محمد عبدالخالق: السينما المصرية تستعيد ريادتها حين تعيد المرأة إلى الصدارة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد عبدالخالق: السينما المصرية تستعيد ريادتها حين تعيد المرأة إلى الصدارة

    محمد عبدالخالق: السينما المصرية تستعيد ريادتها حين تعيد المرأة إلى الصدارة


    مهرجان أسوان لأفلام المرأة في سعي متواصل لمنح المرأة مساحة أكبر في السينما المصرية.
    السبت 2024/03/09
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    سيناريست يقود مهرجانا لسينما المرأة

    أي دور للمرأة في السينما المصرية؟ وما الصورة النمطية التي سجنت فيها؟ وما هي أبرز طموحات مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة؟ كلها أسئلة يجيبنا عنها رئيس المهرجان السيناريست محمد عبدالخالق، الذي نعود معه في هذا الحوار إلى بدايات تأسيس المهرجان، وأهم إنجازاته.

    يستعد مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة لإطلاق دورته الثامنة التي ستنعقد في الفترة ما بين العشرين والخامس والعشرين من أبريل المقبل في أسوان البوابة الجنوبية لمصر والتي تمتلك خصوصية ثقافية واجتماعية تميزها عن غيرها من المحافظات، انطلاقا من كونها تكونت من تجمع قبائل نوبية لها عاداتها وتقاليدها وللمرأة فيها حضور مميز ودور فاعل.

    وبعد مسيرة نحو عشر سنوات، حيث بدأ التحضير لتأسيس هذا المهرجان منذ العام 2014، جمعنا حوار مع رئيس المهرجان السيناريست محمد عبدالخالق، قيم فيه “أسوان الدولي لأفلام المرأة” موضحا أهم طموحاته والتحديات التي يواجهها، إلى جانب الحديث عن حضور المرأة في السينما المصرية والعربية وتنوعه بين الماضي والحاضر.
    للسينما أهل في أسوان


    بالعودة إلى البدايات، طموحات البدايات وحماسها، ومدى نجاح المهرجان في تحقيق أهدافه التي وجد من أجلها، يقول السيناريست محمد عبدالخالق في حواره مع “العرب” إن “فكرة تأسيس مهرجان سينمائي دولي لأفلام المرأة، بدأنا فيها من عام 2014، واخترنا أسوان لأنها وفق المسافات هي أبعد محافظة عن العاصمة المصرية القاهرة (1000 كم)، هذا الاختيار كان جزءا من تصورنا لفكرة المهرجان، فموضوع المرأة في مصر ذو أهمية كبرى. مصر ككل المجتمعات العربية والشرقية عامة تعاني من أصولية كبيرة جدا في نظرتها للمرأة. ومصر دولة تعدادها السكاني نصفه نساء، وهي ثاني بلد في العالم يبدأ صناعة السينما تاريخيا، وفيه رائدات لصناعة السينما، حتى إن أول فيلم طويل كان نسويا وأول أفلام أنتجت كانت من إشراف نساء”.

    ويضيف “السينما في مصر، توجد فيها قيادة نسائية جيدة على مستوى الإنتاج كما أن نجمات السينما المصريات في الماضي تفوقن كثيرا على الرجال وخاصة في بدايات السينما، كل هذه العوامل دفعتنا منذ نحو عشر سنوات إلى التفكير في الاشتغال على سينما المرأة انطلاقا من أسوان، أبعد نقطة عن القاهرة يمكن أن يتجلى فيها التمييز المجتمعي الكبير ضد المرأة، ليكون التحدي حقيقيا. هذه النقطة كانت أكثر قربا من الفطرة البشرية وأقل تشوها من مناطق أخرى من مصر، فالمرأة في أسوان حاضرة في كل الحراك المجتمعي وتعتبر أكثر جرأة من نساء العاصمة”.



    ويوضح عبدالخالق “تطلب إطلاق الدورة الأولى منا وقتا طويلا، حوالي 3 سنوات من أجل إقناع الجهات الرسمية المشرفة. لوجستيا مثلا لم تكن أسوان تمتلك عوامل تشجع على استضافة مهرجانات سينمائية كبيرة ودولية، حتى فنادقها عددها قليل، لكن على مدار الدورات الثماني للمهرجان نضجت التجربة وأصبحت مجدية فعلا وأصبح هناك حديث عن سينما في أسوان”.

