قصّة قصيرة للأديب البلجيكي جون راي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصّة قصيرة للأديب البلجيكي جون راي

    الشّوارع..

    قصّة قصيرة للأديب البلجيكي جون راي..
    عندما كنت طفلاً، رجوت والدّي ألّا يعبرا بي ـ أثناء التجوّل ـ من أحد الشوارع قرب بناية «سان بافون».
    هو شارع صغير ريفي، ببيوت صغيرة وبائسة برائحة البخور والحوامض التي ترافق موسم الصوم الأربعيني، رفع والداي كتفيهما بلا مبالاة، ثمّ إنهما ـ ما داما لا يُعيران أي اهتمام لمخاوفي ـ قاما بدفعي أمامهما للسير في الشارع البغيض، صامتاً كسمكة، كنت أشعر بخوف وتوجس كبيرين.
    بعد هذا، اختفى ذلك الرعب، لكنني مع ذلك كنت أتحاشى الشارع بشدّة، وفي أحد مساءات العيد، وأنا في أوائل العشرينيات، كنت أسير قرب «الالكريكية»، وإذا بي أفاجأ بوابل من المطر، فرجعت مسرعاً إلى المنزل، حيث تنتظرني متع كثيرة هناك. هكذا اختصرت الطريق: عبر الشارع الكريه بالطبع.
    هناك لاحظت أن أحد المنازل البورجوازية قد تحول إلى مخبزة. ياه! كم أحب الكعك المحلي.
    كان هناك بريق يتحرّك كبندول الساعة مسقطًا قوساً ذا ألوان متعدّدة فوق الطوار، وفوق الرفوف تتربع أنواع من الحلوى المتعدّدة الأشكال، هرم من الكعكات الصغيرة آثار انتباهي بشدّة، دفعت الباب، فانتشر في المكان صدى القطع النحاسية الصغيرة المعلقة في خيوط عدّة لتعلن مجيء الزبون. لكن، لم يحضر أحد.
    ناديت: هل يوجد أحد هنا؟، لكنني لم أتلقَ إلا الصمت كجواب، كانت هناك ستارة بنفسجية تفصل المكان عن صالة أخرى، رفعتها لأكشف عن صالة أنيقة وصغيرة للأكل الخفيف، وكانت النافذة مقفلة بإحكام بدفتين زجاجيتين ملونتين، ومضاءة من الخارج بواسطة ستارة حمراء شفافة، اعتقدتها في بادئ الأمر ناراً كبيرة متأججة، أطلقت نداءً ثانياً لم يكن ذا جدوى.
    كان هناك أيضاً، باب جانبي يفترض أن يؤدّي إلى ممر داخلي، كان مغلقاً ولم أستطع فتحه، في الخارج، ازداد المطر حدّة وتكاثف الظلام، فجأة اتخذت قراراً في لا مبالاة لم أعهدها في نفسي.. كشفت عن هرم الكعكات ذاك وحشوت كيسين من الورق بها وأنا أقول لنفسي: «سأعود غداً لأؤدّي ثمنها».

    الجميع قالوا بأنها ـ الكعكات ـ ممتازة، كل من ذاقها اعترف أنه لم يذق مثلها في حياته، وقد كان هذا صحيحاً إلى حد بعيد.
    لم أعد في الغد إلى المخبزة، لكن بعد أيام من ذلك، لم تكن هناك أي مخبزة! بل وجدت نفسي أمام ذلك المنزل البورجوازي الذي كنت أراه دائماً.
يعمل...
X