معرض لبناني يتحول إلى مشرحة للعملة و"متعة التذوق"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرض لبناني يتحول إلى مشرحة للعملة و"متعة التذوق"

    معرض لبناني يتحول إلى مشرحة للعملة و"متعة التذوق"


    "تيك أوفر اللبنانية" تجمع بين التجهيز والفن المفهومي والأدائي.
    الأربعاء 2023/03/29
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    لوحات ناطقة بقيمة العملة

    كيف انهارت العملة اللبنانية وانخفضت قيمتها؟ سؤال لا يجيب عنه الاقتصاديون فقط، بل يحاول الفنانون التشكيليون أيضا تقديم شرح بصري عميق له، شرح يستعرض بتقنيات مبتكرة تأثر حياة اللبنانيين بالأوضاع الاقتصادية بصور وتجهيزات بصرية وحتى دعوات للتذوق.

    دعت الفنانة اللبنانية إييفا الدويهي وصالة “تيك أوفر” في بيروت في الرابع من مارس الجاري إلى معرض فوتوغرافي تحت عنوان “انخفاض قيمة العملة”.

    واشترك في هذا المعرض المصوران الفوتوغرافيان اللبنانيان كليف مخوّل ونويل نصر. وترافق المعرض مع عرض أدائي تحت عنوان “متعة التذوق” من تصميم أمير حلبي وهيذر كايد.

    ربما أول ما يخطر على بال من اطّلع على عنوان المعرض والعرض “التذوقي” المرافق له زمن السريالية وتحديدا صورة فوتوغرافية شهيرة تحت عنوان “مأدبة الربيع” التقطها المصور الفرنسي دونيس بيللون المُقرّب من السريالي أندري بروتون لعمل تجهيزي يحمل عنوان “عشاء على جسد المرأة” للفنانة السريالية ميرت أوبنهايم لأجل أن تكون منطلقا للحدث الفني سنة 1959 في باريس في إطار “المعرض العالمي للسريالية”.



    وباختصار شديد يجسد العمل طاولة وضع عليها جسد امرأة تشبه جثة من الجص أو لعبة زيّنت بالفاكهة والطعام. غير أن ما حضر في صالة “تيك أوفر” لا يمت إلى السريالية بشيء ويهدف إلى أن يكون فنا مفهوميا يواكب عرضا تذوقيا.

    يجمع المعرض الذي قدمه فضاء “تيك أوفر” ما بين التجهيز الفني والفن المفهومي والفن الأدائي. أما حصيلة هذا الجمع ما بين الأساليب الفنية الثلاثة قد لا يستسيغه الكثيرون وعلى الأغلب لأن فيه من المباشرة والسذاجة لجعل المكان أشبه بمشرحة مُبرّدة شبه فارغة تحيط بها جدران من مربعات السيراميك الأبيض.

    يشير البيان الصحفي المرافق للمعرض إلى أن الفكرة التي يتمحور حولها والتي بنى عليها الفنانان كليف مخوّل ونويل نصر انطلقت من استخدام العملة الورقية الأدنى قيمة، 1000 ليرة، كمرجعية ثابتة طوال المشروع.

    والثنائي كليف مخول ونويل نصر “بدأ عملية توثيق عشوائية لمواد وسلع ضرورية في حياتنا اليومية، حصلا عليها من محال السوبرماركت، الصيدليات، والأفران. يتمحور المشروع حول القوة الشرائية لورقة الألف ليرة التي تم إصدارها العام 1988 ولا تزال متداولة حتى اليوم”.

    ويضيف البيان الصحافي المرافق للمعرض “في أغسطس 2019، استيقظ اللبنانيون على واقع جديد: انخفاض قيمة عملتهم الوطنية. كان قد حصل الأمر نفسه عام 1981 أثناء الحرب الأهلية واستمر حتى تثبيت سعر الصرف عام 1998 من قبل البنك المركزي (1 دولار = 1500 ليرة لبنانية). أدى مزيج من سوء الإدارة، الفساد، والممارسات المالية الخاطئة إلى خسارة 120 في المئة من قيمة العملة اللبنانية بحلول عام 2021.

    مشروع/معرض “انخفاض قيمة العملة” ولد في 1 يونيو 2020، خلال فترة أصبح من الواضح خلالها أن الانهيار وقع ولا عودة إلى الوراء. حينها كانت الليرة اللبنانية قد فقدت أكثر من 150 في المئة من قيمتها بينما ارتفع سعر سلة الغذاء الوطنية بنسبة 160 في المئة (حسب برنامج الأغذية العالمي).

    لأجل إقامة المعرض تم اختيار المواد المصوّرة عشوائيا بالاعتماد على لائحة مشتريات يومية. وبمجرد اختيار هذه المشتريات من الرفوف، بدافع الحاجة أو الجشع، تحولت مع الانخفاض المستمر للعملة الوطنية، إلى سلع صعبة المنال.

    تدعو الحصيلة النهائية للمشروع إلى قراءة مخبرية جديدة للأزمة المالية عبر سلع أو مواد كانت يوما ما، متاحة لجميع شرائح المستهلكين بأسعار معقولة.

