جذور الفكر المحافظ (1) - الآباء المؤسسون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جذور الفكر المحافظ (1) - الآباء المؤسسون

    جذور الفكر المحافظ (1) - الآباء المؤسسون للفكر المحافظ الحديث: الدفاع عن النظام القديم

    يمكن الحديث عن ثلاثة مفكرين رئيسيين ساهموا في تأسيس ما يمكن تسميته بالمحافظة الحديثة، وهم توماس هوبز وإدموند بيرك وجوزيف دي ميستر. ورغم اختلاف السياقات التاريخية التي كتبوا فيها، فإن القاسم المشترك بينهم كان دفاعهم عن بنية اجتماعية وسياسية هرمية، وتشككهم في قدرة الإنسان العادي على حكم نفسه دون سلطة قوية تنظم شؤونه.

    توماس هوبز: فيلسوف الحكم المطلق

    يعد توماس هوبز (1588-1679) أحد أبرز ملهمي الفلسفة السياسية في العالم الغربي. عاصر هوبز مرحلة تاريخية حاسمة شهدت انهيار نظام الإقطاع وصعود الرأسمالية البدائية، مما جعله شاهداً على تحولات سياسية واجتماعية كبرى. في هذا السياق، سعى هوبز لتأصيل الممارسة السياسية انطلاقاً من نظرية العقد الاجتماعي، متبنياً شعار "الحكم المطلق من أجل السيادة".

    هوبز، في مؤلفه الشهير "ليفياثان"، يرى أن الطبيعة البشرية أنانية ومتنافسة، وأن الإنسان في حالة الطبيعة يعيش حياة "قذرة، وحشية، وقصيرة". لهذا، فإن الفردية ونزعة الأنا وتحقيق الذات الأنانية تحتاج إلى تمركز مطلق للقوة في الدولة التي تسود على المجتمع. بعبارة أخرى، يرى هوبز أن الحاكم المطلق - سواء كان ملكاً أو هيئة حاكمة - ضرورة لا غنى عنها لمنع المجتمع من الانزلاق إلى حالة "حرب الكل ضد الكل".

    هذه الرؤية التي قدمها هوبز شكلت البذور الأولى للفكر المحافظ الحديث، إذ أسست للاعتقاد بأن الهرمية والسلطة القوية ليست مجرد ضرورة عملية، بل هي الشكل الطبيعي والأمثل لتنظيم المجتمع الإنساني.

    إدموند بيرك: المدافع عن التقاليد

    يعود الفضل في تنظير المدرسة المحافظة الحديثة إلى إدموند بيرك (1729-1797)، المولود في مدينة دبلن الإيرلندية والذي قضى معظم حياته السياسية عضواً في مجلس العموم البريطاني. اشتهر بيرك بخطبه وكتاباته، وخاصة ردوده الناقدة على الثورة الفرنسية التي اعتبرها خروجاً عن مسار التطور الطبيعي للمجتمعات.

    تمحورت أطروحات بيرك الأساسية حول عدة نقاط محورية، أهمها:

    1. التشديد على أهمية احترام التقاليد باعتبارها تمثل الحكمة المتوارثة عبر الأجيال.

    2. تجنب الاعتماد على التجريد والمثل العليا، والاعتماد بدلاً من ذلك على الخبرة والتجربة العملية.

    3. الترحيب بالتغيير المتدرج، ورفض التغييرات الجذرية التي تُحدث قطيعة مع التراث.

    4. إعلاء مصلحة الدولة على غيرها من المصالح مع ضرورة تقييدها بالالتزام بالقانون.

    5. التنديد بالمبادئ العقلانية لمدرسة التنوير، ورفض الاستخدام المفرط للعقل في نقد أوضاع المجتمع.

    كان بيرك معارضاً شديداً للثورة الفرنسية، وأصدر كتابه "تأملات في الثورة في فرنسا" عام 1790، محذراً من مخاطر التغيير الراديكالي ومدافعاً عن النظام الملكي البريطاني المقيد بالدستور. لم يكن دفاعه عن الملكية نابعاً من إيمان مطلق بالحق الإلهي للملوك، بل من اعتقاده بأن النظام الملكي المتوارث عبر الأجيال يمثل ضمانة للاستقرار الاجتماعي والسياسي.

    جوزيف دي ميستر: المدافع عن الملكية والكنيسة

    أما جوزيف دي ميستر (1753-1821)، فيمثل الوجه الأكثر تطرفاً للفكر المحافظ. كان دي ميستر دبلوماسياً ومفكراً في سافوي التابعة لمملكة بييمونتي سردينيا، وأحد أشد المعارضين للثورة الفرنسية وللفلسفة التنويرية. في مؤلفاته مثل "اعتبارات حول فرنسا" و"مسائل في السيادة"، دافع دي ميستر بقوة عن الملكية المطلقة والكنيسة الكاثوليكية باعتبارهما الضمانتين الأساسيتين للنظام الاجتماعي.

    رأى دي ميستر في الثورة الفرنسية عقاباً إلهياً على التمرد ضد النظام الطبيعي للأشياء. وعلى عكس هوبز الذي برر السلطة المطلقة بالحاجة العملية لتنظيم المجتمع، استند دي ميستر إلى حجج دينية ميتافيزيقية، مؤكداً أن السلطة السياسية يجب أن تكون مستمدة من سلطة إلهية ومتوافقة مع تعاليم الكنيسة.

    كانت أفكار دي ميستر أكثر راديكالية من أفكار بيرك، إذ لم يكتف بالدفاع عن النظام الملكي المقيد، بل دعا صراحة إلى عودة الملكية المطلقة المدعومة من الكنيسة. هذه الأفكار جعلت منه رمزاً للمحافظة الراديكالية التي ترفض أي تنازل للفكر الليبرالي أو الديمقراطي.

    #الفكر #المحافظة #المحافظين #هوبز #اميركا #امريكا
يعمل...