كتاب ينقد أشكال التعاطي مع الأدب ومواقع التواصل الاجتماعي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب ينقد أشكال التعاطي مع الأدب ومواقع التواصل الاجتماعي

    كتاب ينقد أشكال التعاطي مع الأدب ومواقع التواصل الاجتماعي


    "خطوب ودروب: سرور التواصل.. وحسرة التفاصل" كتاب يرصد جملة من الإضافات التي تسهم في إثراء خبرات القارئ.
    الاثنين 2025/04/07
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    التغريدات لا تصلح لأن تكون مادة للثقافة

    عمان - يطوف كتاب “خطوب ودروب: سرور التواصل.. وحسرة التفاصل” للكاتب والصحافي المصري محمد شبراوي في مواقف شتى، مستفيدا من التراث والمعاصرة في رصد أحداث وثيقة الصلة بالعالم الافتراضي، كيف تفاعل رواد منصات التواصل مع قضية بعينها؟ ما انعكاسات أزمة ما – أثيرت عبر المنصات – على شخصية أو جهة أو مؤسسة؟ تداخلات العلاقات الشخصية وآلام ما بعد “الفركشة”، الغرام والانتقام في دنيا المشاهير من خلال العالم الافتراضي، الثقافة الاستعجالية في القراءة والكتابة والنقاش، وغيرها من موضوعات العصر.

    ويقدم الكتاب، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، جملة من الإضافات التي تسهم في إثراء خبرات القارئ الشخصية والعملية والاجتماعية، وفيها يتوسل الكاتب بجملة شواهد عقلية ونقلية من الطارف والتالد، عبر جملة من المقالات نذكر منها: “شقلب واقلب: على قلق كأن الريح تحتي”، “السموأل المصري”، “مخصماك.. فرش الملاية على الطريقة الفنلندية”، “وحل القلم”، “طوابير الكتب: لم علينا عبيدك يا رب”، “من النافذة إلى الحياة”، “جرح لا يندمل”، “نكتة ما قبل العاصفة”، وغيرها.

    ولم تخل المقالات تلك من الطرافة في الطرح إلى جانب العمق والموازنة بين الواقع المعيش والعالم الافتراضي، ممثلا في جزء منه بمنصات التواصل الاجتماعي، وهي مقالات تنتقد أشكال التعاطي مع الأدب في مختلف تجلياته، حيث يعرض الكاتب لفكرته ثم يقدم خلاصة لها تمثل صفوة القول، إذ يرى أنه إذا قرأ المرء واستوعب وتفكر جاءت كتابته منطقية مراعية للسياق، أما إن ضرب بالقراءة والتدبر عرض الحائط فإنه يخبط في عمائه ويهذي.

    يقول شبراوي في هذا السياق “لعل بعضهم يقول إن اعتماده الأساس في حصيلته المعرفية يرتكز على الثقافة السمعية البصرية، فيتابع عددا من منتجي البودكاست وقنوات اليويتوب، هذا مفيد.. لكنه لو خصص وقتا للقراءة وآخر للاستماع والمشاهدة لتعاظمت الفائدة المرجوة، وإذا كان ذلك ممكنا وليس ثم ما يمنع الجمع بين الحسنيين؛ فما الباعث على تضييق نطاق الثقافة وتقزيم النتيجة؟”.


    المقالات التي تشكل الكتاب لم تخل من الطرافة في الطرح والعمق والموازنة بين الواقع المعيش والعالم الافتراضي


    ويعرج الكاتب على ملمح آخر يجب ألا يغيب عن الكاتب أو من يتوسم في نفسه أن يكون كاتبا، يتلخص في الاطلاع على الكتابات النقدية، فهذا يمده برصيد مجاني من الخبرة، فيعرف مآخذ النقاد على سابقيه ومعاصريه، عندها يتفادى المزالق ويشحذ ملكته الإبداعية، ويهذب أسلوبه ويشذبه دون الحاجة إلى إعادة اختراع العجلة.

