ما النظرية الكينزية في الاقتصاد؟
هي نظرية في الاقتصاد الكلي تناقش الإنفاق الإجمالي في الاقتصاد وآثاره في الإنتاج والتوظيف والتضخم، وضعها عالم الاقتصاد البريطاني جون مينارد كينز في ثلاثينيات القرن الماضي في محاولة لتفسير الكساد العظيم آنذاك.
تعد هذه النظرية نظرية من جانب الطلب، وتركز على المتغيرات الاقتصادية على المدى القصير، وفيما يخص دراسة الأسواق والسلوك الاقتصادي، كانت أول نظرية تفصل فصلًا تامًّا بين دراستها بناءً على الحوافز الفردية ودراستها بناءً على متغيرات كلية شاملة على الصعيد الوطني.
يدعم كينز وفق نظريته فكرة زيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب بهدف تحفيز الطلب وإنقاذ الاقتصاد العالمي من الكساد.
يمكن القول إن النظرية الكينزية تسلط الضوء على إمكانية الوصول إلى أفضل أداء اقتصادي ومنع الأزمات لاقتصادية عبر التأثير في الطلب الكلي بحفظ التوازن الفعال وتطبيق سياسات التدخل الحكومي في الاقتصاد.
فهم الاقتصاد الكينزي
قدمت النظرية الكينزية طريقة جديدة في النظر إلى الإنفاق والإنتاج والتضخم.
وفقًا للنظريات السابقة لكينز -التي سماها النظريات الكلاسيكية- تخلق التقلبات الدورية في الإنتاج والتوظيف فرصًا للربح يسعى إليها الأفراد ورياديو الأعمال، ما يعالج الاختلالات التي تصيب الاقتصاد.
وفق تفسير كينز للنظريات الاقتصادية، يؤدي انخفاض الطلب الكلي في الاقتصاد وما ينتج عنه من انخفاض في الإنتاج وفرص العمل إلى انخفاض في الأسعار والأجور، وتؤدي المستويات المنخفضة من التضخم والأجور إلى تحفيز أًصحاب الأعمال لزيادة استثماراتهم الرأسمالية وتوظيف المزيد من العمال، ما يزيد من التوظيف ويحفز النمو الاقتصادي، ويرى كينز أن شدة واستمرارية الكساد العظيم اختبرت النظرية الكلاسيكية وأثبتت عدم صحتها.
في كتابه «النظرية العامة في التوظيف والفائدة والمال»، جادل كينز ضد النظرية الكلاسيكية، ففي أثناء فترات الكساد يؤدي التشاؤم في عالم الأعمال وبعض خصائص اقتصاد السوق إلى تفاقم المشكلة الاقتصادية واستمرار انخفاض الطلب الكلي.
على سبيل المثال، يختلف كينز مع اقتصاديين آخرين يرون أن الأجور المنخفضة قد تعيد حالة التوظيف الكامل، لأن ميل منحنى الطلب على العمالة سالب كأي منحنى طلب آخر.
أما كينز فيرى أن أصحاب الأعمال سيمتنعون عن توظيف العمال لإنتاج سلع لن تباع بسبب انخفاض الطلب على السلع.
على نحوٍ مشابه، قد يدفع سوء ظروف عالم الأعمال الشركات لتخفيض استثماراتها الرأسمالية، لا استغلال الأسعار المنخفضة والاستثمار في معامل وآلات جديدة، ما يؤدي بدوره إلى تخفيض الإنفاق والتوظيف الإجمالي.
النظرية الكينزية والكساد العظيم
يشار إلى الاقتصاد الكينزي أحيانًا بأنه «اقتصاديات الكساد»، فقد كتب كينز نظريته العامة في فترة الكساد العظيم الذي لم يصب دولته الأم -المملكة المتحدة- فحسب، بل أصاب العالم أجمع. نشر كينز كتابه عام 1936 وعرض فيه رأيه حول الأحداث التي ظهرت خلال الكساد العظيم، ورأى أنه لا يمكن تفسيرها اعتمادًا على النظرية الاقتصادية الكلاسيكية.
