?? * ؛ ... الْـبـُــردَة .. ؛ * ??
?? * ؛ الإِمَــامُ البُـوصِيـرِي ؛ * ?️?
فَـمَـا لِـعَيْنَيْـكَ .؟ إنْ قُـلْـتَ اكْـفُـفَـا : هَـمَتَــا ..
وَمَـا لِـقَـلْبِـكَ .؟ إنْ قُـلْـتَ اسْتَفِـقْ : يَـهِـمِ .؟!
هـوَ الإمَـام شَرَفُ الدِِّين محمـد بن سَعِيد حمَّاد الصِِّنْهَـاجِي البُـوصِيري .. وُلِـدَ بِقَـريَـةِ : دلاص إحـدَىٰ قُـرَىٰ بَـنِي سُويـف مِنْ صَعِيـدِ مصر في
أوَّلِ شَوَّال : 608 هـ ، المُوَافِق : 7 مِنْ مارس 1213 م ، لِأُسْـرَةٍ تَـرجِـعُ جُـدُورُهَـا إلـىٰ قَبِيلَـةِ
صِنْهَاجَـة إحـدَىٰ قَبَائِـل البَربَـر الَّتِي اسْتَوْطَنَتْ الصَّحرَاء جُنُوبي المَغرِب الأقصىٰ وَنَشَأ بِقَريَـةِ بُوصِيـر .. القَرِيبَـة مِـنْ مَسْقِطِ رَأسِـهِ ، فَحَفِـظَ القُـرآنَ في طُفُولَتِـهِ ، ثُـمَّ انْتَقَـلَ بعـدَ ذَلكَ إلىٰ القَـاهِـرَة ، حيْـثُ تَلَقَّـىٰ علُـوم الـعربيَّـة والأدب وتَتَلْمَذَ علىٰ يَدِ عـدد مِـن أعلام عصرهِ ، وعَنِيَ بِقـراءةِ السِِّيرة النبويـة ومعرفة دقائـق أخبـار النبـي صلَّىٰ الله عليـهِ وسلم وجوامـع سيرتـهِ الـعطـرة ..
ونَظَـمَ البـوصيري الـشعـر منـذ حَداثَـةِ سِـنِِّـهِ
ولَـهُ قصائـد كثيـرة ويمتَـاز شِعـرهُ بِالرَّصَانَـةِ
والجَزالَـةِ وجَمَـالِ التَّعبيـر والحِـسِِّ المُرهَـف
وَقَـوُّة العاطفة .. واشْتُهِـرَ بمَدائِحِهِ النبـويَّـة
التي ذَاعَـتْ شُهْـرتهَـا فـي الآفَـاق ، وَتَمَيَّـزَتْ
بِروحها العذبَـة وعاطفتها الصادقة ، وروعة
معانيهَـا ، وجمال تصويرها ، ودِقَّـة ألفاظهَـا
وحسن سبكـهَـا ، وبَـراعـة نَظمِـهَـا .. فكـانتْ
بِحـق مَـدرسة لشعـراء المدائح النبويَّـة مِـنْ
بَـعـدِهِ .. ومثـالا يحتذيه الشعـراء لينسجوا
علىٰ مِنوَالِهِ ، ويسيروا على نهجه ، فظهرت
قصائـد عديـدة فـي فــن المَـدائِـح النَّبَـويَّـة
أمتعـت عقـل ووجـدان مـلاييـن الـمسلمين
على مرّ العصور ، وكانت دائماً تشهد بريادة
الإمَـام البوصيري وأستاذيتهِ لِهَـذا الفَـن بِلا
منازع .! وتعد قصيدته البردة أو : الكواكب
الـدريَّـة في مَـدحِ خيـر البريَّـة ، مِـنْ أعظَـم
المدائح النبويَّـة ، ومن عيون الشعر العربي
ودرة ديـوان شعر المديح في الإسلام الذي
جَـادت بِـهِ قرائـح الشعراء على مَـرِِّ العصور
وقَـد أجمَـع النقَّـاد والشعراء علىٰ أنَّـهَـا مِـنْ
أفضل المَدائِح النبويَّـة بعـد قَصيدة سيدنَـا كَـعـب بـن زهيـر ، رضي اللَّـه عنـهُ الشهيـرة : بانت سعـاد ، ولَـهُ أيضاً القصيدة : الهمزيَـة
في مَدح النبي صلَّىٰ اللَّـه عليهِ وسلم وهي
لا تقُـل فصاحة وجودة عن بُرْدَتِـهِ الشهيرة ؟
ولَـه أيضـاً قصائـد أخـرىٰ وهي في المديح
والتوسـل والـتضرع إلىٰ اللَّـه .. منهَـا :
" الـمُضريَّـة في مـدح خيـر البريَّـة " ،
والقصيدة " الخمريَّـة " ،
وقصيدة : " ذخـر المعـاد " ،
ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان :
" المخـرج والمـردود على النصارىٰ واليهـود " .؟
سَبَـبُ نَظـم هَـذهِ القَصيدة :
يَقُـول البوصيري عن سبب نظمِـهِ القصيدة
كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ، منها ما اقترحه
عليَّ الصاحب زين الدين يعقـوب بن الزبير
ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج : الشلل
النصفي ، فأبطل نصفي ، ففكرت في عمَـلِ
قصيدتي هَـذه فعملتها واستشفعت بها إلىٰ
اللَّـه فـي أنْ يعـافيني .. وقـررت إنشَـادهَـا
ودعَـوت .. وتوسلـت .. ونمـت .!
