تكتب الروائية السورية لينا هَوْيَان الحسن.طبعت أولى رواياتي مقابل رسوماتي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تكتب الروائية السورية لينا هَوْيَان الحسن.طبعت أولى رواياتي مقابل رسوماتي

    لينا هَوْيَان الحسن: طبعت أولى رواياتي مقابل رسوماتي
    • بقلم لينا هَوْيَان الحسن
    وهكذا طُبعت روايتي الأولى وفيها أخطاء نحوية ولغوية وسردية ولا أعتقد أني سأعيد طباعتها أبدًا لكنها كانت تمرينًا متواضعًا على كتابة الرواية.
    بدأ كل شيء بقصة حزن: توفي عمي "جاسم" رحمه الله وكان بالنسبة لي البدوي الأخير وأراه "متعب الهذال" على طريقتي.
    كنتُ آنذاك سنة ١٩٩٨ أدرسُ الفلسفة في كلية الآداب بجامعة دمشق. وأعيد السنة! فأنا لم أكن من المتفوقات دراسيًّا قط وربما لولا خوفي من أمي لما حصلتُ أصلًا على الليسانس الذي أتبعته بدبلوم دراسات عليا أيضًا استغرق معي ضعف المدة المفترضة. لكني كنت معروفة في الأوساط الجامعية بسبب المعارض الفنية! أي كنت أعتقد أنّي سأكون فنانة تشكيلية!!
    قررت ببساطة كتابة روايتي الأولى «معشوقة الشمس». خلال عدة أشهر كتبتها دون أن أفكر كيف وأين أنشرها. لم تكن تربطني أيّة صلات بالوسط الثقافي السوري آنذاك، وأبي كان ضابطًا في الجيش، أي لا معارف لي أو لعائلتي بالجو الثقافي. لكن، كان أبي قارئًا نهمًا لكتب التاريخ وتربطه صداقة وثيقة بالدكتور بهجت قبيسي وهو أحد أعيان دمشق الأثرياء والمثقفين وقد سلم أعمال تجارته لابنه وانصرف هو لشغفه ودراسة التاريخ وأنجز رسالة الدكتوراه بعد عمر الستين. وأصدر كتبًا مهمة جدًا أثرت المكتبة العربية ودرّس -على ما أذكر- في جامعة الإسكندرية كأستاذ زائر وأستاذ دائم في جامعة حلب. وأكثر من ذلك أسس دارًا للنشر غير ربحية لدعم الكتاب التاريخي وسماهّا دار "شمأل" وهو اسم قديم لمملكة حلب التاريخية.
    تلقى أبي خبر كتابتي للرواية بفرح كبير وحسم حيرته بزيارة للدكتور بهجت قبيسي الذي كان قد تجاوز السبعين آنذاك وقد كرّس كل حياته للبحث والدراسة.
    كنتُ أنا وأبي ود. قبيسي وجرى الحديث التالي:
    سأل د. قبيسي أبي:
    "هل قرأت رواية ابنتك؟!"
    أجاب أبي ببساطة:
    "لا..! لكن أخبرتني عن المضمون وهو عن البدو"
    التفت نحوي د. قبيسي:
    "أظن أني سمعتُ من أبيك قبل مرة أنك ترسمين ولك معارض!؟ ودعاني لزيارة معرض أو شيء من هذا القبيل، لكني لم أزر المعرض، لماذا تكتبين الآن؟!"
    أجبتُ دون تردّد:
    "كان لدي شيء أرسمه، والآن لدي أشياء أكتبها"
    "عندك قصة!؟"
    "بل عندي قصص يا عمو"، أجبتُ بثقة.
    نهض د. قبيسي وجلب لي أحد كتبه، كان بعنوان «فقه اللهجات العربية» وفتح لي على نقش فينيقي عُثِرَ عليه في أحد جزر أمريكا الجنوبية وكانت النقوش عبارة عن ثلاث صور تضمنت كل صورة ثلاثة أو أربعة سطور.
    "شوفي يا بنتي ما بعرف شو كاتبة لكن لأنو أبوكِ واثق من كتابتك رح إنشرلك الرواية ع شرط ترسميلي هدول الصور بالقلم الرصاص على شكل رُقم حجرية"
    "من عيوني عمو، طبعًا"
    أخبرني أبي بعد أقل من أسبوع عندما أنجزتُ المهمة بشغف وحماس عن دهشة وإعجاب د. قبيسي الفائقين باللوحات.
    وهكذا طُبعت روايتي الأولى وفيها أخطاء نحوية ولغوية وسردية ولا أعتقد أني سأعيد طباعتها أبدًا لكنها كانت تمرينًا متواضعًا على كتابة الرواية.
    المهم: التقيتُ لاحقًا بلوحاتي مرتين.
    عندما ذهبت مع عائلتي لزيارة آل القبيسي في قصر منيف يشرف على بحيرة زرزر الساحرة والواقعة في منطقة الزبداني على الحدود السورية اللبنانية.
    قادنا وهو فخور بشيء سنراه وعبرنا ما يشبه الجسر المغطى بالأقواس صوب بناء معماري فريد كان قد حولّه إلى مكتبة شيدت فوق صخرة شاهقة تشاهد من نوافذها ثلوج الجبال اللبنانية. وهنالك عند البوابة أحيطت لوحاتي ببرواظ فاخر وأنيق.
    في المرة الثانية، بعد عدة سنوات وقد غدا اسمي مألوفًا في الصحافة السورية - أشرفت على ملحق الكتب حوالي ست سنوات في صحيفة الثورة الرسمية وكنت قد أصدرتُ روايتي «بنات نعش» وتركت أثرًا في الجو الثقافي العام وشاع عني أني "كاتبة البدو". كنت في زيارة إلى مدينة حلب وقصدت جامعتها مع ثلة من الأصدقاء والصديقات وأذكر كيف تحلقنا في بهو واسع وكنا نتناقش في أمر نسيته، عندما هتفتُ فجأة بحماسة طفل صغير فقد السيطرة على نفسه: "لوحاتي!!؟؟؟" وهرعت صوب مدخل قسم التاريخ في الجامعة ورحت أتنقل بين اللوحات وأتفقدها بفرح لا مثيل له، لحقت بي مجموعة الأصدقاء وملأت وجوههم علامات الاستفهام: "أيّة لوحات!؟؟"
    رحتُ أقصّ لهم الحكاية وقد اكتشفتُ أنّ د. قبيسي قام بطبع نسخ فوتوكوبي بجودة عالية عن اللوحات وأحاطها ببراويظ أنيقة وزيّن بها بهو قسم التاريخ!!
يعمل...
X