جادل اقتصاديون آخرون بأنه في صحوة أية أزمة اقتصادية، سيستغل المستثمرون وكذلك الشركات أسعار المدخلات المنخفضة لتحقيق مصالحهم الشخصية، ما سيعيد المخرجات والأسعار إلى حالة التوازن في السوق ما لم يعرقلها شيء آخر، لكن رأى كينز أن الكساد العظيم أثبت خلاف هذه النظرية، فقد كان الإنتاج منخفضًا بينما ظلت البطالة مرتفعة في تلك الفترة، فألهم الكساد العظيم كينز لينظر إلى طبيعة الاقتصاد نظرة مختلفة.
وهكذا صاغ كينز تطبيقات اقتصادية مستمدة من الواقع يمكن استخدامها عند حدوث أزمات اقتصادية.
رفض كينز فكرة أن الاقتصاد سيعود لحالة التوازن الطبيعية، وجادل في أنه حالما تقع الأزمة الاقتصادية، مهما كان سببها، فسيصبح الخوف الذي تولده لدى الأعمال والمستثمرين متفاقمًا ومغذيًا للأزمة، ما يدفع النشاط الاقتصادي باتجاه استدامة فترة الكساد والبطالة.
استجابةً لهذا النوع من الأزمات، يقترح كينز تنفيذ سياسة مالية مضادة لهذه التقلبات الدورية، إذ يجب على الحكومة في أثناء الأزمات اللجوء إلى التمويل بالعجز لتعويض انخفاض الاستثمار وتحفيز الإنفاق الاستهلاكي بهدف تدعيم توازن الطلب الكلي.
انتقد كينز أداء الحكومة البريطانية بشدة آنذاك، تلك الحكومة التي زادت الإنفاق على الرعاية الاجتماعية كثيرًا ورفعت الضرائب لموازنة ميزانيتها، ورأى كينز أن هذا الإجراء لن يدفع الناس نحو إنفاق أموالهم، ما يضع حاجزًا أمام تنشيط الاقتصاد ويجعله غير قادر على التعافي والعودة إلى حالته الجيدة.
لذلك اقترح على الحكومة زيادة إنفاقها وتخفيض الضرائب ما يدفعها باتجاه عجز الموازنة، ما سيزيد الطلب الاستهلاكي في الاقتصاد، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة النشاط الاقتصادي الإجمالي وتخفيض البطالة.
انتقد أيضًا كينز فكرة الادخار الفائض، ما لم يكن لخدمة هدف محدد مثل التعليم أو التقاعد، ورأى أنه خطر على الاقتصاد، لأن زيادة المال المجمد تؤدي لتقليل المال الذي يحفز النمو الاقتصادي، ما يعد جانبًا آخر من نظريات كينز الموجهة نحو درء الاقتصاد من الوقوع في حالة كساد عميق.
انتقد اقتصاديون كثر منهج كينز، فالأعمال برأيهم ستستجيب للمحفزات الاقتصادية وتدفع الاقتصاد باتجاه العودة لحالة التوازن، ما لم تعرقلهم الحكومة بتدخلها في الأسعار والأجور، أي أن السوق يصلح نفسه بنفسه.
لكن كينز الذي كان يكتب أفكاره خلال فترة غرق العالم في كساد اقتصادي عميق لم يكن متفائلًا حول التوازن الطبيعي للأسواق، ورأى أن دور الحكومة أهم من دور قوى السوق في تنشيط الاقتصاد.
كينز والسياسة المالية
يعد أثر المضاعف الذي طوره تلميذ كينز «ريتشارد كان» أحد أهم مكونات السياسة المالية المضادة التي اقترحها كينز.
