قصة_عفريت الشيخ حسن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة_عفريت الشيخ حسن

    عفريت الشيخ حسن
    تأليف / متولي بصل
    دمياط - مصر
    صف طويل من السيارات التي تقف محاذية لرصيف الساحة، ولا يوجد مكان في ذلك الوقت لسيارة جديدة؛ لا يوجد إلا مكان واحد قريب من باب الساحة؛ ولكن لا يجرؤ أي شخص - مهما كان منصبه أو مركزه – على أن يركن سيارته فيه! فالجميع يعلمون أنه مخصص لسيارة الكابتن؛ نجم دمياط المغمور في كرة القدم؛ والحريف الذي استحق عن جدارة لقب " بيبو بيبو " ؛ والذي لولا شغفه بالخطابة، وحبه للمنابر؛ لأصبح منذ زمن ٍ نجما لامعا من نجوم الأهلي أو الزمالك! ورغم أنه تجاوز الخمسين منذ أيام؛ إلا أنه لا يزال يحرص على المشاركة في المباريات، ولا سيما تلك التي تكون ضمن مسابقة؛ مثل الدورة الرمضانية، ودائما يفوز فريقه، بفضل مهاراته العالية في تمرير، وتصويب الكرة على مرمى المنافس؛ حتى أطلق الجمهور على فريقه اسم ( شياطين الساحة )؛ واعترض هو على كلمة ( شياطين ) فأصبح اسم الفريق ( نجوم الساحة ).
    ومن الحوادث الطريفة التي يتناقلها رواد الساحة، ويتندرون بها، أن رجلا تعمَّد أن يركن سيارته في مكان سيارة الكابتن؛ وكان ضمن الفريق المنافس الذي سيلعب ـ هذه الليلة ـ ضد فريق النجوم ؛ وفوجئ الجميع بالكابتن يقوم بترقيص ذلك الرجل؛ ويمرر الكرة من بين رجليه أكثر من مرة، وكأنه يتعمد إهانته وإذلاله أمام الجميع! وانتهت المباراة بفوز فريق النجوم كالمعتاد؛ لتعقبها مباراة أخرى من التوبيخ والاستنكار الذي تحول شيئا فشيئا إلى عتاب؛ انتهى بعقد ميثاق صداقة بين الاثنين! وتبين بعد ذلك أن الرجل يشغل منصب مستشار رفيع المستوى؛ ومع ذلك لم يركن سيارته مرة أخرى في مكان سيارة الكابتن.
    بوجهه البشوش، وأسلوبه المهذب الجميل استطاع أن يغرس حبه في قلوب كل من يعرفه، ليس في الساحة فقط؛ ولكن في مكان عمله أيضا في لجنة الفتوى، فاشتهر بين زملائه من المشايخ بعلمه، وأدبه، وأخلاقه؛ حتى إنهم كانوا يقدمونه عليهم؛ في إمامة الناس، وإلقاء خطبة الجمعة في مسجد المجمع الديني الأزهري.
    وبين الساحة التي يناديه فيها مشجعوه بالكابتن؛ ومكتب الفتوى، والمسجد اللذان يناديه فيهما مريدوه بالشيخ حسن؛ لم يشعر يوما بأي اختلاف أو تضارب؛ فالرياضة تنمي الأخلاق؛ والدين يدعو إلى مكارم الأخلاق. لكن يبدو أن دوام الحال من المحال؛ ففي إحدى ليالي الشتاء الباردة، وفي وقت متأخر من الليل؛كان يمشي في أحد شوارع الأعصر؛ وكانت قد خلت من المارة؛ وأمام أحد المقاهي الشعبية سمع صوتا يناديه:
    - يا نجم! يا كابتن .. يا كابتن حسن!
    - معالي المستشار!!
    - ماشي على رجليك ليه ، فين عربيتك؟!
    - حضرتك عارف إن المشي رياضة؛ المشي نعمة كبيرة ناس كتير محرومين منها.
    - تمام يا كابتن، بس بعد منتصف الليل، مش معقول يعني!
    - هاها .. الحقيقة مش عارف أقول لك إيه !
    - تقول! قبل ما تقول أي شئ تعالى لاعبني دور شطرنج!
    - شطرنج ! لا.. لا، دي اللعبة الوحيدة اللي عمري ما حاولتش أتعلمها .
