عن الكاريكاتير وتاريخه.. تكثيف بصري للنقد الساخر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عن الكاريكاتير وتاريخه.. تكثيف بصري للنقد الساخر

    عن الكاريكاتير وتاريخه.. تكثيف بصري للنقد الساخر

    الفن لون من ألوان الثقافة الإنسانية، فهو كل إبداع تحققه يد الإنسان، وهو الأسلوب الذي يظهر فيه الفنان انفعالاته النفسية وردود أفعاله على الحياة والواقع في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية، وأبرز فروعه الفن التشكيلي حيث يقوم الرسم بالتعبير عما يدور في داخل الشخص من خواطر وأفكار عن طريق الخطوط والبقع التي يرسمها، فالتصوير والرسم أشبه ما يكونان بالشعر الصامت، ولعل فن الكاريكاتير أحد أهم الفنون البصرية النابعة من الرسم ولكن بطريقة غير مألوفة من التحريف والتغيير بقصد السخرية والنقد فهو فن ساخر يعتمد على بعدين فقط، ويقوم بتحريف الملامح الطبيعية للموضوع؛ أو ميزات منه؛ أو جسم شخص ما؛ لما فيه من تهكم وانتقاد اجتماعي وسياسي معتمدًا على الصورة الهزلية والمبالغة في إظهار الجوانب السلبية كما يتميز بقدرته الفائقة على التقاط النكتة المكثفة والمعبرة بشكل يتفوق فيه على المقالات والتقارير الصحافية، ويوصف بأنه تمثيل للذات المشخصة حيث يظهر الرسم الصفة الغالبة للشخصية التي تفيد الاستصغار أو التحقير أو تجسد الوظيفة الحقيقية المناطة بالشخص من واقع أدوارها الحياتية، وهو فن جريء وجاد رغم الدعابة والابتسامة التي يرسمها على الوجوه، كونه يتضمن موقفًا فكريًا ثاقبًا يتطلب الغوص في عمق الفكرة الناقدة.

    يعتبر فن الكاريكاتير أكثر التصاقًا بالمتلقي والأكثر شعبية في تكثيف اللحظة الضاجة والمنعكسة على مشهد الواقع، حيث السخرية والمبالغة لتضخيم الزاوية المنتقدة مما يسمح برؤية تامة للجانب الذي نتناوله بالنقد، فحيوية الكاريكاتير تتطلب وصولًا سريعًا إلى المتابع بتواتر مع الحدث الموحي، ومن هنا علاقته الوطيدة بالصحافة اليومية لأن المعارض الفنية غير كافية لوحدها في خلق التفاعل الحي والمباشر مع الجمهور.

    "رسومات ليوناردو دافينشي اعتمدت المبالغة في تشويه الوجوه وهي إحدى البذور الجنينية لفن الكاريكاتير الذي لم يتبلور حضوره كفن مستقل إلا بعد عصر النهضة"
    تاريخ فن الكاريكاتير

    تعود كلمة كاريكاتير إلى أصول إيطالية وهي مشتقة من كلمة "كاريكاتورا" والتي تعني المغالاة والمبالغة في إظهار العيوب، وهي مصطلح ثقافي. وفي الحضارات القديمة تكمن جذور السخرية والمبالغة كفن مركب من التشكيل والكوميديا عبر الرسوم التي انتقلت إلينا، إذ أمكن العثور على الرسوم الكوميدية في آثار تعود لحضارات وفنون ما قبل التاريخ، حيث كان الإنسان يصور على جدران مغارته وعلى الصخور حياة الحيوانات المحيطة به وحياته الشخصية، وقد عثر على الكثير من الرسوم التي تحتوي على عناصر الكوميديا والسخرية في الكثير من جدران الكهوف في فرنسا وإيطاليا وأميركا الجنوبية والجزيرة العربية والصحراء الجزائرية وقبرص وفي الكثير من الأمكنة الأخرى التي تنتمي لأحقاب ما قبل التاريخ. ويقال إن فكرة الكاريكاتير نشأت ببداية الخليقة عندما سخر قابيل من أخيه هابيل لأن أخته أحبت هابيل دونه، ويقال أيضًا إن بداياته قديمة جدًا بدأت من أيام الفراعنة، فهناك برديات كثيرة عليها رسوم كاريكاتيرية تتحدث أيضًا عن انقلاب الأوضاع عليها، مثلًا فرس النهر واقف بحجمه الكبير على شجرة، أو طائر يضع سلمًا على جذع شجرة ويحاول أن يصعد على درجاته، أو الذئب في صورة راعي الغنم، وهذا نوع من السخرية الراقية جدًا، كما أن التصوير ذا الطابع الديني يمثل الشكل الجنيني للسخرية حيث صور الإله الغاضب بسحنة مخيفة، والأرواح الشريرة صورت بشكل قبيح جدًا، وفي سورية وفي قرطاج أيضًا ظهرت تلك الأقنعة الفخارية الضاحكة بحواجب دائرية وأسنان بارزة تنذر بالسوء رغم ضحكتها الظاهرة، وفي حضارة المايا التي سادت في المكسيك يمكن ذكر رسمين يمثلان آلهة الجحيم ويعودان للقرنين السادس والتاسع، وكانت هناك رسومات ليوناردو دافينشي التي اعتمدت المبالغة في تشويه الوجوه وهي إحدى البذور الجنينية لفن الكاريكاتير الذي لم يتبلور حضوره كفن مستقل إلا بعد عصر النهضة.

