مسلسل "مسار إجباري" يتجاوز أزمة الاستغراق في التفاصيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسلسل "مسار إجباري" يتجاوز أزمة الاستغراق في التفاصيل

    مسلسل "مسار إجباري" يتجاوز أزمة الاستغراق في التفاصيل


    شابان يحققان نجاحا فنيا لافتا وسط زحمة دراما رمضان في مصر.
    الجمعة 2024/03/29
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    معركة مصير مشترك

    جاء مسلسل “مسار إجباري”، الذي وجهته المخرجة نادين خان نحو الواقعية الشديدة، مواصلة مسيرة والدها رائد السينما الواقعية، محمد خان، فنقلت قصة قريبة من المجتمع المصري، بمشاهد مترابطة، وحبكة درامية واضحة، تعيد التأكيد كل حلقة أن الدراما المصرية لا تزال جديرة بتقديم الأعمال الهادفة، والمراهنة على مواهب جيدة.

    القاهرة - وسط زحمة دراما رمضان وكثافة الأعمال وتناثرها بين الفضائيات والمنصات، نجح المسلسل المصري “مسار إجباري” في تجاوز أزمة الاستغراق في التفاصيل التي تلازم الكثير من الأعمال، والتي تجعلها تحيد عن خطها الرئيسي. وركز صنّاع العمل على خيط رفيع جرى بموجبه وضع الفكرة في إطارها الصحيح بلا انحراف عنه من خلال 15 حلقة قدمت في النصف الأول من رمضان الذي يشهد منافسة حادة في الدراما، حيث يريد كل عمل حجز مكان له في الصف الأول.

    وقد تكون فكرة العمل بسيطة أو جرى التطرق لأجزاء منها في أعمال مختلفة، لكن تضفيرها جاء بصورة مبتكرة ومحكمة ورشيدة، إذ يكتشف شابان قبل وفاة والدهما أنه متزوج من أخرى، ويلتقيان فجأة في المستشفى الذي يعالج فيه ويقوم بشرح الموقف ويخبرهما بالحكاية، بعد أن كان كلاهما يعتقد أنه والده وحده، وبعد أن عرفا القصة بدأت الأحداث في التصاعد ومات والدهما على يد عصابة كانت تعتبره خطرا عليها.

    نجح المؤلف باهر دويدار في كشف الكثير من الألغاز، كما اعتاد من قبل في مسلسلات: “كلبش” و”الاختيار” و”القاهرة كابول”، وقدم تفسيرا للتعقيدات التي أحاطت بحياة العامل في الطب الشرعي عمر البرنس، وقام بدوره الفنان محمود البزاوي، بشكل تدريجي وبلا تشنج أو افتعال، وطبيعة علاقته بالعصابة التي قتلته، وموقف ولديه حسين وقام بدوره الفنان الشاب عصام عمر، وعلي وقام بدوره الفنان الشاب أحمد داش، في أول بطولة مطلقة لهما، تخوف البعض من عدم تمكنهما من تحمل عبء مسلسل “مسار إجباري” ويعرض في رمضان.


    ◙ مسلسل "مسار إجباري" قدّم قصة نجاح جيدة من دون الوقوع في فخ التفاصيل الكثيرة أو التفكك الفني


    راهنت المخرجة نادين خان على نجاحهما وكسبت الرهان في النهاية، فقد قدما ثنائيا جيدا، وكمل كلاهما الآخر في تمثيل دور أخوين يبحثان عمن ورط والدهما في جريمة قتل فتاة، ومن قام باغتياله شخصيا، وهي رحلة طويلة كانا مجبرين على المضي فيها، وهي صفة اختير منها اسم عمل قدم مسوغات فنية ودرامية منطقية تؤكد حتمية الاستمرار، وعدم وجود خيارات للتراجع أو مقاومة الضغوط الواقعة على الشابين.

    قامت بدور والدة الأخ الكبير (حسين) الفنانة صابرين، بينما جسدت الفنانة بسمة شخصية أمّ أخيه (علي)، وجاء التوزيع منطقيا ومنسجما من الناحية العمرية، وعندما اكتشفت كل منهما الحالة الاجتماعية التي يعيشانها بعد وفاة زوجهما، أصبحتا بسبب الظروف متعاونتين، كأن هذا قدرهما أيضا، فلا وقت للانتقام من الزوج الخادع المتوفي أو البكاء على الظروف القاسية التي تحيط بهما، ولعبت العلاقة القوية بين حسين وعلي دورا في انسجام السيدتين والتفاهم حول خوض معركة المصير المشترك.

    اعتمد المؤلف باهر دويدار والسيناريست أمين جمال على مجموعة من الخيوط المتشابكة التي تجمع قصة العمل، فالعصابة التي تتاجر في الأدوية المغشوشة واستمالت إليها عامل الطب الشرعي (عمر البرنس) وأغوته على التضليل في الأدلة الجنائية يقودها المحامي مجدي حشيش وجسد دوره الفنان رشدي الشامي باقتدار، كانت تطارد حسين وعلي عندما اكتشفت أنهما يبحثان عن تصويب خطأ والدهما، اعتقادا أنه تسبب في توريط شخص في قضية قتل لا ذنب له فيها وصدر بحقه حكم قضائي بالإعدام، وهو الدكتور صفوت وجسد دوره الفنان نور محمود، وتمكنا من تبرئته عبر مجدي حشيش في تهمة قتل الباحثة حبيبة الكردي في الحلقة الأولى.

