?️?️ مراجعة رواية "السكك الحديدية السّرّيّة" للروائي الأميركي "كولسون وايتهيد". بقلم: حسين قاطرجي.
(جائزة البوليتزر 2016)
كانت مأساة العبيد في أمريكا قبل الحرب الأهليّة واحدة من أكثر الفصول سواداً في تاريخ البشريّة، حيث تعرّض الملايين من الرجال والنساء والأطفال الأفارقة إلى ظروفٍ غير إنسانيّة، واستغلال قاسٍ، وانتهاك للحقوق الفرديّة والكرامة الإنسانيّة. لقد شكلّ نظام العبوديّة دعامةً اقتصاديةً واجتماعيةً مهمة لبعض الولايات الجنوبية في الولايات المتحدة، حيث كانت الزراعة تعتمد بشكل كبير على اليد العاملة المستعبدة، وخاصةً في زراعة القطن والتبغ.
كانت رحلة الأفارقة إلى أمريكا تبدأ غالباً بالاختطاف أو البيع من قبل المستعمرين أو السّود الخونة المتعاونين مع الأجنبي المستعمر، حيث تم نقلهم عبر المحيط الأطلسي في ظروفٍ لا إنسانية. كانت نسبة الوفاة العالية أثناء النقل نتيجة الظروف القاسية والمعاملة الوحشية، حيث تم نقلهم مقيدين بالسلاسل في مكان ضيق يفتقر لأدنى مقوّمات الحياة الطبيعية!.
وصل العبيد إلى أمريكا ليجدوا أنفسهم في نظامٍ اجتماعيٍّ صارمٍ يميّز بشكلٍ مقيتٍ بين البيض والسود. كان يفرض على العبيد العمل لساعاتٍ طويلة في الحقول، تحت إشرافٍ صارمٍ وظروف عملٍ قاسية، ودون أجرٍ أو حقوق. كانوا يتعرضون للعقوبات البدنيّة والنفسيّة، إذا ما أظهروا أيّ علاماتٍ من العصيان أو المقاومة.
وعلى الرغم من قسوة الظروف، نشطت بين العبيد حياةٌ غنيّةٌ تجمعهم في نضالهم اليومي من أجل البقاء. كانت الموسيقى والرقص والفن وسائل للتعبير عن مشاعرهم وآمالهم وأحلامهم، بينما كانوا يحتفظون بلغاتهم وتقاليدهم الأفريقية بقدر الإمكان.
كلّ ماسبق نجده في سياقات رواية "السكك الحديدية السرية" للكاتب الاميركي (الأسود) "كولسون وايتهيد" الذي حرص على تقديم صورةٍ صادقةٍ لمعاناة أجداده حتى وصولهم إلى مُتنفّس الحريّة.
تدور أحداث الرواية حول تجربة الصبية "كورا" والشاب "سيزر" في الهروب من العبودية عبر نظام السكك الحديدية السريّة، الذي لم يكن سككاً حديديّة بالمعنى الحرفي، بل عبارة عن شبكة من المسارات والملاذات الآمنة ذات عربات بدائية كانت تُستخدم لمساعدة العبيد في الهروب إلى الحرية ويديرها سودٌ أحرار بطريقةٍ غايةٍ في السريّة. وكان الهدف هو الوصول إلى الولايات الشمالية وأفضلها "نيويورك" حيث يحظى السود هناك بامتيازاتٍ فوريّة تمنحهم عمّا قريب صكوك الحرية.
☆ يركّز الكاتب على قضايا جعلها محاور روايته الأساس وهي:
- التعامل الظالم والظروف الاإنسانية التي عاشها السود في حقبة ماقبل الحرب الأهلية.
- حرص السود الأفارقة على الحفاظ على هويتهم وأغانيهم ولغتهم.
- التوق إلى الحرية والسعي إليها حتى لو كان السبيل إلى ذلك مخاطر عدّة تؤدي إلى الموت.
ويبرز العمل الروائي كيف كان لهذا النظام (نظام السكك الحديدية السريّة) دورٌ محوريٌّ في تغيير حياة العديد من الذين عانوا تحت وطأة العبودية وهي الفترة التي يراها المؤرخون أنها أحرج مراحل التاريخ الأميركي.