فَرأيتُ النبـي .. فَـمَسح علـىٰ وجهـي بِـيَـدهِ
المبَـاركَـة .. وألقَـى علَـيَّ بُـردة .. فَـانتبـهتُ
وَوَجَـدْتُ فِيَّ نَـهْضَـةً فَـقُمْـتُ وخَرَجَـتُ مِنْ
بَيْتِـي ، وَلَـمْ أكُـنْ أعلَمْتُ بِذَلـكَ أحَـدَاً .؟
فَلَقِيَنِي بَعـضُ الفُقَـراء فَقَـال لِـي :
أريـدُ أنْ تَعطيني القَصيدة التي مَدَحتَ بهَـا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .!
فقلتُ : أيّ قصائـدي .؟
فقال : التي أنشأتهَا في مرضك وذكرَ أولهَـا
وقَـال : واللَّـهِ إنِِّـي سمعتِهَـا البَـارحـة وهـيَ
تُنْشَدُ بين يَـدي رسول اللَّـه صلى الله عليـهِ
وآلِـهِ وسلَّـم ، وأعجبتـهُ ..! وألـقىٰ علىٰ مَـنْ
أنشدهَـا بُـردة .!
فأعطيتهُ إيَّاهَا .. وذكَرَ الفقير ذلك وشاعت
الـرؤيَـا .!!
تُوفِّـي الإمَـام البـوصيري رحمَـه اللَّـهُ تعالـىٰ
في الإسكندرية سنَـة : 695 هـ -- 1295 م
عَـنْ عمـر بلَـغ 87 عَـامَـاً .؟!
وهناك من الأدباء من اعتبرها البردة الثانية
ويعتبـر الأولـىٰ هـي مَـا أنشَـدهَـا كعـب بـن
زهيـر ومطلعهَـا :
بَـانَـتْ سُـعَـادُ فَقَـلْبِـي اليَـوْمَ مَتْبُـولُ ..
مُتَيَّـمٌ إثْـرَهَـا لَـمْ يُـفْـدَ مَكْبُـولُ
والبُردَةُ كِسِاءٌ يُلْتَحَفُ بِـهِ وأطلقَ إسماً علىٰ
القصيدة اللاميَّـة : " بَانَـتْ سُعـاد " ، والتي
مَـدَحَ بِهَـا كعب بن زهيـر النبي محمـد ﷺ
عندمَـا جَـاءهُ مُسلِمَـاً مُتَخَفِيَّـاً بعـدَ أنْ أُهْدِرَ
دَمـهُ ، فَكَسَاهُ بردتَـهُ . واشترىٰ معاويَـة بـن
أبـي سفيـان البُـردةَ مِـنْ وَلَـدِ كعـب ، وكَـان
الخلفاء يَلبَسونها في الأعياد ، واحتفظ بهَـا
الخلفَـاء العباسيون ، إلىٰ أن احتَـلَّ المغُـولُ
بغـدادَ ونَهبوهَـا ، فأحرقُوا البُـردة .؟ ويقَـال
أنَّهَـا لَمْ تُحرَقْ ولمْ تَزَلْ موجودة باسطنبول
ولاحقَـاً جـرى إطـلاق التسميـة أيضَـاً علـىٰ
مِيمِيَّـةِ البُوصيري " ، أمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي
سَلَمِ " ، لأنَّـهُ أصِيبَ بِـالفَـالـج ، فَنَظمهَـا في
مَدحِ الرسولِ ﷺ ومُسْتَشْفِعاً بِـهِ ، فَرآهُ في
المَنامِ يَمْسَحُ علىٰ وَجهِهِ ويْلْقِي عليهِ بُردَتَهُ
فَبَرِئَ .. ويقال أنَّ اسمها " البرأة " ، وتنسبُ
إليهَـا عِــدَّة كرامَـات .. في شِـفـاءِ المَـرضىٰ
وعَنِيَ بعض العلمـاء والأدبَـاء والمتصوفون
بِـالقصيدتيـن ..! فَـأُلِِّـفَـتْ حولـهمَـا الشـروح
والمختصرات ، وَأخْضِعَتَـا لِلمعارضةِ وأيضَاً
للتخميس والتثليث والتشطير وأُنْشِدَتَا في
الأذكَـار .. وتُرجمتَـا إلـىٰ كثيـرٍ مِـنَ اللُّـغَـاتِ
وَعارَضَهَـا أميـر الشعراء أحمـد شوقي بِمَـا
عُـرِفَ بِنَهْـجِ البُـردَةِ ومَطْلَعُهَـا :
رِيـمٌ عَلَـىٰ الْـقَـاعِ بَيْـنَ البَـانِ وَالعَلَـمِ ..
أَحَـلَّ سَفْـكَ دَمِـي في الأَشهُـرِ الحُـرُمِ
رَمَـىٰ القَضَـاءُ بِعَيْنَـيْ جُـؤْذَرٍ : أَسَـدَاً ..
يَـا سَـاكِـنَ الْـقَـاعِ أَدْرِكْ سَـاكِـنَ الأَجَـمِ
لَـمَّـا رَنَـا حَـدَّثَتْنِـي النَّفْـسُ قَـائِـلَـةً ..
يَـا وَيْـحَ جَنْبِـكَ .؟ بِـالسَّهْـمِ المُصِيبِ رُمِـي
جَحَـدْتُـهَـا .! وَكَتَمـتُ السَّهْـمَ في كَبِـدي ..
جُـرحُ الأَحِـبَّـةِ عِـنْـدِي غَيْـرُ ذِي أَلَــمِ .!
