صبيح كلش يصور "غلغامش.. معنى أن تكون إنسانًا"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صبيح كلش يصور "غلغامش.. معنى أن تكون إنسانًا"

    صبيح كلش يصور "غلغامش.. معنى أن تكون إنسانًا"


    رؤية فنية تدمج بين الميثولوجي والسياسي، وبين التاريخي والذاتي، محملة بإرث وطن جُبل على الحروب والتوق إلى السلام.
    الأربعاء 2025/07/02
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    لوحات تسأل: هل يستطيع الفن أن يعيد ترميم ما أفسده الزمن؟

    عمّان – يستحضر الفنان التشكيلي العراقي صبيح كلش في معرضه الجديد “غلغامش.. معنى أن تكون إنسانًا” سيرة واحدة من أقدم الملاحم الإنسانية، ليحولها إلى تجربة بصرية مفعمة بالتأمل والأسئلة، تستنطق الميثولوجيا السومرية والبابلية بأدوات فنية معاصرة، وتُعيد رسم الملامح القلقة للذات البشرية في مواجهة مصيرها المتقلب.

    يُقام معرض الفنان في غاليري “الأورفيلي” بالعاصمة الأردنية عمّان، ويتضمّن مجموعة من الأعمال التشكيلية التي تنصهر فيها الرموز القديمة مع الواقع المعاصر، ليولد من هذا التلاقي فضاء فني تفاعلي ينبض بالرمزية والتأويل، متكئًا على قصة جلجامش، الملك الذي شق طريقه بين الحياة والموت في بحث أزلي عن الخلود، بعد فقد صديقه أنكيدو.

    ويُقدم الفنان أعماله بأسلوب لا يوثق بصريًا للملحمة، بل يعالجها كمدخل فلسفي لمعالجة قضايا الإنسان المعاصر، حيث يغلف الخلود بألوان الفقد، ويواجه الأمل بظلال الخذلان، في رؤية فنية تدمج بين الميثولوجي والسياسي، وبين التاريخي والذاتي، محملة بإرث وطن جُبل على الحروب والمنفى والتوق إلى السلام.



    وتتجلّى في اللوحات علاقة معقدة بالهوية والذاكرة، من خلال رموز مثل الثور السماوي، والأفعى، والأبواب الحجرية، والخط المسماري الذي يظهر كندبة غائرة في الجسد أو كصدى لنقوش باهتة في الخلفيات، في توظيف بصري يعمق من الأبعاد التاريخية والإنسانية للأعمال.

    ويظهر غلغامش، في إحدى اللوحات، بملامح متداخلة متشظية تعلوها آثار الحرب والغضب، متأملًا الفراغ في لحظة مواجهة صامتة مع ذاته، في تعبير عن هشاشة الإنسان مهما بلغ من سلطة وقوة. وقد اختار الفنان تركيب المعرض في شكل متاهة، تحاكي الرحلة الموحشة التي خاضها غلغامش، في إشارة رمزية إلى دروب الإنسان المحفوفة بالتساؤلات والمخاوف.

    وطغت على أعمال المعرض الألوان الترابية والداكنة، لترمز إلى العمق الوجداني والمأساوي الكامن في التجربة، فيما ابتعد الفنان عن تقديم إجابات مباشرة، مفضلًا أن يترك لوحاته تطرح الأسئلة: هل يستطيع الفن أن يعيد ترميم ما أفسده الزمن؟ وهل تمنحنا الأساطير القديمة عزاءً لفهم حاضر مثقل بالتحولات؟

    وُلد الفنان العراقي صبيح كلش عام 1948 في مدينة الكحلاء بمحافظة ميسان جنوب العراق. انتقل مع أسرته في وقت مبكر إلى بغداد، حيث نشأ في بيئة فقيرة تركت بصمتها الواضحة على روحه وفنه. التحق بكلية الفنون الجميلة في بغداد، وتخرج منها عام 1974، قبل أن يشدّ الرحال إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا في الفن، حيث حصل على دبلوم عالي في الرسم من مدرسة الفنون الجميلة “البوزار” في باريس عام 1981، ثم نال شهادة الماجستير من جامعة السوربون عام 1983، والدكتوراه في تاريخ الفن المعاصر عام 1989 من الجامعة نفسها.

    ويعد الفنان من أبرز الفنانين العراقيين الذين امتدت تجربتهم بين العراق وخارجه، وينتمي إلى جيل من الفنانين الذين يسعون إلى الربط بين التراث الرافيديني العميق والتعبير الفني المعاصر. تتسم أعماله بروح تأملية قوية، حيث يستلهم رموزه من الطقوس والأساطير العراقية القديمة، ويُدخل عناصر مثل الخط العربي، والهياكل البشرية، والطير، والضوء، لخلق عوالم بصرية تمزج بين الرمز والتجريد، وبين الوجع الإنساني والانبعاث.



    في الكثير من لوحاته، تتجلى مواضيع مثل الفقر، الغربة، الألم، الصمت، والهوية، بأسلوب بصري غني بالعجائن والكولاج والخامات التي تُشعر المتلقي بثقل التجربة وعمق الرسالة. كما يعيد أسلوبه الذي يوظف الأسطورة والتاريخ مساءلة الحاضر، مقدمًا عبر معرض “جلجامش” رحلة بصرية تستنطق سؤالًا جوهريًا يخصنا جميعًا: ما معنى أن تكون إنسانًا؟

    شارك الفنان في عدد كبير من المعارض الفردية والجماعية داخل العراق وخارجه، حيث أقام معارض شخصية في بغداد، باريس، عمّان، دبي، والدوحة. وأحد أبرز معارضه هو الذي نظمه في العاصمة الأردنية عمّان، حمل عنوان “غلغامش: رموز ودلالات”، حيث أعاد من خلاله قراءة ملحمة غلغامش بصيغة تشكيلية حديثة، تعبر عن الصراع بين الفناء والخلود في وجدان الإنسان العراقي.

    كما تُعد لوحاته مثل “ثلاثية الجوع” من أبرز أعماله الفنية، حيث تظهر فيها أجساد بشرية أشبه بهياكل عظمية، لكنها تنطوي على رمزية أمل خفي، تظهر بوضوح عبر توظيفه عناصر ورموز كالطير واللون والكتابة.

    ويرى صبيح كلش أن الفن ليس ترفًا بصريًا، بل هو أداة لفهم الذات والواقع، ووسيلة لتفكيك المعاناة الإنسانية، وقد قال في أحد تصريحاته: “العنوان بالنسبة إليّ مفتاح لقراءة اللوحة، والمفروض أن يحمل شحنة بصرية وروحية تُطلق تأويلات المتلقي.” كما يؤمن بأن الفن العراقي غني بهويته الحضارية العميقة، ولا يحتاج إلى التبعية، بل إلى تفاعل نقدي وفعّال مع التيارات الفنية العالمية.
يعمل...