طبيب الأسنان و"المؤرخ " قتيبة الشهابي رحمه الله وتجربته التاريخية
ذات نهار يوم كنت صاعدا من ساحة الأمويين باتجاه ساحة المالكي واذا بالدكتور قتيبة الشهابي قادما بسيارته بالاتجاه المقابل فتوقف وفتح باب السيارة الأيمن وقال لي اصعد ! فحاول التهرب والاعتذار دون فائدة! فما كان مني إلا أن صعدت فرأيت انه يقودني نحو بيته في مشروع دمر فحاولت الاعتذار والتملص دون فائدة! وهناك قدم لي النسكافيه وجلسنا جلسة عمل طويلة امام الصور القديمة واخذ يطلعني على النادرة والإشكالية منها وتناقشنا حولها ..
وكانت جلسة طويلة وودية جدا ..لكن هذا لم يمنعني من ان اقول له بأن التاريخ علم مثله مثل اي علم آخر يتطلب دراسة اكاديمية وحتى دراسات متقدمة لنستطيع ان نكتب فيه ..لكنه قال: مالها علاقة!
لا اذكر في اي عام من التسعينيات كان ذلك. ولكن اذكر اني سألته لماذا لم يحاول ان يقابل والدي ويتشاور معه في مشاريعه التاريخية فقال لي الحقيقة اخاف ان يطردني ! فقلت له لكنك صديق للعائلة فقال نعم لكن اخاف!
اذكر عندما صدر كتاب الدكتور قتيبة الاول دمشق تاريخ وصور تشاركت مع والدي في قراءته فقال لي والدي رغم اني اعمل في هذا المجال منذ ستين عاما لكنني لن اجرؤ على عمل مثل هذا الكتاب وكان يسجل بقلم الرصاص ملاحظاته على هوامش الكتاب وفيها تصحيح لأخطاء كثيرة وردت فيه ..وكنت اقول في نفسي احيانا وفي نقاشي مع وزملاء وأصدقاء لربما لو كان اصدر هذا الكتاب في الاخر بعد نشره لسلسلة من الكتب لكان قد تعلم اكثر في هذا المجال وكنت اتمنى لو أسعفه العمر واستطاع ان يقوم بطبعه اخرى مصححة من الكتاب لكان ذلك جيدا ويقدم خدمات في هذا المجال وخصوصا الصور غير المعروفة.
لاشك ان كتابه او كتاباه مع احمد ايبش هما الافضل برأيي من بين افضل مانشر او الافضل ربما..ولا اقول انه او أنهما يمثلان المدرسة الحديثة في دراسة التاريخ ولم نعد نكتب التاريخ هكذا اليوم بهذه المنهجية والأسلوب الذي يماثل الأسلوب المتبع في القرن التاسع عشر والذي لطالما أصدقت صديق الطفولة احمد ايبش برأيي هذا. فكان يقول انه لا يمانع ان يكتب بأسلوب القرون الماضية ..
اليوم مع انحدار المستوى تدريجيا اصبحنا او اصبح البعض منا يرى في كتب الدكتور قتيبة الشهابي بأنها يستفاد منها جدا..
والواقع انه يمكن معرفة مدى التقبل الدولي لكاتب معين هو مقدار مايستفاد منها في الكتب والأبحاث الصادرة لاحقا..فأذكر ان صديقي ناصر رباط كان يقول عن مؤلفات عفيف بهنسي بأنه لم يرى مرجعا بلغات غير العربية يشير له او يستند عليه..الوضع افضل مع مؤلفات الدكتور عبدالقادر الريحاوي التي استفاد منها باحثون عرب واجانب بشكل اكبروخصوصا مقالاته في مجلة الحوليات الأثرية السورية مثل مقالة مثلا عن دور الحكام في دمشق. والحقيقة انني دهشت عندما رأيت في الطبعة الاولى من كتاب روس برنز عن دمشق عدد الابحاث التي تعود لي والتي استند اليها واشار اليها من أعمالي المنشورة باكثر من لغة. ولربما كانت مشكلة اللغة عائقا مهما في توسيع المعرفة التاريخية والاطلاع على منهجيات مختلفة ومتقدمة في البحث التاريخي .واعترف انه اتيحت لي ظروف استثنائية للدراسة ولسنوات طويلة كنت خلالها محظوظا ..
وفي النهاية اشير إلى ملاحظة ذكرها لي صديقي الدكتور بسام ديوب والذي كان من طلابنا سابقا ان هناك محاولات اليوم لإعادة نشر كتب الدكتور قتيبة الشهابي رحمه الله مع تحقيق علمي
هذا باختصار وفي عجالة محاولة لقراءة جديدة في كتابات قتيبة الشهابي وبعد مرور أعوام عديدة على رحيله على روحه السلام..