إنَّـهَـا مِـنْ أعظَـمِ قَصَائِـدِ المُنَاجَـاةِ في حُـبِِّ
الـرَّسُولِ الكَرِيم .. وَدُرَّةُ المَـدْحِ النَّبَـوِيِّ فِـي
بَيَـانِ مَنَـاقِبـهِ الشَّرِيفَـة كَمَـا حَبَـاهُ اللَّـهُ بِـهَـا
فِي عُلُـوِِّ القَـدْرِ والدَّرَجَة وَالأخْلَاقِ والرِِّفْعَـة
في قَوْلِـهِ تَعالَىٰ : وَإِنَّـكَ لَعَـلَىٰ خُلُـقٍ عَظِيـم
فَاضَتْ الرُّوحُ فِيهَا بِرَقِيقِ الوَصـفِ وَالتَّعبِير تَتَعَطَّفُ فِي ثَنَايَـا أبْيَاتِهَـا بِأجْمَلِ مَايَخْتَبِئُ
فِي مَكْنُونِ النَّفْسِ مِنْ حُبٍٍّ وَشَوْقٍ وَنَفَحَاتٍ طَيِِّبَةٍ وَرَحِيق زُهُـور ، لِنَبِيِِّنَا الهَـادِي صَلَوَاتُ
اللَّـهِ وسَلَامُـهُ عَلَيْـه ..
الـقَصِيدَة رَائِعـة وَطَوِيلـة .. تُنَاهِـزُ 160 بَيْتَـاً
وَاخْتَرْنَـا مِـنْ حُسْنِهَـا وَبهَـائِهَـا هَـذهِ المُقَـدِِّمَـة :
أمِـنْ تَـذَكُّـرِ جِيـرَانٍ بِـذِي سَـلَـمِ ..
مَـزَجْـتَ دَمْعـاً جَـرَىٰ مِـنْ مُقْـلَـةٍ بِــدَمِ .؟
أمْ هَـبَّـتْ الـرِِّيـحُ مِـنْ تِـلْقَـاءِ كَـاظِمَـةٍ ..
وأوْمَـضَ البَـرْقُ فِي الظَّلْمَـاءِ مِـنْ إضَـمِ
فَـمَـا لِـعَيْنَيْـكَ .؟ إنْ قُـلْـتَ اكْـفُـفَـا هَـمَـتَـا ..
وَمَـا لِـقَـلْبِـكَ إنْ قُـلْـتَ اسْتَفِـقْ يَـهِـمِ
أَيَحْسَـبُ الصَّـبُّ أنَّ الحُـبَّ مُنْكَتِـمٌ ..
مَـا بَيْـنَ مُنْسَجِمٍ مِنْـهُ ومُضْطَـرِمِ
لَـوْلَا الْـهَـوَىٰ لَـمْ تُـرِقْ دَمْـعَـاً عَـلَىٰ طَـلَـلٍ ..
وَلَا أَرِقْـتَ لِـذِكْـرِ الْـبَـانِ وَالعَـلَـمِ
فَكَيْـفَ تُـنْكِـرُ حُـبَّـاً بَـعـدَ مَـا شَـهِـدَتْ ..
بِـهِ عَـلَيْـكَ عُـدُولُ الـدَّمْـعِ وَالسَّـقَـمِ
وَأَثْـبَـتَ الْـوَجْـدُ خَـطَّـيْ عَـبْـرَةٍ وَضَنَـىً ..
مِـثْـلَ الْبَـهَـارِ عَـلَىٰ خَـدَّيْـكَ وَالْـعَـنَـمِ
نَعَـمْ .! سَرَىٰ طَيْـفُ مَـنْ أهْـوَىٰ فَـأَرَّقَنِـي ..
وَالحُـبُّ يَعْتَـرِضُ اللَّـذَاتِ بِـالألَــمِ
يَـا لائِـمِـي فِـي الهَـوَىٰ العُـذْرِيِّ مَعْـذِرَةً ..
مِـنِِّـي إلَـيْـكَ ولَـوْ أَنْصَفْـتَ لَـمْ تَـلُــمِ
عَـدَتْـكَ حَـالِـيَ لَا سِــرِِّي بِمُسْتَتِـرٍ ..
عَـنِ الوُشَـاةِ وَلَا دَائِـي بِمُنْحَسِمِ
مَحَّضْتَنِـي النُّصْحَ لَكِـنْ لَسْـتُ أَسْـمَعُـهُ ..
إنَّ المُحِـبَّ عَنْ العُـذَّالِ في صَمَـمِ
إنِِّـي اتَّـهَمْـتُ نَصِيـحَ الشَّيْـبِ في عَـذَلٍ ..
وَالشِّيْـبُ أَبْـعَــدُ فِـي نُصِـحٍ عَـنِ التُّـهَـمِ
فَـإنَّ أمَّـارَتِـي بِـالسُّـوءِ مَـا اتَّعَظَـتْ ..
مِـنْ جَـهْلِـهَـا بِنَـذِيـرِ الشِِّـيْـبِ وَالْـهَـرَمِ
وَلَا أَعَـدَّتْ مِـنَ الْـفِعـلِ الْـجَمِيـلِ قِـرَىٰ ..
ضَيْـفٍ ألَـمَّ بِـرَأْسِي غَيْـرَ مُحْتَشِمِ
مَـنْ لِـي بِـرَدِِّ جِمَـاحٍ مِـنْ غَوايَتِهَـا ..
كَمَـا يُـرَدُّ جِمَـاحُ الخَيْـلِ بِـاللُّجُـمِ
فَـلَا تَـرُمْ بـالمَعَـاصِي كَسْـرَ شَهْـوَتِهَـا ..
إنَّ الطَّعَـامَ يُقَـوِِّي شَهْـوَةَ النَّـهِـمِ
وَالنَّفْـسُ كَالطِِّفْـلُ : إنْ تُهْمِلْـهُ شَـبَّ عَلَىٰ ..
حُـبِِّ الـرِِّضَاعِ : وإنْ تَفْطِمْـهُ يَنْفَطِـمِ
فَـاصْرِفْ هَـوَاهَـا وَحَـاذِرْ أنْ تُـوَلِِّـيَـهُ ..