    من رسومات حضارة المايا
    ولعل المبالغة أخذت حدها الأعلى لدى الفنان الفلامنكي جيرونيم بوش وخاصة في أعماله التي لامست القضايا الدينية، فمثلًا لوحة "حمل الصليب" يصور فيها السيّد المسيح على طريق الجلجلة وحوله صور وجوه محيطة به بشكل كاريكاتيري مشوه وسواها الكثير، وهذه المبالغة هي التي شكلت جذور الفن السوريالي كذلك.

    أما في أوروبا، فقد تميزت أعمال رواد النهضة الأوروبية وخاصة الأعمال الغرافيتية التي تظهر فيها عناصر المبالغة الساخرة عند الفنان الفرنسي جاك كالو الذي اعتمد على تصوير العيوب الخلقية والجسمانية عبر سلسلات من الرسوم استخدم فيها المبالغة مثل سلسلة "الحدب" التي يصور فيها الأحدب بوضعيات مختلفة، وأخرى يجسد فيها أهوال الحرب. أما أقرب منجز يقارب الفن المعاصر بالمبالغة الساخرة التي تثير الضحك فهو للإيطالي بيير ليونيه غيتسي الذي فاقت رسومه الثلاثة آلاف رسم، إذ تعتبر أعماله بداية فن الكاريكاتير المستقل، وهي سبب شهرته برغم براعته بالعلوم والطب والآثار والموسيقى.

    وفي القرن السابع عشر ظهرت السخرية السوداء ولكن أول من استخدم الكاريكاتير الساخر في النقد هو الإنكليزي وليم هوغارت، الذي يعتبر مؤسس اتجاه النقد الاجتماعي في الفن الأوروبي وجسدت أعماله الظواهر السلبية والشاذة في المجتمع مثل مهنة الدعارة والتبذير والإسراف والانتخابات، وبذات المرحلة ظهر في إسبانيا فرنسيسكو غويا حيث تميزت رسوماته بالتجديد والانفعالية والخيال الواسع في معالجته الظواهر الاجتماعية بأسلوب ساخر، إذ اعتبر غويا مؤسس الكاريكاتير الأخلاقي الناقد، غير أن فن الكاريكاتير أخذ شكله الرئيسي على يد الرسامين الإنكليز وأشهرهم توماس رولاندسون ولكن الفرنسيين هم من أعطوه بعده السياسي مثل غوستاف دوريه. وكان لحروب نابليون انعكاس كبير في تطور هذا الفن فقد تبدى عند الفنانين الروس عقب اجتياح نابليون للأراضي الروسية مثل أليكسي ستيبانوف، كما أن العداء لنابليون جعل الإنكليزي جيمس غيلاري يجسد لوحات ساخرة تشي بالمضمون المعارض النقدي لهذه الشخصية الديكتاتورية بالإضافة لبعض الظواهر الاجتماعية، أما الفنان جورج فودفارد فقد تميّز بتصوير الوجوه وكان من أبرز رسامي البورتريه. ومن رسومه لوحات التنبؤات أو الضرائب القادمة بلوحات تعبيرية تصور جامعي الضرائب في أوضاع مختلفة ورسوم الأقزام المجسدة للعقلية التي تؤمن بالخرافات، وعلى يده تأسس الكاريكاتير الاجتماعي وتبلورت مضامينه ممهدة السبيل للكاريكاتير السياسي.
    "أول من استخدم الكاريكاتير الساخر في النقد هو الإنكليزي وليم هوغارت، الذي يعتبر مؤسس اتجاه النقد الاجتماعي في الفن وجسدت أعماله الظواهر السلبية في المجتمع مثل مهنة الدعارة والتبذير والانتخابات"
    وقد كان الفرنسيون أول من استخدم هذا الفن في القضايا السياسية نتيجة الصراع السياسي الحاد في نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وازدياد أعداد الصحف التي توظف الكاريكاتير في هذا الصراع وتعطيه صفة الديمومة. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر رسامون فرنسيون جدد مثل تولوز لوتريك ومنهم بيلو تيل الذي نفذ لوحة "مالك البيوت" أيام الثورة الفرنسية، وفي روسيا برز عدد لا بأس به من الفنانين الذين مارسوا فن الكاريكاتير مثل الكسندر أرلوفسكي الذي اشتهر بلوحة "نابليون على جزيرة القديسة هيلانة" والفنان الكسندر نتيفيسيانوف الذي تناول أيضًا حياة الفلاحين الروس مثل لوحتي "زاخاركا" و"على البرج".

