تويت
في السنوات الأخيرة، أصبحت الرعاية الصحية من أبرز القضايا التي تشغل المواطنين في مصر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعناية المركزة، تلك المرحلة الحرجة من العلاج التي قد تحدد مصير حياة الإنسان. وتُعد العناية المركزة من أكثر خدمات الرعاية الصحية تكلفة وتعقيدًا، نظراً لما تتطلبه من تجهيزات طبية متقدمة، وأطقم طبية مدربة، ورعاية على مدار الساعة. وبالتالي، فإن سعر العناية المركزة في مصر أصبح محط نقاش كبير بين المواطنين، لا سيما في ظل التفاوت الواضح بين المؤسسات الصحية العامة والخاصة.
ما هي العناية المركزة؟
العناية المركزة هي وحدة طبية مخصصة للمرضى الذين يعانون من حالات صحية خطيرة أو حرجة، وتتطلب مراقبة مستمرة، وأجهزة طبية متطورة، ورعاية طبية دقيقة. وتشمل الحالات التي قد تستوجب دخول العناية المركزة: السكتات الدماغية، الحوادث الخطيرة، أمراض القلب المزمنة، الفشل التنفسي، والمضاعفات الناتجة عن العمليات الجراحية الكبرى.
العوامل المؤثرة في تكلفة العناية المركزة
تعتمد تكلفة العناية المركزة في أي دولة، بما في ذلك مصر، على مجموعة من العوامل الأساسية، منها:
- نوع المستشفى: تختلف التكلفة بشكل كبير بين المستشفيات الحكومية والخاصة. ففي المستشفيات الحكومية، قد تكون التكلفة منخفضة أو مدعومة من الدولة، في حين تكون مرتفعة في المستشفيات الخاصة.
- حالة المريض: كلما زادت خطورة الحالة الصحية للمريض، زادت الحاجة إلى تدخلات طبية مكثفة، مما يرفع من التكلفة.
- مدة الإقامة: طول فترة بقاء المريض في وحدة العناية المركزة يؤثر بشكل مباشر على التكلفة النهائية.
- التجهيزات المستخدمة: تشمل أجهزة التنفس الصناعي، وأجهزة مراقبة القلب، والفحوصات الطبية المتقدمة، وغيرها.
- الأدوية والعلاجات: بعض الأدوية المستخدمة في العناية المركزة مكلفة للغاية، وخاصة تلك المخصصة للحالات النادرة أو المعقدة.
لا يوجد رقم موحد يمكن تعميمه على جميع المستشفيات في مصر، لكن يمكن القول إن تكلفة اليوم الواحد في العناية المركزة تتراوح بين 2000 إلى 5000 جنيه مصري في المستشفيات الخاصة، وقد تصل في بعض الحالات إلى أكثر من 10,000 جنيه يوميًا في بعض المؤسسات الكبرى أو عند استخدام أجهزة خاصة مثل أجهزة التنفس الصناعي أو الديلزة (غسيل الكلى).
أما في المستشفيات الحكومية أو الجامعية، فتكون التكلفة منخفضة نسبيًا أو حتى مجانية في بعض الحالات، لكن المشكلة تكمن في نقص الأسرة، والإمكانيات، وطول فترات الانتظار. لذلك يلجأ الكثيرون إلى القطاع الخاص رغم التكلفة المرتفعة، وذلك لضمان سرعة الحصول على الرعاية اللازمة.
التحديات التي تواجه قطاع العناية المركزة في مصر
رغم التطور الكبير في بعض المستشفيات الخاصة، إلا أن هناك تحديات حقيقية تواجه منظومة العناية المركزة في مصر، أبرزها:
- نقص الأسرة: تشير تقارير وزارة الصحة إلى وجود نقص كبير في عدد أسرّة العناية المركزة مقارنة بعدد السكان، خاصة في المحافظات البعيدة عن العاصمة.
- التوزيع الجغرافي غير العادل: يتركز أغلب خدمات العناية المركزة المتقدمة في المدن الكبرى، مثل القاهرة والإسكندرية، مما يحرم سكان القرى والمناطق النائية من الحصول على هذه الخدمات بسهولة.
- نقص الكوادر الطبية المتخصصة: يتطلب العمل في العناية المركزة خبرة طبية عالية، وهو ما يمثل تحديًا في ظل هجرة بعض الأطباء للخارج.
- العبء المالي على الأسر: يمثل سعر العناية المركزة في مصر عبئًا ماليًا كبيرًا على كثير من الأسر، مما يدفع البعض للاقتراض أو بيع ممتلكات لتغطية التكاليف.
من أجل التغلب على هذه التحديات، يمكن العمل على عدة محاور لتحسين وضع العناية المركزة في مصر، منها:
- زيادة الاستثمارات في القطاع الصحي: سواء من خلال الدولة أو عن طريق الشراكة مع القطاع الخاص.
- توسيع التأمين الصحي: تغطية خدمات العناية المركزة ضمن مظلة التأمين الصحي الشامل سيساعد على تقليل العبء المالي عن المواطنين.
- التدريب المستمر للأطقم الطبية: لضمان وجود كفاءات قادرة على التعامل مع الحالات الحرجة بكفاءة.
- استخدام التكنولوجيا: مثل الطب عن بُعد والذكاء الاصطناعي، لتحسين جودة الرعاية وتوفير استشارات طبية متخصصة في المناطق النائية.
في النهاية، تظل العناية المركزة حجر الزاوية في إنقاذ الأرواح في الأوقات الحرجة، ولكن الوصول إليها يجب ألا يكون مرهونًا بقدرة المريض المادية. إن تحسين مستوى هذه الخدمة الحيوية وتوفيرها بشكل عادل هو من صميم مسؤوليات الدولة تجاه مواطنيها. وبينما تظل سعر العناية المركزة في مصر
مرتفعة في كثير من الأحيان، فإن العمل الجاد لتطوير هذا القطاع يمكن أن يجعل هذه الخدمة متاحة بشكل أوسع وأكثر عدالة لكل محتاج.