إنَّ الهَـوَىٰ مَـا تَـوَلَّىٰ يُصْـمِ أَوْ يَصِـمِ
وَرَاعِـهَـا وهِـيَ في الأعمَـالِ سَـائِمَـةٌ ..
وإنْ هِيَ اسْتَحْلَـتِ المَـرعَىٰ فَـلَا تُسِـمِ
كَـمْ حَسَّنَتْ لَـذَّةً لِلْمَـرْءِ قَـاتِلَـةً ..
مِـنْ حَيْـثُ لَمْ يَـدْرِ أنَّ السُّـمَّ في الدَّسَـمِ
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُـوعٍ وَمِنْ شَبَـعٍ ..
فَـرَبَّ مَخْمَصَةٍ شَـرٌّ مِنَ التُّخَـمِ
واسْتَفْرِغِ الدَّمْـعَ مِنْ عَيـْنٍ قَـد امْتَلأَتْ ..
مِـنَ المَحَارِمِ وَالْـزَمْ حِمْيَـةَ النَّـدَمِ
وَخَـالِـفِ النُّفْـسَ والشَّيْطَانَ وَاعصِهِمَـا ..
وَإنْ هُـمَـا مَحَّضَـاكَ النُّصْـحَ فَـاتَّـهِـمِ
وَلَا تُـطِـعْ مِـنْهُمَـا خَـصمَـاً وَلَا حَـكَمَـاً ..
فَـأَنْـتَ تَـعـرِفُ كَـيْـدَ الخَصـمِ والحَكَـمِ
أسْـتَغْفِـرُ اللَّـهَ مِـنْ قَـوْلٍ بِـلَا عَـمَـلٍ ..
لَـقَـد نَسَبْـتُ بِـهِ نَسْـلَاً لِـذِي عُـقُــمِ
أمَـرْتُـكَ الْـخَيْـرَ لَـكِـنْ مَـا ائْتَمَـرْتُ بِـهِ ..
وَمَـا اسْتَقَمْـتُ فَمَـا قَـوْلِي لَـكَ اسْـتَقِـمِ .؟
وَلَا تَـزَوَّدْتُ قَـبْـلَ المَـوْتِ نَـافِـلَـةً ..
ولَـمْ أُصَلِِّ سِـوَىٰ فَـرْضٍ وَلَـمْ أَصُـمِ
ظَلَمْـتُ سُـنَّـةَ مَـنْ أَحْـيَـا الظَّـلامَ إلَىٰ ..
أنِ اشْتَكَـتْ قَدَمَـاهُ الضُّـرَّ مِـنْ وَرَمِ
وَشَـدَّ مِـنْ سَغَـبٍ أحشَاءَهُ وَطَـوَىٰ ..
تَحـتَ الحِجَـارَةِ كَشْحَـاً مُتْـرَفَ الأَدَمِ
وَرَاوَدَتْـهُ الجِبَـالُ الشُّـمُّ مِـنْ ذَهَـبٍ ..
عَـنْ نَفْسِـهِ فَـأرَاهَـا أيُّمَـا شَـمَـمِ
وَأَكَّـدَتْ زُهْـدَهُ فِـيهَـا ضَرُورَتُـهُ ..
إنَّ الضَّرُورَة لَا تَعـدُو عَـلَىٰ العِصَـمِ
وَكَيْـفَ تَدْعُـو إلَىٰ الدُّنيَـا ضَرُورُةُ مَنْ ..
لَـوْلَاهُ لَـمْ تُخْـرِجِ الـدُّنيَـا مِـنَ العَـدَمِ
مُـحَـمَّـدٌ سَــيِِّـدَ الكَـوْنَيْـنِ وَالثَّقَـلَيْـنِ ..
وَالفَـرِيقَيْـنِ مِـنْ عُـرْبٍ وَمِـنْ عَـجَـمِ
نَـبِيُّـنَـا الآمِـرُ النَّـاهِـي فَـلَا أَحَــدٌ ..
أبَــرَّ فِـي قَـوْلِ : لَا ، مِـنْـهُ وَلَا نَـعَـمِ
هُـوَ الحَبِيـبُ الَّـذِي تُـرْجَىٰ شَـفَـاعَتُـهُ ..
لِكلِِّ هَـوْلٍ مِـنَ الأهْـوَالِ مُقْتَحَـمِ
دَعَــا إلَـىٰ اللَّــهِ فَـالمُسْتَمْسِكُونَ بِـهِ ..
مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْـلٍ غـيْـرِ مُنْفَصِـمِ
فَـاقَ النَّبِيِِّيـنَ فِـي خَلْـقٍ وَفِـي خُلُـقٍ ..
وَلَـمْ يُدَانُـوهُ فِـي عِـلْـمٍ وَلَا كَــرَمِ
وَكُـلُّـهُـمْ مِـنْ رَسُـولِ اللَّـهِ مُـلْتَمِـسٌ ..
غَـرْفَـاً مِـنَ الْبَحـرِ أَوْ رَشْـفَـاً مِـنَ الـدِِّيَـمِ
وَوَاقِفُـونَ لَـدَيْـهِ عِـنْـدَ حَـدِِّهِـمِ ..
مِـنْ نُقْطَـةِ العِلْـمِ أَوْ مِـنْ شَكْلَـةِ الحِكَـمِ
فَهْـوَ الَّـذِي تَـمَّ مَـعنَـاهُ وَصُـورَتُـهُ ..
ثُـمَّ اصْطَفَـاهُ حَبِيبَـاً بَـارِىءُ النَّسَـمِ
مُـنَـزَّهٌ عَـنْ شَـرِيـكٍ فِـي مَحَـاسِنِـهِ ..
فَجَوْهَـرُ الحُسْـنِ فِـيـهِ غَـيْـرُ مُنْقَسِمِ
? * ؛ الإِمَــامُ البـُوصِيـرِي ؛ * ?
