الفلسفة الاجتماعية والسوسيولوجيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفلسفة الاجتماعية والسوسيولوجيا

    الفلسفة الاجتماعية والسوسيولوجيا
    "نشأت الفلسفة الاجتماعية – حسب فرانك فيشباخ – بفرنسا على يد جان جاك روسو، سان سيمون وأوغست كونت. وقد استعادها الهيجيليون الشباب، وقد اختفت من فرنسا، لكنها استمرت في ألمانيا وانقسمت إلى عدة مدارس.

    تتخذ الفلسفة الاجتماعية كنقطة انطلاق في مقاربتها "الروابط الاجتماعية"، وليس المجردات مثل الفرد أو الروح أو الدين. وقد نسجت روابط متينة مع علم الاجتماع، وبصفة أكثر عمومية مع العلوم الاجتماعية مثل (القانون، الاقتصاد، السياسة). ويعد حاليا أكسيل هونيث Axel Honneth أحد الباحثين الأكثر توهجًا في الفلسفة الاجتماعية، كما استعمل يورغان هابرماس هذه العبارة في كتابه "التقنية والعلم كأيديولوجيا".
    فما هي الفلسفة الاجتماعية؟ وما هو الفرق بينها وبين علم الاجتماع، من حيث الموضوع ومن حيث المنهج؟

    1 – مفهوم الفلسفة الاجتماعية:

    عن طريق الاشتقاق اللغوي نفهم أن الفلسفة هي حب الحكمة، ويمكننا أن نتساءل عن مضمون هذه العبارة اللامادية.
    فدلالة الحب من الناحية السيمانطيقية[i] تحتوي على معانٍ مثل: أن يهب الإنسان نفسه، أو أن يقتسم مع، أو أن يقدّر بشوق خاص، وأن يكون من أجل، أن يتوحد مع.
    فالحب فعل تفترضه حركة نحو إرضاء نفسها عن طريق إرضاء الموضوع المرغوب فيه. ونتيجة لذلك: أن نحب الحكمة، يعني أن نريد إغناء وجودنا من الناحية الذهنية.

    ومن منظور منطقي، التفلسف فعل يمكنه أن يعبّر عن حركتين بالنسبة للمعرفة:
    أ. الكشف عن المضامين التي تُخبّئها الطبيعة.
    ب. تنظيم المعرفة في مجال منطقي.

    على اعتبار أن الفلسفة شوقٌ للمعرفة، فإن إطارها هو كونية هذه المعرفة، مما يفرض سمتين:

    إرجاع المعرفة بما هو خاص إلى ما هو عام.

    التحقق من كل معرفة عن طريق معايير كونية.

    ورغم أن موضوع الفلسفة هو المعرفة ككل، فهي تبني طريقتها الإجرائية بدءًا بالأسباب النهائية، وحيث نجد الحكمة الأكثر كونية تتجه إلى تطبيقات أكثر خصوصية.

    إن الفلسفة تعتبر وحدة المعرفة المنطقية التي تقوم على عدم التناقض بين مضمونين للمعرفة التي تشكّل موضوع هذا الاعتبار، والتي يُنظر إليها كمطابقة سببية. ولهذا السبب فإن اقتصاد الفلسفة يدرس المعرفة الكونية.

    إن الغاية الخاصة من الفلسفة تكمن في متابعة التأمل الصارم في الحقائق المعطاة ضمن الماهيات[ii]. ولأجل هذا السبب فإن منهجها سيكون هو تحليل الوقائع الخاصة بين الموجودات.

    وتعبّر الفلسفة الاجتماعية عن تطبيق مفهوم الفلسفة في إطار المجتمع، وهي تسعى إلى معرفة طبيعة، موضوع وغاية العلاقات الإنسانية.
    وإطارها يشمل كونية هذه العلاقات انطلاقًا من مظهرها العددي، النمطي أو الكيفي. وتنطلق الفلسفة الاجتماعية ككائن علائقي، وتأخذ بعين الاعتبار هذه العلاقات التي تخص الجماعة بدءًا من أشكالها الأكثر بساطة إلى أشكالها الأكثر كونية: العاطفية – الاقتصادية – الثقافية. هذه بعض أنماطها، وهي تهتم أيضًا بالكيفية التي تتخذها هذه العلاقات.

    2 – مفهوم الفلسفة الاجتماعية:

    يمكن القول بأن موضوع الفلسفة الاجتماعية هو موضعة شروط الحقيقة التي تتطور العلاقات الإنسانية ضمنها.

    إن المرجع الذي يُحتكم إليه في تقويم العلاقات الإنسانية يرتكز على الطبيعة أو النظام الشمولي لوجود الكون.
    ومادام أن الفلسفة الاجتماعية تنشغل بدراسة العلاقات الإنسانية، فإن طبيعة هذه العلاقات تتخذ مظهرين مختلفين:

    الإنسان كموضوع لكل علاقة اجتماعية.

    الطبيعة المادية كإطار لهذه العلاقة.

