روح الشرق بعيون على الحداثة: في تجربة التشكيلي السوري إبراهيم العواد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • روح الشرق بعيون على الحداثة: في تجربة التشكيلي السوري إبراهيم العواد

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣٠٣١٤_٢١٤١٥٩.jpg 
مشاهدات:	18 
الحجم:	56.5 كيلوبايت 
الهوية:	82749
    يمكن النظر إلى الفنان التشكيلي السوري إبراهيم العواد على أنه حالة ثقافية ثنائية التكوين والفعالية الفنية. ليس لأنه مواطن سوريّ وألمانيّ فقط، بل لأنه حوّل هذه المواطنية المشتركة إلى هوية فكرية ذات رؤية متعددة الزوايا. إذ ليس كل مبدع يحمل هويتين بقادر على جعل ذلك هوية ثقافية متعددة الملامح.
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣٠٣١٤_٢١٤٢٢٧.jpg 
مشاهدات:	17 
الحجم:	117.2 كيلوبايت 
الهوية:	82751
    ليس هذا فحسب، بل إنه يحمل ومن قلب انتمائه السوريّ ما يبرهن على سعة الأفق الفكريّ والفنيّ لديه، وعلى ما يعطي المطلع على أعماله الفنية صورة واسعة الأطياف عن مشروعه الفني. فهو يقيم في الزمن الحاضر، لكنه كفنان لا يروي ظمأه زمنٌ بحد ذاته، لذلك يفتح زاوية الانتماء إلى الأزمنة المتعددة بما تحمله من منتوج فنيّ تشكيليّ نحتيّ ولونيّ يمتدّ عميقا في التاريخ. ذلك التاريخ الذي يلعب في أعماله كعنصرٍ متحوّل وليس ثابتا.

    هذا يعني أننا سوف نعثر في شغله الفنيّ على ملامح التجربة التشكيلية النحتيّة الذاهبة في الزمان البعيد، حيث فتح عينيه على تشكيلاتٍ سوريّة عريقة موغلة في القدم، في جغرافية حوران وتراثها الحجريّ والصخريّ بأشكاله وأنواعه ومراحل تكوّنه. وكما شغف بالغوص في أعمال أسلافه السوريين من نحاتين في العصور السحيقة، بقي هذا الشغف عادة لديه حتى الآن في قراءته لأفكار ورؤى النحاتين أينما ذهب وإلى أي متحف تاريخي دخل، حيث تقع عيناه على منحوتات عمرها آلاف السنوات، يذهب في محاولة استقراء مكنوناتها والبحث عما يجمعه هو الفنان الحديث بكل هذا الإرث التشكيلي.
    ففي أعماله يبصر المشاهد ذلك الأثر البعيد من أزمنة الأسطورة بأفكارها ونماذجها الفنية، باعتبار هذه الأسطورة تشكل مساحة من الذاكرة، وحين ندقق في دور الذاكرة في العملية الإبداعية نخلص إلى أن دورها قائم على الإيحاء من بعدٍ ومن خلال عمليات تحويل وتكييف لزمن الفنان المعاصر، أي أنها لا تحضر كواقعة بصورة حرفية وإلا غاب الفعل الإبداعيّ عن الفنّ، وإبراهيم ينظر في الذاكرة نعم، لكن عينه الأساسية على الحاضر والمستقبل. وإذا كانت ملامح الشرقِ بمختلف عصوره حاضرة في أعماله فإن هذا الحضور يكون من منطلق ما يقتضيه الزمن الحديث.

    يأخذنا هذا للحديث عن نمط الحداثة الذي يتبنّاه العوّاد، فالحداثة لديه ليست معطى ممنوحا من الخارج بقدر ما هي مواكبةٌ وتأصيلٌ للهوية وجعل هذه الهوية في حراكٍ ديناميّ مستمرّ، يسمح هذا بأن نرى في فهمه لحداثة الفنّ أن نقول إن إبداع حالة حديثة لا يعني أن يتنكّر الفنان المعاصر لمن سبقوه حتى لو كان عمرهم التاريخيّ الفنيّ آلاف السنوات، خاصة وأننا نلمح في بعض أعمال جدارية قديمة وتشكيلات صخرية ما يوحي بأنها من صناعة فنان حديث. لا يمنعه هذا من التعامل مع منجز الفنّ الحديث رسما ونحتا، بل يرفد عمله الإبداعيّ بثقافة تشكيلية ورؤيةٍ متطورة لقضايا التشكيل.
    ولا نشكّ في أن هذا الجانب من تجربته هو من الأسباب التي جعلت إقبال المشاهد الألمانيّ سواء كان جمهورا أم فنانين, نقادا من ألمانيا، إقبالاً مشهودا كثيفا. فالفنان الغربيّ لا يهمه أن يجد أمامه نحتا قادما من الشرق ولكنه منخلع الجذور وهائم في الفراغ، بل يريد أن يرى كيف حضرت شخصية هذا الفنان وذاكرته وواقعه وتقنياته المحلية، لكي يكون الفن حينئذ جسرا مع الآخر وحوارا معه.

