"اترك العالم خلفك".. فيلم يدق جرس الإنذار عن مستقبل العالم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "اترك العالم خلفك".. فيلم يدق جرس الإنذار عن مستقبل العالم

    "اترك العالم خلفك".. فيلم يدق جرس الإنذار عن مستقبل العالم


    حين تبدأ الأحداث بالاحتدام والعالم يقترب من الفناء تنهار القيم وتتغير النفوس.
    الأحد 2024/01/07

    خلال الأزمات تنكشف حقيقة العلاقات الإنسانية

    يبقى البشر نياما عن الحقائق وغارقين في صراعات ساذجة أحيانا، ومنخرطين في الحياة اليومية بكل زخمها وتفاصيلها دون أن يتوقفوا لحظة لفهم وجودهم. ومهما تعبوا فإنهم مستمرون ورؤوسهم إلى أسفل، إلى أن تأتي لحظات النهاية، حينها ينتبه الكثيرون إلى ما أغفلوه من حياة، وهذا ما تلعب على استعادته الأعمال الفنية التي تتحدث عن نهاية العالم والكوارث وخطر الفناء.

    فيلم “اترك العالم خلفك” مقتبس من رواية الكاتب الأميركي ذي الأصول البنغالية رومان علم تحمل نفس الاسم والأكثر مبيعا لعام 2020، وصلت الرواية إلى نهائيات “جائزة الكتاب الوطني”، وحصلت على مرتبة الشرف، وأدرجت ضمن قائمة أفضل 20 رواية للعام 2020. وصدرت حديثًا الترجمة العربية للرواية بترجمة سها السباعي.

    “اترك العالم خلفك” هو العنوان المثالي لكتاب يبدأ بوعد المدينة الفاضلة، ثم يرتحل بعيدا عن هذا الحلم إلى حيث يُمكن أن تأخذنا أسوأ مخاوفنا، إنه واحد من أندر الكتب، إثارة حقيقية وتلخيص عبقري لزمننا القلق، وعمل ذو جدارة أدبية عالية، الفيلم بطولة الممثل الحائز على جائزة الأوسكار ماهر شالا علي والممثلة الشهيرة جوليا روبرتس ومن إخراج المصري الأصل سام إسماعيل.
    أحداث غريبة



    الفيلم انتقاد قوي للمجتمع الأميركي والمراهقين ولمجتمع استهلاكي والجيل الجديد متبلد المشاعر والأناني المنفصل عن الواقع


    شارك في إنتاج الفيلم الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وزوجته ميشيل، ويُعتبر أول إنتاج درامي لشركة عائلة أوباما الإنتاجية، بعدما ركزت في إنتاجاتها السابقة على برامج الأطفال والأفلام الوثائقية والدراما التاريخية. الفيلم يتحدث عن كارثة جديدة من كوارث نهاية العالم وعلى غرار أفلام “لا تنظر إلى الأعلى” و”الضوضاء البيضاء” و”صندوق الطيور”. وشارك في كتابة السيناريو رومان علم والمخرج وسام إسماعيل.

    يحكي الفيلم قصة زوجين ثريين من بروكلين يعانيان من الروتين في حياتهما، لقد سئما من التفاعل مع الناس حتى صارت الزوجة تكره الناس. تريد الزوجة أماندا ساندفورد أن تترك العالم خلفها وترتاح من نفاق الناس والمجاملات والضوضاء، خصوصاً أنها تشعر بالاشمئزاز من كونها تقنع الناس بشراء أي منتج حتى ولو لم يكن صالحا، بمعنى آخر تبيعهم الوهم فيصدقونها، بالإضافة إلى الضغط الشديد في العمل.

    تبدأ القصة في شقة في بروكلين، حيث توقظ المديرة التنفيذية لشركة إعلانات كبيرة في نيوجرسي أماندا ساندفورد (جوليا روبرتس) زوجها الأستاذ الجامعي كلاي (إيثان هوك) والطفلين المراهقين -روز (فرح ماكنزي) المهووسة بالمسلسل التلفزيوني “الأصدقاء” وأرشي (تشارلي إيفانز)- وتخبرهم بمفاجأة بعد أن جهزت حقائب السفر، لقد استأجرت عن طريق الإنترنت فيلا فاخرة في جزيرة لونغ آيلاند لعطلة نهاية الأسبوع.

    وعند الوصول إلى الفيلا التي تنال إعجابهم يخرج الولدان أرتشي وروز للسباحة، بينما يتولى الزوج كلاي تجهيز المائدة وتتوجه أماندا إلى أقرب سوبرماركت لتشتري ما سيحتاجونه خلال إقامتهم القصيرة، وعند خروجها يلفت انتباهها رجل كبير في السن ملتحٍ يملأ شاحنته الصغيرة بعشرات الصناديق من المياه والمعلبات وكل ما تحتاجه العائلة عادة إنما لأشهر بل ربما لسنوات. تستغرب الأمر لكنها لا تهتم كثيرا وتتابع عائدة إلى المنزل.

