"أنيس إبراهيم" توظيف عناصر القصة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "أنيس إبراهيم" توظيف عناصر القصة

    "أنيس إبراهيم" توظيف عناصر القصة
    • نورس علي


    طرطوس
    قص لإثارة قلق عند الإنسان، مدرك بأن القلق يبحث عن الاستقرار، فقص للصغار والكبار وخلق حالة تواصل بينه وبين الإنسان.

    فالقاص "أنيس علي إبراهيم" مقتنع بأن المطالعة مصدر الثقافة، والثقافة هي الأهم والمحفز الأساسي لكتابة القصة لديه، وهي السمة الأساسية لمتلقيه، فبها يكتب وبها يستمر، وبقدر ما يدرك أن الإنسان على قسط من الثقافة تنضح منه الأفكار.
    لقد استطاع القاص "أنيس" وبكل براعة توظيف عناصر القصة بما يتلاءم مع الفكرة الأساسية التي يعمل عليها، ففي قصصه الاجتماعية يوظف العناصر الريفية والأسماء الريفية والعادات والتقاليد الريفية بطريقة تجعلك أكثر انجذاباً لمعرفة النهاية التي لا تكاد تزيد على سطر أو جملة لديه

    موقع eSyria زار القاص "أنيس علي إبراهيم" في قريته "مجدلون البستان" التابعة لمدينة "صافيتا" وأجرى معه الحوار التالي:


    قصص الكبار
    • كيف بدأ القاص "أنيس" الكتابة، وما محفزات تلك اللحظة للمتابعة، واستمراريتها؟

    ** بدأت الكتابة أواخر السبعينيات، بعد قراءات ومطالعات ليست بالقليلة، وحفزني على الاستمرار في الكتابة المشاركة بقصة بعنوان "زمن الحرب" في مسابقة أعلنت عنها جريدة تشرين عام /1976/، حيث حصلت على المرتبة الأولى خلالها، وهنا كانت المفاجأة وأدركت حينها أني أملك الموهبة، إضافة إلى شيء ما في داخلي ربما يعود إلى زمن الطفولة.


    القاص "أنيس إبراهيم"

    فقصة "زمن الحرب" تتحدث عن أجواء الحرب، وما تقدمه الحروب للشعوب، وما الآثار الناتجة عنها وكيف تستمر لأجيال، ولا أخفيك سراً أني أغرمت بهذه القصة كثيراً بعد كتابتها وأشعرتني بقدرة المتابعة والمشاركة في مسابقات أخرى، وفعلاً بعد هذه الخطوة التي اعتبرتها مهمة في مسيرتي القصصية، تابعت المشوار وشاركت بأكثر من مسابقة لنقابة المعلمين التي أعمل بها، وفزت بأغلبها في المراكز الأولى.

    ومن هذه الانطلاقة طبعت وزارة الثقافة والإرشاد القومي أول مجموعة لي بعنوان "التفاحة" عام /1984/، وقد لاقت استحساناً وصدى طيبين بين المتلقين، لأنها بنت القرية والبيئة التي أعيشها في "المجدلون"، إضافة إلى بعض الهموم الاجتماعية التي يمكن أن تؤرق فكر كاتب كان قد امتلك شيئاً من النضج والوعي حينها، وبعدها توالت إصداراتي ولكن بشكل مقل لانتظاري الوقت الكافي لحين نضج الفكرة التي أرغب العمل عليها.


    قصص الأطفال
    • هل يحتاج الكاتب إلى نضج فكري ليتمكن من الكتابة، أم انه يحتاج إلى حالة نفسية معينة؟

    ** الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، ولكن في الأغلب الأعم، الخلفية التي ينطلق منها الكاتب هي المعين الذي يرفده بالأفكار، والمعين الذي يرفده بالقدرة على التجريب الفني، أي بالبحث عن شكل مناسب ولبوس للفكرة التي يريد أن يوصلها، وربما يكون هناك استثناءات، فقد ترى مبدعاً لا يمتلك قسطاً كبيراً من الثقافة، ومع ذلك فإنه بالفطرة والسليقة يمكن أن يدهشك ويدهش قراءه، ويقدم شيئاً غير متوقع منه.
    • من الأقدر على إيصال الفكرة ومضمون هذه الفكرة للمتلقي، القاص المثقف الذي يملك الخلفية الثقافية والموهبة، أم القاص الذي يملك الخلفية الأكاديمية، وهل يوجد علاقة بينهما: الموهبة/ الاكاديمية؟