    وخيرُ ما نستدلّ به على تحليلنا هذا هو كلام الفنان إبراهيم نفسه حيث يقول في حوار معه في موقع eDamascus:

    "التراث الشرقي هو وجودي وثقافتي، فلا أستطيع أن ابتعد عنه لأنه يمثل حياتي بكل رموزها وتفاصيلها الدقيقة، فمثلاً الفنان في "سورية" لا يستطيع أن يعمل برموز وإشارات يعملون بها في أمريكا أو أوروبا بدواعي الحداثة والعولمة لأنها حتماً سوف تكون فاقدة لروح التعبير الحقيقي عن الحالة الفنية المراد تعبير عنها عن طريق الفن، فمثلاً البئر يعطي الماء من محيطه، ومن المستحيل أن تستخرج منه ماءً يشبه ماء ألمانيا في بئر هنا، إذاً من البديهي أن أعطي من بيئتي وأعكس ثقافتي الشرقية، لأن مخزوني المعرفي والفكري من هذه البيئة الشرقية التي أفتخر أن أعبر عنها في فني."
    وبطبيعة الحال لا يحمل الفنان وهمًا حول (العالمية) باعتبارها شطارة في السوق الفنية الأوربية، وعلاقات شخصية مع صالات البيع والتسويق، فهو في رؤيته للحداثة والعولمة وما عبر عنه في تجربته يعتبر فنانا عالميا لأنه يقدم منجزا فنيا يخاطب عين المشاهد وحساسيته في أي مكان في العالم. مما يعني أنها تجربة مفتوحةٌ وحيويّة وتحمل كامل عناصر القبول التي تجعلها ذات تداوليّة في رحاب العالم. والتداولية ليست حصرا بالفنون الكتابية بل هي مسعى يحاول كل مبدع تحقيقه بإمكانياته وحسب شروط انتمائه الفنيّ. صحيح أن (التداولية) مصطلح يتناول كيفية تحقيق العمل الأدبي لإظهار العلامات والإشارات وجعلها صالحة للفهم والتأويل والانتشار عبر القراء، لكن مفهوم (العلامات) ليس محصورا بالكتابة بقدر ما هو مفهوم شامل لكل مناشط الإنسان وفنونه. بناء على ذلك يرى المشاهد في منحوتة ولوحة إبراهيم العواد علامات ورموزاً ليست منغلقةً مبهمة، علامات تشكل نداء وتحريضات للآخرين من أجل أن يتأملوا ويستعملوا آلية الفهم والتأويل للوصول إلى بعض أسرار العمل الفنيّ. وهذه العلامات لا تتجه إلى مشاهدٍ محليّ محدودٍ بل هي علاماتٌ تشكل إرثا بشريا جامعاً لكل جمهور الفنّ في كل مكان. ألا نقول إن الموسيقى لغة عالمية بمعنى ما؟ كذلك العمل التشكيلي لغة عالمية أو ينبغي أن يحقق هذه العالمية بلغته من أجل ألا يندثر في حدودٍ قوميةٍ أو ثقافية. وقد أبدع العواد في هذا المجال واستطاع أن يخاطب بعلاماته ورموزه عيون وذائقة المشاهدين والمختصين في بلاد العرب والغرب معا. فقد أقام معارض كثيرة في مختلف الأماكن الأوربية، وخاض عدة ورشاتٍ مشتركة مع زملاء أوربيين كانوا يبدون احتراما وإعجابا بمنجزه الفنيّ من حيث هو منجزٌ يتقدم للبشرية جمعاء على الرغم من كل عناصره المحلية التي تحدثنا عنها. اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣٠٣١٤_٢١٤٢٤٩.jpg 
مشاهدات:	13 
الحجم:	38.8 كيلوبايت 
الهوية:	82750
    في موضوع آخر مرتبط بما سبق، وحتى نفهم جوهر عالمية العمل الأدبي أو الفني، نقول إن العواد وضع علاماته ورموزه وإشاراته وتفاصيلها في (سياقٍ) متحركٍ تعدّديّ قابلٍ للتكيّف مع مقتضيات المتلقي وثقافته وهويته، بمعنى أن (السياق) الذي تحمله اللوحة أو المنحوتة هو سياقٌ مختلف الأوجه، وهذا يثري قابلية التأويل والفهم أكثر لدى أكبر عدد من المتلقين لعمله التشكيليّ.

