القانون العام والقانون الخاص
تعريف القانون العام والقانون الخاص
يختلف القانون العام عن القانون الخاص من حيث نوع العلاقات التي يحكمها كل منهما: فالقانون العام droit public ـ public law ينظم العلاقات التي تكون الدولة بصفتها صاحبة السلطان والسيادة، طرفاً فيها. فهو ينظم كيان الدولة وأجهزة الحكم فيها، وعلاقات هذه الدولة مع غيرها من الدول ومع الأفراد.
أما القانون الخاص droit privé ـ private law فينظم العلاقات التي لاتكون الدولة بصفتها السيادية طرفاً فيها. فهو ينظم علاقات الأفراد فيما بينهم، أو ينظم أحياناً علاقاتهم مع الدولة، حيث ترضى الدولة أن تتخلى عن امتيازاتها الخاصة، وأن تضع ذاتها بمنزلة الأفراد أنفسهم الذين تعمد إلى التعامل معهم كأي فرد عادي مع آخر.
وفي الواقع إن من السهل إذا تم النظر إلى مجتمع من المجتمعات التي تنظمها قواعد القانون ملاحظة وجود فئتين في هذا المجتمع: فئة حاكمة تتمثل بالدولة ومؤسساتها، وفئة محكومة تتمثل بالأشخاص العاديين من طبيعيين واعتباريين كما يلاحظ أيضاً أن الفئة الحاكمة الممثلة بالدولة تتمتع ببعض الامتيازات الخاصة التي تقتضيها طبيعتها ذاتها كهيئة حاكمة تسهر على المصالح العامة في المجتمع وتعود إليها السيادة والسلطان فيه. وعلى هذا فكل مايتعلق بالدولة بصفتها السيادية من قواعد قانونية يعدّ من القانون العام، كالقواعد المتعلقة بتنظيم جهاز الحكم أو بجباية الضرائب أو بعلاقة الدولة مع موظفيها أو نحو ذلك. أما مايتصل بالأفراد من قواعد قانونية تنظم العلاقات فيما بينهم، كقواعد الزواج والطلاق أو البيع أو الإيجار أو التجارة، فيعدّ من القانون الخاص.
إلا أنّه من الملاحظ أن الدولة لاتقيم دوماً علاقاتها مع الأفراد على أساس ماتتمتع به من سيادة وسلطان وامتيازات خاصة، بل قد تتعامل معهم أحياناً على قدم المساواة كأي فرد منهم وحينئذٍ تطبق على العلاقات التي تدخل الدولة فيها بهذه الصفة قواعد القانون الخاص على الرغم من أن الدولة طرف فيها. مثال ذلك حين تستأجر الدولة عقاراً لتقيم فيه مدرسة من المدارس أو حين تمتلك منشأة فندقية وتكل أمر إدارتها إلى شركة إدارة مختصة، ففي هذه الحالات تقوم الدولة كما يقوم به الفرد العادي حين يستأجر أو يستثمر.
معيار التفريق بين القانون العام والقانون الخاص
يعود تقسيم القانون إلى عام وخاص إلى عهد بعيد. فقد عرف الرومان مايشبه هذا التقسيم إذ عدّوا من القانون العام كل مايتصل بتنظيم الشيء العام، وعدوا من القانون الخاص كل مايتصل بمصالح الأفراد. وقد سعى رجال القانون دوماً إلى البحث عن معيار أو ضابط criteria دقيق للتمييز بين هاتين الفئتين، والاستناد إليه في معرفة ما إذا كانت هذه الفئة من القواعد القانونية أو تلك تدخل في زمرة القانون العام أو زمرة القانون الخاص. لكنهم أخفقوا في أغلب محاولاتهم. ويكفي هنا الإشارة إلى معيارين من هذه المعايير التي جانبها التوفيق ليتم تعرف معيار ثالث يعدّه جمهور الكتاب أكثر المعايير نصيباً من الصحة والصواب.
