إنه شاعر السرد والاستطراد، شاعر القصيدة البيت، التي تمنح نفَسها كله لمضمار التيمة الكبرى، إنه الشاعر الذي يتقمص دور الشاعر في قصائده ولو بقناع، فهو وكأنه يكتب للشعراء القراء دون غيرهم، يستعير لغة الشعر خلسة من جذور نارها كما هي، لا ينقص من توقد جذوتها شيئا، ليبث أبطالا استثنائيين داخل نصوصه، أبطالا مجروحين نازفين كما ينبغي، ليكونوا جارحين، وهل الشعر إلا ما جرح....؟
شاعرٌ في زمن الضَّياع
من ذا رَأَىٰ شَاعِراً، لا سَمْعَ يَعْبُدُهُ
تَسَوَّلَ العِشْقَ حتىٰ لَمْ تَعُدْ يَدُهُ؟!
مَنْ ذَا رَأَىٰ شَاعِرَاً لَمْ يَمْتَلِكْ أَرَقا
وَلازمَاناً وَلا شَكوىٰ تُخَلِّدُهُ؟!
لا أُمَّ تُلْقِيْهِ في يَمٍّ فَتَرْقُبُهُ،
وأَلْفُ فِرْعَونَ خَلْفَ المَوجِ يَرْصُدُهُ
يَجيءُ مِنْ قَرْيَةٍ، مَا هَزَّهَا خَبَرٌ
مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ، الىٰ أَنْ حَانَ مَوْلِدُهُ
يَحِلُّ ضَيْفاً عَلَىٰ تَأْرِيْخِ أُمَّتِهِ
وَ حَاتِمٌ طَارِئُ الكَفَّيْنِ يَطْرُدُهُ!
فَيَنْزَويْ، خَلْفَ وُجْهِ الدَّهْرِ، ذاكِرَةً
وَ كُلَّمَا رَمَشَتْ عَيْنٌ تُبَدِّدُهُ!
ضَاعَتْ طُفُوْلَتُهُ بِالذَّوْدِ عَنْ لُعَبٍ
كانَتْ عَلىٰ لُعَبٍ أُخْرىٰ تُجَنِّدهُ!
وَحِيْنَ هَاجَرَ مِنْ دَارٍ لِدَمْعَتِهِ
وَ ظَنَّ أَنَّ بَنَاتِ الدَّارِ تَفْقِدُهُ
تَشَابَكَتْ، خَلْفَهُ في البابِ، أَلْفُ يَدٍ
كُلٌّ تَقُولُ: أَنَا مَنْ سَوْفَ يوصده
وَكانَ لِلأَمْسِ أَعْتَابٌ، تَجَاوَزهَا،
وَظَلَّ مُنْشَغِلاً حتَّىٰ مَضىٰ غَدُهُ!
فَٱمْتَدَّ فَوقَ مَسَاحَاتِ العِتَابِ فَماً،
لَمْ يَدْرِ أقْرَبُهُ ما قالَ أَبْعَدُهُ
وَقَلْبُهُ هَرَمٌ، هَمٌّ جَوانِبُهُ
مِنْ أَيْنَ ما جَاءَتِ الأَشْعَارُ تَصْعَدُهُ
وَكانَ يَبْتَلُّ بالأَقْدَارِ، فٱنْطَفَأَتْ
مَشَاعِلُ الصَّبْرِ بَرْداً وَهْيَ تُوقِدُهُ
وَكَانَ يَغْفِرُ لِلأَقْوَاسِ زَلَّتَهَا،
فَقَدْ يُصِيْبُ، إِذا غَافٍ يُسَدِّدُهُ!
تَفَرَّق العُمُرُ الماضيْ فَفَرَّقَهُ
فَضِدَّ مَنْ، أَيُّهَا الآتيْ! تُوَحِّدُهُ؟
قَدْ حَاوَلَتْ جَمْعَهُ الدُّنْيَا فَمَا قَدِرَتْ
وَكَيْفَ يُجْمَعُ ﺇِسْمٌ، مَاتَ مُفْرَدُهُ؟!
لكَنَّهُ مَا انْتَهَىٰ! لَوْ جَفَّ فِيْهِ دَمٌ
أتى ٱنْسِيابُ دَمٍ ثانٍ يُجَدِّدُهُ
وَظلَّ مِثْلَ جِبَالِ العِشْقِ مُنْتَصِباً
وَلا يَقِلُّ، وَكُلُّ الرِّيْحِ تَبْرُدُهُ
أَحْصَتْهُ مُقْلَتُهُ الأُولىٰ فَصَادَقَهَا
مَنْ ذَا لِمُقْلَتِهِ الأُخرىٰ يُعَدِّدُهُ؟!
هُوَ الإِشَاراتُ والأَقْوالُ أَجْمَعُهَا،
فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَقُلْ! أَوْ قَالَ، يَقْصُدُهُ!
