ترشيحات للقراءة:
روايتان فقط أصدرتهما الدكتورة لطيفة الزيات، الأولى أخذت مكانا هاما، وحضورا كبيرا فى السرد المصرى هى رواية " الباب المفتوح"، والثانية أراها لا تقل أهمية، وهى رواية قصيرة بعنوان " صاحب البيت"، والتى صدرت مؤخرا فى طبعة جديدة عن دار الكرمة، ومعها، فى نفس المجلد، مجموعتان قصصيتان للكاتبة هما "الرجل الذى عرف تهمته" و" الشيخوخة".
"صاحب البيت" تزيد قليلا عن مائة صفحة، ولكنها تتميز بإحكام بنائها، وببراعة السرد الذى يعادل بميزان الفن الحساس، بين تشويق المطاردة والهروب، و بين صراع الشخصية مع مثاليتها وأشباحها القديمة، بل إن التوصيف الأدق للرواية هو أنها باب مفتوح على الداخل، بينما كانت "الباب المفتوح" كسرا للجدران، وصولا الى الخارج، من دون التقليل من دراسة نفسية الشخصية في الروايتين، ولكننا نتحددث هنا عن الإطار العام، والمعنى الإجمالى .
سامية ، بطلة "صاحب البيت"، تبدو لنا وقد اختارت وخرجت من عالمها الضيق، ومن بيت العائلة القديم، تزوجت من أحبت، وانخرطت معه فى نضاله السياسى، اعتقلوه فبقيت فى شقتها، عام وأكثر بلا خبر، حتى نجح محمد زوجها أخيرا فى الهرب، بمساعدة صديقه رفيق، وهو شخصية ذكية ومنظمة ولا تحكمها العواطف، الآن على سامية أن تذهب مع رفيق لكى تقابل زوجها الهارب، وأن تخوض مع زوجها وصديقه تجربة التخفى والإختباء .
هذه هى الرحلة التى ستكشف لسامية مالا تعرفه عن نفسها بالأساس، عندما تفتح باب شقتها لتغادرها مع رفيق، ستختبر بالضبط مدى نجاحها فى فتح أبوابها الداخلية، تبرع د لطيفة فى وصف تلك الأشباح من خلال مونولوج مكتسح، تتداعى فيه الذكريات والمواقف، بنفس الدرجة التى تتداعى فيه المخاوف والأفكار.
ما يجعل من هذا الرواية القصيرة عملا مميزا نجاح كاتبتها فى الجمع بين بساطة الحدث، وعمق ما يدور فى ذاكرة البطلة، بحيث يبدو فعل الهروب من البوليس، والصراع مع صاحب البيت الذى يختبيء فيه الهاربون، موزايا تماما لمحاولة الشخصية الهروب من ماض ما زال مترسبا فى الأعماق، وموازيا أيضا لصراع سامية مع ذاتها، ومع أفكارها المطلقة عن الحب والصداقة والتمرد.
ربما تتفق بطلة " صاحب البيت" مع بطلة "الباب المفتوح" فى بحثهما الدائم عن هويتهما، وفى اعتبارهما الحرية هى الوجود نفسه، ولكن سامية مثالية للغاية، ورومانسية أيضا، وهى تفترض وتنتظر أن يكون الآخرون مثلها تماما، بينما يبدو الواقع وشخصياته فى قمة المراوغة، كل شئ يتغير، وخصوصا البشر.
هى إذن تجربة داخلية كشفتها تجربة خارجية، ستتعلم سامية أن فتح باب الخروج لا يعنى بالضرورة أن الذات قد تحررت من مخاوفها الداخلية، أو أنها قادرة على مواجهة الواقع أو ترويضه، ستتعلم أيضا أنها بقدر ما تقتل صاحب البيت فى داخلها، بكل رمزيته وتنويعاته، ستكون قوية ومسؤولة وقادرة، وكأن الحرية صراع دائم ومستمر، وكأنها كلمة فى أول السطر، وليست نقطة فى آخره.
تنقل التفاصيل الفكرة فى صورة باب ننتظر أن يفتح، أو مرآة مشروخة، أو برج حمام له عيون تراقب، وتبرع د لطيفة بشكل خاص فى وصف صاحب البيت، تمنحه صوتا ضخما وجسدا هزيلا، تجعله كاريكاتورا متحركا، وكأنه صورة بلا مضمون، لا نفتقد أبدا اكتشاف أعماق الشخصية وصوتها، ولا نفتقد الحدث المشوق والمثير.
سامية ، واسمها يكشف عن مثاليتها، ستختار أن تسترد اسمها الحقيقى بدلا من اسمها الحركى، لم تهرب من قيود البيت القديم، لتجد نفسها أسيرة بيت آخر جديد، لم ترفض الأوامر والتهميش، لتكون جزءا من لعبة تتفرج عليها ولا تحدد قواعدها، ولم تتمرد لتصبح رفيقة من يقللون من شأنها أو من دورها.
هروب يحرر الشخصية، ورحلة خارجية تقود الى رحلة داخلية، والمعنى مدهش ومثير للتأمل : الأهم من الباب المفتوح هو العقل المفتوح، والأهم من المثاليات هو فهم الواقع وترويضه، ثم إنك لا يمكن أن تكون شجاعا، من دون أن تهزم أشباحك الداخلية.
انها رواية عن بيت في داخل الذات، يجب أن تكون أنت صاحبه، وليس أى أحد آخر.