# ؛ ?????? ؛ #
?? * ؛ الإِمَــامُ البُـوصِيـرِي ؛ * ?️?
فَـمَـا لِـعَيْنَيْـكَ .؟ إنْ قُـلْـتَ اكْـفُـفَـا : هَـمَتَــا ..
وَمَـا لِـقَـلْبِـكَ .؟ إنْ قُـلْـتَ اسْتَفِـقْ : يَـهِـمِ .؟!
هـوَ الإمَـام شَرَفُ الدِِّين محمـد بن سَعِيد حمَّاد الصِِّنْهَـاجِي البُـوصِيري .. وُلِـدَ بِقَـريَـةِ : دلاص إحـدَىٰ قُـرَىٰ بَـنِي سُويـف مِنْ صَعِيـدِ مصر في
أوَّلِ شَوَّال : 608 هـ ، المُوَافِق : 7 مِنْ مارس 1213 م ، لِأُسْـرَةٍ تَـرجِـعُ جُـدُورُهَـا إلـىٰ قَبِيلَـةِ
صِنْهَاجَـة إحـدَىٰ قَبَائِـل البَربَـر الَّتِي اسْتَوْطَنَتْ الصَّحرَاء جُنُوبي المَغرِب الأقصىٰ وَنَشَأ بِقَريَـةِ بُوصِيـر .. القَرِيبَـة مِـنْ مَسْقِطِ رَأسِـهِ ، فَحَفِـظَ القُـرآنَ في طُفُولَتِـهِ ، ثُـمَّ انْتَقَـلَ بعـدَ ذَلكَ إلىٰ القَـاهِـرَة ، حيْـثُ تَلَقَّـىٰ علُـوم الـعربيَّـة والأدب وتَتَلْمَذَ علىٰ يَدِ عـدد مِـن أعلام عصرهِ ، وعَنِيَ بِقـراءةِ السِِّيرة النبويـة ومعرفة دقائـق أخبـار النبـي صلَّىٰ الله عليـهِ وسلم وجوامـع سيرتـهِ الـعطـرة ..
ونَظَـمَ البـوصيري الـشعـر منـذ حَداثَـةِ سِـنِِّـهِ
ولَـهُ قصائـد كثيـرة ويمتَـاز شِعـرهُ بِالرَّصَانَـةِ
والجَزالَـةِ وجَمَـالِ التَّعبيـر والحِـسِِّ المُرهَـف
وَقَـوُّة العاطفة .. واشْتُهِـرَ بمَدائِحِهِ النبـويَّـة
التي ذَاعَـتْ شُهْـرتهَـا فـي الآفَـاق ، وَتَمَيَّـزَتْ
بِروحها العذبَـة وعاطفتها الصادقة ، وروعة
معانيهَـا ، وجمال تصويرها ، ودِقَّـة ألفاظهَـا
وحسن سبكـهَـا ، وبَـراعـة نَظمِـهَـا .. فكـانتْ
بِحـق مَـدرسة لشعـراء المدائح النبويَّـة مِـنْ
بَـعـدِهِ .. ومثـالا يحتذيه الشعـراء لينسجوا
علىٰ مِنوَالِهِ ، ويسيروا على نهجه ، فظهرت
قصائـد عديـدة فـي فــن المَـدائِـح النَّبَـويَّـة
أمتعـت عقـل ووجـدان مـلاييـن الـمسلمين
على مرّ العصور ، وكانت دائماً تشهد بريادة
الإمَـام البوصيري وأستاذيتهِ لِهَـذا الفَـن بِلا
منازع .! وتعد قصيدته البردة أو : الكواكب
الـدريَّـة في مَـدحِ خيـر البريَّـة ، مِـنْ أعظَـم
المدائح النبويَّـة ، ومن عيون الشعر العربي
ودرة ديـوان شعر المديح في الإسلام الذي
جَـادت بِـهِ قرائـح الشعراء على مَـرِِّ العصور
وقَـد أجمَـع النقَّـاد والشعراء علىٰ أنَّـهَـا مِـنْ
أفضل المَدائِح النبويَّـة بعـد قَصيدة سيدنَـا كَـعـب بـن زهيـر ، رضي اللَّـه عنـهُ الشهيـرة : بانت سعـاد ، ولَـهُ أيضاً القصيدة : الهمزيَـة
في مَدح النبي صلَّىٰ اللَّـه عليهِ وسلم وهي
لا تقُـل فصاحة وجودة عن بُرْدَتِـهِ الشهيرة ؟
ولَـه أيضـاً قصائـد أخـرىٰ وهي في المديح
والتوسـل والـتضرع إلىٰ اللَّـه .. منهَـا :
" الـمُضريَّـة في مـدح خيـر البريَّـة " ،
والقصيدة " الخمريَّـة " ،
وقصيدة : " ذخـر المعـاد " ،
ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان :
" المخـرج والمـردود على النصارىٰ واليهـود " .؟
سَبَـبُ نَظـم هَـذهِ القَصيدة :
يَقُـول البوصيري عن سبب نظمِـهِ القصيدة
كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ، منها ما اقترحه
عليَّ الصاحب زين الدين يعقـوب بن الزبير
ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج : الشلل
النصفي ، فأبطل نصفي ، ففكرت في عمَـلِ
قصيدتي هَـذه فعملتها واستشفعت بها إلىٰ
اللَّـه فـي أنْ يعـافيني .. وقـررت إنشَـادهَـا
ودعَـوت .. وتوسلـت .. ونمـت .!