    يتأسس المرجع الخاص الذي يتحدد كأساس للفلسفة الاجتماعية على وجود الشخص الإنساني بوصفه فردية Individualité تتصرف بصفتها ذاتًا في العلاقات الاجتماعية.
    وتتوقف الطبيعة الخصوصية وشكل وجود الإنسان على جوهرية هذه العلاقات وملاءمتها لمعايير الحقيقة، على نحو ما نتبناها في ماهيتها الحقيقية. ولهذا، فإن المرجع في وجوده يشكل جزءًا تامًا في مساعدة الفلسفة الاجتماعية على التمييز بين مظهرين وجوديين يؤثران على السلوك العلائقي.
    وفضلاً عن ذلك، فإن الكائن الإنساني في وحدته هو الفاعل الوحيد في كل فعل من أفعاله.

    إن الطبيعة أو العالم المادي الذي ينتمي إليه الإنسان، والواقع الذي يوجد فيه، يتشكل كموضوع أساسي في الفلسفة الاجتماعية، لأن العلاقات الإنسانية تتحدد ضمنها.

    إن المادة تحدد جزئيًا سلوكيات الإنسان بطريقتين:

    مباشرة، بحكم أنها تحدده في جوهره المادي.

    غير مباشرة، تضع الإنسان في ارتباط مع الجواهر المادية الأخرى التي يقتسم حياته معها.

    بالإضافة إلى ذلك، فإن الإنسان كذات يتشكل كموضوع للفلسفة الاجتماعية وكهدف للعلاقات الاجتماعية، حينما توجد علاقة معطاة بين الأشخاص، كل شخص يمكن أن يُعتبر كذات، أو كهدف، أو كموضوع للعلاقة.

    ونتيجة ذلك هي أن الفلسفة الاجتماعية يتعيّن عليها أن تدرس كيف تختلف مضامين الحقيقة التي تؤثر على الكائن الإنساني في كليته داخل كل علاقة، وتتكيف ليس فقط مع الشخص كذات، وإنما مع الغاية النهائية.
    وتتكيف العلاقة مع الطبيعة فقط حينما لا تمس بالجواهر التي تمثل أطراف العلاقة.
    إن الفلسفة الاجتماعية تتموقع في الفلسفة ضمن العلوم الأخلاقية التي تهتم بالقيمة الأخلاقية للأفعال الإنسانية.
    والمجتمع هو مجموع العلاقات التي تنشئها الكائنات الإنسانية، بوصفها منسجمة مع طبيعتها وغايتها، والتي يمكن أن تُقوّم انطلاقًا من كونها خيرًا أو قيمة أخلاقية مطلقة valeur intrinsèque للشخص الذي يسعى إلى الخير المشترك.

    للفلسفة الاجتماعية منهجها الخاص، الذي له طبيعة تأملية (المنهج التأملي منهج حدسي – استنتاجي)، بدءًا من الوجود في علاقاته البسيطة إلى أكثرها تعقيدًا.

    خاتمة:

    إن الخلاصات التي تنتهي إليها الفلسفة الاجتماعية تكون يقينية فقط إذا لم تشتمل على أي تناقض تداخلي بين مضامينها، وإذا صمدت أمام النقد الذي يمكن أن تتعرض له من قبل الفروع الأخرى للفلسفة.

    ترتبط الفلسفة الاجتماعية مباشرة بعلم الاجتماع، ما دام أن المجتمع يشكّل هدفًا بالنسبة إليهما معًا.
    والفرق الأساسي بينهما يتمثل في أن السوسيولوجيا تدرس كيف توجد السلوكيات الاجتماعية، بينما تحلل الفلسفة كيف يجب على هذه السلوكيات أن تكون.

    تقوم السوسيولوجيا على كونها علمًا تجريبيًا للعلاقات وتأثيرها على سلوك الكائن الإنساني، أما الفلسفة، على عكس ذلك، فتنطلق من تحليل كيف يجب أن تكون العلاقات. ونتيجة لذلك، فإن عددًا من خلاصاتها لا يمكن التحقق منه بصفة إمبريقية، ما دام أنه يرتبط بما ليس كائنًا، وإنما بما يجب أن يكون.

    إن علم الفلسفة الاجتماعية يتبع منهجًا مختلفًا جذريًا عن السوسيولوجيا، ولذلك فإن نتائجه غير قابلة للتقويم، ما عدا بعض مظاهرها المحدودة.
    وأخيرًا، فإن الفلسفة الاجتماعية تحتفظ بعلاقة وطيدة مع علوم أخرى مثل الأنثروبولوجيا، علم النفس التجريبي، العلوم السياسية، الجغرافيا، اللسانيات وعلوم التواصل، ومع كل علم آخر هدفه هو دراسة سلوك الإنسان في الحقل الاجتماعي."

    بيبليوغرافيا:

    _ "رسالة حول أسس الفلسفة الاجتماعية"
    Traité de fondements de philosophie sociale
    www.filosocial.com
    www.filosocial.org
    animateur de la page George Botella
    wikipedia.org/wiki/philosophie_sociale
    [i] علم الدلالة بالمعنى الخاص، وهو يتميز عن السيميولوجيا التي تُعتبر كعلم عام للدلالة.
    [ii] الأساس الثابت للشيء، أي ما به يقوم وجود ذلك الشيء في مقابل العرض، وهو الصفة التي إذا لحقت بالشيء لا تؤثر عليه.

    د. محمد الخشين
يعمل...