أ ــ المفهوم المالي notion de patrimialité: ومفاده أن القواعد الناظمة للعلاقات ذات الصفة المالية كعلاقات البيع والشراء مثلاً هي من القانون الخاص، في حين أن القواعد الناظمة للعلاقات الأخرى، حيث لايظهر هذا المفهوم المالي، هي من القانون العام.
هذا المعيار غير صحيح. فكثير من القواعد الناظمة لأمور لا أثر للمفهوم المالي فيها تعد من القانون الخاص لا العام (كالقواعد الرامية إلى تنظيم العلاقات العائلية)، كما أن كثيراً من القواعد التي تعدّ من القانون العام لها صلة بالأمور المالية (كالقواعد المتعلقة بنظام الضرائب أو بنظام الأملاك العامة).
ب ـ المصلحة العامة والمصلحة الخاصة public interest and private interest ـ intérét public et intérét privé: يرى أصحاب هذا المعيار أن مايميّز القانون الخاص من القانون العام هو الغاية الرئيسة التي تهدف إليها كل من قواعد هاتين الزمرتين. فالقانون الخاص، بحسب رأيهم، هو الذي يكون هدفه الأساسي حماية المصلحة الخاصة للفرد، والقانون العام هو الذي يستهدف أساساً حماية المصلحة العامة للمجتمع. وقد لقي هذا المعيار الذي تمتد جذوره إلى نظريات الفقهاء الرومان انتشاراً كبيراً بين رجال القانون إلا أنه سرعان ماتبدى بُعْدَه عن الصواب. فلا حدّ يمكن وصفه بدقة لمعرفة مدى ماتحققه القواعد القانونية من مصلحة عامة أو مصلحة خاصة. كما أن هناك في نطاق القانون الخاص نفسه عدداً كبيراً من القواعد التي تغلب فيها فكرة المصلحة العامة على فكرة المصلحة الخاصة، والتي تحمل أهميتها البالغة بالنسبة لهذه المصلحة العامة، المرء إلى عدها قواعد آمرة jus cogens لايجوز الاتفاق على خلافها، من هذا القبيل مثلاً أغلب القواعد المتعلقة بأمور العمل أو بأمور العائلة والتي تهدف بصورة رئيسة إلى تحقيق المصلحة العامة وحمايتها وتصنّف مع ذلك في زمرة القانون الخاص.
ج ـ صفة أطراف العلاقة القانونية The character of the subjects - Le système des sujets: ويرى أصحاب هذا المعيار أن مايجب أخذه في الحسبان للتفريق بين قواعد القانون العام والقانون الخاص هو صفة أطراف العلاقات The parties التي تنظمها هذه القواعد. فإذا كانت الدولة بصفتها السيادية هي أحد أطراف تلك العلاقات عُدّت هذه القواعد من القانون العام، وإذا لم تكن كذلك أو كانت طرفاً ولكن كفرد عادي احتسبت هذه القواعد من القانون الخاص. وهذا المعيار في نظر الجمهور من الفقهاء أفضل المعايير جميعاً.
على الرغم من اعتماد معظم الفقهاء هذا المعيار أساساً للتفريق بين القانون العام والقانون الخاص فمن الملاحظ أن التفريق بين فرعي القانون هذين ليس من السهولة بمكان من الناحية العملية ذلك لأن هناك بعض الفروع من القانون اختلف العلماء في تصنيفها وتحديد الزمرة التي تنسب إليها. مثال ذلك قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية ففي كلا القانونين تتداخل أطراف العلاقات والمصلحة فيها بين ماهو عام وما هو خاص بحيث يصعب، يقيناً تصنيفها في هذه الزمرة أو تلك. لذلك يرى بعض الفقهاء أن هناك بين زمرتي القانون العام والقانون الخاص زمرة ثالثة هي زمرة القانون المختلط droit mixte ـ mixed law وهي تضم فروع القانون التي تمتُّ إلى كل من زمرتي القانون العام والقانون الخاص بوشائج قوية على نحو يصعب إدراجها تحت إحدى هاتين الزمرتين.