    لا شكّ أن (السياق) يكون أكثر مرونة في العمل التشكيلي (والبصريّ بصورة عامة) من السياق في العمل الكتابيّ الذي يحتاج دائما إلى ترجمة حتى يتم تداوله عبر ثقافات أخرى، أي أن التشكيل بحد ذاته يحمل سياقات مشتركة في العالم بمختلف ثقافاته وقومياته، رغم ذلك فتحقيق تواصل وتداول السياق مع الآخرين حتى في العمل التشكيلي يحتاج أصلا إلى موهبة عالية ومميزة وقدرات فنية خلاقة ومختلفة حتى يستطيع الفنان بها من تجاوز الحدود والحواجز. لذلك ليس من السهل بصورة مطلقة أن يتقبل الآخرون عملك الفنيّ إذا كانت سياقاته محدودة ومنطوية، لأنه بذلك تنتهي إمكانيات القراءة والتأويل فيموت العمل الفني في مهده
    تختلف أنماط التعبير التشكيلي عند إبراهيم بين الرسم والنحت خشبا وحجراً، وقد استطاع تحقيق مواءمة وهارمونيّة بين مختلف هذه الأنماط لأنه ينطلق فيها جميعا من رؤية ومشروعٍ واسع يوزعه هنا وهناك. ومع الفروق الموضوعية والمعروفة بين الرسم والنحت بالخشب أو بالصخر أو الحجر، فثمة أفق مشترك يمكن للعين الناقدة الحساسة أن تكتشفه في مجمل أعمال العواد بصورة عامة. فكما في النحت يرى في الكتلة النحتية سطحاً يخترقه ويتجاوزه ليقشر المادة الخام للمنحوتة من أجل استخراج ما تخبئه في أعماقها، كذلك يقول:

    "كما أنني أتعامل مع لوحاتي بنفس الروح والرؤية، فأجلس أمام اللوحة الفارغة أتخيل الشخوص والمساحات والكتل الموجودة على هذه اللوحة، ثم أقوم بإضافة تلك الرؤية إلى الورقة البيضاء لكي أعبر بها عن فكري وثقافتي، كما أنني أعمل في النحت والتصوير بشكل متلازم وقد يكون ذلك في نفس اليوم حسب الدافع العاطفي والفكري إلى ذلك، وهكذا أقاسم العلاقة بين أعمالي النحتية والتصويرية أي علاقة الكتلة بالسطح، وباعتبار أن الشخص هو نفسه وذو ثقافة واحدة فمن البديهي أن يكون هنالك قواسم بينهما".

    وقد يكتشف المشاهد في رسوماته التشكيلات ذاتها التي قام بها في منحوتاته وبالعكس، أي أنه ينقل الكتلة إلى السطح والسطح إلى الكتلة. فـ (السطح) من مفردات العمل التصويريّ، الرسم، أما (الكتلة) فمن مفردات مواد النحت خشبا وحجراً، وهو حسبما يقول يقيم علاقة بين المفردتين حيث يجد في الرسم كتلة وفي النحت سطحاً. وقد يفيد هنا الاستشهاد بما قاله فنان مصريّ نحات مبدع هو علي العاشور: (عندما أواجه السطح فأنا لا أرسم ولا أصور بقدر ما أطارد المجهول المراوغ القابع في عمقه). يلزمنا مثل هذا القول في فهم طبيعة علاقة الفنان مع مواده الخام، فهو لا يأتي عمله من باب الترف والبطر والتسلية، بل يخوض عملية اكتشاف ووعيٍ ومساءلة للمجهول والغامضِ والكونيّ، ويطرق مداخل مواده الخام كيفما كانت طبيعتها سطحا أو كتلة من أجل أن يحرضها على أن تتعاطى معه بعشق وأريحية، فهو بالمقابل يحمل لمواده الخام عشقا ورغبة مجنونة في استيلاد السرّ منها لمحاولة نقله للآخرين. وبقدر ما يعرف الفنان إدارة مفاتيح مواده الخام بقدر ما تسلمه نفسها وتفصحُ له عن مكنوناتها.
    وإذا كانت المنحوتة ذات لون واحدٍ بحكم طبيعتها غالبا، فإن اللوحة المرسومة عند العواد تضج بالألوان الحياتية التي تحمل شغفا بالإنسان والطبيعة المتعددة الألوان، ويهرب من اللون الباهت الشاحب الذي يعكس فقرًا في الحياة والذائقة الفنية.

    لقد قدم لنا المبدع السوريّ إبراهيم العواد نموذجا جميلا ومهمّا لفنانٍ عرف كيف يقف على أرضٍ مشتركة تجمع بين الذات والآخر، في عملية مثاقفة وحوار وتبادل، فكان بحقّ نافذةً فاعلة يطلّ منها السوريّ على الأوربيّ وبالعكس.

    بطاقة الفنان إبراهيم العواد
    من مواليد دمشق 1960 - خريج كلية الفنون الجميلة قسم النحت عام 1983 - درس دراسات عليا في تاريخ الفن والعمارة بين 1988 و1992 في جامعة "آخن" بألمانيا وهو عضو جمعية الفنانين التشكيليين بمدينة آخن حيث يقيم.

    في سيرته الإبداعية عشرات المعارض الجماعية والفردية، والورشات الفنية في سوريا وألمانيا. مشاركة في معرض الخزف بدمشق عام 1983 - معرض صالة الرواق العربي بدمشق 1983 - مشاركة بمعرض فنانين من العالم بدار الثقافة بمدينة آخن ألمانيا عام 1987 - معرض فردي نحت وتصوير في محيط مدينة فوبسفيده
يعمل...
X