روايتان فقط أصدرتهما الدكتورة لطيفة الزيات، الأولى أخذت مكانا هاما، وحضورا كبيرا فى السرد المصرى هى رواية " الباب المفتوح"، والثانية أراها لا تقل أهمية، وهى رواية قصيرة بعنوان " صاحب البيت"، والتى صدرت مؤخرا فى طبعة جديدة عن دار الكرمة، ومعها، فى نفس المجلد، مجموعتان قصصيتان للكاتبة هما "الرجل الذى عرف تهمته" و" الشيخوخة".
"صاحب البيت" تزيد قليلا عن مائة صفحة، ولكنها تتميز بإحكام بنائها، وببراعة السرد الذى يعادل بميزان الفن الحساس، بين تشويق المطاردة والهروب، و بين صراع الشخصية مع مثاليتها وأشباحها القديمة، بل إن التوصيف الأدق للرواية هو أنها باب مفتوح على الداخل، بينما كانت "الباب المفتوح" كسرا للجدران، وصولا الى الخارج، من دون التقليل من دراسة نفسية الشخصية في الروايتين، ولكننا نتحددث هنا عن الإطار العام، والمعنى الإجمالى .
سامية ، بطلة "صاحب البيت"، تبدو لنا وقد اختارت وخرجت من عالمها الضيق، ومن بيت العائلة القديم، تزوجت من أحبت، وانخرطت معه فى نضاله السياسى، اعتقلوه فبقيت فى شقتها، عام وأكثر بلا خبر، حتى نجح محمد زوجها أخيرا فى الهرب، بمساعدة صديقه رفيق، وهو شخصية ذكية ومنظمة ولا تحكمها العواطف، الآن على سامية أن تذهب مع رفيق لكى تقابل زوجها الهارب، وأن تخوض مع زوجها وصديقه تجربة التخفى والإختباء .
هذه هى الرحلة التى ستكشف لسامية مالا تعرفه عن نفسها بالأساس، عندما تفتح باب شقتها لتغادرها مع رفيق، ستختبر بالضبط مدى نجاحها فى فتح أبوابها الداخلية، تبرع د لطيفة فى وصف تلك الأشباح من خلال مونولوج مكتسح، تتداعى فيه الذكريات والمواقف، بنفس الدرجة التى تتداعى فيه المخاوف والأفكار.
ما يجعل من هذا الرواية القصيرة عملا مميزا نجاح كاتبتها فى الجمع بين بساطة الحدث، وعمق ما يدور فى ذاكرة البطلة، بحيث يبدو فعل الهروب من البوليس، والصراع مع صاحب البيت الذى يختبيء فيه الهاربون، موزايا تماما لمحاولة الشخصية الهروب من ماض ما زال مترسبا فى الأعماق، وموازيا أيضا لصراع سامية مع ذاتها، ومع أفكارها المطلقة عن الحب والصداقة والتمرد.
ربما تتفق بطلة " صاحب البيت" مع بطلة "الباب المفتوح" فى بحثهما الدائم عن هويتهما، وفى اعتبارهما الحرية هى الوجود نفسه، ولكن سامية مثالية للغاية، ورومانسية أيضا، وهى تفترض وتنتظر أن يكون الآخرون مثلها تماما، بينما يبدو الواقع وشخصياته فى قمة المراوغة، كل شئ يتغير، وخصوصا البشر.
هى إذن تجربة داخلية كشفتها تجربة خارجية، ستتعلم سامية أن فتح باب الخروج لا يعنى بالضرورة أن الذات قد تحررت من مخاوفها الداخلية، أو أنها قادرة على مواجهة الواقع أو ترويضه، ستتعلم أيضا أنها بقدر ما تقتل صاحب البيت فى داخلها، بكل رمزيته وتنويعاته، ستكون قوية ومسؤولة وقادرة، وكأن الحرية صراع دائم ومستمر، وكأنها كلمة فى أول السطر، وليست نقطة فى آخره.
تنقل التفاصيل الفكرة فى صورة باب ننتظر أن يفتح، أو مرآة مشروخة، أو برج حمام له عيون تراقب، وتبرع د لطيفة بشكل خاص فى وصف صاحب البيت، تمنحه صوتا ضخما وجسدا هزيلا، تجعله كاريكاتورا متحركا، وكأنه صورة بلا مضمون، لا نفتقد أبدا اكتشاف أعماق الشخصية وصوتها، ولا نفتقد الحدث المشوق والمثير.
سامية ، واسمها يكشف عن مثاليتها، ستختار أن تسترد اسمها الحقيقى بدلا من اسمها الحركى، لم تهرب من قيود البيت القديم، لتجد نفسها أسيرة بيت آخر جديد، لم ترفض الأوامر والتهميش، لتكون جزءا من لعبة تتفرج عليها ولا تحدد قواعدها، ولم تتمرد لتصبح رفيقة من يقللون من شأنها أو من دورها.
هروب يحرر الشخصية، ورحلة خارجية تقود الى رحلة داخلية، والمعنى مدهش ومثير للتأمل : الأهم من الباب المفتوح هو العقل المفتوح، والأهم من المثاليات هو فهم الواقع وترويضه، ثم إنك لا يمكن أن تكون شجاعا، من دون أن تهزم أشباحك الداخلية.
انها رواية عن بيت في داخل الذات، يجب أن تكون أنت صاحبه، وليس أى أحد آخر.