وفقًا لنظرية كينز عن التحفيز المالي، تؤدي الجرعة التي يحقنها الإنفاق الحكومي في الاقتصاد إلى زيادة النشاط الاقتصادي والمزيد من الإنفاق، وتقترح هذه النظرية أن الإنفاق يحفز الإنتاج الكلي ويولد المزيد من الدخل، وفي حال استعداد العمال لإنفاق دخلهم الإضافي، قد يؤدي ذلك إلى نمو في الناتج المحلي الإجمالي أكبر من مبلغ التحفيز الأساسي.
ترتبط أهمية المضاعف الكينزي مباشرة بالميل الحدي للاستهلاك، وهي فكرة بسيطة، فيصبح إنفاق أحد المستهلكين دخلًا لأحد الشركات التي ستنفقه لشراء المعدات أو المواد أو الخدمات، أو دفع أجور العمال أو الطاقة أو الضرائب أو عوائد المستثمرين، ويصبح هذا الإنفاق دخلًا لشخصٍ آخر، وهكذا يستمر دوران العجلة.
آمن كينز وأتباعه بأن على الأفراد تقليل ادخارهم وزيادة إنفاقهم، ورفع الميل الحدي للاستهلاك للتأثير في التوظيف الكامل والنمو الاقتصادي.
وفق هذه النظرية، تخلق الوحدة النقدية -ولنفترض أنها الدولار- التي أنفقت للتحفيز المالي أكثر من دولار في النمو، وكانت هذه الفكرة ثورية آنذاك لدى الاقتصاديين الحكوميين، وخلقت مبررًا لتمويل مشاريع إنفاق رائجة سياسيًا على الصعيد الوطني.
احتلت هذه النظرية منصبًا بارزًا في الأوساط الأكاديمية الاقتصادية لعقود من الزمن، لكن اقتصاديين آخرين مثل ميلتون فريدمان وموراي روثبورد أثبتوا لاحقًا أن النموذج الكينزي لا يمثل العلاقة بين الادخار والاستثمار والنمو تمثيلًا دقيقًا.
مازال العديد من الاقتصاديين يعتمدون على النماذج التي يولدها المضاعف، لكن معظمهم يعترف بأن التحفيز المالي في هذا النموذج أقل بكثير مما يقدمه نموذج المضاعف التقليدي.
كينز والسياسة النقدية
تركز النظرية الكينزية على الحلول من جانب الطلب في فترات الكساد، ويؤدي التدخل الحكومي دورًا بالغ الأهمية في منهج كينز لمحاربة البطالة والبطالة المقنعة وانخفاض الطلب، ويعد التركيز على التدخل الحكومي من أهم النقاط التي يختلف فيها أتباع المدرسة الكينزية مع أولئك الذين يدعون للحد من تدخل الحكومة وانخراطها في الأسواق.
يجادل الكينزيون في أن الاقتصاد لا يصلح نفسه ويذهب باتجاه الاستقرار سريعًا، بل يجب التدخل الفعال لتحفيز الطلب على المدى القصير، ويجادلون أيضًا في بطء استجابة البطالة والأجور لاحتياجات السوق، ما يتطلب تدخلًا حكوميًّا لتصحيح المسار.
علاوةً على ما سبق، يرون أيضًا أن الأسعار لا تتحرك بسرعة، وتتغير تدريجيًّا بعد إجراء التدخلات النقدية، ما أفسح المجال لظهور المدرسة النقدية، وهي فرع من المدرسة الكينزية، ففي حال كان تغير الأسعار بطيئًا، يمكن استخدام المعروض النقدي كأداة وتغيير أسعار الفائدة لتشجيع الإقراض والاقتراض.
إن تخفيض أسعار الفائدة هي إحدى طرق التدخل الحكومي الفعال في الاقتصاد، وتؤدي إلى تشجيع الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، وتنشط زيادة الطلب قصيرة المدى الناجمة عن تخفيض معدل الفائدة النظام الاقتصادي وتنعش التوظيف والطلب على الخدمات، وبعدها يغذي النشاط الاقتصادي استمرارية النمو والتوظيف.