    - جميل جدا، يبقى تعالى أعلمك ؛ عشان ألاعبك وأغلبك مرة من نفسي .. هاها !
    جذبه من يده برفق؛ ودخلا معا المقهى؛ كان معه صديق له يجلس أمام رقعة الشطرنج، سأل الكابتن صديقه المستشار متعجبا:
    - سعادتك بتقعد في المقهى؛ وتلعب شطرنج كده عادي ؟!
    - الحقيقة، مش عادي طبعا؛ لكن الشطرنج لعبتي المفضلة، وكل ما يظهر فيه نجم جديد؛ أتحداه وأغلبه ( وهو يشير إلى صديقه الآخر ) الأستاذ أيمن نجم نجوم الشطرنج في دمياط ؛ نمبر وان بقالي ساعتين ولسه ما قدرتش أهزمه!
    صافح الكابتن حسن الأستاذ أيمن، ثم قال للمستشار بخبث:
    - يا ترى بتغلبهم صحيح، ولا قاصدين يتغلبوا منك يا سيادة المستشار، انت عارفني اللي في قلبي على لساني!
    - يا صديقي العزيز الشطرنج لعبة الملوك والنبلاء؛ ولا يوجد أي لاعب شطرنج يقبل أو يرضى بالهزيمة؛ إلا إذا كان المنافس بالفعل يستحق الفوز، الشطرنج لعبة لا تعرف النفاق والمنافقين.
    - معقول الكلام ده شوقتني أتعلمها!
    - تحت أمرك، لكن قل لي بكل صراحة مالك، بقى لك فترة متغير ؟!
    - مش عارف أقول لك إيه، أنا في مشكلة كبيرة جدا، ومش لاقي لها حل!
    - مشكلة كبيرة! مشكلة فلوس؟!
    - لا ، لا .. مشكلة ضمير!
    - ضمير؟! وضَّح كلامك يا كابتن!
    - حضرتك عارف إني عضو في الساحة من سنين، وحياتي كلها في لعب الكورة!
    - تمام، وهو فيه حد غلبني وذلني غيرك!
    - لسه شايلها في قلبك؟
    - لا ، أنا بحاول أضحكك، صعبان عليَّ أشوف صديقي العزيز حزين ومهموم كده، إضحك يا أخي، وانسى الهم ينساك!
    - أضحك ازاي، وأنا حياتي كلها أصبحت على كف عفريت؟!
    - يا ساتر للدرجة دي ، احكي لي يمكن أقدر أحل المشكلة !
    - يا ريت !
    - إيه هي المشكلة؟!
    - باختصار أنا أعمل موظفا في لجنة الفتوى، يعني شيخ من مشايخ المجمع الديني الأزهري، وأحد الناس من أصحاب القلوب الضعيفة والمريضة صورني بالموبايل، وأنا في ماتش؛ وأرسل الفيديو للوزارة، وهو يستنكر إن شيخ يرتدي شورت وفانلة ويلعب كورة؛ فما كان من منهم إلا أن أوقفوني عن العمل؛ وحولوني للتحقيق بتهمة تشويه الصورة العامة ؛ والإساءة لآداب وظيفتي!
    - تعرف إني أعاني من نفس المشكلة التي تعاني منها، واحتمال كبير يحصل معايا نفس اللي حصل لك، انت عارف يا كابتن إني مستشار، ومهم جدا أحافظ على الشكل العام لمركزي الوظيفي، ولا أضع نفسي في مكان أو موقف يشوه هذا الشكل؛ يعني وجودي هنا في مقهى شعبي بهذه الصورة يتنافى مع الآداب والصورة اللائقة لوظيفتي كمستشار.
    - صحيح لكن ظروفك تختلف عن ظروفي، أنت ممكن تلعب الشطرنج في كازينو أو نادي راقي مثل نادي المستشارين، وتستغنى عن المقاهي الشعبية!
    - للأسف يا كابتن هذا الكلام غير صحيح، تعرف ليه؟ لأن غالبية لاعبي الشطرنج المحترفين والموهوبين من رواد هذه المقاهي، يا كابتن الحارة المصرية هي الأصل، منجم ومنبع كل المواهب.