    ويؤكد الكاتب هنا “لعل أحدهم يحتج علينا بأن النقد موهبة لا تحتاج إلى دراسة، موهبة مكنت أم جندب من التحكيم بين زوجها امرؤ القيس وخصمه علقمة الفحل، فرجحت كفة علقمة على زوجها، ولأنه جاهلي قح لم يتحل بروح رياضية فطلقها وتزوجها خصمه من بعده”.

    ويضيف “سيقول القائل نفسه – أو بعض من يلف لفه – إن عبدالملك بن مروان يفصل بين الشعراء ويميز بخس شعرهم من دره، وكذلك كان عدد لا بأس به من الخلفاء والأمراء، لم يتخرجوا في السوربون، لم يدرسوا المناهج النقدية، لم يتعرفوا إلى المذاهب الحديثة والمدارس المتباينة، إلى آخر ما يتصل بهذه الدعوى، والجواب عن ذلك يتمثل في أن تلك أمة خلت، كان النقد سليقة واللغة طيعة، أما اليوم فإن الإلمام بالمناهج النقدية ضروري لكل من يسعى لتطوير ذاته في دنيا الكتابة، الأمر يحتاج إلى مجهود شاق ودربة طويلة، لا أن يتوهم المرء أنه متى ما جلس للكتابة فإن الأفكار ستنثال عليه وتتقافز بين يديه، هذا ضرب من المحال”.

    وفي عدد من مقالاته، يعرج الكاتب محمد شبراوي على ظاهرة “الكاتب النجم”، مشيرا إلى أنه في جوانب عدة، ترتبط طوابير القراء بمنصات التواصل، وأن كثرة من هؤلاء القراء لم يتعمقوا في الثقافة أو ينوعوا قراءاتهم، مؤكدا “حين تتأمل الفئة العمرية التي تتدافع على هذا الكاتب، تدرك أن مجتمعنا العربي – كما عهدناه – لا يمثل الكاتب فيه أهمية ترقى إلى درجة التدافع لحيازة توقيعه أو التقاط صورة معه، الطوابير مرتبطة بأشياء أخرى، ولأن هؤلاء المتدافعين جزء من المجتمع، وعما قريب ستنقشع هذه الظاهرة مثلما انقشعت غيرها، ولن تبقى ظاهرة طوابير توقيع الكتب طويلا، ستنحسر مثلما انحسرت جائحة كورونا، لا شك في ذلك”.

    ويواصل الكاتب في الحديث عن ظواهر في الكتابة تستحق التوقف عندها مشيرا “ليست العبرة في اقتناص توقيع الكاتب، العبرة كل العبرة في الإفادة من المادة، إفادة تبقى وتؤثر في النفس، إفادة تسهم في توسيع النظرة للأمور وفهم ما يجري، ليست العبرة في إمتاع لحظي، إنما إمتاع يطول ويدوم تأسيسا على فكر وثقافة ومعرفة بالواقع وملابساته، وليس بالهروب منه”.

    وفي هذا السياق، يشير الكاتب أيضا إلى أن منصات التواصل تظهر جملة من الحاضرين الغائبين، يتابعون آراء بعض المشاهير في النوافذ الموازية، ينقلون أقوالهم إما بإعادة التغريد عبر إكس، أو المشاركة من خلال فيسبوك، أو يرددونها في المجالس وعلى المقاهي، هؤلاء يصفهم بأنهم “أسوأ حالا ممن قرأ ولم يحلل، لأن تلك التغريدات لا تصلح لأن تكون مادة للثقافة ولا زادا كافيا للمعرفة، يوهم المرء نفسه أنه جمع فأوعى، في حين أنه رعى فأقصب”.

    ويطرح شبراوي السؤال: بين أولئك الغارقين في القراءة والمعرضين عنها، كيف نجمع بين الحسنييْن؟ كيف نوفق بينهما ونلفق؟، وفي الإجابة عن مثل هذه التساؤلات يشدد الكاتب على أهمية القراءة، لأنه من دون البذور لن تكون الأشجار والحدائق الغناء والغابات على تنوعها وتباينها، وإن كانت الحياة قصيرة والخيارات متنوعة ومتضاربة أحيانا، فلكل إنسان أن يميز بينها وأن يختار ما يضيف إليه ويحسن جودة فكره وإبداعه.



