أنين الأيام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أنين الأيام

    أنين الأيام
    أحمد العكيدي 3 أكتوبر 2022
    قص
    (محمد سعود)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط



    قام من فوق ركام بناية مهجورة مطلة على الشاطئ، داعبه عبق البحر الفائح، وحطت على وجهه قطرات الندى؛ فتمثلت أمامه حكاية عشقه المهدور على تلك الصخور، تلطمها الأمواج كما لطمته الأقدار مرارًا، يلعن حظه التعيس، ويلتفت من حوله، فإذا به وسط أناس منتشين بمخدراتهم الرديئة، لم تعد تربطهم بالعالم سوى أجسامهم وقد استحالت إلى مجرد أشباح تتحرك في الظلام وتفزع من النور، ينتبه فجأة إلى ما وصل إليه حاله:
    ـ كيف حدث ما حدث؟ ألم أكن من المدافعين عنهم، كيف أصبحت منهم...؟
    ركل التراب بعنف وتقدم يتمايل إلى حيث لا يدري، يشق الظلام الحالك، تدفعه جدران إلى جدران، يقذفه زقاق إلى زقاق، حتى استقر أمام باب حديدي ضخم قضى خلفه زهرة عمره سجينًا، ينهار للحظات قبل أن يتجرّع جرعته الأخيرة من قنينة خمر رديئة، يستمر مترنحًا في ليلته الليلاء، يسقط ثم يستند إلى الأرض وينهض...
    هو الشارع نفسه الذي رسمت في فضائه البدايات، وعلى أرصفته حفرت بالدماء أسوأ النهايات، هنا نضجت الأحلام، وهنا تكسرت، هنا انبثق نور الحرية، وهنا أفل. هو اليوم نفسه، يوم الأحد، أم تراه لم يعد يعرف الأيام؟
    جال ببصره حوله؛ فإذا الدنيا خالية إلا من سكونها، بحث عن اللافتات، وعن مكبرات الصوت، وعن تلك الحشود التواقة للانعتاق وقد خلعت عنها جلباب الخوف والخنوع وهو يتقدمهم ويهتف: "روحنا فداك يا وطني...".
    تحسس لحيته البيضاء، وبحث هنا بجانب الشجيرات، وتحت العمارات، وهناك، في ذلك الركن القصي، عن رجال الشرطة وهم يقتادونه إلى مأواه البائس، لا أثر...
    صعد فوق كرسي إسمنتي ما زال شاهدًا على ذاكرة المكان، وصدح بصوت مرتفع: أأنت وطن لنا، أم تُرانا أخطأنا الوطن...؟



    (المغرب).
يعمل...
X