    وضع عامل المقهى كأسا من الليمون أمام الكابتن، كان المستشار قد أشار له بإعداده، بينما كان كل من المستشار والأستاذ أيمن - الذي كان يناوره بمهارة فوق رقعة الشطرنج – يحتسي فنجانا من القهوة، شارك الأستاذ أيمن في الحوار فقال موجها كلامه للكابتن:
    - سامحني يا كابتن حسن أو يا شيخ حسن لأن الكلام الذي سأقوله ربما لا يعجبك، لكن ضروري أنبهك بحكم معرفتنا التي بدأت من دقايق!
    - والله إذا كان ها يزعلني بلاش .. حقيقي يا أستاذ أيمن أنا في صدمة كبيرة.
    - عشان كده لازم أكلمك بكل صراحة، أي شخص يرتدى الجبة والقفطان؛ ويختار إنه يكون شيخ وإمام للناس؛ يبقى رضي إنه يكون قدوة، وعليه يتحمل نتيجة اختياره؛ وطبيعي جدا إن الناس لا يتقبلوا رؤيته بالشورت والفانلة، ممكن الكلام ده يقبلوه من لاعب كورة، لكن من شيخ ، فصعب جدا ويمكن مستحيل؛ وحضرتك كان واجب عليك ـ من بدري ـ تختار بين إنك تكون شيخ، أو تكون كابتن ولاعب كورة، لأن الجمع بينهما أعتقد يعني ..
    - يعني إيه .. حرام ؟!
    - لا مش حرام ، وحضرتك تعرف الكلام ده أكثر مني ، بس صعب الناس تتقبله مش في مجتمعنا الشرقي فقط، ده في كل المجتمعات تقريبا!
    تدخَّل المستشار، وقال ليطمئن الكابتن :
    - يا كابتن مشكلتك محلولة، اعتبر إن تم حلها، لكن زي ما قال الأستاذ أيمن لازم تختار حاجة من الاتنين، وزي المثل ما بيقول ( الباب اللي تجيلك منه الريح؛ سده واستريح. )
    - ما أقدرش أستغنى عن الكورة، ولا عن وظيفتي وعملي اللي بحبه، بصراحة الاتنين عندي ـ ولله المثل الأعلى ـ زي الصلاة والزكاة، ينفع نفرق بينهم؟!
    - حيرتنا معاك يا كابتن، أنا كنت هاعمل اتصالات بحيث تنتهي المشكلة؛ وترجع شغلك، لكن قبل رجوعك الشغل، لازم نقفل الثغرة دي، وننهي نقطة الضعف اللي أخدوها ذريعة لإيقافك عن العمل.
    قال الأستاذ أيمن موجها كلامه للمستشار:
    - أنا عندي حل، بس حل مجنون .. أقوله ؟!
    - يمكن يكون فعلا هو الحل!
    - ممكن حضرتك بمركزك وعلاقاتك واتصالاتك، تعمل له بطاقتين، وكأنه شخصين، أو أخين توأم، واحدة الكابتن حسن، والتانية الشيخ حسن .. هاها ، فكرة مجنونة مش كده؟!
    ضحك المستشار، والكابتن، فلم يكن أحدهما يتوقع مثل هذا الاقتراح العجيب! ورغم أنه كان جنونيا فعلا إلا أنهما اتفقا على تنفيذه!
    بعد أسبوعين تقريبا صدرت بطاقة جديدة للكابتن الذي أصبح يحمل بطاقتين؛ وانتهت المشكلة؛ وعاد الشيخ حسن إلى عمله؛ ليكمل رسالته في لجنة الإفتاء؛ وفي مسجد المجمع؛ وفي المساء يرتدي الشورت والفانلة؛ ويمارس هوايته في إحراز الأهداف؛ وهزيمة المنافسين والخصوم.
    استطاع الكابتن أن يقنع المستشار بتغيير بعض بيانات البطاقة الأخرى؛ حتى لا يتم اكتشاف اللعبة؛ فأصبح في البطاقة الجديدة أعزبا؛ رغم أنه متزوج ، ويعول! وبعد شهر فقط كان الكابتن حسن في إحدى قرى المنزلة؛ يعقد قرانه على فتاة تصغره بنحو عشرين عاما؛ وكان الأستاذ أيمن أحد شاهدي عقد الزواج، وقد حرص الاثنان كل الحرص على ألا يعلم المستشار بأمر هذه الزيجة.
    تأليف / متولي بصل
    دمياط - مصر

يعمل...
X