فَرأيتُ النبـي .. فَـمَسح علـىٰ وجهـي بِـيَـدهِ
المبَـاركَـة .. وألقَـى علَـيَّ بُـردة .. فَـانتبـهتُ
وَوَجَـدْتُ فِيَّ نَـهْضَـةً فَـقُمْـتُ وخَرَجَـتُ مِنْ
بَيْتِـي ، وَلَـمْ أكُـنْ أعلَمْتُ بِذَلـكَ أحَـدَاً .؟
فَلَقِيَنِي بَعـضُ الفُقَـراء فَقَـال لِـي :
أريـدُ أنْ تَعطيني القَصيدة التي مَدَحتَ بهَـا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .!
فقلتُ : أيّ قصائـدي .؟
فقال : التي أنشأتهَا في مرضك وذكرَ أولهَـا
وقَـال : واللَّـهِ إنِِّـي سمعتِهَـا البَـارحـة وهـيَ
تُنْشَدُ بين يَـدي رسول اللَّـه صلى الله عليـهِ
وآلِـهِ وسلَّـم ، وأعجبتـهُ ..! وألـقىٰ علىٰ مَـنْ
أنشدهَـا بُـردة .!
فأعطيتهُ إيَّاهَا .. وذكَرَ الفقير ذلك وشاعت
الـرؤيَـا .!!
تُوفِّـي الإمَـام البـوصيري رحمَـه اللَّـهُ تعالـىٰ
في الإسكندرية سنَـة : 695 هـ -- 1295 م
عَـنْ عمـر بلَـغ 87 عَـامَـاً .؟!
وهناك من الأدباء من اعتبرها البردة الثانية
ويعتبـر الأولـىٰ هـي مَـا أنشَـدهَـا كعـب بـن
زهيـر ومطلعهَـا :
بَـانَـتْ سُـعَـادُ فَقَـلْبِـي اليَـوْمَ مَتْبُـولُ ..
مُتَيَّـمٌ إثْـرَهَـا لَـمْ يُـفْـدَ مَكْبُـولُ
والبُردَةُ كِسِاءٌ يُلْتَحَفُ بِـهِ وأطلقَ إسماً علىٰ
القصيدة اللاميَّـة : " بَانَـتْ سُعـاد " ، والتي
مَـدَحَ بِهَـا كعب بن زهيـر النبي محمـد ﷺ
عندمَـا جَـاءهُ مُسلِمَـاً مُتَخَفِيَّـاً بعـدَ أنْ أُهْدِرَ
دَمـهُ ، فَكَسَاهُ بردتَـهُ . واشترىٰ معاويَـة بـن
أبـي سفيـان البُـردةَ مِـنْ وَلَـدِ كعـب ، وكَـان
الخلفاء يَلبَسونها في الأعياد ، واحتفظ بهَـا
الخلفَـاء العباسيون ، إلىٰ أن احتَـلَّ المغُـولُ
بغـدادَ ونَهبوهَـا ، فأحرقُوا البُـردة .؟ ويقَـال
أنَّهَـا لَمْ تُحرَقْ ولمْ تَزَلْ موجودة باسطنبول
ولاحقَـاً جـرى إطـلاق التسميـة أيضَـاً علـىٰ
مِيمِيَّـةِ البُوصيري " ، أمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي
سَلَمِ " ، لأنَّـهُ أصِيبَ بِـالفَـالـج ، فَنَظمهَـا في
مَدحِ الرسولِ ﷺ ومُسْتَشْفِعاً بِـهِ ، فَرآهُ في
المَنامِ يَمْسَحُ علىٰ وَجهِهِ ويْلْقِي عليهِ بُردَتَهُ
فَبَرِئَ .. ويقال أنَّ اسمها " البرأة " ، وتنسبُ
إليهَـا عِــدَّة كرامَـات .. في شِـفـاءِ المَـرضىٰ
وعَنِيَ بعض العلمـاء والأدبَـاء والمتصوفون
بِـالقصيدتيـن ..! فَـأُلِِّـفَـتْ حولـهمَـا الشـروح
والمختصرات ، وَأخْضِعَتَـا لِلمعارضةِ وأيضَاً
للتخميس والتثليث والتشطير وأُنْشِدَتَا في
الأذكَـار .. وتُرجمتَـا إلـىٰ كثيـرٍ مِـنَ اللُّـغَـاتِ
وَعارَضَهَـا أميـر الشعراء أحمـد شوقي بِمَـا
عُـرِفَ بِنَهْـجِ البُـردَةِ ومَطْلَعُهَـا :
رِيـمٌ عَلَـىٰ الْـقَـاعِ بَيْـنَ البَـانِ وَالعَلَـمِ ..
أَحَـلَّ سَفْـكَ دَمِـي في الأَشهُـرِ الحُـرُمِ
رَمَـىٰ القَضَـاءُ بِعَيْنَـيْ جُـؤْذَرٍ : أَسَـدَاً ..
يَـا سَـاكِـنَ الْـقَـاعِ أَدْرِكْ سَـاكِـنَ الأَجَـمِ
لَـمَّـا رَنَـا حَـدَّثَتْنِـي النَّفْـسُ قَـائِـلَـةً ..
يَـا وَيْـحَ جَنْبِـكَ .؟ بِـالسَّهْـمِ المُصِيبِ رُمِـي
جَحَـدْتُـهَـا .! وَكَتَمـتُ السَّهْـمَ في كَبِـدي ..
جُـرحُ الأَحِـبَّـةِ عِـنْـدِي غَيْـرُ ذِي أَلَــمِ .!
