لفنّانة جيهان: الشجرة بفصولها تمثّلني في كلّ الحالات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لفنّانة جيهان: الشجرة بفصولها تمثّلني في كلّ الحالات


    تجربةٌ غرافيكيّة تنطلقُ من الطبيعة… الفنّانة جيهان: الشجرة بفصولها تمثّلني في كلّ الحالات

    تاريخ النشر: الإثنين, 30-10-2023
    تشرين- لمى بدران:
    الشجرة واحدة، لكن الفصول أربعة، والفنانة التشكيلية جيهان حجة هي امرأة واحدة بفصولٍ أربعة أيضاً، لأنها عاشت عاماً كاملاً ترسم لوحاتها الـ(٢٣ ) التي احتفت بها جدران مركز الفنون البصرية بدمشق، في معرضها الأول الذي جاء متأثراً بمناخات وتفاصيل وخصوصية كل فصل، لتسقط تأثيراته عليها كأنثى وأم وفنانة من خلال رسم الشجرة كعنصرٍ كروي يصعب تكوينه في فن الغرافيك.. بمعنى صحيح لن يجد المتلقي تشخيصاً لإنسان في لوحة الحجة، لكن سنجد ملامحه في محاولة الشغل على «أنسنة» الشجرة.. فكان اختيار الألوان غير المقتصرة على الأبيض والأسود فقط، كما هو متعارف عليه في فن الحفر والطباعة، بل حلّلت اللونين واستخدمت أطيافهما لتتوسع إلى الأزرق والأخضر والفيروزي وما بينهم.
    توجّهت «تشرين» أثناء افتتاح المعرض إلى رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية الفنان التشكيلي غياث الأخرس الذي كان متابعاً للأعمال منذ بدايتها.. وأكّد لنا أنها كانت تحت نقاشات وحوارات مستمرة، تطوّرت حتى وصلت إلى ما نشاهده اليوم كمعرض من أوائل المعارض المهنية، إن لم يكن الأول بكل معنى الكلمة فيما يخص الغرافيك، أي العمل على الشبكة الحريرية.. يعتقد الأخرس – الذي هو من جيل الصف الأول من الحفارين في سورية- أن رسمْ الفنانة لعنصر الشجرة ذاته بأشكالٍ متعددة، إذ لا توجد في لوحاتها شجرة تشبه الأخرى؛ يجسد المقدرة على التخيل، وعلى الحرية أيضاً عندها، وهذه نقطة مهمة، لأن بعض الفنانين قد يصعب عليهم تخيل الموضوعات المتعددة لعنصرٍ واحد، وهذا بدوره يدل على أن طريقة عملها سليمة، وفي رأيه أن الفنانة جيهان كانت واضحة في العمل بينها وبين ونفسها وتعي ما تفعل، وعن جانب الكثافة الملحوظة في بعض اللوحات ذكر لنا أن الموضوع يتطلب هذا النوع من الكثافة، كما وجّه في هذه المناسبة رسالة جريئة إلى أصحاب الفكر والمهن المختلفة بألا يكونوا أنانيين وخائفين على من قد يحل محلّهم، فالمعرفة ستموت معهم، لو لم ينقلوها إلى شباب اليوم، وتابع مخاطباً شباب اليوم المهتمين بالغرافيك تحديداً بأن يتحدوا مع ذواتهم، ويرموا أي لوحة فيها عيب صغير أو خطأ من دون الالتفات للخسائر.. فالحفر يحتاج إلى صبر وهدوء وخيال لتجنب الأخطاء في العمل.