ويرى أتباع المدرسة الكينزية أن هذه الدورة معطلة دون التدخل الحكومي، وأن نمو الأسواق سيصبح غير مستقر ومكشوفًا أمام تقلبات خطيرة، ويعد إبقاء معدلات الفائدة منخفضة محاولة لتحفيز الدورة الاقتصادية عبر تشجيع الأفراد والشركات على اقتراض الأموال، ثم إنفاقها، فيحفز الإنفاق الجديد الاقتصاد، ولكن تخفيض أسعار الفائدة لا يؤدي دائمًا إلى تحسن اقتصادي مباشر.
يركز أتباع المدرسة النقدية على التحكم بالمعروض النقدي وتخفيض معدلات الفائدة لحل المشكلات الاقتصادية، ولكنهم يتجنبون مشكلة الحد الصفري، فمع اقتراب معدلات الفائدة من الصفر، تنخفض فعالية تحفيز الاقتصاد عبر تخفيض معدلات الفائدة، لأنها تؤدي في هذه الحالة إلى انخفاض حوافز الاستثمار، فيتجه الناس نحو الاحتفاظ بالنقود أو بدائل النقد مثل سندات الخزينة قصيرة الأمد.
قد لا يكون تغيير معدلات الفائدة كافيًا لتوليد نشاط اقتصادي جديد في حال لم يكن قادرًا على تحفيز الاستثمار، وفي هذه الحالة قد تفشل محاولة تنشيط الاقتصاد فشلًا ذريعًا، وهذه إحدى تجليات فخ السيولة.
عند فشل تخفيض معدلات الفائدة في تقديم النتائج المرجوة، يرى أتباع النظرية الكينزية وجوب تطبيق سياسات أخرى، أهمها السياسة المالية التي تتضمن التحكم المباشر بعرض العمالة أو تغيير معدلات الضرائب لزيادة أو تخفيض حجم المعروض النقدي بنحوٍ غير مباشر، أو تغيير السياسة النقدية أو التحكم بعرض السلع والخدمات إلى حين ترميم الطلب والتوظيف.
هي نظرية في الاقتصاد الكلي تناقش الإنفاق الإجمالي في الاقتصاد وآثاره في الإنتاج والتوظيف والتضخم، وضعها عالم الاقتصاد البريطاني جون مينارد كينز في ثلاثينيات القرن الماضي في محاولة لتفسير الكساد العظيم آنذاك.
تعد هذه النظرية نظرية من جانب الطلب، وتركز على المتغيرات الاقتصادية على المدى القصير، وفيما يخص دراسة الأسواق والسلوك الاقتصادي، كانت أول نظرية تفصل فصلًا تامًّا بين دراستها بناءً على الحوافز الفردية ودراستها بناءً على متغيرات كلية شاملة على الصعيد الوطني.
يدعم كينز وفق نظريته فكرة زيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب بهدف تحفيز الطلب وإنقاذ الاقتصاد العالمي من الكساد.
يمكن القول إن النظرية الكينزية تسلط الضوء على إمكانية الوصول إلى أفضل أداء اقتصادي ومنع الأزمات لاقتصادية عبر التأثير في الطلب الكلي بحفظ التوازن الفعال وتطبيق سياسات التدخل الحكومي في الاقتصاد.
فهم الاقتصاد الكينزي
قدمت النظرية الكينزية طريقة جديدة في النظر إلى الإنفاق والإنتاج والتضخم.
وفقًا للنظريات السابقة لكينز -التي سماها النظريات الكلاسيكية- تخلق التقلبات الدورية في الإنتاج والتوظيف فرصًا للربح يسعى إليها الأفراد ورياديو الأعمال، ما يعالج الاختلالات التي تصيب الاقتصاد.