    برزت في منتصف القرن التاسع عشر مجموعة من فناني الكاريكاتير الألمان نذكر منهم فيلهلم بوش الذي عالج قضايا اجتماعية ودينية على غرار: هيلينيا الورعة، أما كيتي كولويتس فقد صور أعمالًا تاريخية وسلسلة رسوم تصور انتفاضة عمال النسيج، أما بالولايات المتحدة الأميركية فقد ازدهر فن الكاريكاتير بشكل متسارع في المجالين الاجتماعي والسياسي خلال القرنين الثامن والتاسع عشر بسبب الأحداث العاصفة وبفضل الفنانين الأوروبيين المهاجرين إلى أميركا.

    وفي القرن العشرين دخل فن الكاريكاتير متجذرًا بثبات راسخ، له جمهوره وشعبيته وأتباعه من الفنانين والمريدين وازداد عدد الفنانين والصحف التي تنشر أعمالهم لدرجة صار من الصعب إحصاء أعدادهم المتزايدة.
    عن الكاريكاتير وتاريخه.. تكثيف بصري للنقد الساخر

    الفن لون من ألوان الثقافة الإنسانية، فهو كل إبداع تحققه يد الإنسان، وهو الأسلوب الذي يظهر فيه الفنان انفعالاته النفسية وردود أفعاله على الحياة والواقع في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية، وأبرز فروعه الفن التشكيلي حيث يقوم الرسم بالتعبير عما يدور في داخل الشخص من خواطر وأفكار عن طريق الخطوط والبقع التي يرسمها، فالتصوير والرسم أشبه ما يكونان بالشعر الصامت، ولعل فن الكاريكاتير أحد أهم الفنون البصرية النابعة من الرسم ولكن بطريقة غير مألوفة من التحريف والتغيير بقصد السخرية والنقد فهو فن ساخر يعتمد على بعدين فقط، ويقوم بتحريف الملامح الطبيعية للموضوع؛ أو ميزات منه؛ أو جسم شخص ما؛ لما فيه من تهكم وانتقاد اجتماعي وسياسي معتمدًا على الصورة الهزلية والمبالغة في إظهار الجوانب السلبية كما يتميز بقدرته الفائقة على التقاط النكتة المكثفة والمعبرة بشكل يتفوق فيه على المقالات والتقارير الصحافية، ويوصف بأنه تمثيل للذات المشخصة حيث يظهر الرسم الصفة الغالبة للشخصية التي تفيد الاستصغار أو التحقير أو تجسد الوظيفة الحقيقية المناطة بالشخص من واقع أدوارها الحياتية، وهو فن جريء وجاد رغم الدعابة والابتسامة التي يرسمها على الوجوه، كونه يتضمن موقفًا فكريًا ثاقبًا يتطلب الغوص في عمق الفكرة الناقدة.

