اللغة والتفكير من الصوت الطبيعي إلى المفهوم المجرد
"ترتبط اللغة برقي الدماغ، وبالممارسة العملية، والتواجد ضمن مجتمع، وبدون هذه الشروط لا يمكن أن تكون هناك لغة.
لكن، كيف بدأت اللغة؟ ولماذا اقتصرت على الإنسان فقط؟
وضعت فرضيات متعددة لتفسير نشأة اللغة، منها:
1ـ فرضية التوقيف، وتقول بأن اللغة من عند الله.
2ـ فرضية الاصطلاح، وتقول بأن اللغة نشأت عن طريق الاتفاق بين مجموعة من الناس.
3ـ فرضية محاكاة أصوات الطبيعة (البو ـ وو).
4ـ فرضية محاكاة معاني الأصوات (الدنغ دونغ).
5ـ الفرضية العاطفية أو التعجبية (بوو ـ بوو).
6ـ فرضية الاستجابة للحركات العضلية (يو ـ هي ـ هو).
لكن، هذه الفرضيات قد تفسر بدايات اللغة، لكنها لا تفسر كيف بدأ التفكير اللغوي؛ لأنها كلها، إذا استثنينا الفرضية الأولى، قد تنطبق على الإنسان والحيوان. فلماذا ارتقى الإنسان بلغته، فيما ظل الحيوان يعيش على ردود أفعاله الغريزية؟
لقد مرّ القول بأن شرط اللغة الأول هو رقي الدماغ، وتنميه بطريقة هيأت له الاستجابة اللغوية المنظمة. ثم إن التنظيم الدماغي كان سبباً مضافاً إلى سببي الممارسة، والعيش ضمن المجتمع في نشوء التفكير اللغوي.
ويمكن القول: إنه بمجرد أن يتعرف الإنسان، بوصفه كائناً حاز على الشروط المتقدمة، على الأشياء، تدفعه الحاجة إلى فهمها، أو التفاعل معها، أو اختزالها، وُلدت اللغة، ووُلدت المفاهيم. فهذه الشروط الثلاثة تمثل أسس ولادة التفكير اللغوي، ومن ثم تصب كلها في خلق المفاهيم. فالمفهوم أداة لغوية مكنت الإنسان من الفهم، والتفاعل مع غيره، وبدونه لا يمكن أن يكون هناك فهماً للأشياء، ولا للوجود.
يتولد المفهوم من ملاحظة الجزئيات، وأخذ السمات المشتركة بينها، وطرح تلك التي تختلف معها، في عملية تشذيبية، حتى يكون هناك خيطٌ رابط بين تلك الجزئيات. فلو أخذنا مثلاً مفهوم الإنسان، فهذا المفهوم يجمع حيثيات ملايين البشر، ويطرح الاختلافات بينهم. ومن هنا، ساعد هذا المفهوم، والمفاهيم الأخرى، الإنسان على الاستمرار بالتجريد. ومن جهة أخرى، لولا المفهوم، فإنه من غير الممكن تكوين تصور عن الإنسان، ولا يمكن معرفة الإنسانية، ولا حتى فهم ما الفرق بينه وبين المخلوقات الأخرى. وبذا، يصبح المفهوم مادة التفكير الأساسية.
لكن، السؤال: هل ابتدأت اللغة بالمفهوم؟ بمعنى، هل أن التفكير اللغوي بدأ مفهوماً؟ والجواب: لا، حتماً. فالمفهوم عملية تالية لملايين الملاحظات والمفردات الجزئية. وهذا الفرق المائز بين الإنسان والحيوان؛ فقد وقف الحيوان عند تلك الملاحظات والمفردات، ولم يرتقِ إلى معرفة المشترك بينها، أي إلى صناعة المفهوم، عكس الإنسان. لذلك، نجد أن معرفة الحيوان تقتصر على التعامل مع الجزئيات، كل على حدة. لذا، يتصرف في كل مرة تصرفاً كأنه يمر بالحادثة لأول مرة. فالحيوان الذي يخاف من شعلة ملتهبة، لأنه تعرض لحرارتها، ربما لا يخاف من موقد من الجمر، لأن خلايا دماغه لم تكن بمستوى تنظيم خلايا دماغ الإنسان، لأنه لم يدخل في ممارسة جماعية تكون لديه خبرة متبادلة، مما جعله لا يستطيع أن يكون مفهوماً عاماً عن النار، ليتجنب مصادرها كلها."