وفق تفسير كينز للنظريات الاقتصادية، يؤدي انخفاض الطلب الكلي في الاقتصاد وما ينتج عنه من انخفاض في الإنتاج وفرص العمل إلى انخفاض في الأسعار والأجور، وتؤدي المستويات المنخفضة من التضخم والأجور إلى تحفيز أًصحاب الأعمال لزيادة استثماراتهم الرأسمالية وتوظيف المزيد من العمال، ما يزيد من التوظيف ويحفز النمو الاقتصادي، ويرى كينز أن شدة واستمرارية الكساد العظيم اختبرت النظرية الكلاسيكية وأثبتت عدم صحتها.
في كتابه «النظرية العامة في التوظيف والفائدة والمال»، جادل كينز ضد النظرية الكلاسيكية، ففي أثناء فترات الكساد يؤدي التشاؤم في عالم الأعمال وبعض خصائص اقتصاد السوق إلى تفاقم المشكلة الاقتصادية واستمرار انخفاض الطلب الكلي.
على سبيل المثال، يختلف كينز مع اقتصاديين آخرين يرون أن الأجور المنخفضة قد تعيد حالة التوظيف الكامل، لأن ميل منحنى الطلب على العمالة سالب كأي منحنى طلب آخر.
أما كينز فيرى أن أصحاب الأعمال سيمتنعون عن توظيف العمال لإنتاج سلع لن تباع بسبب انخفاض الطلب على السلع.
على نحوٍ مشابه، قد يدفع سوء ظروف عالم الأعمال الشركات لتخفيض استثماراتها الرأسمالية، لا استغلال الأسعار المنخفضة والاستثمار في معامل وآلات جديدة، ما يؤدي بدوره إلى تخفيض الإنفاق والتوظيف الإجمالي.
النظرية الكينزية والكساد العظيم
يشار إلى الاقتصاد الكينزي أحيانًا بأنه «اقتصاديات الكساد»، فقد كتب كينز نظريته العامة في فترة الكساد العظيم الذي لم يصب دولته الأم -المملكة المتحدة- فحسب، بل أصاب العالم أجمع. نشر كينز كتابه عام 1936 وعرض فيه رأيه حول الأحداث التي ظهرت خلال الكساد العظيم، ورأى أنه لا يمكن تفسيرها اعتمادًا على النظرية الاقتصادية الكلاسيكية.
جادل اقتصاديون آخرون بأنه في صحوة أية أزمة اقتصادية، سيستغل المستثمرون وكذلك الشركات أسعار المدخلات المنخفضة لتحقيق مصالحهم الشخصية، ما سيعيد المخرجات والأسعار إلى حالة التوازن في السوق ما لم يعرقلها شيء آخر، لكن رأى كينز أن الكساد العظيم أثبت خلاف هذه النظرية، فقد كان الإنتاج منخفضًا بينما ظلت البطالة مرتفعة في تلك الفترة، فألهم الكساد العظيم كينز لينظر إلى طبيعة الاقتصاد نظرة مختلفة.
وهكذا صاغ كينز تطبيقات اقتصادية مستمدة من الواقع يمكن استخدامها عند حدوث أزمات اقتصادية.
رفض كينز فكرة أن الاقتصاد سيعود لحالة التوازن الطبيعية، وجادل في أنه حالما تقع الأزمة الاقتصادية، مهما كان سببها، فسيصبح الخوف الذي تولده لدى الأعمال والمستثمرين متفاقمًا ومغذيًا للأزمة، ما يدفع النشاط الاقتصادي باتجاه استدامة فترة الكساد والبطالة.
استجابةً لهذا النوع من الأزمات، يقترح كينز تنفيذ سياسة مالية مضادة لهذه التقلبات الدورية، إذ يجب على الحكومة في أثناء الأزمات اللجوء إلى التمويل بالعجز لتعويض انخفاض الاستثمار وتحفيز الإنفاق الاستهلاكي بهدف تدعيم توازن الطلب الكلي.
انتقد كينز أداء الحكومة البريطانية بشدة آنذاك، تلك الحكومة التي زادت الإنفاق على الرعاية الاجتماعية كثيرًا ورفعت الضرائب لموازنة ميزانيتها، ورأى كينز أن هذا الإجراء لن يدفع الناس نحو إنفاق أموالهم، ما يضع حاجزًا أمام تنشيط الاقتصاد ويجعله غير قادر على التعافي والعودة إلى حالته الجيدة.