إنَّـهَـا مِـنْ أعظَـمِ قَصَائِـدِ المُنَاجَـاةِ في حُـبِِّ
الـرَّسُولِ الكَرِيم .. وَدُرَّةُ المَـدْحِ النَّبَـوِيِّ فِـي
بَيَـانِ مَنَـاقِبـهِ الشَّرِيفَـة كَمَـا حَبَـاهُ اللَّـهُ بِـهَـا
فِي عُلُـوِِّ القَـدْرِ والدَّرَجَة وَالأخْلَاقِ والرِِّفْعَـة
في قَوْلِـهِ تَعالَىٰ : وَإِنَّـكَ لَعَـلَىٰ خُلُـقٍ عَظِيـم
فَاضَتْ الرُّوحُ فِيهَا بِرَقِيقِ الوَصـفِ وَالتَّعبِير تَتَعَطَّفُ فِي ثَنَايَـا أبْيَاتِهَـا بِأجْمَلِ مَايَخْتَبِئُ
فِي مَكْنُونِ النَّفْسِ مِنْ حُبٍٍّ وَشَوْقٍ وَنَفَحَاتٍ طَيِِّبَةٍ وَرَحِيق زُهُـور ، لِنَبِيِِّنَا الهَـادِي صَلَوَاتُ
اللَّـهِ وسَلَامُـهُ عَلَيْـه ..
الـقَصِيدَة رَائِعـة وَطَوِيلـة .. تُنَاهِـزُ 160 بَيْتَـاً
وَاخْتَرْنَـا مِـنْ حُسْنِهَـا وَبهَـائِهَـا هَـذهِ المُقَـدِِّمَـة :
أمِـنْ تَـذَكُّـرِ جِيـرَانٍ بِـذِي سَـلَـمِ ..
مَـزَجْـتَ دَمْعـاً جَـرَىٰ مِـنْ مُقْـلَـةٍ بِــدَمِ .؟
أمْ هَـبَّـتْ الـرِِّيـحُ مِـنْ تِـلْقَـاءِ كَـاظِمَـةٍ ..
وأوْمَـضَ البَـرْقُ فِي الظَّلْمَـاءِ مِـنْ إضَـمِ
فَـمَـا لِـعَيْنَيْـكَ .؟ إنْ قُـلْـتَ اكْـفُـفَـا هَـمَـتَـا ..
وَمَـا لِـقَـلْبِـكَ إنْ قُـلْـتَ اسْتَفِـقْ يَـهِـمِ
أَيَحْسَـبُ الصَّـبُّ أنَّ الحُـبَّ مُنْكَتِـمٌ ..
مَـا بَيْـنَ مُنْسَجِمٍ مِنْـهُ ومُضْطَـرِمِ
لَـوْلَا الْـهَـوَىٰ لَـمْ تُـرِقْ دَمْـعَـاً عَـلَىٰ طَـلَـلٍ ..
وَلَا أَرِقْـتَ لِـذِكْـرِ الْـبَـانِ وَالعَـلَـمِ
فَكَيْـفَ تُـنْكِـرُ حُـبَّـاً بَـعـدَ مَـا شَـهِـدَتْ ..
بِـهِ عَـلَيْـكَ عُـدُولُ الـدَّمْـعِ وَالسَّـقَـمِ
وَأَثْـبَـتَ الْـوَجْـدُ خَـطَّـيْ عَـبْـرَةٍ وَضَنَـىً ..
مِـثْـلَ الْبَـهَـارِ عَـلَىٰ خَـدَّيْـكَ وَالْـعَـنَـمِ
نَعَـمْ .! سَرَىٰ طَيْـفُ مَـنْ أهْـوَىٰ فَـأَرَّقَنِـي ..
وَالحُـبُّ يَعْتَـرِضُ اللَّـذَاتِ بِـالألَــمِ
يَـا لائِـمِـي فِـي الهَـوَىٰ العُـذْرِيِّ مَعْـذِرَةً ..
مِـنِِّـي إلَـيْـكَ ولَـوْ أَنْصَفْـتَ لَـمْ تَـلُــمِ
عَـدَتْـكَ حَـالِـيَ لَا سِــرِِّي بِمُسْتَتِـرٍ ..
عَـنِ الوُشَـاةِ وَلَا دَائِـي بِمُنْحَسِمِ
مَحَّضْتَنِـي النُّصْحَ لَكِـنْ لَسْـتُ أَسْـمَعُـهُ ..
إنَّ المُحِـبَّ عَنْ العُـذَّالِ في صَمَـمِ
إنِِّـي اتَّـهَمْـتُ نَصِيـحَ الشَّيْـبِ في عَـذَلٍ ..
وَالشِّيْـبُ أَبْـعَــدُ فِـي نُصِـحٍ عَـنِ التُّـهَـمِ
فَـإنَّ أمَّـارَتِـي بِـالسُّـوءِ مَـا اتَّعَظَـتْ ..
مِـنْ جَـهْلِـهَـا بِنَـذِيـرِ الشِِّـيْـبِ وَالْـهَـرَمِ
وَلَا أَعَـدَّتْ مِـنَ الْـفِعـلِ الْـجَمِيـلِ قِـرَىٰ ..
ضَيْـفٍ ألَـمَّ بِـرَأْسِي غَيْـرَ مُحْتَشِمِ
مَـنْ لِـي بِـرَدِِّ جِمَـاحٍ مِـنْ غَوايَتِهَـا ..
كَمَـا يُـرَدُّ جِمَـاحُ الخَيْـلِ بِـاللُّجُـمِ
فَـلَا تَـرُمْ بـالمَعَـاصِي كَسْـرَ شَهْـوَتِهَـا ..
إنَّ الطَّعَـامَ يُقَـوِِّي شَهْـوَةَ النَّـهِـمِ
وَالنَّفْـسُ كَالطِِّفْـلُ : إنْ تُهْمِلْـهُ شَـبَّ عَلَىٰ ..
حُـبِِّ الـرِِّضَاعِ : وإنْ تَفْطِمْـهُ يَنْفَطِـمِ
فَـاصْرِفْ هَـوَاهَـا وَحَـاذِرْ أنْ تُـوَلِِّـيَـهُ ..
إنَّ الهَـوَىٰ مَـا تَـوَلَّىٰ يُصْـمِ أَوْ يَصِـمِ
وَرَاعِـهَـا وهِـيَ في الأعمَـالِ سَـائِمَـةٌ ..