التداخل والتأثير المتبادل بين القانون العام والقانون الخاص
يرى بعضهم أن تقسيم القانون إلى عام وخاص هو تقسيم مصطنع بعض الشيء. لكن آخرين- ولعلهم الأغلبية- يأخذون به بسبب الحاجة التعليمية التي تحمل إلى تصنيف فروع القانون المختلفة وحصرها في زمر موحدة. لكن هذا التقسيم لايجب أن يوهم بوجود انفصال تام بين هاتين الزمرتين أو اختلاف كبير في قواعدهما، بل هنالك على العكس شيء من التداخل والتأثير المتبادلcompénétration بين قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص وبين أنواع العلاقات والمجالات التي تطبق فيها كل من هذه القواعد.
ففي نطاق القانون العام يلاحظ أن كثيراً من القواعد والمبادئ التي تطبق فيه مستمدة إلى حد كبير من قواعد ومبادئ القانون الخاص (مثال ذلك القواعد المنظمة للعقود الإدارية أو للمسؤولية الإدارية التي تعد من قواعد القانون العام، لكنها مستمدة أساساً من قواعد نظريتي العقد والمسؤولية في القانون المدني الذي هو أبرز فروع القانون الخاص). وبمقابل ذلك وفي نطاق القانون الخاص ثمة كثير من العلاقات التي ينظمها هذا القانون توضع لها قواعد تفسح المجال واسعاً لإشراف الدولة عليها، بل لتدخلها فيها. وهذه القواعد التي تجعل الدولة طرفاً معنياً بالأمر بالنسبة لهذه العلاقات هي شديدة الشبه بقواعد القانون العام (مثال ذلك القواعد التي تنظم تدخل الدولة فيما يتعلق بأمور العمل مثلاً أو مراقبتها لبعض أنواع الشركات كالشركات المساهمة المغفلة [رَ: الشركات].
ولعل أبرز صورة من صور التداخل بين القانونين العام والخاص هي تلك التي تتبدّى في الشركات أو المشروعات المؤممة nationalized enterprises، فقد كان من أثر حركة التأميم nationalization التي سادت أغلب بلاد العالم عقيب الحرب العالمية الثانية أن تحولت بعض المشروعات الكبرى من مشروعات خاصة يملكها الأفراد إلى مشروعات عامة تملكها الدولة. وهذا ماحفز بعض الفقهاء إلى القول بتوسع القانون العام على حساب القانون الخاص. لكن واقع الحال أثبت أن القانون الخاص لم يفقد كثيراً من أهميته في التطبيق على المشروعات المؤممة لأن هذه المشروعات احتفظت بعد انتقالها إلى الدولة بأغلب الأساليب والطرائق التي مارستها قبل التأميم، وهي أساليب وطرائق تنظمها قواعد القانون الخاص وذلك كما في طريق إعداد الموازنة في المشروع أو بتنظيم علاقته بعماله أو بالمستهلكين.
فالمشروعات المؤممة إذا كانت دليلاً على توسع نطاق القانون العام على حساب القانون الخاص فهي في الوقت عينه دليل على مدى تأثير القانون الخاص في القانون العام.
وهكذا فالتداخل بين هذين القسمين من أقسام القانون مستمر، وقواعد كل منهما ليست بمنأى عن تأثير قواعد القسم الآخر.
فروع القانونين العام والخاص
يضم القانون العام مايأتي: القانون الدستوري[رَ]، القانون الإداري[رَ]، قانون التشريع الضريبي، قانون العقوبات[رَ] وقانون أصول المحاكمات الجزائية والقانون الدولي العام[رَ].
أما القانون الخاص فيضم في تضاعيفه القانون المدني[رَ] القانون التجاري[رَ] قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية[ر]، القانون الدولي الخاص[رَ] وكذلك بعض الفروع المستحدثة التي انشقت مؤخراً عن القانون المدني بسبب توسعها وازدياد أهميتها والطبيعة الخاصة للعلاقات التي تنظمها كقانون العمل[رَ] والقانون الزراعي.
