الكويتي الراحل حميد خزعل فنان وناقد متمكن من أدواته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكويتي الراحل حميد خزعل فنان وناقد متمكن من أدواته

    الكويتي الراحل حميد خزعل فنان وناقد متمكن من أدواته


    فنان كان مشغولا بأسئلة الفن وببناء تجربته وإلهام غيره من الفنانين.
    السبت 2023/03/18
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    لوحات تركز على دقة التكوين

    رحل الفنان الكويتي حميد خزعل جسدا لكنه لا يزال حاضرا فنيا، فكل إسهاماته في الحراك التشكيلي الكويتي والعربي لا تزال شاهدة على عمق تجربته فنانا كان أو إنسانا، نهل من أكبر المدارس الفنية وصنع لنفسه اسما مهما، لكنه لم يكتف بذلك بل كان ملهما لفنانين ومعلما لآخرين ويده ظلت ممدودة دائما لتشجيع المواهب الجادة سواء كان ذلك في الممارسة التشكيلية أو حتى النقدية.

    أتاح الفنان والناقد الكويتي الراحل حميد خزعل لفن الرسم والفنون البصرية العربية مجتمعة مساحة شاسعة من قلبه الكبير، معزوفة لفن الرسم بكل أطيافه وتوجهاته، كما أن أبوابه وتفرعاته التي كانت على منصة مجلة التشكيلي الإلكترونية، مازالت تصدح صداها إلى هذه الأوقات في وجدان وذاكرة كل محبيها من نقاد وفنانين وجمهور.

    كان الفنان قد كرس جزءا كبيرا من وقته للكتابة والنشر في موقعه الأجمل على الإطلاق في حينه. عمل كمؤسسة بمفرده، يقدم التجارب ويتيح للأقلام الجديدة الجادة مساحات بالمجلة التي كانت رائدة في جمع وتقديم عدد كبير من النقاد والكتاب والتجارب الفنية التشكيلية العربية، بكل جديد من هذه التجارب وإضفاء روح التنوع والتجديد بالعديد من المقالات المترجمة عن تجارب غربية للفنون الجديدة كمحاولة لفتح نافذة مشرعة على براح آخر أوسع يحوي آخر ما أنتجته الفنون البصرية العالمية في الغرب.

    الحديث عن الفنان وتجربته بمثابة العودة إلى أوراق تشكيلية في سيرتها الأولى، تلك الأوراق التي دونتها أياد مبدعة من الفنانين والنقاد التشكيليين الكويتيين والعرب، وتم رصدها وتوثيقها في مدونة الفنان خزعل “مجلة التشكيلي” عبر سنوات من العمل المضني والجهد الكبير في تجميع ونشر العديد منها تباعا في أكبر المنابر، المخصصة في الفن التشكيلي العربي بكل اتجاهاته وفروعه مما كون قاعدة بيانات ضخمة أصبحت أرشيفا وعنوانا لكل باحث ودارس ومهتم.


    حميد خزعل اهتم بالتلوين وأثر الفرشاة على أرضية لوحاته وأعطى للملامح التجريدية في لوحاته حيزا


    بداياتي في الكتابة النقدية والنشر تقريبا انطلقت من مجلة التشكيلي، متابعاتي الفنية للتجارب العربية الرائدة عبر فضائها، التعرف على تجارب شابة في النقد والرسم، النشأة الأولى للإنترنت والتواصل المجتمعي الحديث، تكوين صداقات خارج نطاقها التقليدي من مجموعات ثقافية وتشكيلية متقاربة الرؤى والأهداف.

    تنوعت تجربة الفنان الراحل حميد خزعل بين الرسم والنحت والأعمال التركيبية الحديثة والطرح عنده حداثي وطازج، فكانت أعماله الجديدة في معرضه الأخير “هوامش من سيرة شهرزاد” تنضح بالكثير من الرمزية والاختزال الدائم والألوان الصريحة والكثير من التأني والبلاغة التشكيلية، حيث إن الفنان لا يستخدم الكثير من المفردات لبناء أعماله بل كان يكتفي بالقليل منها في فضاء اللوحة وأتاح قدرا كافيا للمتلقي لإكمال نصوصه البصرية وفق ما يراه مناسبا، وكذلك حسب رؤيته وذائقته الخاصة التي تنتجها مخيلته أثناء المشاهدة للأعمال في حينه.

    اهتم الفنان الكويتي بالتلوين وأثر الفرشاة على أرضية لوحاته بألوان صريحة ومتباينة بين الأصفر الوهاج والأحمر والأزرق والأبيض وأعطى للملامح التجريدية وأثر الفرشاة وملامس أرضيات لوحاته حيزا أكبر من مراحل سابقة.

    وكان الديك التيمة الرئيسية في أغلب الأعمال مع ظهور شهرزاد من وقت إلى آخر كضيف مؤقت على خجل تسرد قصص الغياب وكأنها تريد أن تشير إلى أن الحضور دائما مؤقت وعرضي في هذه الدنيا، ومحاولات لإعادة الصورة الإنسانية الأولى البعيدة عن كل مثالية.