وإنْ هِيَ اسْتَحْلَـتِ المَـرعَىٰ فَـلَا تُسِـمِ
كَـمْ حَسَّنَتْ لَـذَّةً لِلْمَـرْءِ قَـاتِلَـةً ..
مِـنْ حَيْـثُ لَمْ يَـدْرِ أنَّ السُّـمَّ في الدَّسَـمِ
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُـوعٍ وَمِنْ شَبَـعٍ ..
فَـرَبَّ مَخْمَصَةٍ شَـرٌّ مِنَ التُّخَـمِ
واسْتَفْرِغِ الدَّمْـعَ مِنْ عَيـْنٍ قَـد امْتَلأَتْ ..
مِـنَ المَحَارِمِ وَالْـزَمْ حِمْيَـةَ النَّـدَمِ
وَخَـالِـفِ النُّفْـسَ والشَّيْطَانَ وَاعصِهِمَـا ..
وَإنْ هُـمَـا مَحَّضَـاكَ النُّصْـحَ فَـاتَّـهِـمِ
وَلَا تُـطِـعْ مِـنْهُمَـا خَـصمَـاً وَلَا حَـكَمَـاً ..
فَـأَنْـتَ تَـعـرِفُ كَـيْـدَ الخَصـمِ والحَكَـمِ
أسْـتَغْفِـرُ اللَّـهَ مِـنْ قَـوْلٍ بِـلَا عَـمَـلٍ ..
لَـقَـد نَسَبْـتُ بِـهِ نَسْـلَاً لِـذِي عُـقُــمِ
أمَـرْتُـكَ الْـخَيْـرَ لَـكِـنْ مَـا ائْتَمَـرْتُ بِـهِ ..
وَمَـا اسْتَقَمْـتُ فَمَـا قَـوْلِي لَـكَ اسْـتَقِـمِ .؟
وَلَا تَـزَوَّدْتُ قَـبْـلَ المَـوْتِ نَـافِـلَـةً ..
ولَـمْ أُصَلِِّ سِـوَىٰ فَـرْضٍ وَلَـمْ أَصُـمِ
ظَلَمْـتُ سُـنَّـةَ مَـنْ أَحْـيَـا الظَّـلامَ إلَىٰ ..
أنِ اشْتَكَـتْ قَدَمَـاهُ الضُّـرَّ مِـنْ وَرَمِ
وَشَـدَّ مِـنْ سَغَـبٍ أحشَاءَهُ وَطَـوَىٰ ..
تَحـتَ الحِجَـارَةِ كَشْحَـاً مُتْـرَفَ الأَدَمِ
وَرَاوَدَتْـهُ الجِبَـالُ الشُّـمُّ مِـنْ ذَهَـبٍ ..
عَـنْ نَفْسِـهِ فَـأرَاهَـا أيُّمَـا شَـمَـمِ
وَأَكَّـدَتْ زُهْـدَهُ فِـيهَـا ضَرُورَتُـهُ ..
إنَّ الضَّرُورَة لَا تَعـدُو عَـلَىٰ العِصَـمِ
وَكَيْـفَ تَدْعُـو إلَىٰ الدُّنيَـا ضَرُورُةُ مَنْ ..
لَـوْلَاهُ لَـمْ تُخْـرِجِ الـدُّنيَـا مِـنَ العَـدَمِ
مُـحَـمَّـدٌ سَــيِِّـدَ الكَـوْنَيْـنِ وَالثَّقَـلَيْـنِ ..
وَالفَـرِيقَيْـنِ مِـنْ عُـرْبٍ وَمِـنْ عَـجَـمِ
نَـبِيُّـنَـا الآمِـرُ النَّـاهِـي فَـلَا أَحَــدٌ ..
أبَــرَّ فِـي قَـوْلِ : لَا ، مِـنْـهُ وَلَا نَـعَـمِ
هُـوَ الحَبِيـبُ الَّـذِي تُـرْجَىٰ شَـفَـاعَتُـهُ ..
لِكلِِّ هَـوْلٍ مِـنَ الأهْـوَالِ مُقْتَحَـمِ
دَعَــا إلَـىٰ اللَّــهِ فَـالمُسْتَمْسِكُونَ بِـهِ ..
مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْـلٍ غـيْـرِ مُنْفَصِـمِ
فَـاقَ النَّبِيِِّيـنَ فِـي خَلْـقٍ وَفِـي خُلُـقٍ ..
وَلَـمْ يُدَانُـوهُ فِـي عِـلْـمٍ وَلَا كَــرَمِ
وَكُـلُّـهُـمْ مِـنْ رَسُـولِ اللَّـهِ مُـلْتَمِـسٌ ..
غَـرْفَـاً مِـنَ الْبَحـرِ أَوْ رَشْـفَـاً مِـنَ الـدِِّيَـمِ
وَوَاقِفُـونَ لَـدَيْـهِ عِـنْـدَ حَـدِِّهِـمِ ..
مِـنْ نُقْطَـةِ العِلْـمِ أَوْ مِـنْ شَكْلَـةِ الحِكَـمِ
فَهْـوَ الَّـذِي تَـمَّ مَـعنَـاهُ وَصُـورَتُـهُ ..
ثُـمَّ اصْطَفَـاهُ حَبِيبَـاً بَـارِىءُ النَّسَـمِ
مُـنَـزَّهٌ عَـنْ شَـرِيـكٍ فِـي مَحَـاسِنِـهِ ..
فَجَوْهَـرُ الحُسْـنِ فِـيـهِ غَـيْـرُ مُنْقَسِمِ
? * ؛ الإِمَــامُ البـُوصِيـرِي ؛ * ?
# ؛ ?????? ؛ #