تعرفوا على"زرياب"عَلَم الموسيقى والحضارة في التاريخ العربي .الباحث :محمد حسن قجة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تعرفوا على"زرياب"عَلَم الموسيقى والحضارة في التاريخ العربي .الباحث :محمد حسن قجة

    Fareed Zaffour



    Mohammad Kujjah - مثقفو حلب

    " زرياب "
    عَلَم الموسيقى والحضارة في التاريخ العربي
    هذه دراسة منشورة في كتابي " محطات اندلسية "
    ونظرا لطول الدراسة ، قمت بتوزيعها على محورين :
    اولا : “زرياب” في بغداد والقيروان
    ثانيا: زرياب في قرطبة . وسوف اترك هذا المحور لعرضه لاحقا .
    *******
    في بغداد والقيروان :
    1 - العصر والتكوين:
    يروي “أبو الفرج الأصبهاني” في كتابه (الأغاني) أن الخليفة “المأمون” خرج إلى الشام ومعه المغنّي “ عَلُّويةُ “، ولندعْ هذا يكمل روايته:
    (فدخلنا دمشق فطفنا فيها، وجعل يطوف على قصور بني أمية ويتبع آثارهم، فدخل صحناً من صحونهم فإذا هو مفروشٌ بالرخام الأخضر كله، وفيه بركةُ ماء يدخلها ويخرج منها من عينٍ تصبّ إليها، وفي البركة سمك، وبين يديها بستان على أربع زواياه أربع سروات كأنها قصّتْ بمقراضٍ من التفافها، أحسن ما رأيت من السرو قط قدًّا وقدراً. فاستحسن ذلك وعزم على الصبوح، وقال هاتوا لي الساعة طعاماً خفيفاً، وأقبل عليَّ وقال: “غنني ونشطني”، فكأن الله عزّ وجل أنساني الغناء كله إلا هذا الصوت:
    لــو كــان حــولي بنو أميّــة لـــم
    تنطـقْ رجـــال أراهـــم نطقــــوا
    من كــلّ قــرمٍ محـــض ضرائبـــه
    عــن منكبيـــه القميـــص ينخــرقُ
    فنظر إليّ مغضباً وقال: عليك وعلى بني أمية لعنة الله، ويلك، أقلتُ لك سؤني أو سرّني! ألم يكن لك وقت تذكر فيه بني أمية إلا هذا الوقت تعرض بي؟
    فتحيّلت عليه وعلمتُ أني أخطأت، فقلت: أتلومني على أن أذكر بني أمية؟ هذا مولاكم “زرياب” عندهم يركب في مائتي غلام مملوك له، ويملك ثلاثمائة ألف دينار وهبوها له سوى الخيل والضياع والرقيق، وأنا عندكم أموت جوعاً).
    ها هو “زرياب” إذاً في قرطبة الأموية، وأخباره في بغداد العباسية تملأ الأسماع، وتلاحقه عيون الحاسدين والمعجبين وراء البحار.
    زرياب هو “علي بن نافع، أبو الحسن” أحد موالي الخليفة العباسي “المهدي”، وقد تضاربت الآراء حول ولادته ووفاته. ويروي “ليفي بروفنسال” أن ولادة “زرياب” كانت في الجزيرة عام 172ه-788م.
    *****
    2 - “زرياب” في بغداد:
    نشأ “زرياب” في بغداد إبَّان عصرها الذهبي، والخليفة فيها “هارون الرشيد” قمة العصر العباسي قوة ونفوذاً واستقراراً وازدهاراً. كان الأدب قد بدأ يميل إلى طلاوة المدينة ويتجافى عن وعورة البادية، وأسهم شعراء كـ “بشار بن برد” و”أبي نواس” و”أبي تمام” ثم “البحتري” في عملية التجديد هذه. ونشطتْ حركة التأليف الموسيقي والغناء، ولمعت أسماء موسيقيين ومغنين ملأت بغداد وكل حواضر الخلافة، مثل “ابراهيم بن المهدي”، “عليّة بنت المهدي”، “ابن جامع”، “يحيى المكي”، “نمارق”، و”زلزل”. وعلى رأس هؤلاء جميعاً “إبراهيم الموصلي” الشاعر الأديب والمغني الملحن، ثم ابنه “إسحق” من بعده. وقد عاشا زمن “الرشيد” و”الأمين” و”المأمون” و”المعتصم”.