    والحديث عن السينما في المجتمع الأسواني، يقول رئيس المهرجان إنه يتجسد في شكلين: “فقد أصبح هناك دور عرض سينمائي في أسوان الآن، وبفضل الورشات التي ينظمها المهرجان بشكل دوري، أصبح هناك جيل من شباب أسوان يهتم بالسينما. يمكن القول إنه صار للسينما أهل، عاملون فيها، وليس فقط مشاهدون، وبعض هؤلاء الشباب أصبحوا مدربين ومنتجين للسينما”.

    أسوان، منطقة ذات خصوصية جغرافية وثقافية، وفكرة تأسيس مهرجان دولي لسينما المرأة في مجتمع محافظ، تعتبر قبل عقد من الزمن مغامرة خطيرة تحتاج إلى التفكير في كيفية تقبل المجتمع للفكرة وكيف يمكن أن ينجح المهرجان في التأسيس لثقافة سينمائية تهتم بالمرأة في المجتمع النسوي بالمنطقة.

    ويرى محمد عبدالخالق أن “أسوان مدينة تستحق، أعتبر أن أسوان هي مدينة المرأة، ولا أبالغ في ذلك، هي أولا مدينة الإلهة إيزيس (إلهة رئيسة في الديانة المصرية القديمة والتي انتشرت عبادتها في الحضارتين اليونانية والرومانية)، وإيزيس هي أم حورس وزوجة أزوريس، وهي أول امرأة سميت في التاريخ المصري القديم، لها صفات الآلهة لكنها في الحقيقة امرأة تزوجت وأنجبت وهي تمثل الثالوث المصري المهم في تاريخنا القديم. كل معابد أسوان هي معابد الإلهة إيزيس وربما ألقى ذلك ظلاله على المرأة الأسوانية وطبيعة شخصيتها، فهي امرأة تتسم بالقوة ولها حضورها القوي في الأسرة، امرأة محافظة مثل أغلب نساء مصر والمنطقة العربية لكنها تمتلك قوة الشخصية والجرأة في التعبير عن أفكارها ومواقفها، وهذا يجعلها مختلفة عن بقية النساء في محافظات أخرى. مثلا في الصعيد، المرأة شهرزادية الطابع”.

    ويكشف أن “مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة باهتمامه بالمرأة في أسوان جذب حوله نخبة من المجتمع حتى إن عددا كبيرا من النساء انخرطن في الدفاع عن حقوقهن منذ نشأة المهرجان، مع استقطابنا عددا من الفتيات محترفات السينما. ويسعدنا أن الكثير من الأفلام التي ينتجها المهرجان سنويا هي أفلام لمخرجات مازلن طالبات في الجامعة، وهي مشروعات لمخرجات واعدات وأفلام ذات خصوصية، تراعي التجربة الحياتية للمرأة في أسوان وفي مجتمع النوبة”.
    صناعة ظالمة للنساء


    السينما صناعة فنية شديدة التعقيد وأعباؤها جبارة ولا تسمح بسهولة بمنح المرأة المكانة المناسبة

    يعرف مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بأنه مهرجان سينمائي مصري مختص بالأفلام المتعلقة بقضايا المرأة، ويعد بمثابة حوار سينمائي بين المبدعين بمختلف قارات العالم، بهدف إبراز دور المرأة في المجتمع، وتسليط الضوء على أهم القضايا والتحديات التي تواجهها.

    وتحمل جوائز المهرجان أسماء فنانات مصريات تكريسا لهدف المهرجان بتسليط الضوء على المرأة ودورها في الفن. وتحمل جائزة “أفضل ممثلة” اسم الراحلة سعاد حسني و”أفضل ممثل” اسم نادية لطفي و”أفضل سيناريو” اسم لطيفة الزيات و”أفضل إخراج” اسم بهيجة حافظ.

    ويقام المهرجان بدعم من وزارتي الثقافة والسياحة وبالتعاون مع المجلس القومي للمرأة. ويعد أول مهرجان دولي للأفلام النسائية في مصر، وأول مهرجان دولي للأفلام يقام في جنوب مصر، وأول مهرجان سينمائي مصري متخصص في ورش عمل الشباب بمحافظة أسوان.

    ودأب المهرجان على اختيار مواضيع تهتم بالمرأة في تصميم معلقات (أفيش/ بوستر) دوراته، وهذا العام جاء بوستر الدورة الثامنة بتوقيع هشام علي الذي استوحى المعلقة من المرأة والشمعة، معلقا على ذلك بأن “المرأة شمعة تحترق… تجعل المحال ممكنا”.