    ** الثقافة الأكاديمية ليست مطلوبة لدى القاص، وإنما المطلوب الثقافة ويفضل ألا تنحصر بمن هو أكاديمي، ويفضل أن تكون ثقافة حرة حصلها صاحبها باهتماماته الخاصة وبحثه عن أجوبة لأسئلة تؤرقه، فالقراءة والمطالعة تمكننا من تحصيل ثقافي مهم، وبالتالي القاص المثقف ربما كانت همومه أبعد وأوسع، وربما يستطيع أن يثير اهتمامات القارئ أكثر من قاص على قسط بسيط من الثقافة.

    ولكن العبرة ليست هنا وإنما بالشكل، فالأفكار مشاع بين العَالَمين، ومشاع بين الكتاب وغيرهم، ولكن المدهش الذي يستطيع أن يمتعك، وهو الذي يملك القدرة على إيصال الفكرة بطريقة فنية إبداعية، وبهذا يفترق كاتب عن كاتب، لأن امتلاك الشكل الفني للقصة أساس حتى تكون قصة، وبغيرها لا يمكن أن تكون أبداً.
    • ما مقومات القصة، ولمن تكتب؟

    ** اكتب لكل الناس، ولجميع شرائح المجتمع، فأنا اكتب للإنسان أي كان، أكتب للكبار والصغار، والمهم أني اكتب لأثير قلق، لأثير أسئلة، فالقلق يبحث دائماً عن الاستقرار، ورحلة البحث هذه تقود إلى مشاركة الكاتب في كتاباته ولهفته وانكساراته، والأمر متبادل بين الكاتب والمتلقي، ولا تكون القصة قصة حتى تجد قارئاً، فالأمر يتوقف على الاثنين معاً، فقدرة الكاتب على التأثير وثقافة المتلقي الذي يجب أن يملك شيئاً من الدربة والدراية وشيئاً من معاشرة الفن الأدبي عامة حتى يكون قادراً على التواصل، هي الحالة الأدبية المثلى.
    • أين وجدت نفسك، في كتابة القصة أم كتابة المسرح؟

    ** كتابة المسرحية أسهل بكثير من كتابة القصة، وكان ممكن جداً أن يتخصص كاتب في كتابة المسرحية لو وجد مسرحا متأصلا محترفا ممتهنا للعمل المسرحي وجمهورا تربى على المسرح، حيث يمكن للكاتب أن يفعل فعله الايجابي في المجتمع، لذلك كثير من الكتاب يعزفون عن كتابة مسرحية لن يقيض لها التمثيل والعرض على المسرح، فأنا أرى في القصة خلاصاً وأرى فيها تفريغاً لشحنات تعتمل في صدري ووجداني، فبعد هذه التجربة الطويلة ألفتها وألفتني وصارت شيئاً مني ومن أسلوب تفكيري الذي لا يحب أن يبوح إلا بها وعنها.
    • هل وجدت نفسك في كتابة القصة الخاصة بالأطفال أم الخاصة بالكبار، ولماذا؟

    ** إن تكويني الثقافي والأكاديمي لكوني خريج جامعة دمشق عام /1973/ جعلني أنحاز واهتم كثيراً بقصص الكبار التي تريح أفكاري كتابتها، ومن خلالها أستطيع البوح بما أريد على عكس الكتابة للصغار التي تملك خصوصية صعبة جداً، والتعامل مع الصغار يحتاج إلى كاتب ما يزال يحمل طفولته بين عينيه التي ربما فقدت الكثير منها.
    • ما أسس كتابة القصة برأيك؟

