علم المعكرونة.. للجميع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علم المعكرونة.. للجميع

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣٠٩٠٢_١٧٤١٢٣.jpg 
مشاهدات:	7 
الحجم:	86.4 كيلوبايت 
الهوية:	153934
    توظيف الفيزياء في الحياة اليومية يمكن أن يجعل هذا العِلم أقل ترويعًا، وأكثر قابلية للفهم.. وربما حتى مصدر إلهام.
    كانت مَهمتنا بسيطة نسبيًا: البحث عن الطريقة الأكثر اقتصادًا في طهي المعكرونة، وشرح الجانب العلمي من وراء ذلك. ولكن، كان لا بد من الأخذ في الاعتبار مقترحَ عالم فيزياء متوج بجائزة نوبل، فضلًا عن آراء كبار الطهاة الحاصلين على نجمة "ميشلان". لم يكن لدينا سوى بضعة عناصر -قِدْرٌ وماء ومعكرونة— ولكن مع طرق عديدة لتنويعها، إلى جانب الموقد والوقت. وكان لا بد من مراعاة الجوانب البيئية، وتِبيان تفاصيل التكلفة؛ مع تلاعب "شهي" بمفردات الطهي. كل ذلك ضمن عرض لتطبيقات العلوم في حياتنا اليومية. وكما يَحدث كثيرًا في الاكتشافات العلمية، استلهمتُ لذلك تجربةً مختلفة تمامًا: عثة صقرية طنّانة تستخدم خرطومها النحيل لتتغذى. فبصفتي عالمَ فيزياء مهتمًّا على نحو خاص بكل الأشياء اللينة أو الشبيهة بالسوائل، حيّرني ذلك المشهد: كيف لهذه العثة أن تمتص رحيقًا لزجًا عبر هذا الأنبوب المرن؟
    هنالك كلّفتُ الطالبين "ميا لندن" و"روس برودهيرست" بأن يجدا حلًّا للمسألة باستخدام مكونات بسيطة. اختارا "البوكاتيني"، وهي معكرونة طويلة مجوفة، وتحكموا ببراعة في صلابتها ومتانتها من خلال التحكم بوقت الطهي. وقد نجحا! فلقد تمكنَا بالفعل من محاكاة أسلوب العثة في رشف الرحيق. عندها انتهت القصة.. أو هكذا ظننا جميعًا. بعد بضعة أشهر، عدنا إلى المختبر، لنغلي مزيدا من البوكاتيني —لأننا انغمسنا في نقاش محتدم بشأن "أفضل" طريقة لطهي المعكرونة. بدأ ذلك قبل نحو عام، حين شارك الفيزيائيُ الإيطالي المتوج بجائزة نوبل، "جورجيو باريزي"، تدوينةَ المهندس المعماري "أليساندرو بوسيري فيتشي" على "فيسبوك" بشأن طريقة اقتصادية لطهي هذه الأكلة المفضلة في إيطاليا. إذ أوصى فيتشي بإطفاء الموقد عند انتصاف الطهي وترك الماء الساخن يُكمل المَهمة؛ لكن "مع إبقاء القِدر مغطّى طوال الوقت"، كما يُشدد باريزي على ذلك، من أجل العزل وللحفاظ على السخونة من التبخر. لكن هذا الاقتراح المُقتصِد الذي نشره باريزي وفيتشي أثار ردودَ فعل غاضبة من لدن مواطنيهما الإيطاليين، على الرغم من ارتفاع تكاليف الطاقة والمعيشة في معظم أنحاء أوروبا. إذ وصفَه الطاهي الشهير "لويجي بوماتا" بِـ"الكارثة"، داعيًا باريزي وغيره من الفيزيـائيين إلى الابتعاد عن المطبخ. وقال كبير الطهاة "أنتونيـلو كولـونا" المتوَّج بنجمة "ميشلان" إن الزبائن في مطعمـه لن يستسيغـوا أبدًا النتائج العَلِكَة لتلك الطريقة.