    بمحاذاة مع هذا العرض الفني يشير البيان الصحفي إلى أن “متعة التذوق” وهو الشق الثاني من المعرض هو عرض تذوقي ساخر ويستجيب “للعلاقة الجديدة التي فرضها تدهور سعر الصرف في لبنان، على الطعام والضيافة. حيث يظهر الفنانين وهم يعدون الطعام والمشروبات من أجل الضيوف الحاضرين في المكان دون أن تتعدى تكلفة القضمة الواحدة الألف ليرة لبنانية”.

    ويضيف البيان الصحفي أن العرض هذا “يقدمه كل من المهندس المعماري أمير حلبي والباحثة متعددة التخصصات هيذر كايد. عرفت الأخيرة بتركيزها على مواضيع مرتبطة بالطعام، الثقافة، السياسة، والبيئة”.


    هذا ما تستطيع أن تشتريه بألف ليرة


    الشق الثاني المُكمل للمعرض كما ذكرنا آنفا يأتي تحت عنوان “متعة التذوق”. والعنوان هو ترجمة غير حرفية للعنوان الأصلي الموضوع أصلا باللغة الفرنسية “أموز بوش” مما جعله بعيدا عن حساسية التعاطي مع الأزمة اللبنانية الراهنة وبالتالي جعله منفّرا. فثمة خيط رفيع جدا ما بين السخرية السوداء وما هو خلافها، أو دونها وقد قطع الخيط في هذا الحدث الفني لأكثر من سبب.

    ففكرة تناول صعوبة لقمة عيش في لبنان وتلوثها بالنزاعات الدولية والفساد الداخلي هو موضوع شائك ومتشعب. وأي عمل مفهومي كهذا الذي نحن بصدده يتطلب الكثير من الحساسية والانخراط في معنى الأزمة ككل حتى، من ناحية، لا ينقلب المعنى عكس ما أراده الفنان، ومن ناحية ثانية، حتى لا يقع العرض الفني في هزلية تجيء وكأنها نوع من الرقص حول النار ينتظر المتفرجون عليها موعد علوّ مجون رقصهم تزامنا مع احتدام النار/اشتداد الأزمة. ونقول ذلك لاسيما أن انهيار القيمة الشرائية للعملة اللبنانية تأثر بها سلبيا القسم الأكبر من الشعب بينما نعم بها قسم آخر وهو القسم الذي يستحصل على العملات الصعبة وهذا الحال يشي بانعدام حس الوطنية والشعور بالآخر لاسيما أن السلطة اللبنانية في مراحل متتالية غذت من حيث تدري أو لا تدري انعدام الشعور بالانتماء إلى مجتمع واحد في الأمور المعيشية.

    وقد يكون هذا العرض المزدوج نوعا من تسليط الضوء على الهوة الفظيعة التّي وقعت ما بين الطبقة الميسورة جدا من الشعب وتلك التي إن وقعت قطعة خبز من رغيفهم أثناء الطعام على الأرض قاموا بتقبيلها كنوع من الاعتذار عن الاستهتار وإن غيّر المقصود بـ”النعمة”.

    ويلفت البيان المرافق للمعرض أن فضاء “تيك أوفر” كان مطبخا سابقا من لبنان والمنطقة و”تأسس في نهاية 2022 من قبل المصورة والفنانة البصرية إييفا ساودرغايت الدويهي، بهدف تزويد الفنانين بمساحة لعب، تجريب، وتعاون، مع تركيز خاص على الممارسات الفنية المرتبطة بإنتاج الصورة. ويستضيف المكان معارض، ورش عمل، حوارات حميمية، وتدخلات من أنماط أخرى”.
    الثنائي مخول ونصر وثقا عشوائيا لمواد وسلع ضرورية، حيث يتمحور المشروع حول القوة الشرائية لورقة الألف ليرة

    يذكر أن نويل نصر (مواليد 1978) باحث ومصور لبناني فرنسي حاصل على ماجستير الفنون الجميلة والماجستير في التصوير الفوتوغرافي من جامعتي كينت وأولستر في المملكة المتحدة. يستلهم أعماله الفنية عادة من تجاربه اليومية بينما تكون غالبا الدوافع علاجية.

    نُشرت مشاريع نصر الأخيرة بالتعاون مع زملاء من الفنانين، والمصممين، والمهندسين المعماريين، والمصورين. عرض سابقا في فضاءات كأمم للبحث والتوثيق، آرت لاب، متحف سرسق، والمركز العربي البريطاني. يمكن العثور على أعماله المنشورة في العديد من المكتبات الدولية مثل المكتبة البريطانية في لندن؛ جامعة كاليفورنيا – بيركلي، مكتبة بانكروفت.

    أما كليف مخول (مواليد 1983) مصور يعمل ويقيم في بيروت. حاصل على بكالوريوس في التصوير الفوتوغرافي من جامعة الروح القدس الكسليك.

    عُرضت أحدث أعماله عن الثورة في لبنان ضمن المعرض الجماعي “17 أكتوبر 2019” في صالة جنين ربيز. كما نشر جزء منها في كتاب “كلنا للوطن – ثورة 17 تشرين”.







    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X