    بدأت العطلة بداية جميلة على الرغم من حدوث بعض الأحداث الغريبة، بعد وصولهم بوقت قصير تبدأ بعض الحوادث المزعجة في الحدوث. عند ذهاب الأسرة إلى الشاطئ للاستجمام تقع أول حادثة غريبة، ناقلة نفط اسمها “وايت لايون” تقترب من الشاطئ بشكل مخيف ويهرب الجميع ولا تتوقف السفينة إلا بعد دخولها في عمق الشاطئ وسط الرمال. يعودون إلى البيت دون أن يتمكنوا من فهم ما حصل. مازالت شبكة الإنترنت غائبة، ولاحقاً انقطعت الكهرباء وتعطلت كل وسائل الاتصال والتواصل، حتى التلفزيون لم يعد يلتقط أية إشارة.

    المخرج يحاول في فيلمه أن يغلف السيناريو كله بغطاء من الغموض الذي يسمح ببعض التفاصيل غير الطبيعية

    لكن ليلتهم الأولى في عطلة لونغ آيلاند تتخذ منعطفا غريبا عند وصول رجل يرتدي بدلة سهرة وربطة عنق سوداء يعرف باسمه جورج (ماهر شالا علي) يدعي أنه صاحب المنزل المؤجر وابنته روث (ميهالا هيرولد)، ويطلبان السماح لهما بالمبيت. قد قادا على طول الطريق إلى الفيلا بعد أن غرقت المدينة في الظلام، ويطلب الرجل قضاء الليلة في الطابق السفلي.

    يخبرهم صاحب الفيلا بأن مدينة نيويورك غارقة في الظلام وبسبب انقطاع التيار الكهربائي في المدينة لم يستطع استخدام المصعد للوصول إلى شقته الشاهقة، لذلك لم يكن لديه خيار سوى اللجوء إلى منزل عطلته. إنه طلب غريب وغير تقليدي، ونال قبول الزوج كلاي على العكس من الزوجة أماندا التي استغربت الطلب، وراحت تسأل جورج بعض الأسئلة العنصرية المفروضة قبل الموافقة على مضض على السماح لهما بالمبيت في الدار.

    في البداية الزوجة أماندا تشك في الأمر وتطلب منه الهوية، لكنه يقول إنه “ترك هويته ومحفظته وراءه”. في البداية يسعد الزوج كلاي بزائر الليل الذي يطلب منهم السماح لهما بالدخول والمبيت ليلة واحدة في السرداب مقابل دفع نصف مبلغ الإيجار، ولكن أماندا كانت قلقة وحذرة من الأشخاص الملونين إلى درجة أنها لم تصدق أنه مالك العقار الفخم فقط لأن الرجل ليس أبيض. تظهر عنصرية أماندا المحجوبة في البداية ويرجع ذلك جزئيا إلى غريزتها لحماية أطفالها وقلقها بشأن الظلمة والتعتيم وانقطاعهم عن العالم الخارجي.

    في اليوم التالي عندما يستيقظون يكتشفون أن التيار الكهربائي مازال مقطوعا وكذلك خدمة الإنترنت والهاتف الخلوي، ومن الصعب الحصول على تحديثات حول الأحداث الغريبة التي تحدث في كل منعطف. تظهر على الشاشة رسالة خاطفة وسريعة تقول “هذه حالة طارئة” وهناك حالة طوارئ في عموم الولايات المتحدة، لا أحد يفهم ما الذي يحصل، لكن جورج لديه رواية أخرى ومعلومات من صديق ذي منصب مرموق في وزارة الدفاع، كان قد فهم منه أن شيئا خطيرا سوف يحدث، ويذكرهم بالفايروس الذي سبب توقف الإنترنت والمنظومات الإلكترونية قبل سنوات والذي عرف باسم “فايروس الحب”.

    تدرك العائلات حينها أن التعتيم قد يكون تهديدا خارجيا أكبر مما كانت تعتقد في الأصل. توقفت خدمة الواي فاي وخدمة الهاتف وانقطع التيار الكهربائي، مما أثار استياء روزي الشابة المهووسة بمتابعة مسلسل “الأصدقاء”، والتي كانت على وشك مشاهدة خاتمة المسلسل وتموت لمعرفة النهاية. يكشف الضيف جورج المشكلة الناجمة على ما يبدو عن هجوم إلكتروني ما سبب كل هذه الفوضى بما في ذلك حوادث الطائرات.
    نهاية متسائلة



    يقدم الفيلم في نهاية المطاف بعض القراءات لتفسير ما يحدث، خاصة بعد المواجهة مع شخصية الممثل الأميركي كيفن بيكون الذي يظهر كشخصٍ مهووسٍ بنظرية المؤامرة، ويحذرهم من الكارثة التي ستدمر البشرية.