    لقد تولّدت الفكرة عند الفنانة جيهان انطلاقاً من محبتها للشجرة التي تمثّلها.. فهي معطاء ومثمرة وجميلة بكل دلالاتها ومعانيها التي تشبه الأنثى والأم والوطن رغم أنها تُرسم ككرة بحلول تشكيلية صعبة، وتشكّل صدمة ضمن الفراغ بمعنى أنها أصعب حل للفراغ، وذَكرت لـ(تشرين) أنها رسمت الشجرة برمزيتها العميقة التي تمثّل المرأة بخريفها وربيعها وصيفها وشتائها بدلالات لونيّة وتعبيرية لا تقتصر على الأبيض والأسود فقط، بل دخلت عالم الرماديات الذي تؤكّد من خلاله على الخط، ولتحفّز المشاهد على أن يسرح بخياله.. ففي رأيها العمل المقروء ليست له قيمة، ونفت الفنانة وجود أي حس زخرفي في أعمالها، وتعتقد أن أي شيء قد يوحي بالزخرفة في أي لوحة عندها هو تكنيك خطوط، وأوضحت أنها في بعض الأعمال قامت بطباعة يدها لكون البصمة هي خطوط يمكن أن تعطيها الخصوصية والحركة الدينامكية للوصول إلى التكوين المستقر والثابت والقوي.. وفي الوقت نفسه خلق الحياة والحركة فيه من خلال بصمتها الخاصة، أي إنها جمعت بين الثبات والاستقرار في اللوحة من جهة وبين الحركة والحياة من جهة أخرى، إضافة إلى قيمة اللون، وهذا أعطى روحاً للعمل في رأيها.
    وحرصت الحجة – كما تضيف لـ« تشرين» على تقديم أعمالها بطريقة بسيطة ومعاصرة، فيها حداثة وخصوصية في الطرح الغرافيكي، وسوّغت الزخم الموجود في بعض اللوحات بمقولة: «أنا والخط في نزهة.. أَنطَلق من داخلي إلى عالم ما وراء الطبيعة بحلمي، وهي تستحضر العقل والمنطق بخطواتها الأولى ثم تسرح بخيالها، وليست ممن يرسمون بين أحضان الطبيعة.. بل إنها تتأمل، وتأخذ مخزوناً بصرياً منها ثم تعود إلى المنزل وترسم.. وهذه ربما ميّزة تختلف فيها عن غيرها من الرسامين، وفي نهاية حديثها لنا أجابت عن تساؤلاتنا بشأن الابتعاد عن التشخيص في لوحاتها وعدم وجود ملامح واضحة سوى عنصر الشجرة؛ بأنها تعتقد أنه من البلاغة في التعبير أن تكون مفردات الفنان قليلة، فالعمل الذي يحتوي على عنصر واحد وتستطيعين أن تحلّي فراغه، ليس بالأمر السهل، والعمل المقروء ليست له قيمة، لأنه لن يحفّز خيال المتلقي الإبداعي.

    زميلنا الناقد التشكيلي علي الراعي الذي كان حاضراً في افتتاح المعرض، وبعد جولته وتأمله اللوحات، أجابنا عن رأيه وتقييمه للأعمال بأنه من المُلاحظ والواضح أن هنالك تكراراً لعدّة معطيات، أبرزها ما يوحي بمناخات الشجرة وإسقاطاتها الميثولوجية من عطاء وخصوبة وجمال، والفنانة ابتعدت عن التشخيص نهائياً، واختارت ما يشبه الزخرفة المدروسة تماماً، فنوّعت على عنصر الشجرة، وحاولت أن تؤنسنها قليلاً عبر بعض الوجوه الضبابية جدّاً، وفي رأيه أن المعرض يأخذ بشكل عام جانباً يشبه الزخرفة أو على الأقل في مناخاتها ضمن فن وتقنيات الغرافيك باتجاهاته المختلفة، وأن أي عمل إبداعي يُقرَأ من خلال المضمون والشكل، ويرى أن جيهان ابتعدت قليلاً عن المضامين باتجاه مصلحة الشكل أو المتعة البصرية، وهذا من شواغل اللوحة التشكيلية.. ومن هنا برزت الحالة التزيينية أكثر من أي شيءٍ آخر، في تلك اللوحات المزدحمة بالخطوط.. وهناك قوة في الخط على حساب اللون من الممكن أن يكون مسوّغاً هنا بسبب تقنية الحفر التي ربما يكون الخط واضحاً فيها، وربما هنا وظفته الفنانة مهمة المضامين البحثية في موضوعة الشجرة التي نوعت عليها في لوحات المعرض..
    وتابع الراعي لـ(تشرين) أن اللوحة – كما درجت عادة التلقي- تُقرَأ أيضاً من حيث اللون والخط والتكوين، وما نشاهده في هذه اللوحات أن الخط هو سيّد اللوحة بشكلٍ واضح، وأعتقد أن هذا يعود إلى نزعة الفنانة نحو الخطيّة، وليس الحروفيّة، وربما احتياجها أيضاً كنوع من التظليل والامتلاء باللوحة، وبذكر الامتلاء أعتقد أيضاً أنه كانت لديها خشية من الفراغ، لذلك ذهبت نحو الامتلاء أو الازدحام باللوحة، وربما هنا تكمن لعبتها الفنية وغوايتها اللونية.
    أُشير ختاماً إلى أن الفنانة جيهان حجة خريجة كلية الفنون الجميلة، ودكتورة مدرّسة فيها، وجميع معارضها السابقة هي معارض مشتركة، وهذا المعرض الفردي الأول.
يعمل...
X