    لكن كولونا ذكر نهجًا آخر لتقليص التكلفة: "طريقة الماء البـارد" التي يعتمـدها كبير الطهاة الأميركي "ألتون براون". تبـدأ هذه الطريقة، في تَحَدٍّ لجميع تقاليد الطهي المرعية، بوضـع المعكـرونة في الماء البارد وغليها مع كل المكونات الأخرى. انضم آخرون إلى تلك الجلَبَة على وسائل التواصل الاجتماعي، ناشرين آراءهم وشتائمهم ووصفاتهم. لم يكن باريزي يتوقع ردود الفعل تلك على تدوينته حَسَنة النية (وهو الذي نال جائزة نوبل بفضل نظرياته التي كشفت أنماطًا في أنظمة معقدة، من الجزيئات إلى الذاكرة، ومن أسراب الطيور إلى دوران الكواكب).
    ما المعكرونة، بلغة العلم؟ وماذا يحدث حين نطهو المعكرونة المجفَّفة؟ والأهم من ذلك في النقاش الدائر بشأن تقنيات الطبخ المقتصِد الشهي: مَن على حق؟ الجواب عن السؤال الأول بسيط. فالمعكرونة المجففة تُصنع بإضافة الماء إلى الدوروم المطحون، وهو نوع فرعي من القمح الصلب؛ أي عن طريق تشكيل وتجفيف خليط من الماء ودقيق السميد المطحون من قمح الدوروم. وإليكم جواب السؤال الثاني: تَحدث عمليتان اثنتان حين نطهو المعكرونة المجففة، كلتاهما مباشرتان وغير معقدتين نسبيًا. أولًا، يجب أن تُرطَّب المعكرونة بالإماهة فتفقد صلابتها بامتصاص الماء؛ وتفعل ذلك من خلال السريان، وهو المبدأ نفسه لانتشار رائحة العطر في غرفة. تتغلغل جزيئات الماء المغلي، مدفوعة بمبدأ السريان، في مركز شريط سباغيتي ذات سُمك نموذجي، خلال 10 دقائق تقريبًا. ومن المثير للاهتمام أن عملية السريان تتباطأ مع مرور الوقت؛ فعند طهي معكرونة ذات سُمك يُضاعف السُمك النموذجي للسباغيتي، يستغرق الماء 40 دقيقة للتغلغل. وهذا يفسر سبب العثور على كُتل علوك لزجة عندما تلتصق الأشرطة ببعضها بعضًا في القِدر: فببساطة، لم يكن هناك وقت ليتغلغل الماء في مركز الكُتل ويسري فيها. ثانيًا، ينبغي طهي المعكرونة؛ وهذا يتطلب حرارة. فالحرارة أيضًا، كما الماء، تتغلغل وتسري في المعكرونة، فتنفخ البروتينات وتفكك حبوب النشا، لتجعلها صالحة للأكل. تتفق الدروس التعليمية المتاحة على الإنترنت، والملصقات الإرشادية للمنتجات، وتطبيق "تشات جي. بي. بي." (ChatGPT) عمومًا على طريقة معيارية لطهي المعكرونة. لتحضير حصة غذائية لشخص واحد: ضع 85 جرامًا من المعكرونة في لتر واحد من الماء المغلي جيدا مع رشة ملح. أضف الزيت، كما يوصي آخرون. حرّك القِدْر من حين إلى آخر لمنع الالتصاق (أو لا تفعل ذلك). واصل الطهي مدة 10 دقائق تقريبًا، وهو وقت كافٍ لكلٍّ من الحرارة والماء للتغلغل والسريان. قم بتصفية المعكرونة وشطفها (أو لا تشطفها). أضف الصلصة (أو لا تضفها). ثم قدم الوجبة. قد تُفضي تغييرات طفيفة في التحضير إلى تغيير المذاق ولكنها لن تؤثر في تكلفة الطهي، لأن الأمر برمّته يتوقف على حرارة الموقد. إذ تعتمد التكلفة على مقدار الطاقة اللازمة لتسخين القِدْر والماء والمعكرونة إلى 100 درجة مئوية؛ ثم مقدار الطاقة الإضافية اللازمة للإبقاء على الغليان مدة 10 دقائق. لإجراء حساب دقيق لذلك، نحتاج إلى معرفة سعر الطاقة، سواء الكهرباء أو الغاز، ونوع الموقد؛ والمعدن الذي صُنع منه القِدْر وسُمكه ووزنه والطاقة اللازمة لتسخينه..
يعمل...
X