    وفي توضيحه لهذا الاختيار، يقول رئيس المهرجان لـ”العرب” إن “المرأة مثل فتيل الشمعة، تحترق لتنير وتشع دفئا ونورا. القيمة من وراء اللوحة المبهرة التي اخترناها لتصميم معلقة الدورة، هي أن المرأة تحترق لتتجدد، وهي لوحة مبهجة وليست حزينة وهذا يتماش كثيرا مع واقع المرأة في السينما المصرية”.

    ويضرب عبدالخالق مثلا الممثلة “نبيلة عبيد، وهي ممثلة مصرية صاحبة مشوار طويل، وأفلامها تصنف ضمن أهم أفلام المرأة في السينما المصرية، والتي كانت مكرمة في الدورة السابعة للمهرجان وقالت إنها ظلمت في الكثير من الأشياء وفي مراحل مختلفة من حياتها. فقد ظلمها المجتمع بأنه كان يرفض أن تكون نجمته المفضلة امرأة تعيش حياة طبيعية، فحرمها من أن تعيش حياة طبيعية، في حين كانت نبيلة عبيد الإنسانة تعمل ‘خادمة’ لدى نبيلة عبيد الفنانة (على حد قولها) وهو ما حرمها من أشياء كثيرة في حياتها”.

    نسعى لإحداث صندوق لدعم المخرجات والمخرجين في منطقة جنوب الوادي مما يعزز المشهد السينمائي المصري

    الممثلة المصرية نبيلة عبيد كانت ضمن قائمة المكرمات في الدورة السابعة من المهرجان إلى جانب المخرجتين التونسية سلمى بكار والهولندية ميكا دي يونغ، والممثلة الإسبانية كوكا إسكريبانو والإعلامية المصرية درية شرف الدين.

    وبحديثه عن الظلم الكبير الذي تعيشه المرأة العاملة في صناعة السينما وتحديدا إن كانت ممثلة نجمة، يؤكد عبدالخالق أن “المرأة اليوم لم تعد تتصدر المشهد في السينما المصرية ونحن نسعى لتغيير ذلك. الفنانة المرأة لم تعد هي ‘أفيش’ الفيلم السينمائي كما كانت طوال تاريخها. مثلا ليلى مراد كانت أغلى الممثلات أجرا في مصر، والجيل الذي برزت فيه نبيلة عبيد ونادية الجندي وغيرهما كانت المرأة نجمة شباك تنافس أشهر النجوم الشباب آنذاك. هؤلاء يمكن اعتبارهن الجيل الأخير للنجمات المنافسات للرجال، من جئن بعدهن لم يفرضن منافسة قوية بل كن يتشاركن البطولة، وهذا لم يحصل ليس بسبب تراجع موهبة النساء بل نتيجة متغيرات كثيرة قللت من المساحة التي تحظى بها الممثلة البطلة في الفيلم”.

    ويشدد السيناريست المصري على أن “تراجع مساحة المرأة في الفيلم المصري هو نتيجة أسباب أصولية ونظرة باترياركية قديمة حكمت المجتمع المصري منذ ثمانينات القرن الماضي. لكن هذا الأمر بدأ يتغير الآن مع تغير ملامح المجتمع. ورغم ذلك تظل النساء الناجحات على مستوى الإخراج أو المنخرطات في الصناعة عامة، أقل بكثير من الرجال رغم أنهن يثبتن موهبة كبيرة ومهمة”.

    ويضيف “السينما المصرية هي سينما نسوية، ونحن منذ الدورة الأولى لمهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة عرضنا فيلم ‘ليلى بنت الصحراء’ للفنانة المصرية بهيجة حافظ الذي أنتجته سنة 1939، وكان حينها حدثا تاريخيا في الأوساط السينمائية، وعرض في الدورة الأولى لمهرجان فينيسيا وتصور معها موسولوني وقال لها حينها كنت أتمنى لو تكون لدينا مخرجة مثلك”.

    نطمح إلى وجود أكبر للنساء ضمن صناعة السينما، نريد لها دورا أكبر في الكتابة والإخراج والتصوير والإنتاج

    ويتابع “فيلم بهيجة حافظ ليس أقدم فيلم مصري أنتجته امرأة إنما هو الفيلم الذي تمكنا من الحصول عليه آنذاك”.

    ويضيف “المرأة بكل أدوارها في المجتمع، تمتلك حضورا قويا وقديما، لقد حكمت مصر في الدولة الوسطى ملكات فرعونيات وتظل شخصية المرأة حاضرة بقوة، مهرجان أسوان حين ينتصر للمرأة هو ينتصر لها صحبة مجتمع بأكمله”.