    وعلى يد “إبراهيم” وابنه “إسحق” تتلمذ عشرات الملحنين والمطربين والمطربات، تفرّقوا في أنحاء بغداد والعراق وباقي الأمصار الإسلامية، ولكن التلميذ البارع الذي بذّ أُستاذه هو “زرياب”.
    أطلق اسم “زرياب” على “أبي الحسن علي بن نافع” نظراً لسمرته الشديدة وصوته الجميل، فكلمة “زرياب” في الأصل اسمٌ لطائرٍ أسود الريش رخيم الصوت، وهذا ما تذكره أكثر المصادر، ويذهب بعضها إلى أن كلمة “زرياب” تعني ماء الذهب، معرباً عن الفارسية “زرآب”.
    ظهرت أمارات النبوغ الفني على “زرياب” منذ صغره، وأحسّ أستاذه “إسحق الموصلي” بأن تلميذه قد يشكّل خطراً عليه في المستقبل، لأن “الرشيد” استظرف مجلسه ومال إلى صوته وفنه، مما آثار عليه حفيظة أُستاذه “إسحق”. وكان مما كتبه وغناه في تلك المرحلة:
    يا أيها الملكُ المأمون طائره
    “هارون” راح إليك الناس وابتكروا
    وقد بلغ الخلاف ذروته حينما اجتمع الأستاذ والتلميذ في مجلسٍ “للرشيد”، فأنشد “إسحق” وعزف على عوده، ثم جاء الدور “لزرياب” فرفض استعمال عود أستاذه “إسحق” وأصرّ على استعمال عوده، قائلاً إنه يختلف عن عود أُستاذه وإنه مطوّر، وقد أعجب “الرشيد” بشخصية “زرياب” وصوته وعزفه وفنّه وأدبه، وأظهر ذلك الإعجاب. فطفح الكيل لدى “إسحق”، وقال لزرياب: (إن بغداد تتّسع لواحدٍ منا فقط، فعليك بالرحيل، أو احتمال غضبي الذي قد يبلغ أقصى حدوده). وقدّر “زرياب” أن لا قِبَل له بمقارعة “إسحق” فعزم على الرحيل، ويمّم وجهه شطر المغرب حيث يتضاءل النفوذ العباسي.
    *****
    3 - “زرياب” في القيروان:
    كان المغرب الأقصى قد انفصل عن الدولة العباسية بقيام دولة “الأدارسة” سنة 173ه-789م على يد “إدريس بن عبد الله”، ثم ابنه إدريس الثاني الذي بنى مدينة فاس. أما في المغرب الأدنى في تونس، فقد اعترفت الخلافة العباسية لدولة “الأغالبة” بالبقاء وتوارث السلطة، على الرغم من تبعية الأغالبة شكلياً لسلطة بغداد وخطبتهم لها. واتخذ “الأغالبة” من القيروان عاصمةً لهم، وبقيت دولتهم حتى قضت عليها الدعوة الفاطمية كما قضت على دولة الأدارسة.
    توجه “زرياب” إلى المغرب عام 206ه، وحلّ في مدينة القيروان، وكان أميرها يومئذ “زيادة الله بن إبراهيم الأغلبي” وهو أعظم أمراء الأغالبة، وقد حكم بين عامي 201 و223ه. وفي عهده فتح المسلمون جزيرة صقلية بقيادة “أسد بن الفرات”.
    وكانت سمعة “زرياب” قد سبقته كأديب ومغنّ، فاستُقبل استقبالاً طيباً في القيروان وشهد مجالس الأمير. وفي أحد هذه المجالس أنشد “زرياب” أبياتاً “لعنترة العبسي” يقول فيها:
    فــــإن تــلك أمـّــي غرابيــــةٌ
    فإنــــي لطيف ببيـــض الظبــــا
    ولــولا فـــراركَ يـــوم الوغـــى
    مـن أبنــــاء حـــام بهـــا عِبتَنـي
    وسمــــر العوالــــي إذا جئتَنـــي
    لقدتُــكَ فــي الحـــرب أو قدتَنـــي
    فغضب “زيادة الله” أشد الغضب وأمر أن يصفع قفا “زرياب”، وقال له: إن وجدتك في شيء من بلدي بعد ثلاثة أيام ضربت عنقك.
    وعلى مبدأ (رُبَّ ضارّةٍ نافعة)، كانت هذه الحادثة فاتحةَ خيرٍ لزرياب، فقد عبر المضيق إلى الأندلس في العام نفسه 206ه، ونزل في (الجزيرة الخضراء)، حيث كان رسل الأمير الأندلسي “عبد الرحمن الأوسط” ينتظرونه واستقبلوه أحسن استقبال.
    *****
    نلتقي لاحقا مع زرياب في الاندلس
يعمل...
X