    يعتبر فن الكاريكاتير أكثر التصاقًا بالمتلقي والأكثر شعبية في تكثيف اللحظة الضاجة والمنعكسة على مشهد الواقع، حيث السخرية والمبالغة لتضخيم الزاوية المنتقدة مما يسمح برؤية تامة للجانب الذي نتناوله بالنقد، فحيوية الكاريكاتير تتطلب وصولًا سريعًا إلى المتابع بتواتر مع الحدث الموحي، ومن هنا علاقته الوطيدة بالصحافة اليومية لأن المعارض الفنية غير كافية لوحدها في خلق التفاعل الحي والمباشر مع الجمهور.

    "رسومات ليوناردو دافينشي اعتمدت المبالغة في تشويه الوجوه وهي إحدى البذور الجنينية لفن الكاريكاتير الذي لم يتبلور حضوره كفن مستقل إلا بعد عصر النهضة"
    تاريخ فن الكاريكاتير

    تعود كلمة كاريكاتير إلى أصول إيطالية وهي مشتقة من كلمة "كاريكاتورا" والتي تعني المغالاة والمبالغة في إظهار العيوب، وهي مصطلح ثقافي. وفي الحضارات القديمة تكمن جذور السخرية والمبالغة كفن مركب من التشكيل والكوميديا عبر الرسوم التي انتقلت إلينا، إذ أمكن العثور على الرسوم الكوميدية في آثار تعود لحضارات وفنون ما قبل التاريخ، حيث كان الإنسان يصور على جدران مغارته وعلى الصخور حياة الحيوانات المحيطة به وحياته الشخصية، وقد عثر على الكثير من الرسوم التي تحتوي على عناصر الكوميديا والسخرية في الكثير من جدران الكهوف في فرنسا وإيطاليا وأميركا الجنوبية والجزيرة العربية والصحراء الجزائرية وقبرص وفي الكثير من الأمكنة الأخرى التي تنتمي لأحقاب ما قبل التاريخ. ويقال إن فكرة الكاريكاتير نشأت ببداية الخليقة عندما سخر قابيل من أخيه هابيل لأن أخته أحبت هابيل دونه، ويقال أيضًا إن بداياته قديمة جدًا بدأت من أيام الفراعنة، فهناك برديات كثيرة عليها رسوم كاريكاتيرية تتحدث أيضًا عن انقلاب الأوضاع عليها، مثلًا فرس النهر واقف بحجمه الكبير على شجرة، أو طائر يضع سلمًا على جذع شجرة ويحاول أن يصعد على درجاته، أو الذئب في صورة راعي الغنم، وهذا نوع من السخرية الراقية جدًا، كما أن التصوير ذا الطابع الديني يمثل الشكل الجنيني للسخرية حيث صور الإله الغاضب بسحنة مخيفة، والأرواح الشريرة صورت بشكل قبيح جدًا، وفي سورية وفي قرطاج أيضًا ظهرت تلك الأقنعة الفخارية الضاحكة بحواجب دائرية وأسنان بارزة تنذر بالسوء رغم ضحكتها الظاهرة، وفي حضارة المايا التي سادت في المكسيك يمكن ذكر رسمين يمثلان آلهة الجحيم ويعودان للقرنين السادس والتاسع، وكانت هناك رسومات ليوناردو دافينشي التي اعتمدت المبالغة في تشويه الوجوه وهي إحدى البذور الجنينية لفن الكاريكاتير الذي لم يتبلور حضوره كفن مستقل إلا بعد عصر النهضة.

    من رسومات حضارة المايا
    ولعل المبالغة أخذت حدها الأعلى لدى الفنان الفلامنكي جيرونيم بوش وخاصة في أعماله التي لامست القضايا الدينية، فمثلًا لوحة "حمل الصليب" يصور فيها السيّد المسيح على طريق الجلجلة وحوله صور وجوه محيطة به بشكل كاريكاتيري مشوه وسواها الكثير، وهذه المبالغة هي التي شكلت جذور الفن السوريالي كذلك.

    أما في أوروبا، فقد تميزت أعمال رواد النهضة الأوروبية وخاصة الأعمال الغرافيتية التي تظهر فيها عناصر المبالغة الساخرة عند الفنان الفرنسي جاك كالو الذي اعتمد على تصوير العيوب الخلقية والجسمانية عبر سلسلات من الرسوم استخدم فيها المبالغة مثل سلسلة "الحدب" التي يصور فيها الأحدب بوضعيات مختلفة، وأخرى يجسد فيها أهوال الحرب. أما أقرب منجز يقارب الفن المعاصر بالمبالغة الساخرة التي تثير الضحك فهو للإيطالي بيير ليونيه غيتسي الذي فاقت رسومه الثلاثة آلاف رسم، إذ تعتبر أعماله بداية فن الكاريكاتير المستقل، وهي سبب شهرته برغم براعته بالعلوم والطب والآثار والموسيقى.

