ظبية خميس شاعرة اليومي الذي يغمر الوجود بأسئلته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ظبية خميس شاعرة اليومي الذي يغمر الوجود بأسئلته

    ظبية خميس شاعرة اليومي الذي يغمر الوجود بأسئلته


    شاعرة قاومت المعاني الخارجية للحياة عن طريق الكتابة فكانت مواطنة في عالمها الشخصي لا في عالم الآخرين.
    ا

    شاعرة مقيمة بين الشعر والنثر

    “شيء ما يحدث في مكان آخر/شيء ما يعيش/شيء ما يموت/في الداخل” تقول ظبية خميس في آخر كتبها الشعرية “روح في غيمة” الذي صدر عام 2023.

    ما بين روحها التي حلقت إلى الغيوم وخطوتها التي فوق الأرض في إشارة إلى عنوان كتابها الشعري الأول عاشت خميس حياة كلها كتابة. الكتابة التي تبدأ من الشعر لتعود إليه. كان الشعر ولا يزال بالنسبة إليها هو الميزان. ميزان علاقتها باللغة والحياة والآخرين. وهو أيضا ميزان حياتها الداخلية.
    الكتابة والكتاب والمكتوب


    تقول “ما الكتابة إذاً/وما الكتاب/ولمَ الحروف أشد وطأة/في رسائل التكوين مما تشهده العين/ويجيله الخلد/وتتداوله الظنون/كتاب ومكتوب/في حروف صغيرة نصنعها/ونقوش على الطين والصخر نحفرها/وهناك الكتاب الذي لا ريب فيه/والحياة كتابة هي أم مكتوب/ وهذه الذنوب التي نقع فيها/ثم عنها نتوب/ غير واثقين من أن من يمسحها/عنا يتوب”.



    الكاتب والكتابة والمكتوب (بمعنى المرسل) ثلاثية عاشتها خميس وهي تكتب الشعر والرواية والمقالة الصحفية والدراسة الأدبية وتترجم وهي تراقب الأرض من تحت خطواتها لئلا تضيق، فالحرية ليست هامشا بالنسبة إليها بل هي المحتوى كله.

    قاومت خميس المعاني الخارجية للحياة عن طريق الكتابة فكانت مواطنة في عالمها الشخصي لا في عالم الآخرين. غير مرة أحدث تمردها ضجيجا لم تكن تسعى إليه. ما حدث من حولها لم يكن من صنعها بل صنعه الآخرون. حرصت الشاعرة على أن تكون حرة بغض النظر عن المكان الذي هي فيه. قاومت المكان والصفة والمسميات وأكثر من ذلك.

    ما بين “الحياة كما هي” وهي رواية و”على جناح الهوى” وهي دراسة عن المرأة والإبداع تبدو ظبية خميس واضحة ودقيقة في خياراتها الوجودية. فالدرس ليس أدبيا خالصا. هذه امرأة تسعى إلى تحرير الواقع من أوهامه التي تطبق عليه كما أنها في المقابل ترسم خارطة لواقع مختلف. واقع، ستكون الحرية أساسه.
    المقيمة بين الأجناس



    الشاعرة قاومت المعاني الخارجية للحياة عن طريق الكتابة


    “في حضرة الجمال تتوارى الكلمات” تقول.

    ستجد أنها تتكلم دائما عن جمال عابر. ولأنها تكتب بأسلوب عابر للأجناس الأدبية فهي ناثرة بقدر ما هي شاعرة، وهي مترجمة، حتى حين تتحدث عن نفسها فإنها جعلت من كل جمال لحظة فناء. هذه كاتبة يفيض حبر الشعر من أصابعها وهي شاعرة تنظر إلى الزائل والمؤقت باعتباره بوحا شخصيا لم يسبق لسطوره أن وقعت على دفتر.

    سبقها الشعر إلى ما تكتب. كتبها من غير أن تشعر بالحرج. وفي كل ما كتبت كانت قوية ومتفائلة ومنفتحة على حياة قررت أن تعيشها بالطول وبالعرض، كاتبة وإنسانة. كما لو أنها تريد أن تخبرنا بأنها تعيش لكي تكتب وتكتب لكي تعيش.

    ولدت ظبية خميس المسلماني في دبي عام 1958. درست العلوم السياسية في جامعة أنديانا. بعدها درست الأدب في جامعتي أكستر ولندن والجامعة الأميركية بالقاهرة.

    عام 1989 انتقلت إلى القاهرة لتعمل وتعيش هناك. بين عامي 1992 و2010 عملت في جامعة الدول العربية.