محمد عزيز شكري
تعريف القانون العام والقانون الخاص
يختلف القانون العام عن القانون الخاص من حيث نوع العلاقات التي يحكمها كل منهما: فالقانون العام droit public ـ public law ينظم العلاقات التي تكون الدولة بصفتها صاحبة السلطان والسيادة، طرفاً فيها. فهو ينظم كيان الدولة وأجهزة الحكم فيها، وعلاقات هذه الدولة مع غيرها من الدول ومع الأفراد.
أما القانون الخاص droit privé ـ private law فينظم العلاقات التي لاتكون الدولة بصفتها السيادية طرفاً فيها. فهو ينظم علاقات الأفراد فيما بينهم، أو ينظم أحياناً علاقاتهم مع الدولة، حيث ترضى الدولة أن تتخلى عن امتيازاتها الخاصة، وأن تضع ذاتها بمنزلة الأفراد أنفسهم الذين تعمد إلى التعامل معهم كأي فرد عادي مع آخر.
وفي الواقع إن من السهل إذا تم النظر إلى مجتمع من المجتمعات التي تنظمها قواعد القانون ملاحظة وجود فئتين في هذا المجتمع: فئة حاكمة تتمثل بالدولة ومؤسساتها، وفئة محكومة تتمثل بالأشخاص العاديين من طبيعيين واعتباريين كما يلاحظ أيضاً أن الفئة الحاكمة الممثلة بالدولة تتمتع ببعض الامتيازات الخاصة التي تقتضيها طبيعتها ذاتها كهيئة حاكمة تسهر على المصالح العامة في المجتمع وتعود إليها السيادة والسلطان فيه. وعلى هذا فكل مايتعلق بالدولة بصفتها السيادية من قواعد قانونية يعدّ من القانون العام، كالقواعد المتعلقة بتنظيم جهاز الحكم أو بجباية الضرائب أو بعلاقة الدولة مع موظفيها أو نحو ذلك. أما مايتصل بالأفراد من قواعد قانونية تنظم العلاقات فيما بينهم، كقواعد الزواج والطلاق أو البيع أو الإيجار أو التجارة، فيعدّ من القانون الخاص.
إلا أنّه من الملاحظ أن الدولة لاتقيم دوماً علاقاتها مع الأفراد على أساس ماتتمتع به من سيادة وسلطان وامتيازات خاصة، بل قد تتعامل معهم أحياناً على قدم المساواة كأي فرد منهم وحينئذٍ تطبق على العلاقات التي تدخل الدولة فيها بهذه الصفة قواعد القانون الخاص على الرغم من أن الدولة طرف فيها. مثال ذلك حين تستأجر الدولة عقاراً لتقيم فيه مدرسة من المدارس أو حين تمتلك منشأة فندقية وتكل أمر إدارتها إلى شركة إدارة مختصة، ففي هذه الحالات تقوم الدولة كما يقوم به الفرد العادي حين يستأجر أو يستثمر.
معيار التفريق بين القانون العام والقانون الخاص
يعود تقسيم القانون إلى عام وخاص إلى عهد بعيد. فقد عرف الرومان مايشبه هذا التقسيم إذ عدّوا من القانون العام كل مايتصل بتنظيم الشيء العام، وعدوا من القانون الخاص كل مايتصل بمصالح الأفراد. وقد سعى رجال القانون دوماً إلى البحث عن معيار أو ضابط criteria دقيق للتمييز بين هاتين الفئتين، والاستناد إليه في معرفة ما إذا كانت هذه الفئة من القواعد القانونية أو تلك تدخل في زمرة القانون العام أو زمرة القانون الخاص. لكنهم أخفقوا في أغلب محاولاتهم. ويكفي هنا الإشارة إلى معيارين من هذه المعايير التي جانبها التوفيق ليتم تعرف معيار ثالث يعدّه جمهور الكتاب أكثر المعايير نصيباً من الصحة والصواب.
