
علي نفنوف في دبي... حين تُفتح نوافذ الضوء على وحدة الألوان
- إعداد: فريد ظفور
ضمن حضوره القوي والمتواصل في المشهد التشكيلي العربي والعالمي، يطلّ علينا الفنان السوري: علي نفنوف، هذه المرة من نافذة إماراتية مشرعة على العالم، من قلب مدينة باتت موئلًا للفنون وملتقىً لثقافات الأرض: دبي.
يأتي نفنوف إلى معرض وحدة الألوان المقام في غاليري ريم بدبي، حاملاً معه قنديله الفني المختلف؛ ذاك القنديل الذي لا يُشبه غيره في نوره ولا في ألوانه. ألقه الخاص يتجلّى في بصمته التشكيلية التي لا تخطئها العين، وحضوره المميز يضفي على المعرض طابعًا إنسانيًا عميقًا يتجاوز الأشكال والألوان إلى ما هو أبعد من ذلك.
يشارك الفنان في هذا المعرض العالمي بعملين فنيين، يُضافان إلى رصيده الطويل من التجارب التي تعكس رؤيته للحياة والفن. يضم المعرض مجموعة من الفنانين من مختلف الجنسيات والثقافات، وقد جاء تحت فكرة فريدة: تمازج الثقافات العالمية، وخلق حوار بصري بين الشرق والغرب، بين الألوان والرموز، بين الذائقة والحلم.
هكذا، تتلاقى اللوحات في فضاء غاليري ريم كأنها لغات متعددة تعبّر جميعها عن فكرة واحدة: الجمال والحب. لكن وسط هذا التعدد، يقف علي نفنوف كصوتٍ له نبرته الخاصة، كحارس لذاكرة المكان ووجع الإنسان، يرسم بشغف من عاش الحروب وشاهد التحولات، ويوثق بتكويناته ما عجزت الكلمات عن قوله.
"عبور الذاكرة"... رواية العين وعبور الروح:
في عمله الأول الذي حمل عنوان "عبور الذاكرة"، لا يقدّم علي نفنوف مجرد لوحة؛ بل روايةً غير مكتوبة، لا تُقرأ بالحرف بل تُقرأ بالبصر والبصيرة. هي قصة أولئك الذين غادروا نحو المجهول، صوب الحلم والاحتمال، نحو مدى أزرق يمتدّ بلا نهاية، كدعاء معلّق في فضاءٍ لا مرئي.
هؤلاء الأشخاص، الموشومون بذاكرة قاتمة، لا يتقوقعون في الحزن، بل تنبعث من ذاكرتهم ومضات برتقالية، أشبه برسائل حبّ مضيئة في عتمة الذاكرة. تداخل البرتقالي مع الأزرق هو بيت القصيد في هذه اللوحة؛ دعوة إلى الحياة في قلب المجهول، إلى الأمل في قلب الرحيل.
أنجزت اللوحة على مساحة كبيرة (120 سم)، وبأسلوب تعبيري تجريدي، مستخدمًا تقنيات الزيت والسكين والريشة، فجاء العمل جريئًا، مشحونًا بالأسئلة والانفعالات، وقد جذب أنظار المتلقين من مختلف الخلفيات، واستقرّ في قلب المعرض كنقطة جذب رئيسة.
"صوت الجسد"... عندما تتحول الأنثى إلى معزوفة:
أما العمل الثاني، "صوت الجسد"، فهو ليس لوحة فحسب، بل سؤال وجودي: أهو صوت أم صدى؟ أهو صمت أم لحن؟ وهل الجسد معزوفة أم عازفة؟ يجيب علي نفنوف على كل ذلك بجواب واحد: إنه كل ما سبق وأكثر.
في هذه اللوحة، نجد امرأة نسيت جسدها وأنوثتها وكل ما يربطها بالأرض، لتتحول إلى نغمة... إلى طاقة تُعزف على أوتار الحب والجمال. ألوانها البيضاء تنساب في انسياب رقيق نحو السماء، مشعة بتموجات الأحمر، ومشرقة بتقوسات البرتقالي، دون أن يخرج الفنان عن فضائه الأزرق، الذي يتحول هنا إلى موجات صوتية، تخترق السكون وتنفجر بمعزوفة ضوئية مشبعة بالانفعال.
اللوحة بقياس 70x100 سم، أُنجزت بتقنيات الريشة والسكين، باستخدام الألوان الزيتية، وهي عمل تعبيري تجريدي يتمتع بجرأة لونية وطروحات فكرية عميقة، وقد نالت بدورها إعجاب الحضور، لما حملته من إشراق داخلي وحرارة إنسانية.
خاتمة: علي نفنوف... حين يتحول اللون إلى نشيد كوني:
في مشاركته في معرض وحدة الألوان، يثبت علي نفنوف مرةً أخرى أنه فنان لا يرسم اللوحة بقدر ما يروي بها. لوحاته ليست مجرد مساحات ملوّنة، بل نوافذ مشرعة على الإنسان، على الذاكرة، على الوجود. في أعماله، يلتقي الشرق بالغرب، الماضي بالحلم، واللون بالصوت، ليشكلوا معًا قصيدة بصرية تحكي من دون كلام، وتُسمع دون ضجيج.
هكذا يتألق علي نفنوف في دبي، كما تألق من قبل في عواصم عديدة، مستندًا إلى تجربته السورية والإنسانية العميقة، حاملاً رسالته الفنية في كل مكان: أن الفن، حين يكون صادقًا، يصبح لغة العالم بأسره.
********
معرض الصور:






