مراعاة وحدة المصدر الضوئي الذي يُسهم في تسهيل قراءة هذه التكوينات compositions.
تابع غري أبحاثه بين عامي 1912ـ 1916 باندفاع واستقلال ذهني نادرين، وقد دفعت كتاباته في «النسبة الذهبية» جامعي اللوحات على الاهتمام به وبأعماله، إنها فترة الإبداع الجاد، ففيها كان إسهامه في تطوير التكعيبية التركيبية جوهرياً، إذ استحدث تفاصيل حقيقية لاتتصادم مع التلخيص الإجمالي العام من دون أن تضيع دلالاتها
غري: "رجل في المقهى" (1912
يعد إنتاج الأعوام 1916ـ 1919 قمة أعمال غري الفنية، لما تميز به من جدية في التناول طبعت أسلوبه، وكانت المعيار الذي وازن بين الفطنة والفطرة، وتحقق في لوحاته مثل لوحة «تورانجو» Tourangeau عام 1918، وفي مجموعة «بهاليل ومهرجين» Pierrots et Arlequins عام 1919، وفي معظم أعمال الطبيعة الصامتة التي صورها في السنة ذاتها مستخدماً الألوان القاتمة والأوراق الملصقة التي أدهش بها المهندسين المعماريين.
إن العلاقات بين الأشكال، وتنظيم السطوح في فراغ ذي بعدين، تخضع كلها لضرورة رياضية حتمية. وإن هذا الانطباع ليدل على تطور غري الخلاق، وعلى اقترابه بالاستنباط من حقيقة التصوير التي عبر بوساطتها الفنان عن نفسه على مراحل عدة. فالتصوير لديه هو «الانطلاق من العام للوصول إلى الخاص»، والتأليف بوساطة التجريد، وبمنظومة من الخطوط والألوان للوصول إلى تجسيد (تصوير) أشكال تسهل معرفتها، فالعمل التصويري يأتي في المقام الأول لأنه يسبق الموضوع في الوجود. والموضوع ليس برنامجاً بل هو انبثاق وتجلٍّ. إن اتخاذ غري مثل هذا النهج التوليفي لدليل على أنه كان من أنفذ زعماء التكعيبية cubisme بصيرة.
بدأت حال خوان غري الصحية بالتدهور بدءاً من عام 1920، أجبر على القيام باستراحات متكررة، لكن بداية مرضه بالتهاب الرئة (ذات الجنب) لم يقلل من حماسته للعمل، فقد زاول فن المعدن المقصوص، واعترف بموهبته سيرغي دياغيليف Sergey Diaghilev، المسؤول عن ديكورات كثير من مشاهد الباليه وأزيائها، وأقام معرضه الخاص أخيراً في صالة سيمون في باريس في ربيع عام 1923، وكان لمحاضرته (حول إمكانات التصوير Sur les possibilités de la peinture) صدى في جامعة السوربون Sorbonne دام حتى العام الذي تلا المعرض، وكانت المحاضرة شرحاً صادقاً لأعماله، وغدا غري منذ ذلك المعرض سيد عالمه التشكيلي. وفي هذا الصدد يقول غري: «صنع سيزان Cézanne من القارورة شكلاً أسطوانياً، أما أنا فإني أنطلق من الشكل الأسطواني لابتكار نموذج خاص، ومنه أصنع قارورة. وبالطريقة ذاتها صار متوازي الأضلاع الأبيض صفحة لكتاب أو مقطوعة موسيقية، والمثلث صار طاولة، والشكل البيضوي أجاصة أو ليمونة، ومن خط مستقيم ينحني فجأة يولد غليون». وتطور عمله الفني حتى مماته. بيد أن انقطاعه عن العمل أحياناً لم يكن ظاهراً، وكانت كل لوحة مغامرة جديدة، أو تصويراً تجريبياً في داخل العالم الذي أبدعه، وبقي أميناً لعلم الجمال التكعيبي، وكانت إيقاعاته لطيفة، وزواياه أقل حدة، وتكويناته غاية في السهولة.
من أشهر أعماله وأجملها: «طاولة المصور»، و«البساط الأزرق»، و«القيثارة الصفراء»، و«طبق الفاكهة وكتاب».
بطرس خازم
Gris (Juan-) - Gris (Juan-)
غري (خوان ـ)
(1887ـ 1927)
خوان غري Juan Gris مصور ورسام وحفار إسباني من مدرسة باريس وواحدٌ من كبار معلمي المدرسة التكعيبية، مثل بيكاسو Picasso وبراك Braque، ولد في مدريد وتوفي في باريس. تلقى دراسته الأولى في مدريد، وانصرف عن دراسة الهندسة ليلتحق بمرسم الفنان خوسيه ماريا كربونيرو Carbonero، ثم بدأ تدريس الرسم باعتماد مبادئ الفن الجديد art nouveau، ولكنه ما لبث أن غادر مدريد واتجه نحو باريس منجذباً بمجد ابن بلده الصاعد بابلو بيكاسو، وحركتها الثقافية المتمثلة بالشعراء والفنانين: غيوم أبولينير G.Apollinaire وماكس جاكوب M.Jacob وبيير ريفري وغيرهم. وقد أسهم إسهاماًً مهماً في تهيئة مرحلة التصوير التكعيبي الثانية المرسومة بـ «التكعيبية التحليلية» cubisme analytique وتطويرها، وتجلى ذلك في السطوح المستوية ودوامها، وتركيب العناصر المتينة، وفي اتحاد الفراغ مع عناصر التكوين، وبهذا يكون غري قد أحدث ثورة تشكيلية في بداية القرن العشرين. كان غري في مرحلة فنية متقدمة عندما أرسى قواعد التصوير الجاد، تلك القواعد التي تتطلب من مرسيها مستوى رفيعاً من العلم والمعرفة وإمكانات فكرية خاصة، فكان بذلك أول من بيَّن الجوانب النظرية والجمالية في العمل الفني باستخدام التلصيق collage، والأوراق المصمغة التي استعملها عقب استعمال بيكاسو إياها عام 1912، ثم تطور تصوير غري بالإنسلاخ شيئاً فشيئاً عن أقرانه مؤكداً اليُسْر والسهولة في مزجه الألوان باعتماد النهج الاتباعي classique في تشكيل البنية المعمارية للأشكال التي منحها حياة مهيبة شبه دينية.