    ومن ينظر إلى مسار السينما المصرية خلال العقود الماضي، بعين الناقد والملاحظ من السهل أن يدرك أنه إلى جانب تراجع مساحة أدوار المرأة فإن المرأة تعاني من صور نمطية في تناول القضايا المتعلقة بها.

    عن ذلك يقول عبدالخالق “في الإنتاج السينمائي المصري، للأسف الاهتمام بصورة المرأة لا يزال يصاب بالهزال، فمكانة المرأة واقعة بين سينما تجارية توظف المرأة كوسيلة للإغراء وجذب الجمهور وتوظيف الموقف الرجولي ضد المرأة وهو خرق كبير منتشر حتى في السينمات العربية الأخرى، مثل السينما التونسية والمغربية والسودانية وغيرها. صورة المرأة في السينما العربية هي إما استهلاكية، أو هي صورة عكسية بمعنى المرأة الطاغية والمتكبرة، أو المرأة الضعيفة التي تكرس لفكرة الضعف لدى النساء. في المقابل فإن الصورة المعتدلة للمرأة الطبيعية نادرة في السينما المصرية والعربية”.

    ويشدد السيناريست المصري على أن “السينما صناعة فنية شديدة التعقيد وأعباءها جبارة ولا تسمح بسهولة بمنح المرأة المكانة المناسبة، المفروض أن تحقق صناعة السينما المساواة لكنها لا تفعل ذلك. المرأة من السهل عليها الوقوف أمام أفران الصلب، من الانخراط في العمل السينمائي”.

    ويؤكد “من يريد إعادة السينما المصرية إلى مكانتها الرائدة عليه إعادة المرأة إلى مكانتها الرائدة صناعة، ودورا، وصورة”.
    تحديات من نوع خاص



    شابات أسوان خلال تقديمهن أحد الأعمال ضمن ورشات المهرجان


    بالنظر إلى التطورات الحاصلة في الفن السابع، والتي يمثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا أكبرها واللذان يمثلان بدورهما نوعا من التحديات الكبرى التي تهدد العاملين في الفن السابع عبر العالم، يقول رئيس مهرجان أسوان لأفلام المرأة إن “التكنولوجيا، وتحديدا المنصات الرقمية، أصبحت بالفعل تؤثر على مشاهدة الأفلام في صالات السينما، رغم أن مشاهدة فيلم في صالة عرض تظل حالة خاصة وممتعة.. هذه حرب قاسية تشن على صناعة الأفلام لكنها لن تؤدي بها إلى انهيار بل ستفرض تغييرا في ‘الفورمات’ وهو ما بدأ يحصل فعليا، حيث تم استبدال تقنيين ببرامج الذكاء الاصطناعي لكن لن نصل إلى الحديث عن الاستغناء عن الفيلم نفسه واللجوء إلى الذكاء الاصطناعي مثلا”.

    ويعتقد عبدالخالق أن “استمرار دور العرض بالشكل الحالي سيتلاشى وستختلف التركيبة البنيوية لدور العرض في الوقت الحالي”.

    أما عن مدى تمكن المهرجان من إحداث تغيير في ثقافة أهالي أسوان وطموحاته للدورات القادمة، فيقول محمد عبدالخالق لـ”العرب”، “من الصعب أن نحدث تغييرا ثقافيا في أقدم المجتمعات الإنسانية، والمجتمع في أسوان هو خليط بين النوبيين والأسوان وهم ناس من أقدم سكان واد النيل، لديهم خليط من الحضارة من الصعب تغييره لكن بإمكاننا مساعدتهم على تبني سياسات ثقافية تخدمهم وهذا ما حصل فعلا”.

    ويختم “نطمح إلى مساحة أكبر للمرأة في السينما المصرية، وبوجود أكبر للنساء ضمن صناعة السينما، نريد لها دورا أكبر في الكتابة والإخراج والتصوير والإنتاج. وبأن تكون لنا أفلام أكثر، وأفلام مؤثرة. كان لنا فيلم شارك في مهرجان قرطاج السينمائي منذ ثلاث سنوات لبنت من بنات ورشات أسوان. كما أنتجنا أفلاما قصيرة عن المجتمعات النوبية ولدينا أمل في أن تنجح ورشاتنا في إنتاج فيلم طويل عن المجتمع النوبي ولغته. من ناحية أخرى نسعى لإحداث صندوق لدعم المخرجات والمخرجين في منطقة جنوب الوادي مما يعزز المشهد السينمائي المصري والعربي”.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    حنان مبروك
    صحافية تونسية
يعمل...
X