أ ــ المفهوم المالي notion de patrimialité: ومفاده أن القواعد الناظمة للعلاقات ذات الصفة المالية كعلاقات البيع والشراء مثلاً هي من القانون الخاص، في حين أن القواعد الناظمة للعلاقات الأخرى، حيث لايظهر هذا المفهوم المالي، هي من القانون العام.
هذا المعيار غير صحيح. فكثير من القواعد الناظمة لأمور لا أثر للمفهوم المالي فيها تعد من القانون الخاص لا العام (كالقواعد الرامية إلى تنظيم العلاقات العائلية)، كما أن كثيراً من القواعد التي تعدّ من القانون العام لها صلة بالأمور المالية (كالقواعد المتعلقة بنظام الضرائب أو بنظام الأملاك العامة).
ب ـ المصلحة العامة والمصلحة الخاصة public interest and private interest ـ intérét public et intérét privé: يرى أصحاب هذا المعيار أن مايميّز القانون الخاص من القانون العام هو الغاية الرئيسة التي تهدف إليها كل من قواعد هاتين الزمرتين. فالقانون الخاص، بحسب رأيهم، هو الذي يكون هدفه الأساسي حماية المصلحة الخاصة للفرد، والقانون العام هو الذي يستهدف أساساً حماية المصلحة العامة للمجتمع. وقد لقي هذا المعيار الذي تمتد جذوره إلى نظريات الفقهاء الرومان انتشاراً كبيراً بين رجال القانون إلا أنه سرعان ماتبدى بُعْدَه عن الصواب. فلا حدّ يمكن وصفه بدقة لمعرفة مدى ماتحققه القواعد القانونية من مصلحة عامة أو مصلحة خاصة. كما أن هناك في نطاق القانون الخاص نفسه عدداً كبيراً من القواعد التي تغلب فيها فكرة المصلحة العامة على فكرة المصلحة الخاصة، والتي تحمل أهميتها البالغة بالنسبة لهذه المصلحة العامة، المرء إلى عدها قواعد آمرة jus cogens لايجوز الاتفاق على خلافها، من هذا القبيل مثلاً أغلب القواعد المتعلقة بأمور العمل أو بأمور العائلة والتي تهدف بصورة رئيسة إلى تحقيق المصلحة العامة وحمايتها وتصنّف مع ذلك في زمرة القانون الخاص.
ج ـ صفة أطراف العلاقة القانونية The character of the subjects - Le système des sujets: ويرى أصحاب هذا المعيار أن مايجب أخذه في الحسبان للتفريق بين قواعد القانون العام والقانون الخاص هو صفة أطراف العلاقات The parties التي تنظمها هذه القواعد. فإذا كانت الدولة بصفتها السيادية هي أحد أطراف تلك العلاقات عُدّت هذه القواعد من القانون العام، وإذا لم تكن كذلك أو كانت طرفاً ولكن كفرد عادي احتسبت هذه القواعد من القانون الخاص. وهذا المعيار في نظر الجمهور من الفقهاء أفضل المعايير جميعاً.
على الرغم من اعتماد معظم الفقهاء هذا المعيار أساساً للتفريق بين القانون العام والقانون الخاص فمن الملاحظ أن التفريق بين فرعي القانون هذين ليس من السهولة بمكان من الناحية العملية ذلك لأن هناك بعض الفروع من القانون اختلف العلماء في تصنيفها وتحديد الزمرة التي تنسب إليها. مثال ذلك قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية ففي كلا القانونين تتداخل أطراف العلاقات والمصلحة فيها بين ماهو عام وما هو خاص بحيث يصعب، يقيناً تصنيفها في هذه الزمرة أو تلك. لذلك يرى بعض الفقهاء أن هناك بين زمرتي القانون العام والقانون الخاص زمرة ثالثة هي زمرة القانون المختلط droit mixte ـ mixed law وهي تضم فروع القانون التي تمتُّ إلى كل من زمرتي القانون العام والقانون الخاص بوشائج قوية على نحو يصعب إدراجها تحت إحدى هاتين الزمرتين.