    ** لن أعود معك إلى عناصر كتابة القصة التي تدرس في المناهج المدرسية، ولن أعود معك إلى صنمية النقاد فيما قوننوه وصنموه وحجروه، فمقومات الكتابة امتلاك اللغة والعيش فيها، لأنك بامتلاكها تمتلك الفن المنطوق، وبعدها يجب أن يتحرر الكاتب من كل أشكال القيود الدينية والاجتماعية والعادات والتقاليد، وأن يخرج من جلده، وأن يخرج من عينيه، وأن يمتلك القدرة على التحدي والمواجهة والرفض والتمسك بالمبدأ والمواقف، وأن يمتلك ما يقول، وأن يمتلك القدرة على العدوى والتأثير بالأخر.
    • هل لكل قصة رسالتها الخاصة، أم هناك رسالة خاصة بالكاتب يحملها معه في مختلف قصصه؟

    ** للكاتب بشكل عام رسالة إنسانية عامة يكتب فيها، وهذه الرسالة تأتي على شكل شذرات وقطوف في كل قصة، ومجمل ما ينتجه يمكن أن يساهم في تشكل رسالته الخاصة وما يدل على مستوى وعيه، ولكن ليست المسألة في الرسالة فأنا أومن كثيراً بأن الحب والفن لعب، وبقدر ما يمتلك الكاتب القدرة على اللعب ويتقن فصول ألعابه، يكون له شركاء يشاركونه شيطناته إن صح التعبير، ومن هذه الولدنات الصغيرة يمكن أن يتكون موقف ولكنه كبير، وهذا سر لا يمتلكه إلا من عايش مهنة القص.
    • تحدثت عن علاقة شراكة بينك وبين المتلقي، فهل هذه العلاقة تحتمل الحوار المتبادل بينكما قبل وبعد كتابة القصة؟

    ** قبل أن أبدأ القصة يكون في ذهني متلقون حاضرون، فالمتلقي حاضر أبداً لكي لا أضيع بوصلتي وهدفي وأبقى سائراً إلى غايتي، وبعد الانتهاء من النص يخرج النص من يدي ولا يعود ملكي وإنما يصبح ملك لمن يتلقاه، فالكاتب يرصد أصداء نصوصه في أفواه النقاد والمتلقين والأصدقاء.
    • هل تحتمل القصة مبدأ النقد كما الشعر تماماً، وهل تجد النقاد المختصين بالقصة في "طرطوس"؟

    ** نعم تحتمل وربما أكثر من الشعر، فكل متلق هو ناقد مع الاختلاف بين المستويات، فمنهم من له دربة وألفة فنقده يكون أعمق وأرقى، ومنهم من يكون ذا خبرة بسيطة فتأتي أراؤه بسيطة، إلا أنها لا تخلوا من الفائدة للكاتب، فالكاتب يجد نفسه في المتلقي ويحاسب نفسه على أساس ما يصدر عنه، وأنا أفضل المتلقي غير المتخصص لأن النقاد لعبت بهم نظريات النقد وما هو أكاديمي وما هو مترجم وما هو صرعات نقدية أتت من وراء البحار بعيداً عن المجتمع، وبالتالي النقاد أصحاب الدربة هم الأهم بالنسبة لي.
    • هل حاولت أن تستفيد من أي نقد وجه إليك؟

    ** في هذا المجال ربما أكثر ما أفادني تشكيلي مع مجموعة من الرفاق ملتقى في مدينة "صافيتا" عرف وأشتهر بـ"ملتقى صافيتا"، حيث كنا نجتمع ونقرأ أمام بعضنا بعضاً ونجلد بعضنا جلداً، ويحدث بيننا جدل ويشتد هذا الجدل، فقد كنت في بداياتي أهتم كثيراً في التقاط شيء من الآخر، عله يفتح عيني على ما لا أعرفه، ففي أعماقي أتمنى أن أجد من يتحدث عن كتاباتي ويقسو عليها نقداً.
    • تحدثنا عن مقومات كتابة القصة، فهلا حدثتنا عن عوامل كتابتها، وكيف تبدأ بكتابتها؟

