الحقيقة في اللغة بمعنى: الحق، والصدق، والصح، واليقين،

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحقيقة في اللغة بمعنى: الحق، والصدق، والصح، واليقين،

    الحقيقة ونظرية المعرفة في الفلسفة الإسلامية
    "يرد لفظ الحقيقة في اللغة بمعنى: الحق، والصدق، والصح، واليقين، والوجوب، والرصانة، ومقابلة التجاوز.

    وحق الشيء يحق بالكسر حقًّا: أي وجب... وأحققت الشيء: أي أوجبته.
    وتحقق عنده الخبر: أي صح، وحقق قوله وظنه تحقيقًا: أي صدق، وكلام محقق: أي رصين...
    والحق: صدق الحديث، والحق: اليقين بعد الشك (...).

    أما الحقيقة في الاصطلاح، فيبدو أن أمرها أصعب مما عليه في اللغة، بسبب تعلقها بالنسبة بين التصور والتصديق، إذ أن معنى الحقيقة أول ما يتبادر إلى الأذهان ما تيقنت منه.
    لكن، كيف نتيقن من وجود شيء ما؟ وهل ذلك ممكن؟
    نقول: قد تُعرَف الحقيقة عن طريق التجربة العلمية، فلا نستطيع أن ننكر أن جزيء الماء الواحد يحتوي على ثلاث ذرات مرتبطة ببعضها: ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين؛ لأن الجمع بين هذه الذرات لا يولِّد شيئًا ثانيًا غير ذرة الماء في الظروف كلها.

    كما تُعرف الحقيقة عن طريق الأضداد؛ فنحن، مثلًا، جميعًا متأكدون من أننا نحلم في النوم، وأن الأحلام ليست حقيقية، لكن أفكاري في الواقع هي الحقيقية؛ لأنها على الضد تمامًا من أحلامي، في نسبة ارتباطها بالواقع.

    لكن الحقيقة قد تلتبس على التعريف إذا عوملت بطريقة تجريدية؛ فإذا قلنا عن زيد إنه إنسان حقيقي على اعتبار وجوده الواقعي بيننا، فإن ذلك لا ينفي الشك في حقيقته الإنسانية؛ لأن زيدًا لم يجمع كل خصائص الإنسانية لكي نقول عنه إنه إنسان.
    وهذا ما يسمى في الفلسفة بالعلاقة بين الذات والماهية، وهو مبحث دقيق ومجال خلاف، حتى إن الفارابي قال: ((الوقوف على حقائق الأشياء ليس في قدرة البشر، ونحن لا نعرف من الأشياء إلا الخواص واللوازم والأعراض...)).

    وعلى العموم، فقد اتفق الفلاسفة على تسمية الموجودات العينية والذهنية بالحقائق الواقعية؛ لأنها تتمتع بوجود مستقل عن العقل الذي يدركها.
    واتفقوا أيضًا على تسمية المبادئ الكلية مثل مبادئ الرياضيات بالحقائق الأبدية.

    لكن الحقيقة ارتبطت كثيرًا بما تتمثل به في الفلسفة المعاصرة؛ إذ يرى البراغماتيون أن الحقيقة تتمثل في الفكرة ذات النفع التجريبي، فيما يرى الماركسيون أن الحقيقة هي الفكرة المعبرة عن الوجود الموضوعي، ويرى الوجوديون أن الحقائق ترتبط بالحرية.

    لا بد من القول إن لفظ الحقيقة يقابل: الواقع الموجود بالفعل، وهو ضد الاعتباري، ويقابل أيضًا الثابت، وما هو ضد الممكن والخيالي، ويقابل الذي يتعلق بالذات أكثر من تعلقه بالمظهر أو الاسم، ويقابل أيضًا الواضح؛ الخالي من الغموض واللبس.

    لكن السؤال: هل هناك تمايز بين وجود الكرسي في الذهن ووجوده في الخارج؟ وهل أن الكرسي هو ذاته في الذهن والخارج؟ أم أنهما موجود واحد؟
    وتُعد هذه المسألة من أشد المسائل تعقيدًا، حتى يمكن القول إن الفكر البشري لم تشغله قضية مثلما شغلته هذه القضية. بل إن موضوع الفلسفات كلها كان يدور مدار الجواب حول هذه المسألة.

    لكن الأغلبية من الفلاسفة سلّموا بوجود العالم الخارجي بعد أن أنكره جماعة، وبما أن العالم الخارجي موجود، فإنه قابل للإدراك.
    لكن ما الإدراك؟ كيف يتم التعامل بين الأنا (الذهن) والعالم الآخر؟
    كيف أشعر بوجود الأشياء وأكون لها صورًا تناسب أحجامها وألوانها وهيئاتها؟

    قيل في ذلك إن ما موجود في الذهن يمثل صورًا للأشياء، وليست الأشياء ذاتها.
    لكن ما هي مادة تلك الصور؟ يعني صورة الكرسي التي في ذهني: ممّ تتكوّن؟ وكيف تتكوّن في الذهن؟ وما علاقتها بالكرسي الحقيقي؟

    قيل في هذه القضية إن العقل يمتلك مبادئ الأشياء مثل: مبدأ العلية، وعدم التناقض، والقابلية على التشكيل، وهذه القابلية هي التي تجعله يقوم بوظيفة التركيب وإنتاج الصور والقوانين.
    لذلك قالوا بأن هناك علمًا حضوريًّا، أي حاضرًا في ذهن كل منا، وهناك علم آخر يسمى حصولي أو مكتسب، وهو ما يتشكل بعد قيام الذهن بالكد والعمل من أجل توليد تلك الصور والقوانين والمعلومات.

    وترتبط المسألة المتقدمة بمسألة المعقولات، التي قسموها إلى معقولات أولية ماهوية، ومعقولات ثانوية فلسفية، ومعقولات ثانية منطقية.

    وأرادوا بالأولى الكليات التي تعرض للذهن في الخارج وتتجسد في الخارج أيضًا، مثل مفهوم الحصان؛ فهذا المفهوم لا يمكن له إلا أن يوجد في الخارج حتى في لحظة تصوره.
    أما المفاهيم الثانية أو الفلسفية، فهي التي تعرض للذهن في الداخل لكنها تتجسد في موضوع خارجي، كمفهوم الذكاء؛ فليس هناك في الخارج وجود للذكاء، إنما الوجود لشخص ذكي يتصف بالذكاء، أما الذكاء فهو مفهوم ذهني.
    أما المعقولات المنطقية، فهذه كليات لا تتجسد في الخارج أبدًا، كما في قولنا "مفاهيم أولية وثانوية"، فهذه لا وجود لها لا في التصور ولا في الحقيقة خارج الذهن، فهي منحصرة داخل الذهن لا تفارقه.

    والمعرفة تعني العلم بالأشياء، والعلم بالأشياء إما أن يكون حاضرًا في الذهن كما مرّ، أو متأتيًا من عمليات ذهنية، وهذا ما يُطلق عليه العلم الحضوري والعلم الحصولي."

    د. علي حسين يوسف
يعمل...