لا تقتصر الرواية على كونها مجرّد توثيقٍ تاريخيٍّ، بل تحتوي على رؤىً فلسفيّة ومجتمعيّة تعالج قضايا العدالة والحرية والكرامة الإنسانية. وتعكس الرواية بعمق الصراعات الداخلية والخارجية (الداخلية من حيث تعاملهم مع بعضهم، وخارجية من حيث تعامل أسيادهم البيض معهم) التي يعيشها الأفراد في سعيهم نحو الحرية، وتطرح أسئلة حول التضحية والشجاعة والعزيمة.
استخدم الكاتب أسلوباً لا أراه كثيراً في أدبنا العربي، حيث كتب روايته بمقاطع سريعة وصوراً (متشظّيّة) تُحتّم على القارئ التمهّل لفهمها وربطها ضمن سياق الرواية، ولو أنّه استخدم أسلوباً خطيّاً لكانت قراءتها أيسر على مختلف أنواع القرّاء.
إن مأساة العبيد في أمريكا تظل وصمةَ عارٍ تحتاج الأجيال الحالية إلى تعلّم دروسها، ليس لضمان عدم تكرارها في المستقبل فهذا ضربٌ من المستحيل؛ بل للتأكيد على قيم الحرية والمساواة والعدالة. وإنّ أميركا التي أقرّت في تشريعاتها مكافحة العبودية، أجازت لنفسها تسخير العالم ضمن عبوديةٍ حديثةٍ هي أكثر بشاعةً وتعقيداً، وأقلّ وضوحاً؛ وذلك من خلال فرض عقوباتٍ على الدول المناوئة لسياساتها، وزجّ الدول الفقيرة بديونٍ لايمكن تسديدها، هي سياسة الكيل بمكيالين الذي يعبّر عن الوجه القبيح والحقيقي لأميركا.
• السكك الحديدية السريّة
• كولسون وايتهيد
• ترجمة: سماح جعفر
• طبعة دار الوثائق الورقيّة.
• 2024، 398 صفحة.
(جائزة البوليتزر 2016)
كانت مأساة العبيد في أمريكا قبل الحرب الأهليّة واحدة من أكثر الفصول سواداً في تاريخ البشريّة، حيث تعرّض الملايين من الرجال والنساء والأطفال الأفارقة إلى ظروفٍ غير إنسانيّة، واستغلال قاسٍ، وانتهاك للحقوق الفرديّة والكرامة الإنسانيّة. لقد شكلّ نظام العبوديّة دعامةً اقتصاديةً واجتماعيةً مهمة لبعض الولايات الجنوبية في الولايات المتحدة، حيث كانت الزراعة تعتمد بشكل كبير على اليد العاملة المستعبدة، وخاصةً في زراعة القطن والتبغ.
كانت رحلة الأفارقة إلى أمريكا تبدأ غالباً بالاختطاف أو البيع من قبل المستعمرين أو السّود الخونة المتعاونين مع الأجنبي المستعمر، حيث تم نقلهم عبر المحيط الأطلسي في ظروفٍ لا إنسانية. كانت نسبة الوفاة العالية أثناء النقل نتيجة الظروف القاسية والمعاملة الوحشية، حيث تم نقلهم مقيدين بالسلاسل في مكان ضيق يفتقر لأدنى مقوّمات الحياة الطبيعية!.
وصل العبيد إلى أمريكا ليجدوا أنفسهم في نظامٍ اجتماعيٍّ صارمٍ يميّز بشكلٍ مقيتٍ بين البيض والسود. كان يفرض على العبيد العمل لساعاتٍ طويلة في الحقول، تحت إشرافٍ صارمٍ وظروف عملٍ قاسية، ودون أجرٍ أو حقوق. كانوا يتعرضون للعقوبات البدنيّة والنفسيّة، إذا ما أظهروا أيّ علاماتٍ من العصيان أو المقاومة.