    أما تشريح الجسد في رسوماته فيقترب من تشريح منحوتات هنري مور الإنجليزي، حيث الخطوط الخارجية والرؤوس تكاد تكون مستديرة “كتلك المرسومة على جدار الكهوف والتي تأثر بها الفنان هنري مور نفسه ونهل منها الكثير”، بالإضافة إلى الانسيابية في الأكتاف وبعض خطوط الجسد والاختزال في الشكل العام، النحات مور الذي كان أول من تصرف بالجسد البشري حسب هواه ومزاجه الفني ورؤيته التشكيلية حيث جعل من تجريد الشكل الإنساني من ضمن محسناته الفنية الرئيسة وأعطى للفراغ اهتماما متزايدا.


    كما استفاد الفنان من الرسم البدائي في عصور الصيد كما فعل خزعل في أعماله الفنية، حيث استعمل فيها القليل من المفردات وفسح المجال للفراغ في توازن كبير كان يضبط إيقاعه بالتلوين لهذه المساحات وتدرجاتها بظلال شفافة، مع توزيع متقن لمفرداته المرسومة وبعض الخطوط الملونة التي تظهر في بعض المناطق حول تلك المفردات، والانسياب في الخطوط التي ترسم الأجساد عنده بالكثير من التجريد والرمزية.

    قبل ذلك بمراحل سابقة، كانت السريالية هي المدرسة التي طغت على اتجاه خزعل في الرسم فأنتج العديد من الأعمال المرسومة والمنحوتة، يعتريها الكثير من السرد الغامض لقصص وأحداث البشر من معاناة وآمال وطموحات، في وصف بصري يهتم بأدق التفاصيل كأنها أحلام يقظة أو غفلة عقل بين الصمت والنطق في عالم مجاور.

    كان مهرجان القرين الثقافي قد احتفى بالفنان الراحل حميد خزعل وذلك باختياره المنارة الثقافية الكويتية لعام 2018، لمجهوده في دعم الثقافة البصرية الكويتية كفنان وناقد ومصور فوتوغرافي ونحات وباحث ومؤرخ لتاريخ الحركة التشكيلية الكويتية، والذي جسد كل هذا في أعماله المكتوبة من كتب ومساهمات في المجلات والصحف المختلفة، الورقية والإلكترونية، عبر سنوات طويلة من العطاء والعمل الجاد.

    يذكر أن حميد خزعل رحل في لندن عندما كان يتلقى العلاج في أحد مستشفياتها سنة 2016، تاركا وراءه إرثا كبيرا من الأعمال الفنية والكتب المنجزة والكثير من الانطباعات الجميلة في نفوس كل محبيه من فنانين ونقاد ومثقفين من الكويت والبلدان العربية كافة، لشخصه المؤثر وأخلاقه الرفيعة وتجاربه التشكيلية المميزة وسيرته العطرة.

    قال عنه الفنان محمود أشكناني حين رحيله “لقد انطفأ في هذه الليلة في سماء الكويت نور نجم من نجوم الفن التشكيلي الكويتي، والألم يعتصرنا على فراقه”.

    أما الفنان التشكيلي فاضل العبار، فقال “افتقدنا صديقا عزيزا وفنانا وناقدا فنيا مجتهدا على مستوى الوطن العربي هو حميد خزعل، رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته، وعظم الله أجركم”.


    وكذلك وصفه لافي الشمري بقوله “اتصف الفنان الراحل بالدقة والنظام إضافة إلى دماثة الخلق والصبر برغم المعاناة، ولم يكن كثير الكلام مفضلا ترجمة كل ما يجول في خياله عبر إبداع بصري يعتمد على دقة التكوين وجمال الشكل، وكان نموذجا للفنان الجاد الذي لا يجند نفسه للصراعات، بل كان يركز في عمله متجاهلا هذه المهاترات”.

    كما قال الفنان غازي إنعيم “كان الفنان (خزعل) مشغولا بأسئلة الفن.. وبأسئلة الضرورة المشحونة بالمرارة والأمل، حتى إن المرض لم يهزمه بل جعله يبدي مقاومة له لأن الفن كان بالنسبة له إضاءة توحدت فيها أمانيه.. وأعطانا مثالا للتحدي، تحدي سنوات المرض وتحدي منافي الجسد”.

    حميد خزعل من مواليد الكويت سنة 1951 درس مادة الرسم لعدة سنوات قبل أن يسافر في بعثة إلى جمهورية مصر لاستكمال دراسته الأكاديمية، عاد بعدها إلى الكويت واشتغل كناقد فني في العديد من الصحف والمجلات الكويتية.

    هو مؤسس مجلة التشكيلي الكويتية ومؤسس موقع رواق الفنون الخاص بالفن الكويتي وموقع دليل المهلب الخاص بالفنانين التشكيليين من كافة البلدان العربية، ومصنف حسب البلد والحروف الأبجدية. له العديد من المقالات والدراسات في العديد من الصحف والمجلات العربية، صدر له العديد من الكتب، منها “الفن التشكيلي الكويتي” مع الدكتور عادل المصري منظمة اليونسكو الكتب العربي للتنمية والعلوم والثقافة، كتاب “السباحة في عالم من قصاصات الورق” عن الفنان أحمد عبدالرضا الصالح ضمن منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، “الخزف في الكويت” مشاركة مع الفنان علي العوض ضمن منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، “التراث في الفن التشكيلي الكويتي”، أوراق تشكيلية كويتية.

    وهناك كتاب تحت الطبع عن سيرة الفنان التشكيلي سيصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت في الفترة القريبة القادمة.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    عدنان بشير معيتيق
    فنان تشكيلي من ليبيا
يعمل...
X