    تغير المسار بعد ذلك على المستوى الدرامي، لكنه لم يتغير على مستوى العلاقة بين حسين وعلي، والتي تعزّزت أكثر، فقد اكتشفا أن صفوت هو القاتل الحقيقي لحبيبة، وهنا كاد العمل ينفرط عقده، لكن نادين خان التي ورثت عن والدها المخرج الراحل محمد خان القدرة على تقديم وجبة درامية دسمة ومتكاملة، ظهرت لياقتها الفنية في ما ظهر من معالجة لا تنحرف عن الخط الرئيسي للعمل، وهو معرفة من قتل حبيبة الكردي، ومن الذي تورّط في قتل والد حسن وعلي.

    كان اختيار عصام عمر في دور حسين موفقا، وهو طالب متفوق وفاشل أيضا في كلية الحقوق، حيث يهوى المحاماة ويفهم جيدا في دهاليز القانون، لكنه تعمد الرسوب في السنة النهائية ليتمكن من إلقاء محاضرات في قاعة خاصة على زملائه نظير الحصول على أجر مادي سخي، وعلاقته بالقانون أفادته في متابعة المحامي مجدي حشيش وما يحيكه من مؤامرات.

    وكان لائقا اختيار أحمد داش في دور علي الذي يملك سيارة يقدم من خلالها وجبات الطعام، ويبدو شخصية شعبية جدعة ومحبوبة، وهما عنصران أوجدا كيمياء مشتركة ربطته بحسين، وكلما حاول أحدهما الخروج عن المسار أعاده الآخر إليه، ولم يكن هناك مفر من استكمال رحلة البحث التي أخذت شكلا دراميا سوداويا، وفي مرات أخذت شكلا رماديا، وتمكنا من النجاح في المهمة وكشف حقيقة قاتل حبيبة الكردي ودوافعه.

    ◙ رسائل اجتماعية ومستوى فني يقول إن الدراما المصرية حافلة بالفنانين الذين يمكنهم تقديم المزيد من المسلسلات الهادفة

    استغرق الوصول إلى هذه النتيجة مرحلة طويلة من الصعود والهبوط في الأحداث، خففت منها بعض المشاهد الكوميدية التي أداها عصام الجن وهو صديق علي وخبير في القرصنة واختراق الأجهزة الإلكترونية، ويملك خفة دم واضحة، وقدرة جيدة على تحويل المواقف الصعبة إلى سهلة، وكان ظهور الجن في كل مرة يرتبط بفك لغز جديد لدى الأطراف المتقاطعة في قضية مقتل حبيبة وعمر البرنس.

    استخدمت العصابة التي يقودها مجدي حشيش كل الوسائل لترويع أسرة حسين وعلي، من خطف طفل إلى ابتزاز إلى محاولة توريطهما في جريمة قتل، وفي كل مرة يمارس فيها حشيش ألاعيبه يترك خيطا يكشفه، فبعد أن اعتقد أنه استقطب حسين وأوجد له وظيفة في مكتبه تمكن الأخير من معرفة أسرار تدين حشيش ورفاقه.

    تم تخصيص سيدة الأعمال سناء، وقامت بدورها الفنانة جوري بكر، لتجنيد علي لصالح المحامي الكبير من خلال الدخول معه في شراكة تجارية وتوسيع مطعمه الصغير، وبدلا من وجود سيارة في مكان واحد تقدم الطعام يمكن زرع أسطول في أماكن متفرقة، لكن هذه اللعبة اكتشفت معالمها مبكرا، لأن سناء هي زوجة صفوت أيضا، ومع أنها تبغضه أرادت التحكم في علي البرنس لحماية مجدي حشيش وأعوانه.

    لا يبذل المشاهد جهدا كبيرا للتفرقة بين التشابكات الدرامية، لأن نادين خان وفرت التضفيرة الفنية الكافية للربط بينها، وساعدها أن عصام عمر وأحمد داش كانا حريصين على نجاح هذه التجربة، فما جسده كلاهما كان ثريا ومغريا لأيّ شاب يشق طريقه، وبسيطا للدرجة التي مكنتهما من الظهور كمن يقدم حياته الشخصية في الواقع، كما أن التلقائية التي جاءت كعنصر مشترك بينهما ساعدت على النجاح ولم تتطلب جهدا كبيرا للتعبير عن الطبقة الاجتماعية التي ينحدران منها وهي الطبقة المتوسطة، وأهم ما يميزها الحق والعدل ورفض الظلم والاجتهاد في العمل.

    قدم مسلسل “مسار إجباري” قصة نجاح جيدة من دون الوقوع في فخ التفاصيل الكثيرة أو التفكك الفني، وكتب شهادة جديدة لنادين خان وعصام عمر وأحمد داش، ومعهم مي الغيطي ورشاد الشامي ونور محمود، حيث أمكنهم تحمل مسؤولية مطلقة في هذا العمل وما حواه من رسائل اجتماعية ومستوى فني مرتفع يقول إن الدراما المصرية حافلة بالفنانين الذين يمكنهم تقديم المزيد من المسلسلات الهادفة.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X