الصورالشخصية في الفيوم المصرية Fayoum portraits من روائع فن التصوير،

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصورالشخصية في الفيوم المصرية Fayoum portraits من روائع فن التصوير،

    الفيّوم (الصور الشخصية في ـ)
    صورة إمرأة من الفيوم
    (نحو160م)
    صورة صبي من الفيوم
    (القرن الثاني الميلادي)
    تعدّ الصور الشخصية المنسوبة إلى الفيوم المصرية Fayoum portraits من روائع فن التصوير، وتتميز بأسلوبها الواقعي وبطابعها الشعبي المحلي وحسن التعبير عن الانفعالات النفسية. وتعود إلى نهاية العصر الهلنستي وبداية العصر الروماني في عهد الامبراطور قسطنطين 274ـ337م، أي إلى القرنين الأوّل والرابع الميلاديين.
    وإذا كان بعض الباحثين نسبها إلى الإسكندرية لشهرة هذه المدينة الثقافية بفن الرسم والتصوير، فإن آخرين أطلقوا عليها اسم (صور شخصية لأناس من الفيوم) حيث وُجدت نماذج كثيرة منها في مناطق مختلفة من مصر ولاسيما في الفيوم.
    إن هذه الصور الصغيرة التي لا تتجاوز أبعادها 20 ×30سم، صُوِّرت على ألواح خشبية رقيقة، وبألوان شمعية encaustique أو دهان ممزوج بالماء والصمغ détrempe، وغلفت أحياناً بطبقة من النسيج الرقيق، وهي تمثل وجوه الموتى بملامحهم الشخصية، ولها وظيفة جنائزية.
    وربما كانت هذه الأعمال تُنفَّذ وصاحبها مازال على قيد الحياة وفي ريعان شبابه، وبعد وفاته توضع داخل التابوت فوق الكفن في مكان الوجه، فيبدو الميت كمن يطل من لفائف كفنه، ما جعل بعضهم يطلقون على هذه الصور اسم «صور المومياءات».
    تميزت هذه الصور بخروجها في العصرين الهلنستي والروماني عن النمط الفرعوني القديم، وابتعادها عن التقاليد الرومانية في تصوير وجوه الأشخاص بالأسلوب الفني المتبع في عصر أباطرة الرومان.
    تبدو وجوه الفيوم في لمساتها الفنية وكأنها صُوِّرت على عجل؛ الأمر الذي يشي بحركات يد ذلك الفنان وقد طبع انفعالاته ومعايناته المباشرة عن الطبيعة، وتُدهش الناظر براعته في تصوير أدقّ التفاصيل والقسمات في وجوه شخوصه بوساطة الألوان.
    ولعل أكثر ما يثير المشاهد في هذه الروائع الصغيرة تجسيدها المعبر عن شخصية أفرادها وملامحهم الفردية وانفعالاتهم النفسية الخاصة بكل منهم، إضافة إلى تركيزه على الجانب الإنساني، وذلك بفطرة وسذاجة جذابتين وبخطوط قليلة وبسيطة.
    من الملاحظ أن هذه التصاوير لاتدلّ على معرفة الصانع بأصول التشريح ورسم الجسد الإنساني بمعايير ذلك العصر الفنية.
    إن صور الفيوم في رقتها وجمال بساطتها تعبر عن إحساسات إنسانية وشعبية عميقة تجعل وجوه أولئك الأشخاص قريبة من المشاهد ومألوفة لديه، وكأنها نُفِّذت حالاً.
    والجدير بالذكر أن ذلك الفنان استخدم في أعماله، وبمهارة، تقانة الألوان الشمعية، وقد صهرت وتم تثبيتها على الخشب بوساطة الكي، فامتزجت وتداخلت وتدرجت قيمها، فبدت وكأنها رسوم مائية شفافة. وينسب ابتكار هذه التقنية الفنية إلى الفنان اليوناني بوليغنوت Polygnote.
    تفسرأهمية صور الفيوم مدى اهتمام الفنون الأوربية الحديثة بهذه الروائع النفيسة التي تعبر بصدق وعفوية عن دفء إنساني، وتصور جوانب حياتية منتزعة من صميم المجتمع المصري آنذاك. وقد اقتصرت على صور نصفية لأشخاص مصريين من أصول شعبية. والجدير بالذكر أن عدد هذه الصور، على الرغم من شهرتها العالمية الكبيرة، قليل جداً في المتاحف المصرية: ثلاث قطع في المتحف اليوناني الروماني في الإسكندرية، وأربعون في المتحف المصري في القاهرة، إضافة إلى تلك المحفوظة لدى هواة المجموعات الخاصة. في حين أن المتاحف الأوربية كمتحف لندن وغيره تزخر بها. ويبدو أن الفنانين والمثقفين المصريين قد تنبّهوا متأخرين على أهمية هذه الصور جزءاً من التراث الفني والثقافي الوطني والعالمي الذي اقتبست منه، وأفادت من خصائصه الفنية والجمالية الفنون الأوربية المعاصرة، ولاسيما الفنان الفرنسي روو Rouault الذي اقتبس فنه المتميز من لوحات الفيوم والمنسوجات القبطية الجميلة.
    إن هذه الصور الشخصية ذات المستوى الفني الرفيع، والقيمة الجمالية العالية تدلّ بلا ريب على رقي فن التصوير الشعبي وعلى النهضة الفنية الشاملة والمتميزة التي شهدتها مصر في نهاية العصر الهلّنستي وبداية العصر الروماني.
    بشير زهدي
يعمل...
X