    كتبت الشعر والرواية والدراسة الأدبية والمقالات الصحفية. أصدرت حوالي عشرين كتابا شعريا. عام 1981 صدر كتابها الشعري الأول “خطة فوق الأرض” أما روايتها الأولى “الحياة كما هي” فقد صدرت عام 2011. بعدها صدرت لها روايتان ومجموعة قصصية هي “خلخال السيدة العرجاء وقصص أخرى” والتي صدرت عام 1990.

    من ترجماتها “طفلة شنغهاي” و”قرابين الغناء”، وفي مجال الدراسات الأدبية أصدرت العديد من الكتب، منها “الشعر الجديد: أنا وأصدقائي شعراء المقاهي والبارات والسجون” “صنم المرأة الشعري: البحث عن الحرية” و”على جناح الهوى، المرأة والإبداع”.

    أحدث كتابها “منفى جامعة الدول العربية، بيوغرافيا ومذكرات” الذي أصدرته عام 2013 ضجة كبيرة لما تضمنه من حقائق مسكوت عنها داخل أروقة مؤسسة سياسية لطالما حامت عليها علامات الاستفهام.
    تأمل إشراقي




    “ما الموت/راحة النفس تلك/توقف الثواني والأنفاس ودفتر الحساب/والحقوق والديون/والتراب إذ يأكل بعضه بعضا/والعظام تتفتت وهي رميم/والشعر النائم على مخدة النسيان/فيما الباطل يتقافز مسلما شعره/للريح وأمواج البحر/وآدم وبنيه من تراب إلى تراب”.

    يسبق التأمل الوجودي الغناء في شعرها وهي تستلهم في ذلك الكثير من النصوص ذات الطابع الحكائي الذي وإن كان يذكر بالجمل الجاهزة غير أنه ينحرف بالمغزى عن غايته. تطل ثنائية الوجود والعدم من بين سطورها كما لو أن المعادلة البشرية لا تكتمل إلا بها. فمن الداخل إلى الخارج ومن المرئي إلى اللامرئي ومن الخفة إلى الثقل تستمر دورة الحياة في تيهها.

    تقول الشاعرة “خمس دقائق/وربما أقل/ تكفي لكي يرى المرء قدره/ما صنعته السنون بحياته/ثم ماذا/ مَن قال إن الكاتلوج يولد معنا/وإن ولد/ مَن قال إن باستطاعتنا قراءته/وإن قرأناه لا يعني ذلك/أن المكتوب سلفا/معاش سلفا/ فما الحياة إذن؟”.

    أسئلة وأسئلة وأسئلة يغلب عليها طابع الوجود غير المرئي لذلك فإنها تظل من غير جواب. واللافت أن الشاعرة تقدم السؤال على كل شيء آخر في مقابل عزوفها عن البحث عن جواب، وهو ما يفصح عن ثقتها بأن الشعر، شعرها على الأقل ليس المجال الحيوي للإجابة على أسئلة سبق لها وأن شكلت طاقة للتأمل في أعماقه.

    تتأمل ظبية خميس بطريقة إشراقية وتكتب.
    بحثا عن مشاعر خفية



    شاعرة موقف إنساني


    كتبت ظبية خميس الكثير من قصائد الحب، بل هي خصصت كتبا شعرية للحب الذي هو دافع وهدف للكتابة في الوقت نفسه. عن طريقه توظف كل أسئلتها في استرجاع الكون الغامض الذي يحيط بالإنسان فالحب حالة لا توصف بقدر ما تُعاش من الداخل. في كتابها “رسائل غيب” تقول “في حلمي أرحل وراء حبيب/وهو يرحل ورائي/ثم في تقاطع الطريق/تتسع ابتسامتان من الفجأة/أطوقك بذراعي/وأذوب حنانا بين يديك/ تبتسم عيناي/ وهما تلمسان ضوء وجهك الذي أنار قلبي”. شعر يقع في التفاصيل غير أنه لا يتوسع في استدراجها بقدر ما يتعامل معها باعتبارها لحظات خاطفة. يبدو تأثير القص السينمائي واضحا. الصورة التي لا ترى هي مجال للتنقيب بحثا عن مشاعر خفية.

    “أعبر الخرافات/أعبرك/أعبر الأمس/أعبر القارات/ما أقرب الضفتين/ما أبعد التاريخ”، توجز ظبية خميس موقفها من الأزمنة والأمكنة المتداخلة، ما عاشته وما تتوقع أنها ستعيشه، هي تزيح بصريا مكانا لتضع محله مكانا آخر. سيكون عليها أن تقفز من قارة إلى أخرى من غير أن تسمح للتاريخ بأن يلحق بها. فهي كاتبة شعر وليست صانعة تاريخ وإن كانت مواقفها على الطرف الآخر تقول غير ذلك. ظبية خميس شاعرة موقف، يقف الإنسان في مركزه.



    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    فاروق يوسف
    كاتب عراقي
يعمل...
X