لذلك اقترح على الحكومة زيادة إنفاقها وتخفيض الضرائب ما يدفعها باتجاه عجز الموازنة، ما سيزيد الطلب الاستهلاكي في الاقتصاد، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة النشاط الاقتصادي الإجمالي وتخفيض البطالة.
انتقد أيضًا كينز فكرة الادخار الفائض، ما لم يكن لخدمة هدف محدد مثل التعليم أو التقاعد، ورأى أنه خطر على الاقتصاد، لأن زيادة المال المجمد تؤدي لتقليل المال الذي يحفز النمو الاقتصادي، ما يعد جانبًا آخر من نظريات كينز الموجهة نحو درء الاقتصاد من الوقوع في حالة كساد عميق.
انتقد اقتصاديون كثر منهج كينز، فالأعمال برأيهم ستستجيب للمحفزات الاقتصادية وتدفع الاقتصاد باتجاه العودة لحالة التوازن، ما لم تعرقلهم الحكومة بتدخلها في الأسعار والأجور، أي أن السوق يصلح نفسه بنفسه.
لكن كينز الذي كان يكتب أفكاره خلال فترة غرق العالم في كساد اقتصادي عميق لم يكن متفائلًا حول التوازن الطبيعي للأسواق، ورأى أن دور الحكومة أهم من دور قوى السوق في تنشيط الاقتصاد.
كينز والسياسة المالية
يعد أثر المضاعف الذي طوره تلميذ كينز «ريتشارد كان» أحد أهم مكونات السياسة المالية المضادة التي اقترحها كينز.
وفقًا لنظرية كينز عن التحفيز المالي، تؤدي الجرعة التي يحقنها الإنفاق الحكومي في الاقتصاد إلى زيادة النشاط الاقتصادي والمزيد من الإنفاق، وتقترح هذه النظرية أن الإنفاق يحفز الإنتاج الكلي ويولد المزيد من الدخل، وفي حال استعداد العمال لإنفاق دخلهم الإضافي، قد يؤدي ذلك إلى نمو في الناتج المحلي الإجمالي أكبر من مبلغ التحفيز الأساسي.
ترتبط أهمية المضاعف الكينزي مباشرة بالميل الحدي للاستهلاك، وهي فكرة بسيطة، فيصبح إنفاق أحد المستهلكين دخلًا لأحد الشركات التي ستنفقه لشراء المعدات أو المواد أو الخدمات، أو دفع أجور العمال أو الطاقة أو الضرائب أو عوائد المستثمرين، ويصبح هذا الإنفاق دخلًا لشخصٍ آخر، وهكذا يستمر دوران العجلة.
آمن كينز وأتباعه بأن على الأفراد تقليل ادخارهم وزيادة إنفاقهم، ورفع الميل الحدي للاستهلاك للتأثير في التوظيف الكامل والنمو الاقتصادي.
وفق هذه النظرية، تخلق الوحدة النقدية -ولنفترض أنها الدولار- التي أنفقت للتحفيز المالي أكثر من دولار في النمو، وكانت هذه الفكرة ثورية آنذاك لدى الاقتصاديين الحكوميين، وخلقت مبررًا لتمويل مشاريع إنفاق رائجة سياسيًا على الصعيد الوطني.
احتلت هذه النظرية منصبًا بارزًا في الأوساط الأكاديمية الاقتصادية لعقود من الزمن، لكن اقتصاديين آخرين مثل ميلتون فريدمان وموراي روثبورد أثبتوا لاحقًا أن النموذج الكينزي لا يمثل العلاقة بين الادخار والاستثمار والنمو تمثيلًا دقيقًا.
مازال العديد من الاقتصاديين يعتمدون على النماذج التي يولدها المضاعف، لكن معظمهم يعترف بأن التحفيز المالي في هذا النموذج أقل بكثير مما يقدمه نموذج المضاعف التقليدي.