وَتَطْمَئنُّ كَحَقْلِ النُّورِ مُهْجَتُهُ
تَبْكيْ عَلَيهِ الليالِيْ حِيْنَ تَحْصِدُهُ!
-هزبر محمود
شاعر من العراق
شاعرٌ في زمن الضَّياع
من ذا رَأَىٰ شَاعِراً، لا سَمْعَ يَعْبُدُهُ
تَسَوَّلَ العِشْقَ حتىٰ لَمْ تَعُدْ يَدُهُ؟!
مَنْ ذَا رَأَىٰ شَاعِرَاً لَمْ يَمْتَلِكْ أَرَقا
وَلازمَاناً وَلا شَكوىٰ تُخَلِّدُهُ؟!
لا أُمَّ تُلْقِيْهِ في يَمٍّ فَتَرْقُبُهُ،
وأَلْفُ فِرْعَونَ خَلْفَ المَوجِ يَرْصُدُهُ
يَجيءُ مِنْ قَرْيَةٍ، مَا هَزَّهَا خَبَرٌ
مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ، الىٰ أَنْ حَانَ مَوْلِدُهُ
يَحِلُّ ضَيْفاً عَلَىٰ تَأْرِيْخِ أُمَّتِهِ
وَ حَاتِمٌ طَارِئُ الكَفَّيْنِ يَطْرُدُهُ!
فَيَنْزَويْ، خَلْفَ وُجْهِ الدَّهْرِ، ذاكِرَةً
وَ كُلَّمَا رَمَشَتْ عَيْنٌ تُبَدِّدُهُ!
ضَاعَتْ طُفُوْلَتُهُ بِالذَّوْدِ عَنْ لُعَبٍ
كانَتْ عَلىٰ لُعَبٍ أُخْرىٰ تُجَنِّدهُ!
وَحِيْنَ هَاجَرَ مِنْ دَارٍ لِدَمْعَتِهِ
وَ ظَنَّ أَنَّ بَنَاتِ الدَّارِ تَفْقِدُهُ
تَشَابَكَتْ، خَلْفَهُ في البابِ، أَلْفُ يَدٍ
كُلٌّ تَقُولُ: أَنَا مَنْ سَوْفَ يوصده
وَكانَ لِلأَمْسِ أَعْتَابٌ، تَجَاوَزهَا،
وَظَلَّ مُنْشَغِلاً حتَّىٰ مَضىٰ غَدُهُ!
فَٱمْتَدَّ فَوقَ مَسَاحَاتِ العِتَابِ فَماً،
لَمْ يَدْرِ أقْرَبُهُ ما قالَ أَبْعَدُهُ
وَقَلْبُهُ هَرَمٌ، هَمٌّ جَوانِبُهُ
مِنْ أَيْنَ ما جَاءَتِ الأَشْعَارُ تَصْعَدُهُ
وَكانَ يَبْتَلُّ بالأَقْدَارِ، فٱنْطَفَأَتْ
مَشَاعِلُ الصَّبْرِ بَرْداً وَهْيَ تُوقِدُهُ
وَكَانَ يَغْفِرُ لِلأَقْوَاسِ زَلَّتَهَا،
فَقَدْ يُصِيْبُ، إِذا غَافٍ يُسَدِّدُهُ!
تَفَرَّق العُمُرُ الماضيْ فَفَرَّقَهُ
فَضِدَّ مَنْ، أَيُّهَا الآتيْ! تُوَحِّدُهُ؟
قَدْ حَاوَلَتْ جَمْعَهُ الدُّنْيَا فَمَا قَدِرَتْ
وَكَيْفَ يُجْمَعُ ﺇِسْمٌ، مَاتَ مُفْرَدُهُ؟!
لكَنَّهُ مَا انْتَهَىٰ! لَوْ جَفَّ فِيْهِ دَمٌ
أتى ٱنْسِيابُ دَمٍ ثانٍ يُجَدِّدُهُ
وَظلَّ مِثْلَ جِبَالِ العِشْقِ مُنْتَصِباً
وَلا يَقِلُّ، وَكُلُّ الرِّيْحِ تَبْرُدُهُ
أَحْصَتْهُ مُقْلَتُهُ الأُولىٰ فَصَادَقَهَا
مَنْ ذَا لِمُقْلَتِهِ الأُخرىٰ يُعَدِّدُهُ؟!
هُوَ الإِشَاراتُ والأَقْوالُ أَجْمَعُهَا،
فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَقُلْ! أَوْ قَالَ، يَقْصُدُهُ!
وَتَطْمَئنُّ كَحَقْلِ النُّورِ مُهْجَتُهُ
تَبْكيْ عَلَيهِ الليالِيْ حِيْنَ تَحْصِدُهُ!
-هزبر محمود
شاعر من العراق