التداخل والتأثير المتبادل بين القانون العام والقانون الخاص
يرى بعضهم أن تقسيم القانون إلى عام وخاص هو تقسيم مصطنع بعض الشيء. لكن آخرين- ولعلهم الأغلبية- يأخذون به بسبب الحاجة التعليمية التي تحمل إلى تصنيف فروع القانون المختلفة وحصرها في زمر موحدة. لكن هذا التقسيم لايجب أن يوهم بوجود انفصال تام بين هاتين الزمرتين أو اختلاف كبير في قواعدهما، بل هنالك على العكس شيء من التداخل والتأثير المتبادلcompénétration بين قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص وبين أنواع العلاقات والمجالات التي تطبق فيها كل من هذه القواعد.
ففي نطاق القانون العام يلاحظ أن كثيراً من القواعد والمبادئ التي تطبق فيه مستمدة إلى حد كبير من قواعد ومبادئ القانون الخاص (مثال ذلك القواعد المنظمة للعقود الإدارية أو للمسؤولية الإدارية التي تعد من قواعد القانون العام، لكنها مستمدة أساساً من قواعد نظريتي العقد والمسؤولية في القانون المدني الذي هو أبرز فروع القانون الخاص). وبمقابل ذلك وفي نطاق القانون الخاص ثمة كثير من العلاقات التي ينظمها هذا القانون توضع لها قواعد تفسح المجال واسعاً لإشراف الدولة عليها، بل لتدخلها فيها. وهذه القواعد التي تجعل الدولة طرفاً معنياً بالأمر بالنسبة لهذه العلاقات هي شديدة الشبه بقواعد القانون العام (مثال ذلك القواعد التي تنظم تدخل الدولة فيما يتعلق بأمور العمل مثلاً أو مراقبتها لبعض أنواع الشركات كالشركات المساهمة المغفلة [رَ: الشركات].
ولعل أبرز صورة من صور التداخل بين القانونين العام والخاص هي تلك التي تتبدّى في الشركات أو المشروعات المؤممة nationalized enterprises، فقد كان من أثر حركة التأميم nationalization التي سادت أغلب بلاد العالم عقيب الحرب العالمية الثانية أن تحولت بعض المشروعات الكبرى من مشروعات خاصة يملكها الأفراد إلى مشروعات عامة تملكها الدولة. وهذا ماحفز بعض الفقهاء إلى القول بتوسع القانون العام على حساب القانون الخاص. لكن واقع الحال أثبت أن القانون الخاص لم يفقد كثيراً من أهميته في التطبيق على المشروعات المؤممة لأن هذه المشروعات احتفظت بعد انتقالها إلى الدولة بأغلب الأساليب والطرائق التي مارستها قبل التأميم، وهي أساليب وطرائق تنظمها قواعد القانون الخاص وذلك كما في طريق إعداد الموازنة في المشروع أو بتنظيم علاقته بعماله أو بالمستهلكين.
فالمشروعات المؤممة إذا كانت دليلاً على توسع نطاق القانون العام على حساب القانون الخاص فهي في الوقت عينه دليل على مدى تأثير القانون الخاص في القانون العام.
وهكذا فالتداخل بين هذين القسمين من أقسام القانون مستمر، وقواعد كل منهما ليست بمنأى عن تأثير قواعد القسم الآخر.
فروع القانونين العام والخاص
يضم القانون العام مايأتي: القانون الدستوري[رَ]، القانون الإداري[رَ]، قانون التشريع الضريبي، قانون العقوبات[رَ] وقانون أصول المحاكمات الجزائية والقانون الدولي العام[رَ].
أما القانون الخاص فيضم في تضاعيفه القانون المدني[رَ] القانون التجاري[رَ] قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية[ر]، القانون الدولي الخاص[رَ] وكذلك بعض الفروع المستحدثة التي انشقت مؤخراً عن القانون المدني بسبب توسعها وازدياد أهميتها والطبيعة الخاصة للعلاقات التي تنظمها كقانون العمل[رَ] والقانون الزراعي.
محمد عزيز شكري