    ** في البداية تكون هناك فكرة غائمة في ذهني تلاحقني فترة من الزمن وربما إلى أيام أو أشهر، وهذه الفكرة تدور وتدور فكلما خلوت إلى نفسي هجست أفتش عن شكل أضعها وأخرجها فيه، وكل هذا يبقى إرهاصات وما قبل المقدمات، فعندما يبدأ القلم بالخط على الورق تبدأ الكتابة، وقد يخط القلم ثم أمزّق الورق الذي خُط عليه، ومع ذلك عندما يكون الكاتب قد بدأ يخط بقلمه تكون الكتابة قد بدأت، فهي بدأت وهو بدأ لكن لا يمكنه أن يعرف كيف تنتهي، فالقلم لا بد أن يفرز شيئاً أو يضيف شيئاً ويجعلك تتخلى عن شيء.
    • قلت بأنك تجهز المتلقين في ذهنك قبل الكتابة، فكيف إذاً تعمل على شخوص القصة خلال الكتابة؟

    ** لكل فكرة أشخاصها المناسبون لها الجاهزون لحملها، فكل فكرة أو بيئة يتحرك فيها شخوص القصة وتتنامى فيها أحداث القصة يكون لها أشخاصها الخاصون، والبيئة هي التي تفرض هؤلاء مع المكان والزمان المناسبين.
    • ما علاقتك بشخوص القصة التي تكتبها وكيف ترسمهم؟

    ** قبل أن أبدأ بالكتابة لا اعرفهم أو يعرفونني، وبعد الكتابة لا أعرفهم أو يعرفونني، وهناك معرفة دقيقة وعلاقة حميمية لا يمكن أن تغيب أو تنفصل أثناء الكتابة بيننا، فشخوص القصة أنا اخلقهم، وقبل الخلق لم أكن أفكر بشكلهم وبعد الخلق ما عدت أهتم لأمرهم، فالعلاقة فيما بيننا خلال الكتابة علاقة وثيقة جداً فهم فيّ وأنا فيهم.
    • كيف تضع العنوان المناسب للقصة، وهل يكون العنوان جاهزاً قبل الكتابة للبدء به أم لا؟

    ** سؤال جيد ومهم وصعب، أحياناً تأتي القصة بلا عنوان فأبحث لها عن عنوان، أنا لست من الذين يضعون العنوان للكتابة عليه، فغالباً ما يأتي العنوان أثناء القص، فهو مؤرق بالنسبة لي، لأنه ذا شأن ولأنه يعطي مضمون القصة منذ قراءته، وهناك عناوين مخادعة تخدع الكاتب والقارئ وأنا معها، فأحياناً العنوان يأخذ مني نفس الزمن الذي تحصل عليه القصة.
    * ماذا عن الخاتمة؟


    ** الخاتمة هي آخر شهقة في القصة، فعند كتابة القصة أكون أثير مجموعة من الانفعالات المتضاربة، وغالباً ما تشتد خلال عملية الإبداع، وهذه الحالة الشعورية التي تمتلكني يجب أن تنتهي بشهقة، والشهقة إما أن تكون شهقة ارتياح أو صرخة ألم.

    وفي لقاء مع الأديب "محمد حمدان" تحدث عن طريقة توظيف عناصر القصة لدى القاص "أنيس إبراهيم": «لقد استطاع القاص "أنيس" وبكل براعة توظيف عناصر القصة بما يتلاءم مع الفكرة الأساسية التي يعمل عليها، ففي قصصه الاجتماعية يوظف العناصر الريفية والأسماء الريفية والعادات والتقاليد الريفية بطريقة تجعلك أكثر انجذاباً لمعرفة النهاية التي لا تكاد تزيد على سطر أو جملة لديه».

    يشار إلى أن القاص "أنيس علي إبراهيم" من مواليد عام /1947/ قرية "مجدلون البستان"، تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية وعمل في نقابة المعلمين، وله أربع مجموعات قصصية للكبار هي "التفاحة" و"أرض الديس" عام /1993/ و"الجمار" و"لعبة لغة"، ومجموعتان للأطفال هي "النورس الأبيض" و"الغول"، ومسرحية وحيدة بعنوان "العصفور".
يعمل...
X