في نهاية عام 1910 خصص غري وقته للتصوير الجاد، وفي معرض المستقلين عام 1912 فاجأت لوحاته الأولى المشاهدين بما تضمنته من مفردات تشكيلية جديدة وحلول أصيلة وتحليل بارع، واضح للشكل، وكان في تصويره الطبيعة الصامتة أو الصور الشخصية يستعمل في أغلب الأحيان لوناً واحداً؛ وتقوم العناصر والشخوص في هذه اللوحات بنوع من الانغلاق حول المحور، فتتجاور أجزاؤها قسرياً كأنها كسر مشتتة في مرآة، مع مراعاة وحدة المصدر الضوئي الذي يُسهم في تسهيل قراءة هذه التكوينات compositions.
تابع غري أبحاثه بين عامي 1912ـ 1916 باندفاع واستقلال ذهني نادرين، وقد دفعت كتاباته في «النسبة الذهبية» جامعي اللوحات على الاهتمام به وبأعماله، إنها فترة الإبداع الجاد، ففيها كان إسهامه في تطوير التكعيبية التركيبية جوهرياً، إذ استحدث تفاصيل حقيقية لاتتصادم مع التلخيص الإجمالي العام من دون أن تضيع دلالاتها
غري: "رجل في المقهى" (1912
غري: "الكتاب" (1913) |
إن العلاقات بين الأشكال، وتنظيم السطوح في فراغ ذي بعدين، تخضع كلها لضرورة رياضية حتمية. وإن هذا الانطباع ليدل على تطور غري الخلاق، وعلى اقترابه بالاستنباط من حقيقة التصوير التي عبر بوساطتها الفنان عن نفسه على مراحل عدة. فالتصوير لديه هو «الانطلاق من العام للوصول إلى الخاص»، والتأليف بوساطة التجريد، وبمنظومة من الخطوط والألوان للوصول إلى تجسيد (تصوير) أشكال تسهل معرفتها، فالعمل التصويري يأتي في المقام الأول لأنه يسبق الموضوع في الوجود. والموضوع ليس برنامجاً بل هو انبثاق وتجلٍّ. إن اتخاذ غري مثل هذا النهج التوليفي لدليل على أنه كان من أنفذ زعماء التكعيبية cubisme بصيرة.
بدأت حال خوان غري الصحية بالتدهور بدءاً من عام 1920، أجبر على القيام باستراحات متكررة، لكن بداية مرضه بالتهاب الرئة (ذات الجنب) لم يقلل من حماسته للعمل، فقد زاول فن المعدن المقصوص، واعترف بموهبته سيرغي دياغيليف Sergey Diaghilev، المسؤول عن ديكورات كثير من مشاهد الباليه وأزيائها، وأقام معرضه الخاص أخيراً في صالة سيمون في باريس في ربيع عام 1923، وكان لمحاضرته (حول إمكانات التصوير Sur les possibilités de la peinture) صدى في جامعة السوربون Sorbonne دام حتى العام الذي تلا المعرض، وكانت المحاضرة شرحاً صادقاً لأعماله، وغدا غري منذ ذلك المعرض سيد عالمه التشكيلي. وفي هذا الصدد يقول غري: «صنع سيزان Cézanne من القارورة شكلاً أسطوانياً، أما أنا فإني أنطلق من الشكل الأسطواني لابتكار نموذج خاص، ومنه أصنع قارورة. وبالطريقة ذاتها صار متوازي الأضلاع الأبيض صفحة لكتاب أو مقطوعة موسيقية، والمثلث صار طاولة، والشكل البيضوي أجاصة أو ليمونة، ومن خط مستقيم ينحني فجأة يولد غليون». وتطور عمله الفني حتى مماته. بيد أن انقطاعه عن العمل أحياناً لم يكن ظاهراً، وكانت كل لوحة مغامرة جديدة، أو تصويراً تجريبياً في داخل العالم الذي أبدعه، وبقي أميناً لعلم الجمال التكعيبي، وكانت إيقاعاته لطيفة، وزواياه أقل حدة، وتكويناته غاية في السهولة.
من أشهر أعماله وأجملها: «طاولة المصور»، و«البساط الأزرق»، و«القيثارة الصفراء»، و«طبق الفاكهة وكتاب».
بطرس خازم