    أما حول قوة الكلمة إن خرجت، فيقدم الكاتب مقالة موزونة في ذلك، تؤكد على أهمية أن يتفكر الإنسان قبل أن يتكلم، وأن يختار كلماته بحكمة، قائلا “ما تقوله نادرا ما يمر دون أن يلاحظه أحد، لا تقل شيئا على سبيل الدعابة دون أن تفكر في عواقبه. نظريا هذا صحيح، ربما تقول في دواخلك هذا كلام مكرر، سمعته كثيرا وقرأته في كتب التنمية البشرية، مع ذلك ثمة مسافة ضوئية بين أن تسمع عن حالة وأن تعيش تلك الحالة، ليس بالضرورة أن تكون أنت الحالة، المهم أن تدخل أجواءها، تلامس قدرا من تفاصيلها، عندها ستتغير نظرتك، سيزيد انتباهك لتصرفاتك عموما وفي حديثك إلى وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل بصفة خاصة”.

    أما موضوع الشهرة السريعة، فيتناوله شبراوي عبر طرح نماذج من الكتاب والأدباء الذين لمع نجمهم في وقت مبكر من حياتهم ثم خبا إلى أن اختفى، وأبرزهم الكاتبة فرانسواز ساغان، مشيرا إلى أنه قد تأتي الشهرة مبكرا جدا، فتصبح التحديات أكثر جسامة والتبعات أكثر خطورة، عمل واحد يرفع المرء إلى السحاب، فيأتي السقوط مدويا مثلما كان التحليق.

    وهو يتساءل حول ذلك “هل أفسدت الشهرة المبكرة فرانسواز ساغان؟ هل أفسدت النجومية المبكرة ماكولي كولكين؟ هل أضرت الشهرة المتأخرة مسيرة جوزيه ساراماغو؟ هنري فورد؟ ماذا عن هارلاند ساندرز؟ أريانا هافينغتون؟ ماذا عن حسن عابدين وقد عرفه الجمهور في الستين من عمره؟ عبدالرحمن آل رشي؟ بيومي فؤاد؟ سيد رجب؟ إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي؟ وأسماء أخرى في مجالات شتى.. وهل الشهرة في عمومها مفيدة؟ لعل خوسيه ساراماغو أجاب عن هذا السؤال على طريقته الخاصة وطريقة كثيرين، بقوله ‘الشهرة في المقام الأول ليست إيجابية في ذاتها، وفي أحيان كثيرة يشتهر شخص ما لأسباب سلبية، لذا فإن الشهرة لا تعني شيئا آخر سوى أن تكون معروفا، لكن هناك مستوى لكل شيء، فنحن معروفون بدرجة أو بأخرى'”.

    تنطوي المقالات على دروس مستخلصة من رحم التجربة الإنسانية، ومثال تلك الخلاصات ما أكده الكاتب في مقالاته من أن على المرء أن يكون واقعيا ويثق أنه لا وجود للشخص الكامل، ويتقبل من حوله كما هم دون تبرم أو سخط، عندها سيجد أن خيبات أمله تجاه تصرف بعضهم أو أخطائهم أقل مما هي عليه، ستخف حدة رد فعله، وسيتحلى بقدر أكبر من العقلانية والتصرف الهادئ، موضحا بأسلوبه الفكاهي في النقد “لن تقتل أحدا أو تدهسه، لن ترى نفسك فوق خلق الله ولا على رأسك ريشة. ربما تصبح أكثر بشاشة مع زوجتك وولدك وزملائك ومرؤوسيك، قد يستغربون هذا التغير المفاجئ في تعاملك، فابتسم وقل: أصلي مقابلتش كامل! وأقصد كامل العادي مش كامل الأوصاف، ولا كامل الشناوي، ولا كامل الوزير”.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...