    يتحدث مخرج العمل الأميركي من أصول مصرية سام إسماعيل عن فيلمه قائلا “بعد تفشي جائحة كورونا، ظهرت الكثير من الأحداث والكوارث مثل تغير المناخ، وموجة الحر التي شهدناها خلال الصيف، فإن هذا هو المجهول والخوف منه وهو ما نحاول تصويره في هذا الفيلم”.

    وفي أحد المشاهد التي تظهر خروج السيارات ذاتية القيادة “تسلا” الكهربائية عن السيطرة بعد انفصال الأقمار الصناعية المشغلة لخدمة الإنترنت عنها، ينتهي بها الأمر إلى اصطدامات عنيفة، ما يتسبب في تكدس هائل للسيارات على الطريق ما يؤدي إلى غلقه ويثير الرعب للزوجين أماندا وكلاي في محاولتهما الفرار من الجزيرة.

    وقد هاجم الملياردير الأميركي إيلون ماسك مالك شركة “تسلا” الفيلم وهذا المشهد بالتحديد عبر ما نشره على موقع إكس الذي يملكه، ووصفه بـ”عدم دقة الحبكة”.

    ويحاول المخرج أن يغلف السيناريو كله بغطاء من الغموض الذي يسمح ببعض التفاصيل غير الطبيعية، مثل قطيع من الغزلان التي تتجمع في الغابة خلف المنزل وتحدق في البشر بشكل ينطوي على تهديدات، والطفلة روز ترى الغزلان متجمعة حول الفيلا وتحاول اللحاق بها، تخبر شقيقها الذي يتجول معها في تلك الغابة فتلسعه حشرة في ساقه. أصوات تصم الأذن، طائرات درون توزع منشورات مكتوبة بالعربية عنوانها “الموت لأميركا”.

    ينتهي الفيلم بعثور روز على مخبأ الجار، والأهم من ذلك قرص فيديو رقمي يحتوي على الموسم الأخير من “الأصدقاء”، بينما تضع خاتمة المسلسل، نسمع أغنية رامبرانت “سأكون هناك من أجلك”، على خاتمة الفيلم. يقول الكاتب رومان علم الذي استند الفيلم على روايته “الشيء الأساسي الذي يجب النظر إليه… هو أن الكتاب ينتهي بعلامة استفهام”.
    الخطر العربي



    الأميركيون يؤمنون بنظرية المؤامرة والغرائب


    فيلم الإثارة والخيال للكاتب والمنتج والمخرج سام إسماعيل “اترك العالم خلفك” يتضمن تعليقا حادا ودقيقا حول نظريات المؤامرة، التي قد لا تكون نظريات أو انقسامات عرقية خفية وغير خفية، وربما هو كشف لحقيقة الجيل الجديد واعتماده شبه الكامل على التكنولوجيا والسوشيال ميديا وبالتالي أصبح أسيراً لهما.

    يستعرض المخرج الحكاية في خمسة أجزاء كل منها مشار إليه بعنوان يظهر على الشاشة: الجزء الأول: البيت، الثاني: المنحنى، الثالث: الضجيج، الرابع: الطوفان، والخامس: النهاية. وتلك العناوين تشير إلى الأحداث في كل جزء، والرسالة الأهم التي نصل إليها مع ظهور داني مرة أخرى، هي نظرة الأميركي إلى العالم، وكون الفيلم من إنتاج أميركي لباراك أوباما وزوجته فهذا وحده يثير الريبة والاستفهام؟

    لا عجب من رئيس زرع الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في البلدان العربية، وخلق الفوضى والخراب فيها، أن يلمّح في فيلمه إلى أن التهديد المباشر لأميركا والعالم قادم من المنطقة العربية، ويشحن الرأي العام ضدها عند ترويج تلك النظرية، رغم أن الرجل الأميركي المتمثل في شخصية الممثل كيفن بيكون الذي يرفع علم أميركا على شرفته يعلن عن حقيقة “لدينا أعداء كثر حول العالم ربما اتحدوا ضدنا” لكن المخرج المصري الأصل وبضغط من شركة أوباما يشير من خلال المنشورات التي تقذفها الطائرات والمكتوبة باللغة العربية (الموت لأميركا) إلى مصدر الخطر.