    وفي القرن السابع عشر ظهرت السخرية السوداء ولكن أول من استخدم الكاريكاتير الساخر في النقد هو الإنكليزي وليم هوغارت، الذي يعتبر مؤسس اتجاه النقد الاجتماعي في الفن الأوروبي وجسدت أعماله الظواهر السلبية والشاذة في المجتمع مثل مهنة الدعارة والتبذير والإسراف والانتخابات، وبذات المرحلة ظهر في إسبانيا فرنسيسكو غويا حيث تميزت رسوماته بالتجديد والانفعالية والخيال الواسع في معالجته الظواهر الاجتماعية بأسلوب ساخر، إذ اعتبر غويا مؤسس الكاريكاتير الأخلاقي الناقد، غير أن فن الكاريكاتير أخذ شكله الرئيسي على يد الرسامين الإنكليز وأشهرهم توماس رولاندسون ولكن الفرنسيين هم من أعطوه بعده السياسي مثل غوستاف دوريه. وكان لحروب نابليون انعكاس كبير في تطور هذا الفن فقد تبدى عند الفنانين الروس عقب اجتياح نابليون للأراضي الروسية مثل أليكسي ستيبانوف، كما أن العداء لنابليون جعل الإنكليزي جيمس غيلاري يجسد لوحات ساخرة تشي بالمضمون المعارض النقدي لهذه الشخصية الديكتاتورية بالإضافة لبعض الظواهر الاجتماعية، أما الفنان جورج فودفارد فقد تميّز بتصوير الوجوه وكان من أبرز رسامي البورتريه. ومن رسومه لوحات التنبؤات أو الضرائب القادمة بلوحات تعبيرية تصور جامعي الضرائب في أوضاع مختلفة ورسوم الأقزام المجسدة للعقلية التي تؤمن بالخرافات، وعلى يده تأسس الكاريكاتير الاجتماعي وتبلورت مضامينه ممهدة السبيل للكاريكاتير السياسي.
    "أول من استخدم الكاريكاتير الساخر في النقد هو الإنكليزي وليم هوغارت، الذي يعتبر مؤسس اتجاه النقد الاجتماعي في الفن وجسدت أعماله الظواهر السلبية في المجتمع مثل مهنة الدعارة والتبذير والانتخابات"
    وقد كان الفرنسيون أول من استخدم هذا الفن في القضايا السياسية نتيجة الصراع السياسي الحاد في نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وازدياد أعداد الصحف التي توظف الكاريكاتير في هذا الصراع وتعطيه صفة الديمومة. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر رسامون فرنسيون جدد مثل تولوز لوتريك ومنهم بيلو تيل الذي نفذ لوحة "مالك البيوت" أيام الثورة الفرنسية، وفي روسيا برز عدد لا بأس به من الفنانين الذين مارسوا فن الكاريكاتير مثل الكسندر أرلوفسكي الذي اشتهر بلوحة "نابليون على جزيرة القديسة هيلانة" والفنان الكسندر نتيفيسيانوف الذي تناول أيضًا حياة الفلاحين الروس مثل لوحتي "زاخاركا" و"على البرج".

    برزت في منتصف القرن التاسع عشر مجموعة من فناني الكاريكاتير الألمان نذكر منهم فيلهلم بوش الذي عالج قضايا اجتماعية ودينية على غرار: هيلينيا الورعة، أما كيتي كولويتس فقد صور أعمالًا تاريخية وسلسلة رسوم تصور انتفاضة عمال النسيج، أما بالولايات المتحدة الأميركية فقد ازدهر فن الكاريكاتير بشكل متسارع في المجالين الاجتماعي والسياسي خلال القرنين الثامن والتاسع عشر بسبب الأحداث العاصفة وبفضل الفنانين الأوروبيين المهاجرين إلى أميركا.

    وفي القرن العشرين دخل فن الكاريكاتير متجذرًا بثبات راسخ، له جمهوره وشعبيته وأتباعه من الفنانين والمريدين وازداد عدد الفنانين والصحف التي تنشر أعمالهم لدرجة صار من الصعب إحصاء أعدادهم المتزايدة.
يعمل...
X