كينز والسياسة النقدية
تركز النظرية الكينزية على الحلول من جانب الطلب في فترات الكساد، ويؤدي التدخل الحكومي دورًا بالغ الأهمية في منهج كينز لمحاربة البطالة والبطالة المقنعة وانخفاض الطلب، ويعد التركيز على التدخل الحكومي من أهم النقاط التي يختلف فيها أتباع المدرسة الكينزية مع أولئك الذين يدعون للحد من تدخل الحكومة وانخراطها في الأسواق.
يجادل الكينزيون في أن الاقتصاد لا يصلح نفسه ويذهب باتجاه الاستقرار سريعًا، بل يجب التدخل الفعال لتحفيز الطلب على المدى القصير، ويجادلون أيضًا في بطء استجابة البطالة والأجور لاحتياجات السوق، ما يتطلب تدخلًا حكوميًّا لتصحيح المسار.
علاوةً على ما سبق، يرون أيضًا أن الأسعار لا تتحرك بسرعة، وتتغير تدريجيًّا بعد إجراء التدخلات النقدية، ما أفسح المجال لظهور المدرسة النقدية، وهي فرع من المدرسة الكينزية، ففي حال كان تغير الأسعار بطيئًا، يمكن استخدام المعروض النقدي كأداة وتغيير أسعار الفائدة لتشجيع الإقراض والاقتراض.
إن تخفيض أسعار الفائدة هي إحدى طرق التدخل الحكومي الفعال في الاقتصاد، وتؤدي إلى تشجيع الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، وتنشط زيادة الطلب قصيرة المدى الناجمة عن تخفيض معدل الفائدة النظام الاقتصادي وتنعش التوظيف والطلب على الخدمات، وبعدها يغذي النشاط الاقتصادي استمرارية النمو والتوظيف.
ويرى أتباع المدرسة الكينزية أن هذه الدورة معطلة دون التدخل الحكومي، وأن نمو الأسواق سيصبح غير مستقر ومكشوفًا أمام تقلبات خطيرة، ويعد إبقاء معدلات الفائدة منخفضة محاولة لتحفيز الدورة الاقتصادية عبر تشجيع الأفراد والشركات على اقتراض الأموال، ثم إنفاقها، فيحفز الإنفاق الجديد الاقتصاد، ولكن تخفيض أسعار الفائدة لا يؤدي دائمًا إلى تحسن اقتصادي مباشر.
يركز أتباع المدرسة النقدية على التحكم بالمعروض النقدي وتخفيض معدلات الفائدة لحل المشكلات الاقتصادية، ولكنهم يتجنبون مشكلة الحد الصفري، فمع اقتراب معدلات الفائدة من الصفر، تنخفض فعالية تحفيز الاقتصاد عبر تخفيض معدلات الفائدة، لأنها تؤدي في هذه الحالة إلى انخفاض حوافز الاستثمار، فيتجه الناس نحو الاحتفاظ بالنقود أو بدائل النقد مثل سندات الخزينة قصيرة الأمد.
قد لا يكون تغيير معدلات الفائدة كافيًا لتوليد نشاط اقتصادي جديد في حال لم يكن قادرًا على تحفيز الاستثمار، وفي هذه الحالة قد تفشل محاولة تنشيط الاقتصاد فشلًا ذريعًا، وهذه إحدى تجليات فخ السيولة.
عند فشل تخفيض معدلات الفائدة في تقديم النتائج المرجوة، يرى أتباع النظرية الكينزية وجوب تطبيق سياسات أخرى، أهمها السياسة المالية التي تتضمن التحكم المباشر بعرض العمالة أو تغيير معدلات الضرائب لزيادة أو تخفيض حجم المعروض النقدي بنحوٍ غير مباشر، أو تغيير السياسة النقدية أو التحكم بعرض السلع والخدمات إلى حين ترميم الطلب والتوظيف.