    الإشارة العربية لها أكثر من دلالة في جعل الرأي العام الأميركي يتقبل تلك الخديعة في أن الخطر قادم من الشرق الأوسط. وكان الرئيس الأسبق باراك أوباما قد وضع رواية الكاتب رومان علم ضمن قائمة القراءة الصيفية لعام 2021، قبل أن يقرر تحويلها إلى فيلم سينمائي. وفي هذا الشأن، قال مخرج الفيلم سام إسماعيل، إن أوباما قدم ملاحظات على السيناريو، مشيرا إلى أن تلك الملاحظات أخافته بشدة. ولكنه كان قادرا على إقناعه بكيفية تطور الأمور في الواقع.

    حاول صناع الفيلم التطرق إلى قضايا العنصرية والتمييز، لكنها لا تطرح بشكل مباشر، وإن بدت واضحة في الصورة، فالأسرة بيضاء والضيوف من االملونين، والمرأة التي استغاثت بالأب كلاي “ملونة” تتحدث الإسبانية، كما تنفصل الأسرة عن بعضها، ينفصل الأب الضيف جورج (ماهرشالا علي) عن ابنته روث (ميهالا)، فهو رجل هادئ مسالم، أقرب إلى شخصية إصلاحية (تماثل شخصية باراك أوباما حين اقترب من سدة الحكم في البيت الأبيض)، بينما تملك الابنة شخصية ثائرة على كل ما يحيط بها، وترغب في طرد المستأجرين وإعادة أموالهم التي دفعوها، يثبت الضيف جورج (الملون) أنه شخص جيد، حين يصاب الابن (آرشي) وتتساقط أسنانه نتيجة الأصوات الحادة التي تنطلق بين الحين والآخر، يسعى مع الأب (كلاي) إلى البحث عن علاج لدى الجيران، لكن الجار يتحول إلى شخص عدواني تماما ويهدد الجميع بالقتل إن لم يبتعدوا.
    نظرة سوداوية



    معظم أحداث الفيلم تدور داخل المنزل الفاخر الذي ستتحول الحياة فيه إلى كابوس. في لحظة تنقلب كل مشاهد الراحة إلى توجس وخوف. خلال الأزمات تتكشف حقيقة العلاقات الإنسانية بين البشر وينكشف الناس على حقيقتهم. مجموعة تتعاون وتمد يد العون إلى الآخرين من أجل تجاوز المحنة، وأفراد تملؤهم الأنانية وتنعدم فيهم الروح الإنسانية، ولا يفكرون إلا في خلاصهم ونجاتهم وحدهم وليذهب الآخرون إلى الجحيم. لا شيء يجمع بينهم، لا كارثة ولا خوف ولا محبة.

    هذا النفور والتناقض موجودان داخل أفراد العائلة، الأم مشغولة بشكها وقلقها دون أن تثق أو ترحم. الأب أو الزوج أكثر إيجابية لكنه لا يتفق مع آراء زوجته. الابن يعيش في عالمه الخاص الفارغ التافه، والابنة لها عالمها البعيد كل البعد عن عالم عائلتها ولكنها تستطيع أن تستشعر الخطأ والخوف قبل غيرها. وكأن هذه الطفلة أكثر إلهاما وأكثر يقظة من غيرها. حتى المصيبة لا تكون حافزا للجمع والتوحد والرحمة بين البشر.

    حين تبدأ الأحداث بالاحتدام والعالم يقترب من الفناء، تنهار القيم وتبدأ النفوس بالتغير رغم ما يجمعها من مصير واحد يبدو أقرب إلى الفناء، وبالتحديد حين يأتي صاحب البيت المؤجر مع ابنته ليشاركهم المبيت، لأن الرحلة إلى المدينة مستحيلة بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وتبدأ أحداث الانهيار تظهر: تعطل في الإنترنت وقنوات التلفزيون وخطوط الهواتف، الطرقات تعج بالسيارات المتصادمة، حركة الطيران تنهار وتسقط الطائرات، حتى الحيوانات تبدأ بالهجرة. يبدأ العالم من حولهم بالانهيار وكل شخص يظهر على حقيقته.

    في الختام الفيلم انتقاد قوي للمجتمع الأميركي والمراهقين، وكذلك نقد لمجتمع استهلاكي ونشوء جيل متبلد المشاعر وأناني منفصل عن الواقع. السوشيال ميديا والمسلسلات والفاست فود هي حياته. فيلم يدق جرس الإنذار لمستقبل العالم. عالم متصدع يعمه غياب الحب والأنانية واللهاث خلف التكنولوجيا، وتتحكم فئة معينة في مصير هذا العالم وهي قادرة على السيطرة عليه وتقويضه ساعة تشاء. إنه نظرة سوداوية إلى العالم.


    علي المسعود
    كاتب عراقي


يعمل...
X