الحَسود لا يَسود في الستينات من القرن الماضي .بدر الدين تلجبيني.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحَسود لا يَسود في الستينات من القرن الماضي .بدر الدين تلجبيني.


    الحَسود لا يَسود
    في الستينات من القرن الماضي لم يكن بمقدورنا الحصول على رغيف الخبز إلا بعد خوض مشاوير شاقة تبدأ من شراء القمح من الخان ، إلى ( تصويله ) وتنظيفه من الحصى والزيوان ، ثم تجفيفه وتخزينه في صندوق خشبي كبير يسمى ( العنبر ) له كوَّة صغيرة في الأسفل تسمح بمرور الكمية اللازمة من القمح ، فكنا نملأ كل اسبوع كيساً من القمح ونوكل أمر طحنه إلى الحمال ( فينتع ) الكيس على ظهره ثم يقلبه على ظهر حماره ويذهب به الى الطاحون ، ونعطيه ليرتان ، يأخذ منها نصف ليرة اجرته والباقي يدفعه اجرة للطاحون ، ويأتي بالكيس بعد ساعات طحيناً ساخناً تقوم والدتي بنشره لكي يبرد ، وتأخذ من الطحين مقدار ( عجنة ) واحدة وتعيد باقي الطحين إلى الكيس ، وتستعير ( خميرة ) من عند الجيران وتخلطها بالطحين ، وفي الصباح تقوم بعجن العجين وتركه لفترة ريثما يختمر ثم تقوم بخبزه على التنور .
    في أحد الأيام ملأت أُمي كيس القمح كالعادة وطلبت مني أن أذهب الى السوق وآتي بحمالنا ليأخذ الكيس الى الطاحون ، ذهبت وأخي إلى السوق وبحثنا عن حمالنا فلم نجده ، وهنا خطرت لنا فكرة جريئة ، لم لا نقوم أنا وأخي بنقل كيس القمح إلى الطاحون وطحنه والعودة به إلى المنزل ونتقاسم إجرة الحمّال فيما بيننا ، فينال كلٌّ منا ربع ليرة حلال زلال ، ليس على الحال ولا على البال ، اعترضتنا معضلة تأمين الحمار ، فذهبنا إلى خالتي لنستعير حمارهم وشرحنا لها الموضوع فابتسمت وقالت : لن أُخفي عنكم فحمارنا شرس غدّار لا يؤمن له جانب ، ولن تقدروا على قيادته ، قلنا لها : لا عليك سنتدبر الأمر ، قالت : عليكم في البداية أن تكسبوا ثقته وتنادوه باسمه الأثير لديه (خُضَير ) !! وأعطتنا فكرة عن قيادته ، فعبارة ( جو ) تعني إنطلق ، و( هيش ) تعني توقف !! واذا أبطأ السير فلا بأس من ( نَخشِه ) بلطف في رقبته . قلنا لها : لا عليك واتركي الأمر لنا .
    سحبنا الحمار وسرنا به في الشارع ، وفي الطريق خطرت لنا فكرة إعتلاء ظهره والتباهي أمام أولاد حارتنا أفضل من أن نسير بجانبه هكذا كالبلهاء !! ، اوقفناه بجانب الرصيف وصعدنا على ظهره واحداً ً تِلو الآخر . سار بنا الحمار لعدة خطوات ثم بدأت حركته بالتباطؤ ، فصاح أخي في اذنه : ( جي ) لكن خطواته تباطأت أكثر ثم توقف وكأنَّه يفكر ، لم تعجبني ( صفنته ) وتوقعت أننا قصرنا في تدليله ومناداته باسمه ، فملت على اذنه وهتفت ( خضير ) !! لكنه ظل واقفاً مكانه لا يتحرك ، وهنا ( نخشه ) اخي في رقبته وكانت القشَّة التي قصمت ظهر البعير ، فرفع الحماررجليه الخلفيتين إلى الأعلى وقذف بنا في الهواء ، فلم نشعر أنا وأخي إلا ونحن نطير ثم نهوي فوق كومة من التراب والأحجار ، وتركنا ( خضير الغدار ) ولاذ بالفرار !!
    اصبت برضٍّ في ظهري وصُدِعَت يد أخي وتمزَّقت ركبة بنطالي وتلوثت ملابسنا بتراب الطريق . وأسرعنا لنخبر خالتي بالنبأ غير السار ، ضياع الحمار ، وتوقعنا أن تغضب وتحمِّلنا مسؤولية ضياعه ، وصلنا دار خالتي واذ بالأفندي ( خضير ) واقف أمام باب دارهم ينهق و ( يدحم ) الباب برأسه منتظراً فتح الباب !!
    ندمنا حيث لا ينفع الندم ، وذهبنا إلى السوق نبحث عن الحمال ، البطل سيّد الرجال ، الذي ضاقت اعيننا بنصف ليرته ، وحسدناه على رزقته ، فأعمانا الطمع بالنقود ، ونسينا أن الحسود لا يسود !!
    بدر الدين تلجبيني
يعمل...
X