وعلى الرغم من قسوة الظروف، نشطت بين العبيد حياةٌ غنيّةٌ تجمعهم في نضالهم اليومي من أجل البقاء. كانت الموسيقى والرقص والفن وسائل للتعبير عن مشاعرهم وآمالهم وأحلامهم، بينما كانوا يحتفظون بلغاتهم وتقاليدهم الأفريقية بقدر الإمكان.
كلّ ماسبق نجده في سياقات رواية "السكك الحديدية السرية" للكاتب الاميركي (الأسود) "كولسون وايتهيد" الذي حرص على تقديم صورةٍ صادقةٍ لمعاناة أجداده حتى وصولهم إلى مُتنفّس الحريّة.
تدور أحداث الرواية حول تجربة الصبية "كورا" والشاب "سيزر" في الهروب من العبودية عبر نظام السكك الحديدية السريّة، الذي لم يكن سككاً حديديّة بالمعنى الحرفي، بل عبارة عن شبكة من المسارات والملاذات الآمنة ذات عربات بدائية كانت تُستخدم لمساعدة العبيد في الهروب إلى الحرية ويديرها سودٌ أحرار بطريقةٍ غايةٍ في السريّة. وكان الهدف هو الوصول إلى الولايات الشمالية وأفضلها "نيويورك" حيث يحظى السود هناك بامتيازاتٍ فوريّة تمنحهم عمّا قريب صكوك الحرية.
☆ يركّز الكاتب على قضايا جعلها محاور روايته الأساس وهي:
- التعامل الظالم والظروف الاإنسانية التي عاشها السود في حقبة ماقبل الحرب الأهلية.
- حرص السود الأفارقة على الحفاظ على هويتهم وأغانيهم ولغتهم.
- التوق إلى الحرية والسعي إليها حتى لو كان السبيل إلى ذلك مخاطر عدّة تؤدي إلى الموت.
ويبرز العمل الروائي كيف كان لهذا النظام (نظام السكك الحديدية السريّة) دورٌ محوريٌّ في تغيير حياة العديد من الذين عانوا تحت وطأة العبودية وهي الفترة التي يراها المؤرخون أنها أحرج مراحل التاريخ الأميركي.
لا تقتصر الرواية على كونها مجرّد توثيقٍ تاريخيٍّ، بل تحتوي على رؤىً فلسفيّة ومجتمعيّة تعالج قضايا العدالة والحرية والكرامة الإنسانية. وتعكس الرواية بعمق الصراعات الداخلية والخارجية (الداخلية من حيث تعاملهم مع بعضهم، وخارجية من حيث تعامل أسيادهم البيض معهم) التي يعيشها الأفراد في سعيهم نحو الحرية، وتطرح أسئلة حول التضحية والشجاعة والعزيمة.
استخدم الكاتب أسلوباً لا أراه كثيراً في أدبنا العربي، حيث كتب روايته بمقاطع سريعة وصوراً (متشظّيّة) تُحتّم على القارئ التمهّل لفهمها وربطها ضمن سياق الرواية، ولو أنّه استخدم أسلوباً خطيّاً لكانت قراءتها أيسر على مختلف أنواع القرّاء.
إن مأساة العبيد في أمريكا تظل وصمةَ عارٍ تحتاج الأجيال الحالية إلى تعلّم دروسها، ليس لضمان عدم تكرارها في المستقبل فهذا ضربٌ من المستحيل؛ بل للتأكيد على قيم الحرية والمساواة والعدالة. وإنّ أميركا التي أقرّت في تشريعاتها مكافحة العبودية، أجازت لنفسها تسخير العالم ضمن عبوديةٍ حديثةٍ هي أكثر بشاعةً وتعقيداً، وأقلّ وضوحاً؛ وذلك من خلال فرض عقوباتٍ على الدول المناوئة لسياساتها، وزجّ الدول الفقيرة بديونٍ لايمكن تسديدها، هي سياسة الكيل بمكيالين الذي يعبّر عن الوجه القبيح والحقيقي لأميركا.
• السكك الحديدية السريّة
• كولسون وايتهيد
• ترجمة: سماح جعفر
• طبعة دار الوثائق الورقيّة.
• 2024، 398 صفحة.