د. علي حسين يوسف
"ترتبط اللغة برقي الدماغ، وبالممارسة العملية، والتواجد ضمن مجتمع، وبدون هذه الشروط لا يمكن أن تكون هناك لغة.
لكن، كيف بدأت اللغة؟ ولماذا اقتصرت على الإنسان فقط؟
وضعت فرضيات متعددة لتفسير نشأة اللغة، منها:
1ـ فرضية التوقيف، وتقول بأن اللغة من عند الله.
2ـ فرضية الاصطلاح، وتقول بأن اللغة نشأت عن طريق الاتفاق بين مجموعة من الناس.
3ـ فرضية محاكاة أصوات الطبيعة (البو ـ وو).
4ـ فرضية محاكاة معاني الأصوات (الدنغ دونغ).
5ـ الفرضية العاطفية أو التعجبية (بوو ـ بوو).
6ـ فرضية الاستجابة للحركات العضلية (يو ـ هي ـ هو).
لكن، هذه الفرضيات قد تفسر بدايات اللغة، لكنها لا تفسر كيف بدأ التفكير اللغوي؛ لأنها كلها، إذا استثنينا الفرضية الأولى، قد تنطبق على الإنسان والحيوان. فلماذا ارتقى الإنسان بلغته، فيما ظل الحيوان يعيش على ردود أفعاله الغريزية؟
لقد مرّ القول بأن شرط اللغة الأول هو رقي الدماغ، وتنميه بطريقة هيأت له الاستجابة اللغوية المنظمة. ثم إن التنظيم الدماغي كان سبباً مضافاً إلى سببي الممارسة، والعيش ضمن المجتمع في نشوء التفكير اللغوي.
ويمكن القول: إنه بمجرد أن يتعرف الإنسان، بوصفه كائناً حاز على الشروط المتقدمة، على الأشياء، تدفعه الحاجة إلى فهمها، أو التفاعل معها، أو اختزالها، وُلدت اللغة، ووُلدت المفاهيم. فهذه الشروط الثلاثة تمثل أسس ولادة التفكير اللغوي، ومن ثم تصب كلها في خلق المفاهيم. فالمفهوم أداة لغوية مكنت الإنسان من الفهم، والتفاعل مع غيره، وبدونه لا يمكن أن يكون هناك فهماً للأشياء، ولا للوجود.
يتولد المفهوم من ملاحظة الجزئيات، وأخذ السمات المشتركة بينها، وطرح تلك التي تختلف معها، في عملية تشذيبية، حتى يكون هناك خيطٌ رابط بين تلك الجزئيات. فلو أخذنا مثلاً مفهوم الإنسان، فهذا المفهوم يجمع حيثيات ملايين البشر، ويطرح الاختلافات بينهم. ومن هنا، ساعد هذا المفهوم، والمفاهيم الأخرى، الإنسان على الاستمرار بالتجريد. ومن جهة أخرى، لولا المفهوم، فإنه من غير الممكن تكوين تصور عن الإنسان، ولا يمكن معرفة الإنسانية، ولا حتى فهم ما الفرق بينه وبين المخلوقات الأخرى. وبذا، يصبح المفهوم مادة التفكير الأساسية.
لكن، السؤال: هل ابتدأت اللغة بالمفهوم؟ بمعنى، هل أن التفكير اللغوي بدأ مفهوماً؟ والجواب: لا، حتماً. فالمفهوم عملية تالية لملايين الملاحظات والمفردات الجزئية. وهذا الفرق المائز بين الإنسان والحيوان؛ فقد وقف الحيوان عند تلك الملاحظات والمفردات، ولم يرتقِ إلى معرفة المشترك بينها، أي إلى صناعة المفهوم، عكس الإنسان. لذلك، نجد أن معرفة الحيوان تقتصر على التعامل مع الجزئيات، كل على حدة. لذا، يتصرف في كل مرة تصرفاً كأنه يمر بالحادثة لأول مرة. فالحيوان الذي يخاف من شعلة ملتهبة، لأنه تعرض لحرارتها، ربما لا يخاف من موقد من الجمر، لأن خلايا دماغه لم تكن بمستوى تنظيم خلايا دماغ الإنسان، لأنه لم يدخل في ممارسة جماعية تكون لديه خبرة متبادلة، مما جعله لا يستطيع أن يكون مفهوماً عاماً عن النار، ليتجنب مصادرها كلها."
د. علي حسين يوسف